• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النظام الـعلمانـي .. هو الـحل ..! .
                          • الكاتب : هيـثم القيـّم .

النظام الـعلمانـي .. هو الـحل ..!

يــُستفـَـز الكثير من المسلمين المُـتـزمـتين عند سماع مـفردة ( العـَـلمانية ) ، و يستنفرون أجهزتهم الدفاعية و الهجومـية عندما يجري النقاش و الحوار بشأنها .. مُـستندين في هذا الموقف الى عاملـين : الأول هو الصورة المترسبة في أذهانهم أو الـتي يرونها عن الدول العلمانية .. من الأنفتاح و الحرية و الأباحـية .. بالطبع يتغافـلون عن باقي الفضائل و الميّـزات ..! و الثاني هو حملات التخويف و التـنـفير التي يشنـّها شيوخ المنابر و خطباء التهريج و العديد من المواقع الألكترونية و القنوات الفضائية الموجـّـهة .. من العلمانية و شرورها .. و جُـلّ تركيزهم يكون على الجانب الجنسي و جانب الـعـُري ..!
دون أن يـُـكـلـّف أحدهم نفسهُ عناء البحث و التقـصـّي و فهم العلمانية بعقل مفتوح و فهم أيجابياتها و سلبياتها كما هـي ..!
النظام الـعلماني أساساً هو ليس عـقيدة تـتنافس مع الـدين لأقصاءهِ و الحلول محلـّهِ .. العلمانية هي أسلوب حياة أو نظام حياة يضمّ تحت جناحـه كل الأديان و المذاهب و كل الأعراق و المِلل ..!
النظام العلماني يفصل ما بين الـشأن الـعام و الـشأن الخاص ... الشأن العام من أختصاص النظام أو الحكومـة ، و الشأن الخاص من أختصاص الـفرد .. بمعنى أن الحكومة توفـّر الأمن و الخدمات و التعليم و الصحة و القانون و الحرية للجميع بالتساوي .. للمسلم و المسيحي و الصابئي و اليهودي وألأيزيدي و للعربي و الكردي و التركماني ، و توفـّر هذا الأمـن و الخدمات للجامع و الكنيسة و الدير و المدرسة و الملـهى و المسرح و الجامعة و البار على حدّ سواء ..! و تحمي حـرّية الجميع في خياراتهم الدينية و المذهبية .. أو اللادينية و الألحادية معاً ...!
الشأن الخاص هو حريتك و حرية عائلتك الشخصية في أعتناق ما تشاء و في أن تــُمارس طقوسك الدينية كما تشاء ، و أن تلبس ما تشاء .. و تــُـصـلـّي كما تشاء ... كل ذلك تحت حماية سلطة القانون .. بشرط أن لا تأكل حـريـّـتكَ هذه من جرف حريات الآخــرين .. ولا تــفرض مـُـعتقداتك و أفكارك على الآخــرين قسراً أو عــنوةً ..!
هذا يعنـي أن لا تكون الدولـة ملـوّنة بلون ديني محدّد ولا بلون عـِرقـي مُـحدّد .. بعبارة أخرى لا تسير على منهج ديني معـيّن يستتبع بالضرورة أن تكون على منهج طائفي معيـّن .. و هذا سيؤدّي حتماً الى التعارض و الأصطدام بمناهج الأديان و الطوائف الأخرى ..!
و هنا تضمن الدولة العلمانية المساواة الكلية بين كل المُـتديـّـنين بمختلف مذاهبهم ، واللامتدينين والملحدين أيضاً. تدافع عن حريتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم (حريّــــة الضمير) وتحترمها و تحميها بحق و بقوة الـقانون ...!
و لعلّ أحّد أبرز ما حققه مفهوم العلمانية على الصعيد الحضاري و على صعيد السلم الأهلي و المجـتمعـي هو انهاء الصراعات والإضطهاد الطائفي والحروب الدينية في الدول التي ترسَّخَ فيها هذا المفهوم ، فعلى سبيل المثال نـتذكُّر الخلافات الصدامية بين البروتستانتية والكاثوليكية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، والحروب الدينية الطاحنة التي سبقت عصر العلمانية ..! صارت هذه الحروب والصراعات مستحيلةً اليوم في المجتمعات العلمانية بفضل المساواة المطلقة بين الجميع ..!
في النظام الـعلماني لا أحـد يجبرك على اعتـناق دين معيـّن أو مذهب معيـّن أو فكـر معيـّن .. ولا أحــد يـُجبرك على أرتداء ملابس معينة أو نـزع ملابس معينة ..!! هناك مئات الآلاف من العوائل المسلمة التي تعيش في دول علمانـية لم تتخـلـّى عن دينها ولا عن ملبسها ولا عن تقاليدها ..! 
لابد أن نـُشير الى مسألة هامـة أن تطبيقات العلمانـية تختلف و تتـكيـّـف وفق طبيعة الدول و المجتمعات .. و حتى بين الدول الأروربية هناك تباين في بعض التطبيقات بين دولـة و أخرى ... و هذا يـُرشدنا الى أن ليس علـينا أن نستنسخ تجربـة علمانية من ألمانيا أو أمريكا مثلاً ، لنــُطـبّـقها على مُجتمـعـنا  حرفـياً .. هي نظام مـرن يمكن صياغـتهُ و تكـيّيفـهُ وفق سياقاتنا الأجتماعية و الثقافـية ..!
خلاصــة الأمـر نقول للمـســلمين المُـتزمـّـتين أن الـعلمانية هـي وسيلة مُـتحـضـّرة لتنظيم الحياة .. و في نفس الـوقت تـضع لك حلاً لـمأزق عقائـدي و حياتي ، ذلك هو الصراع الداخـلي و أحياناً التناقض ، بين مُـتطلبات الحياة .. و مـتطلبات الآخـرة ..!
أغـلب الأحيان أن تـفكير المـسلم المتزمت يدفعـهُ لتسخير و تـجييّـر مُـتطلبات الحياة الدنيا لـحساب الـفوز بمكاسب الآخـرة ..! و بالتالي فهو مُستعد لأن يسحق حياتهُ الدنيوية و يتحـمّل الحرمان و الـعوز و الظلم و الـقـهر و الـذل و العذابات ، على أمـل نيـل منافع الآخـرة ..! 
النظام العَـلماني يُـوفـّر الـفرصة لكي تنال الأثنين ... حياتك الدنيوية .. و حياتك الأخروية .. أن تعيش بكرامة و سلام و سعادة و حرية .. تعمل و تــُـنتج و تـُسعد نفسك و الآخـرين  و تكون حياتك مُـثمـرة .. و في نفس الوقت تمارس حريتك الدينية و طقوسك التعبـّـديـة و تــُرضي ربـّـك .. و بذلك تــربح الـدنيا و الآخــرة مـعاً ...!! 
 
haitham52@aol.com 
مستشار أعلامـي / دار التضامن للصحافـة و النشر 
مستشار ثقـافـي / منظـمة دار السلام لـحقوق الأنسان 
كاتـب صـحفـي 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=50048
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28