• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : موسى كوسا بين المملوك جابر و رودلف هس .
                          • الكاتب : ليلى أحمد الهوني .

موسى كوسا بين المملوك جابر و رودلف هس

قبل البدء في كتابة مقالتي هذه أود الأعتذار منكم، لأني ربما سأخذ قليلا من وقتكم الثمين، لكي أسرد لكم مختصر لقصتين، أولها عن مسرحية بعنوان (مغامرة رأس المملوك جابر) للكاتب السوري – رحمه الله – سعد الله ونوس، أما الثانية فهي حادثة واقعية تمت مع نائب هتلر وأحد المقربين منه يدعى رودلف هس. إذ لعلي بهاتين القصتين أستطيع ايصال ما أريد ايصاله لكم، من مخاوف شخصية  عن كل ما يحدث حول القضية الليبية مؤخراً.
مختصر مغامرة رأس المملوك جابر
.. يتابع الراوي حديثه عن قصر الوزير العبدلي والحركة المستمرة فيه حيث يرسل مملوكه ياسر ليتجسس له على ما يجري في الخارج فيخبره بأن الخليفة لم ينم طيلة الليل وان الجنود يسدون منافذ بغداد ويفتشون الناس مخافة تسرب رسالة ما من الوزير ويتلقف جابر هذا الخبر وتداعب مخيلته كلام المملوك ياسر عن مكافأة مجزية يدفعها الوزير لكل من يحمل رسالته فيصمم على القيام بهذه المهمة ويبيت برأسه شيئا ما وهكذا يتجه إلى ديوان الوزير طالبا الأذن بالدخول وبعد إلحاح جابر يأذن له الوزير بالدخول حيث يعرض عليه جابر أن يخرج برسالة الوزير مقابل بعض المنح التي يطلبها جابر لنفسه ومنها موافقة الوزير على زواج جابر من زمردة خادمة شمس النهار زوجة الوزير فيعده الوزير بتلبية رغباته وهكذا يشرح جابر خطته عن كيفية نقل الرسالة : " ننادي الحلاق فيحلق شعري وعندما يصبح جلد ارأس ناعما كخد جارية جميلة يكتب سيدنا الوزير رسالته عليه ثم ننتظر حتى ينمو الشعر ويطول فأخرج من بغداد بسلام " فأعجب الوزير بهذه الخطة وعجل بتنفيذها على الفور ثم أمر جابر بالمكوث في غرفة مظلمة منعزلة حتى لا يراه أحد بانتظار ان ينبت الشعر على رأسه كما طلب من جابر أن يضع كوفية على رأسه إمعانا في السرية وهكذا وضعه في غرفة مظلمة وأقام عليها أحد الحراس. وبعد فترة طال شعر المملوك جابر وأصبح مهيئا لنقل الرسالة وهكذا أفصح له الوزير عن الوجهة التي يتعين عليه قصدها إنها بلاد العجم ، غادر جابر القصر محفوفا بعناق الوزير الذي طلب من بعض المماليك مرافقة جابر إلى باب المدينة للتأكد من خروجه وساد القلق حتى عاد المماليك يحملون البشارة : " لقد خرج ". كان جابر يقطع الفيافي قاصدا بلاد العجم فرحا بما يحمله . وأخيرا وصل جابر إلى بلاد العجم واتجه إلى قصر الملك مباشرة ليسلمه الرسالة كما طلب الوزير وخرج ابن الملك في طلب الموس بعد ان أخبره جابر بمكان وجود الرسالة وبيد يعجلها الفضول حلق لجابر شعر رأسه حيث قرأ الملك الرسالة ثم أعاد قراءتها ثانية وهمس لابنه بكلمات لم يسمعها أحد فخرج مرة ثانية من الديوان وبعد قليل عاد ابن الملك وبرفقته رجل ضخم الجثة حيث يطلب منه الملك بخبث أن يقود جابر إلى بغداد فيعمد الرجل الضخم إلى جر جابر بقوة ويخرجه من الديوان . ويطلب الملك من ابنه هلاوون الاستعداد لدك بغداد طالبا منه الحفاظ على سرية الموضوع وعدم إخبار أحد بالأمر والتجهز للانطلاق فجرا فيسأله ابنه حول ما إذا كان من الممكن الاعتماد على الوزير ورجاله في هذا الأمر فيجيبه الملك : " سيكونون كالكلاب يلعقون أحذيتنا ويطلبون مرضاتنا أسوار بغداد عاتية يا بني وإذا لم أضمن هدمها من الداخل لا ارمي بجيشي إليها يهلك وهو يناطح حجارتها ". أما جابر فتم اقتياده إلى غرفة مظلمة مليئة بالسلاسل حيث أودعه الرجل الضخم فيها وانصرف جابر إلى الثرثرة لتبديد مخاوفه بينما كان الرجل منشغلا بسن بلطة هوى فيها أخيرا على رأس جابر وقطعه حيث يتضح فيما بعد مضمون الرسالة إذ أن الوزير أخبر ملك العجم بخطته " لفتح " بغداد طالبا منه قتل المملوك جابر كي يبقى الأمر سرا ولا ينفضح.
أما القصة الثانية فهي وكما ذكرت لكم حادثة واقعية
رودلف هس.. ولد بالإسكندرية، مصر انتقلت عائلته من مصر إلى ألمانيا في العام 1908 في الحرب العالمية الأولى تطوع في الفرقة البافارية المدفعية السابعة وأصبح جندي مشاة وتم منحه الصليب الحديدي من الدرجة الثانية ثم انتقل للخدمة بالقوات الجوية الإمبراطورية كملازم، بعد الحرب درس العلوم السياسية، الاقتصاد والتاريخ في جامعة ميونخ. بعد سماع خطبة هتلر في عام 1922 أصبح مخلصاً تماما لخدمته. شارك مع هتلر في محاولة الانقلاب الفاشله ضد ولاية بافاريا وعند فشل محاولة الانقلاب هرب وبعد الحكم على هتلر وشركائه بالسجن لمده عام عاد وسلم نفسه وسجن مع هتلر. بعد خدمة سبعة شهور ونصف في سجن لاندزبرغ أصبح سكرتير هتلر الخاص وهو الذي حرر كتاب هتلر كفاحي وأخيراً أصبح نائب هتلر في الحزب النازي وثالث قائد لألمانيا بعد هتلر وهيرمان غورينغ. كان هس منزعجاً من الحرب مع بريطانيا وكان يتمنى ان يحرز نصراً ديبلوماسياً ساحقاً بتحقيق معاهدة سلام مع بريطانيا لتتفرغ ألمانيا لقتال الإتحاد السوفييتي. طار هس في مايو 1941 إلى بريطانيا لمقابلة دوق براندون وهاميلتون. في العاشر من مايو قفز هس بالمظلة من طائرة تابعة لسلاح الجو الألمانى فوق بريطانيا وهبط بسلام (مع انه كسر كاحله). تم اعتقاله من قبل البريطانيين بسرعه، رغم أن كيفية حدوث ذلك يظل غامضا إلى الآن . أمر هتلر باعتقال كل موظفي هس ونشر نائبه قد أصابه الجنون وأنه قد تصرف من نفسه وعندما وصل الخبر لهس قال أن هذه قصه معدة مسبقاً كتغطية دبلوماسية للحدث, وذلك بسبب طرح مشروع السلام على بريطانيا بعد سفر هيس بأسبوعين أو ثلاثة ولكن يبدو أن هتلر لم يرد أن يعترف بذلك لكي يحاول مرة أخرى في طرح السلام. تم اعتقال هس بواسطة السلطات البريطانيه وبعد الحرب تمت محاكمته والحكم عليه بالسجن مدى الحياة وقد خفف عنه حكم الإعدام إلى هذا الحكم لأنه اعتبر غير متوازن المدارك العقلية، وكانت كلماته الوحيدة أثناء المحاكمة أنا لست نادما. في 17 أغسطس 1987 وجد هس مشنوقاً بسلك كهربائي في سجنه في برلين الغربيه وتم اعتبار الحادث انتحارا(*)
***
ليست من عادتي في كتابة مقالاتي التطرق إلى الأشخاص بعينهم، إذ أنني ومنذ أول يوم بدأت الكتابة فيه حول الشأن الليبي والقضية الليبية بصفة عامة، كنت دائما أركز في كتاباتي على شخص معمر القذافي أو أحد من أبنائه، الذين أدرك جيدا أنهم هم رأس البلاء وسبب الفساد في حكم البلاد وفي تدمير العباد.
وبما أن ليبيا اليوم بعد ثورة السابع عشر من فبراير قد تشاعبت فيها الكثير من الأمور، ونحن نسمع بأنضمام "زعيط" وتوبة "امعيط"، و أبواب السماح والمغفرة (بسم الله ماشاءالله) مازالت مفتوحة على مصرعيها من قبل الجميع (اسم النبي حرصهم) وللجميع بدون استثناء (الله لا تسامحهم)، وبالطبع كل هذا يحدث ويقبل عن مضض، بحجة من باب الحرص على استمرار نجاح الثورة، وكأن ثورتنا المباركة التي راح ضحيتها الآلآف من رجالنا الليبيين، لن يكتب لها النجاح المطلوب إلا إذا رضى عليها فلان أو أنضم إليها علان، وكأن دم الشهداء الذي تعهد له الجميع ما يمشيش هباء، بأنه سيمشي هباء في حال لم ننال قبول و رضاء السادة المنضمين والمتعاطفين مع الثورة، متناسين بأنهم هم أنفسهم من كانوا بالأمس القريب جنود القذافي ومعاونيه ومناصريه وأزلامه، وهم أنفسهم من كانوا يصفون أي معارض للمجرم معمر القذافي بالكلب الضال.
 والأسوأ من هذا كله، (يا ويله ويا سواد ليله) إذا قام أحدا منا اليوم بنقد أفعالهم وما كانوا يقومون به بالأمس، أو أن نقول ولو كلمة واحدة ضدهم، أو أن نقوم بتذكير الشعب الليبي بجرائمهم، وبأنهم هم الأيدي المساعدة على التخريب وكل ما قام به القذافي من دمار لليبيا ولشعبها، وكما ذكرت لكم، فإذا نطق أي شخص منا حرفا واحدا عن هؤلاء، فهو حتما سيتعرض لأحدى "الحسنيين"، أما أن يوصف بالعميل والمشوش على الثورة، أو بالجاسوس والخلية النائمة، وهذا المصطلح الأخير صار (الموضة) الأكثر انتشارا هذه الأيام، يالا هول ما نسمع وما نرى!؟
  كل هذا يحدث معنا يا سادة ونحن مازلنا في هذا الوقت، حتى قبل أن تستقر أحوال الليبيون، ويوضع حدا لما نعانون من جراء القذافي وعصابته، وما نرأه منهم من هم ومن تفاقم غير محدود للحزن والغم، وحتى قبل أن يتحقق لشعبنا الليبي حقن شلالات الدم.
من هنا فقد رأيت أن من واجبي اليوم أن أنبه كل ليبي وطني غيور، حريصا حقاً على ليبيا وعلى شعبها الصبور، ويحب ليبيا بتفاني وبإخلاص لا لمصلحة أو لغاية في نفسه، يحبها ليبيا لأنها الوطن ولأنها بلد الجد ومنبث الأصل، إذ يجب على الجميع أن ينتبهوا تماما لما يحدث، وأخذ كل الحيطة والحذر مما يحاك ضدهم من قبل القذافي وبعض أزلامه، المدعيين بأنهم قد تابوا وعادوا إلى رشدهم.
نحن لا نرفض توبة المقربين من القذافي وانشقاقهم عنه في هذه الأوقات، ولا أظن بأن هناك عاقل في هذه الدنيا يرفض هذا الأمر، ولكن ما يهمنا هو العمل ثم العمل، لا نستطيع أن ننسى أو ننكر مواقف رجال كانت لديهم مناصب مهمة في نظام القذافي، ولكنهم أثبتوا بسرعة فائقة تفانيهم للشعب، وكانوا السباقين في انضمامهم لثورة الشباب في السابع عشر من فبراير المجيدة، فهؤلاء حقا أفعالهم سبقت اقوالهم، ولكن أنضمام موسى كوسا رجل القذافي أو كما يسميه القذافي نفسه يده اليمنى اليوم، ووصوله فجأة إلى لندن وعدم توضيح موقفه من الثورة الليبية بصورة علنية وواضحة أمام الجميع إلى هذه اللحظة، ثم إنتشار عدة أمور خفية، لم نسمع بها فيما سبق، كتسريب بعض الصحف البريطانية بأنه كان عميل مزدوج ما عميل مزدوج، ثم رفض الداخلية البريطانية منحه اللجوء السياسي وما وراء هذا الموضوع من أسباب خفية دفعتها لأتخاذ هذا الموقف، ثم الإفراج عن حسابه وأرصدته (أموال الشعب الليبي) المجمدة في واشنطن وبهذه السرعة، كل هذا يحدث والغموض مازال يلف هذه الشخصية الغريبة، ثم خروجه يوم الأحد على شاشات محطة بي بي سي، وتصريحاته التي تحومها الكثير والكثير من الشكوك، ومحاولته أثناء المقابلة نفسها بايهام العالم بأن ليبيا على ابواب حرب أهلية، أي وكما جاءت على لسانه "صوملة" ليبيا، وهذا الكلام كنا قد سمعناه منذ الأيام الأولى لثورة السابع عشر من فبراير من القذافي نفسه، وكان قد هددنا به القذافي أمام الجميع (عيني عينك)، وكأن السيد موسى كوسا أراد بكلامه هذا أن يؤكد على ما قاله القذافي في خطابه تلك، ولا أستبعد البتة بأن يقوم السيد كوسا في القريب بانتهاز أول لقاء جديد له مع أحد الفضائيات، ويدعي بأن القاعدة موجودة بالفعل في ليبيا، وأن ثوار ليبيا ورجالها الشرفاء يتعاطون حبوب الهلوسة أو أنهم مجرد جرذان، حتى تكتمل الخلطة وتستوي على آخرها، لتقديمها للناقمين على ثورة السابع عشر من فبراير والحاقدين عليها، على طبق من ذهب عيار 24.
ولا ننسى آخر الأخبار التي نسمعها اليوم الثلاثاء 12 ابريل 2011م، بأن السيد كوسا قد توجه للدوحة في عشية انعقاد المجلس الوطني الانتقالي اجتماعه الثاني، مع عدد من المسؤولين في دولة قطر مع بعض الشخصيات السياسية الليبية والعربية والأجنبية.
هذه هي مخاوفي جراء ما يحدث هذه الأيام، وهذا ما أردت توصيله للقارئ الكريم، ففي الوقت الذي أخشى فيه أن يكون القذافي وراء خروج السيد موسى كوسا والسيد كوسا على دراية تامة بهذا الأمر، وهو يقوم بهذه المهمة من باب الاستمرار في الاخلاص للقذافي، أو كنوع من تلبية فروض الولاء والطاعة للطاغية معمر القذافي وعائلته، لكي يكون حلقة الوصل (السرية) بين القذافي والغرب، أو ربما ليتمكن بطريقة ما للحصول على ثقة الثوار (من قادة المجلس الوطني الانتقالي) بمنحه منصبا مهما بينهم، فأني في ذات الوقت وحتى أكون أكثر وضوحا وواقعية، أخشى أن يكون السيد كوسا نفسه، ضحية للعبة سخيفة ما ورطه فيها القذافي، والمستفيدين الوحيدين منها هما القذافي وعائلته.
كل ما سبق لي من تعبير عن مخاوف مختلفة وكثيرة، لن تمثل شيء أمام مخاوفي الحقيقية والكبيرة على شعبنا الليبي، وأكثر ما يشغلني منها حقا هو ما سيواجهه هذا الشعب، وما سيلاقيه من مصاعب وحالات من الغدر والخيانة له ولثورته، إذا تم التلاعب به وبمصيره أو بيع واسترخاص دم وأرواح شهداءه، على يد بعض الخونة المدعيين انشقاقهم عن نظام المجرم القذافي، بعد أن كانوا لا يفارقونه ولا يستطيعون الأبتعاد عنه وعن خدمته لحظة واحدة.
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المعلومات عن ويكيبيديا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=4951
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28