• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل ظهر الوحي ليوسف النجار او لمريم العذراء ؟ .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

هل ظهر الوحي ليوسف النجار او لمريم العذراء ؟

قد لا تجد في طول المواقع المسيحية وعرضها موقعا يتكلم بموضوعية عن الآخر، خصوصا فيما يتعلق بالاسلام . فلا تكاد تجد موقعا مسيحيا يتكلم عن البوذية او الهندوسية او حتى مناقشة الالحاديين والعلمانيين وغيرهم ، وكأن هذا اعتراف ضمني من ان في الاسلام قوة تقلقهم وتربكهم ولذلك يعمدون إلى شن هذه الاكاذيب الكبيرة.  
ابتداء من مواقع كبرى تُنفق عليها مبالغ طائلة، وانتهاءا بما يقوم به رشيد المغربي هذا المسخ الذي لا يُجيد حتى التكلم باللغة العربية او كتابتها بصورة صحيحة. لا بل يعمد إلى بتر الآيات وقطع النصوص والتدليس والكذب والتوسل بكل بكل رذيلة من اجل جلب الاذى للاسلام والمسلمين وتشويه الصور الناصعة لهذا الدين.
 
  طبعا أن رشيد يزعم انه كان مسلما انسلخ عن الاسلام واعتنق المسيحية ، وهو لا يعلم أنه باسلوبه هذا يُنفّر الناس من دينه الجديد (المسيحية) حيث ان تعاليم يسوع في نشر رسالته أنقى واطهر مما يقوم به هؤلاء الممسوخين وهم حالهم حال بعض المنظمات الارهابية المنسلخة عن الاسلام حيث تقدم بسلوكها الهمجي الخاطئ صورة سلبية ضد الدين الذي يعتنقونه، فلا تكاد تجد بين كل من اعتنق دينا او فكرا او مذهبا لا يوجه سهام الحقد الغير مبرر إلى الاخرين مخالفا الطبيعة الفطرية للانسان ككائن عاقل في دعوته بالحسنى والرأفة واختيار افضل الاساليب في نشر الدعوة وخصوصا في الجوانب العاطفية التي هي بداية التسلل إلى عقول الاخرين للتأثير عليهم. 
 
يجب علينا ان ننتقد ما عند الاخر لا لهدمه وتسفيهه كما تفعل المواقع المشبوهة، بل لتقويم اخطاءه وعرضها امامه ليُجيب هو عليها وترك حرية الاختيار له في رفضها والتوجه لغيرها او القبول بما هو موجود عنده. وبذلك تكون قد القيت الحجة واديت الواجب الانساني المناط بك ككائن مفكر عاقل. وهذا ما دأبت عليه رسالتنا السمحاء وربها الذي عاتب نبيه قائلا: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) فترك الخيار لهم لكونه وهبهم عقولا يُفكرون بها ويختارون وبالتالي سيكون حسابهم وفق ما قرروه هم.
 
بعد هذه المقدمة الصغيرة نقول : أن العقل يحكم بأن الاناجيل الأربعة الحالية ليست مقدسة وليست وحيا ولا علاقة للسيد المسيح بها لا من بعيد ولا من قريب وهي تخالف العقل والمنطق وتمجها الاسماع وتنفر منها الطباع والسبب انها غير متجانسة على الاطلاق وركيكة وتفتقر إلى الموضوعية وكثيرا ما نراها تخلط بين المسميات فتنسب ما لهذا لذاك، ناهيك عن الفهاهة والركاكة ولكن على ما يبدو أن العالم المسيحي مضطر إلى القبول بها لانه لا بديل له عنها. ولقرون متمادية لم نسمع من أي كائن منهم تفسيرا منطقيا لما في هذه الكتب من اختلافات مريعة تكاد تهبط بها إلى مصاف كتب الاساطير والمقامات. 
 
موضوعنا اليوم عن قوله تعالى في القرآن الكريم في سورة مريم : ((فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا  قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا  قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا)). 
 
في هذه الآيات يتبين أن الوحي إنما جاء إلى مريم لكونها هي المعنية بالامر ، فلم نجد في اي آية ان الوحي نزل على غيرها وكذلك لم نجد في التفاسير من يقول بذلك. ولكن عندما راجعت النصوص في الكتب المقدسة الأربعة وجدت اشياء غريبة عجيبة لا ربط بينها على الاطلاق.
 
 ففي النص الأول يقول إنجيل متى في الاصحاح 1 : 18 . من أن الوحي إنما جاء في المنام إلى يوسف النجار خطيب مريم وأخبره بقصة حبل مريم كما نرى ذلك واضحا : 
 
((أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمهُ مخطوبة ليوسف  النجار، قبل ان يجتمعا وُجدت حبلى من الروح القدس. فيوسف رجُلها إذ كان بارا، ولم يشأ أن يُشهرها، أراد تخليتها سرا. ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس)).
 
إذن من هذا النص نفهم أن الوحي إنما ظهر ليوسف النجار خطيب مريم ، ولم يظهر لمريم، وأن يوسف النجار اخبر مريم بذلك وقرروا ان يخرجوا إلى مدينة أخرى خوفا من الفضيحة.
 
 ولكننا في نص آخر نقرأ أن الوحي ظهر لمريم وليس ليوسف النجار كما نرى ذلك واضحا في إنجيل لوقا 1 : 5 (( وفي الشهر السادس أرسل جبريل الملاكُ من الله .. إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمهُ يوسف. واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال : سلامٌ لك أيتها المُنعّمُ عليها! الرب معك مباركة انتِ من النساء ، فلما رأته  اضطربت من كلامه . فقال لها الملاك : لا تخافي يا مريم .. ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينهُ يسوع .. فقالت مريم للملاك : كيف يكون هذا وأنا لست أعرفُ رجلا؟ )). 
 
هذا النص تقريبا يتفق مع القرآن في بعض جزئياته ويشهد بالصحة على نفسه. ولكن هناك خلل في نهاية النص ، حيث ان  الكاتب لما رأى أن الملاك قال أن اسم المولود (يسوع) في حين أن  البشارة التي يزعمون انها وردت في التوراة تزعم أن هذا الصبي اسمه (عمانوئيل)، عمد كاتب النص إلى استعارة نص التوراة ووضعه في نهاية نص انجيل متى لتتطابق النبوءة كما نرى ذلك واضحا في سفر إشعياء 7: 14 (( اسمعوا يا بيت داود! ... يعطيكم السيدُ نفسهُ آية: ها العذراء تحبلُ وتلدُ ابناً وتدعو اسمهُ عمانوئيل. زبدا وعسلاً يأكل ، قبل ان يعرف الصبي ان يرفض الشر ويختار الخير، تُخلى الأرضُ التي أنت خاش من ملكيتها)).
 
والعبارة التي نقلها الكاتب لم يُغير فيها سوى أنه أضاف في آخرها تفسير معنى كلمة عمانوئيل فقال كما في إنجيل متى 1: 23 ((هوذا العذراء تحبلُ وتلدُ ابنا، ويدعون اسمهُ عمانوئيل الذي تفسيرهُ : الله معنا)).
 
ولكن الذي يُكذب هذا النص هو أن نص التوراة فيه اشياء لم تنطبق على ولادة السيد المسيح ولا على زمنه. ومنها أن الصبي المبشّر به يأكل زبدا وعسلا وأن هذا الصبي عندما يبلغ من العمر ثلاث سنوات ـــ  وسن 3 سنوات هو السن التي يميز فيها الصبي بين الخير والشر ــ ((تخلوا الأرض من اثنين من الملوك هما (فقح ورصين) .
 
 وهذا ما لم يحصل ابدا في حياة يسوع وإنما حصل في زمن إشعيا الذي وبخ آحاز على افعاله أي أكثر من ألف سنة قبل ولادة السيد المسيح. وقد مات الملكين فعلًا بعد 3 سنوات من ولادة (عمانوئيل)، فتغلث فلاسر قتل (رصين) وأخذ دمشق وهوشع بن إيلة هجم على الملك (فقح) وقتله بعد ولادة الصبي بثلاث سنوات تماما)).(1)
 
القديس كيرلس الكبير أيضا اكد ذلك فنسب ولادة (عمانوئيل) إلى تلك الفترة وليس إلى زمن السيد المسيح فيقول : ((أما بالنسبة لما تم في أيام آحاز فقد أعلن الله عن ميلاد ابن لإشعياء، قيل عنه: لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تْخلى الأرض التي أنت خاشِ من ملكيها.. تحقق ذلك بكل دقة إذ هاجم ملك أشور دمشق بعد إعلان هذه النبوة بفترة قصيرة وقُتل رَصِين  كما قَتَل هوشع بن إيلة فَقْح بن رمليا وملك عوضًا عنه)).(2)
 
إذن يتبين من كل ذلك أن النصو التوراتي الذي حشره (متى) في إنجيله لا اساس له من الصحة وهو استعارة في غير محلها اثبتت ان هذه الكتب من فعل بشري يُضيف وينسخ الكاتب ما يحلو له. 
 
ولا نعرف السبب الذي من اجله تجاهل (مرقس) في إنجيله خبر ولادة السيد المسيح مع أنه من ابرز احداث الكتاب المقدس، حيث تجاهله تماما. 
 
أما بالنسبة للوقا فإنه ذكر شيئا عن ولادة يسوع ولكنه انكر ان يكون يسوع هو عمانوئيل ، ولذلك حذف هذا النص فلم يورد له خبرا أيضا. 
 
وأما يوحنا فإن إنجيله يخلو تماما من النصين فقد حذفهما معا وتخلص من اشكالاتهما فهو لم يورد اي شيء عن ولادة يسوع المسيح ، وكذلك لم يذكر ابدا النص الذي يزعم ان يسوع مُبشّر به في التوراة وانه (عمانوئيل). 
 
ومن بين كل ذلك يبقى القرآن شاهدا على أن النص الذي اورده (لوقا) هو النص الصحيح. 
 
المصادر. 
1- راجع شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري، تفسير سفر اشعياء 7 .
 
2- راجع أيضا: تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب تفسير سفر اشعياء 7  خلاص آحَاز والخلاص المسيَاني.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51537
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19