• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ذات صيف في الموصل .
                          • الكاتب : هادي جلو مرعي .

ذات صيف في الموصل

في البوسنة، وذات صيف، وليس كما في تقرير إحدى القنوات الفضائية، بل كما في الواقع منتصف تسعينيات القرن الماضي حين كنا نتابع مايجري على المسلمين في سراييفو ومدن الجمهورية الصغيرة التي يتنازعها الصرب والكروات وأقلية مسلمة تعرضت للقمع والسجن والقتل والتهجير ببشاعة منقطعة النظير، قال الرجل لولده الصغير، لقد قتل جدك، ولكني لاأعرف من قتله ! كان يعرف من قتله لكنه كان يفكر في بناء شخصية مختلفة في ولده ولم يرد له أن ينجر الى مواجهة غير متكافئة، أو إنها مواجهة ستجعل ولده يعيش أرقا مزمنا يتواصل معه الى نهاية حياته، أو قد يجعل منه أسيرا للأحقاد ويكلفه مالايطيق، وربما سيترك دراسته وعائلته لينشغل بالحقد على من قتل جده ومئات آخرين من النساء والرجال والشيوخ كما في الشواهد على القبور التي تشير الى أعمار متقدمة وشابة إغتالتها يد الحقد. كان مواطنون يحملون الشموع بعد سنوات على تلك المجازر ويقفون عند سفح جبل قتل فيه مئات من الأبرياء وألقيت جثثهم في الأودية، وكان الناس ينثرون الورود ويبكون، كانت الحوادث شبيهة بمافعله الصهاينة بالعرب في فلسطين ولبنان ومصر، ومافعله داعش بأهل تلعفر وبشير وتوزخرماتو وسنجار ومافعله بالمسيحيين، كان هناك في البوسنة متطرفون مسيحيون يقتلون مسلمين عزل، في المقابل وذات صيف كان هناك مسلمون متطرفون يهجرون ويسلبون مسيحيين عزل.
 
ذات صيف في البوسنة يعلم المسلم الأعزل ولده أن لايحقد ولايبحث عن ثأر، ربما لأنه يعيش في بيئة قاسية لامسلمين كثر فيها ويخاف من ضياع مستقبل غير مضمون يبحث عنه لولده، وهل سيفعل ذلك عراقي يطرد من داره، ثم تنهب وتحرق ويترك في العراء يساعده البعض، وقد يشمتون به ويعيرونه على جبنه إنه لم يستطع مواجهة داعش وهي تنسف بيته وتسرق منه كل مايملك من مدخرات وأشياء ثمينة أفنى عمره بالحصول عليها؟ ليس واضحا ماإذا كان العراقيون مستعدين للتسامح والعفو عن الذين أساءوا لهم وفعلوا بهم تلك الجرائم المروعة التي يندى لها الجبين ويقشعر منها البدن، أم إنهم سيبحثون في الثأر وكيفية الوصول الى القتلة، خاصة لو شعروا إن السلطات والقانون لن يدركوا المجرمين، ولن يقدموهم للعدالة ويوفرون الحد الأدنى من الضمانات بمحاكمات تعيد الحق الى أهله، ولاتجعل من الضحايا مجرد أرقام منسية كما هو الحال مع كثير من الحوادث الماضية.
 
في العراق الأمور مختلفة والعذابات كثيرة غير منسجمة ومتراكمة، وربما يصعب تحديدها ونسبة الأذى الذي ألحقته بالناس خلال سنوات مواجهة عنيفة قتل فيها مواطنون أبرياء ودمرت ممتلكات وهجرت أسر الى مناطق غير المناطق التي عاشتها وترعرعت فيها، وليس ممكنا في مثل هذه الظروف أن نعرف ماإذا كانت الأمور ستحل بسهولة غير إن المؤكد هو إننا بحاجة الى التسامح ونبذ العنف، ومواجهة القتلة بالقانون والعدالة فقط.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51117
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28