• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأكراد وفذلكة فرض الأمر الواقع .
                          • الكاتب : د . نعمة العبادي .

الأكراد وفذلكة فرض الأمر الواقع

مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات
يبرع الأكراد في المقاربات التي يقدمونها للمشكلات والتحديات التي تواجههم في الداخل الكردي أو تلك التي مع غيرهم ،سواء في الداخل العراقي أم في الخارج.فالصيغة التصالحية التي إستطاعت أن تتجاوز جروح الحرب الكردية-الكردية بين الحزب الديمقراطي والإتحاد الجمهوري ،والتي أرتقت إلى مستوى تحالف إستراتيجي يدير من خلاله اللندان صراعهما مع الآخرين ،تكشف عن قدرة ومهارة كبيرة في مجال تجاوز الأزمات وبناء التحالفات المنتجة.
بلورة المصلحة القومية الكردية في رؤية واضحة قابلة للفهم والتصديق والإعتناق من قبل جميع الأكراد على مختلف خلفياتهم وتعدد رؤاهم الفكرية والسياسية ،حالة مكنت الكرد من التوحد في معركتهم مع المركز ،وأعطتهم زخما كبيرا مكنهم من جني مكاسب فوق مستوى أحلامهم.كما أن منهجية "فرض الأمر الواقع" التي برع بها الإسرائليون أثناء إدارتهم للصراع مع العرب،أجادها الأكراد على أتم وجه ،فكثيرا ما أستغلوا فرصة هنا أو هناك من أجل خلق واقع لم يكن ليتم في غير تلك الفرصة أن يتحقق ،ثم أستمروا بالدفاع عن ذلك الواقع وفرضه خصوصا في لحظات ضعف الخصم ،حتى وصل (أي الواقع) إلى مرحلة يتعايش معه الآخرون وكأنه قدرا لا مفر منه.
يدرك الأكراد جيدا أن "التوحد حول القومية ومستحقاتها" لن يكفي في بناء كيان قوي قادر على الوقوف بوجه التحديات ،كما أنهم أدركوا عمليا أن عنصر الجذب في تجربتهم تمثل في مظاهر الرخاء والتطور والبناء الذي حققته محافظات كردستان وخصوصا في أربيل.
هذا الوعي بأهمية الجانب الإقتصادي مدعوما بحلم قديم جديد يتمثل بالإستقلال بالتصرف بالثروات الطبيعية الغنية الموجودة في أرضهم ،جعل الأكراد يناضلون من أجل غطاء قانوني يسوغ لهم التصرف بالثروات الطبيعية وخصوصا النفط ،وأن هذا الصراخ العالي من أجل ضم كركوك إلى الأقليم ليس بسبب قدسية كركوك في نظر الأكراد كما يروجون له ،بل للأهمية الإقتصادية لكركوك وحجم الاحتياطي الذي يستقر في أرضها.
ولما لم يتوفر الغطاء القانوني على المقاس الكردي فضلوا اللجوء إلى آلية فرض الأمر الواقع من خلال البدء بعملية تصدير النفط إلى تركيا ،التي وافقت من جانبها وقامت بتصدير هذا النفط إلى أوربا ،وأعلنت في تلميح عال النبرة أن نفط كردستان كاف للإحتياج التركي لمدة (200) عام ،والذي يعني أننا يمكننا أن نستغني عن النفط العراق بحصة المحافظات الكردية وبشروطنا المريحة.
وفي إطار براعة الأكراد في إدارة أزماتهم ،زار السيد مسعود البارزاني الفاتيكان بشكل مفاجيء ،وهي زيارة تجري للمرة الأولى وخارج سياق توجهات الأكراد أصلا ،فالإستقواء الكردي في المرات السابقة كان بالظهير الأمريكي إلا أن التصريحات الأمريكية بشأن عدم شرعية تصدير النفط من قبل الأكراد ووضوح الرؤية الأمريكية تجاه هذا الخطوة ،جعل الأكراد منزعجين من الموقف الأمريكي ،وهكذا بحثوا في خطوة إستباقية ذكية عن نصير آخر.
الحكومة العراقية قدمت شكوى إلى غرفة التجارة الدولية في باريس من أجل التحكيم في قانونية قبول تركيا بتصدير النفط القادم من العراق من دون موافقة الحكومة العراقية ووزارة النفط ،والبارزاني ذهب إلى الفاتيكان الذي يتبعه أغلب العالم المسيحي وخصوصا في أوربا ،ليقول لهم أننا نؤي (30) ألف مسيحي ،سواء ممن هم من سكنة كردستان أصلا أو ممن تم إستقطابهم من مسيحي الموصل عبر تجميعهم في سهل نينوى "في خطوة تحوم حولها الكثير من الشبهات" أو الذين هاجروا من بغداد والمحافظات الأخرى بسبب العنف الطائفي والتفجيرات وظروف الحياة الصعبة.
البارزاني أخبر أوربا (التي من المفترض أن تحكم في الخصومة العراقية/الكردية/التركية) من خلال الفاتيكان أننا نقدم فرصة الأمان والعيش الكريم لأبنائكم ونحميهم من العنف والقتل ونمكنهم من أداء طقوسهم على أتم وجه بخلاف ما يتعرضون له في مناطق العراق الأخرى ،وأن ديمومة كيان كردستان وقوته ورخاءه الإقتصادي سبب ضروري لدوام تلك الحال للمسيحيين ،وأن الحكومة المركزية في بغداد تحاصر الأكراد ولا تعطيهم مستحقاتهم المالية وتحاول لي ذراعهم سياسيا عبر الضغط الإقتصادي ،لذلك ينبغي عليك يا أوربا بخلاف ما فعلت أمريكا أن تقفين إلى جانب الأكراد في هذه القضية المصيرية ،والتي حلم بها الأكراد من عشرات السنين ولم تتحقق لهم في أي حكومة (أي إستقلالهم ببيع نفط كردستان دون الرجوع إلى وزارة النفط العراقية).
لا بد لنا ونحن نتابع ونقرأ مفردات هذه الخطوة الكردية أن نتحسب للواقع المهم الذي تريد أن تؤسس له عبر فرض قائم على أساس القوة والإستقواء بالظهير المسيحي الأوربي هذه المرة.
في الوقت الذي نؤكد أن النفط العراقي ملك لجميع العراقيين والأكراد جزء من الشعب العراقي (إن أحبوا ذلك ) وأن هذا النفط لا بد أن يصل خيره إلى الجميع بالتساوي ،ونؤيد ضرورة الوصول إلى تشريع مناسب ينظم العلاقة بين الأقليم والمركز فيما يتعلق بإدارة الثروات الطبيعية ،وفي الوقت الذي نثني على الحنكة الكردية في منهج الحصول على مراداتهم دون أن يكون هذا الثناء إمضاء لمشروعية أو قيمية الوسائل والأساليب المتبعة ،ننبه إلى خطورة فذلكة إقرار الأمر الواقع خصوصا فيما يتعلق بالقضية المنظورة وهي تصدير النفط بإستقلالية من قبل الأكراد ،كما ندق جرس الإنذار أمام من يتسلم إدارة العراق في المرحلة المقبلة من أجل أن يجري قفزة نوعية وتغيير جوهري في سياستنا الخارجي ومنهج إدارة أزماتنا في الخارج ،وكذلك التأكد من إخلاص القائمين على تنفيذ هذه السياسة للمصلحة العراقية الكبرى.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=46805
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29