• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إشكالية العلاقة ما بين المكلف والفقيه .
                          • الكاتب : حسن الهاشمي .

إشكالية العلاقة ما بين المكلف والفقيه

 تارة العلماني يعتقد بفصل الدين عن السياسة وقد يكون متدينا بينه وبين الله تعالى، بيد إنه لا يريد أن يتخذ من الدين ستارا للوصول إلى مآرب السياسة وتخندقاتها التي لها أول وليس لها آخر في اللف والدوران والخداع ما لا يمكن أن يتوافق يوما مع مبادئ الدين الحنيف بما هو معروف عنه من النزاهة والوضوح وقول الحق وتثبيت العدالة على الجميع دونما محاباة أو غمط أو تطاول على أي أحد مهما يكن صغيرا، فإنه طالما يعيش في النطاق الإسلامي فهو محفوظ الكرامة ومكفول الحرية ما دام يحترم القوانين السائدة ولم يتعد على حقوق الآخرين، وتارة أخرى يتهجم العلماني على الدين واصفا إياه بالتخلف وعالم الدين بالاستغلالي وعوام الناس بالجهل والانسياق الأعمى وراء رجال الدين!!.
كلامنا مع النمط الثاني من العلماني إذ نقول له إن المذهب الإمامي يعتقد إن الله تعالى لما منحنا قوة التفكير ووهب لنا العقل، أمرنا أن نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه، ونتدبر في حكمته وإتقان تدبيره بقوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.(فصلت: 53)، وقد ذم المقلدين لآبائهم بقوله تعالى: قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا.(البقرة:170).
فلا يصح أن يهمل الإنسان نفسه في الأمور الاعتقادية أو يتكل  على تقليد العلماء، بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص ويتأمل ويتدبر في أصول اعتقاداته المسماة بأصول الدين وهي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، ومن قلد آباءه أو نحوهم في اعتقاد هذه الأصول فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط المستقيم ولا يكون معذورا أبدا.
أما فروع الدين وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال فلا يجب فيها النظر والاجتهاد، بل يجب فيها – إذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع كوجوب الصلاة والصوم والزكاة – أحد أمور ثلاثة: إما أن يجتهد وينظر في أدلة الأحكام إذا كان أهلا لذلك، وإما أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الإحتياط، وإما أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط بأن يكون من يقلده عاقلا عادلا صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه، وهذا هو التخصص بعينه مثلما يرجع المريض إلى الطبيب في مرضه ويرجع من يريد بناء بيت إلى المهندس، فالمكلف عندما يواجه المشاكل في عباداته ومعاملاته وإيقاعاته يرجع فيها إلى المجتهد الجامع للشرائط ، لماذا إذن لا يعاب على الطبيب ومراجعيه ولا على المهندس ومستشيره ولكن السهام نراها موجهة من قبل ذلك الصنف من العلماني تخترق حجب علاقة المكلف بالفقيه فقط، وهذا ما يستبطن الكثير من الأسئلة مع إن المسألة طبيعية وموافقة للمرتكزات العقلية؟؟!!.
نعتقد أن الاجتهاد في الأحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصور غيبة الإمام، بمعنى أنه يجب على كل مسلم في كل عصر، ولكن إذا نهض به من به الغنى والكفاية سقط عن باقي المسلمين، ويكتفون بمن تصدى لتحصيله وحصل على رتبة الاجتهاد وهو جامع للشرائط فيقلدونه ويرجعون إليه في فروع دينهم، مثلما هو حاصل في بقية التخصصات في حياتنا اليومية لتستمر الحياة بهذه الشاكلة التكاملية، والاجتهاد هو النظر في الأدلة الشرعية لتحصيل معرفة الأحكام الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين، وهي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والأحوال: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، والأدلة الشرعية هي الكتاب الكريم والسنة والإجماع والعقل على التفصيل المذكور في كتب أصول الفقه.
ولكي نبتعد عن الهرج والمرج والفوضى لابد من المجتمع من نظام ورئيس برا كان أم فاجرا، وبطبيعة الحال إن الحاكم العادل هو أقرب من تحقيق العدل وانصاف الناس والقضايا من الحاكم الفاجر، حيث إن الحاكم العادل يعمل وفقا للضوابط الشرعية والعقلية ولا يخاف في ذلك لومة لائم بخلاف الفاجر فإن المحسوبية والولاء المطلق للزعيم وحزبه وتبرير واستساغة ظلمه وفساده وكل ما يدعم حكمه الفاسد هو المناط في الأحكام التي يصدرها، وترى إن أغلبها فيها من الظلم القبيح أو الكفر الصريح ما يزكم الأنوف ويكاد أن يذهب بالعقول، وهكذا إذا خير الإنسان بأن يحتكم عند السلطان العادل وإن لم يجلس على كرسي الحكم، وبين السلطان الظالم وهو متربع على الحكم والصولجان فإن اللبيب من يختار العادل على الفاجر صونا للحقوق وحفظا للعدالة حتى لو جاء الحكم مغايرا لما يتمناه، لأن العدالة مطلوبة على كل حال وإنها مطابقة للفطرة الإنسانية السليمة التي تتناغم دائما وأبدا مع العقل السليم. 
وخطابي هذا موجه للعلماني من الصنف الثاني ومن يتأثر بقوله، إنه إذا شاهدتم أمورا - في غير ما ذكرنا من تنظيم علاقة الفقيه بالمكلف وفقا لما تعاضد عليه النقل والعقل- من تجييش أو تسويق أو استغلال فإن ثمة خلل إما في المكلف أو في مدعي الاجتهاد أو في كلاهما، وتلك أمور شاذة موجودة في سائر متطلبات الحياة، فلماذا نجد لها تبريرا في الطب والاقتصاد والسياسة والهندسة...الخ ونطلقها على عواهنها عندما تصل النوبة إلى علاقة الفرد بالدين وعلمائه، غير ما أشرنا من أنها غاية في نفس يعقوب!!!.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5094
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18