• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح203 سورة الكهف الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح203 سورة الكهف الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً{45}

الآية الكريمة تضرب مثلا اخر ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ ) , وهذا المثل عن الحياة الدنيا , في بهجتها وجمالها ( كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) , المطر , ( فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ) , بسبب نزول الماء نمت نباتات الارض , واصبحت كثيفة متشابكة , ( فَأَصْبَحَ هَشِيماً ) , مكسرا , (  تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ) , تنثره وتفرقه , حتى صار كأنه لم يكن , ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً ) ,  يؤكد النص المبارك ان الله تعالى قادر مقتدر على كل شيء .   

 

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً{46} 

بينت الآية الكريمة امرين : 

1- ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) : يبين النص المبارك ان الاموال بكافة انواعها وكذلك الاولاد هما مما يتزين به المرء في الدنيا , ويلاحظ فيه اشارة اضمرت تدل على وقوع الفناء عليهما , يؤكدها النص المبارك اللاحق . 

2- ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) : يبين النص المبارك (  وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) , كافة اعمال الخير من قول او فعل , هي : 

أ‌) (  خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً ) : افضل من المال والاولاد في عائديتها بالخير والنفع لصاحبها . 

ب‌) (  وَخَيْرٌ أَمَلاً ) : وايضا ان اعمال الخير افضل املا من المال والاولاد , فبها ينال المرء ما آمله ورجاه عند الله تعالى .         

 

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً{47} 

تنعطف الآية الكريمة مذكرة (  وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) , نسيرها في الهواء ثم نجعلها هباء منبثا , (  وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) , ظاهرة للعيان ليس فيها جبل ولا تل ولا اي يشيء اخر , ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) , يشير النص المبارك الى ان الحشر يشمل الجميع , وبدون استثناء .      

 

وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً{48} 

تستمر الآية الكريمة بموضوع سابقتها الكريمة ويأتي بعد الحشر العرض (  وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً ) , حال العرض يكونون مصطفين , كل امة او جماعة في صف , لا يحجب احد احدا , (  لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) , يبين النص المبارك حين العرض سيأتي النداء :

1- أي قيل لهم لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

2- أي فرادى حفاة عراة عزلا ويقال لمنكري البعث ." تفسير الجلالين للسيوطي" .                

(  بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً ) , يخاطب النص المبارك الكفار ومنكري البعث , لقد زعمتم ان لا بعث ولا نشور , وكذبتم بما انذركم به الرسل والانبياء (ع) , فها انتم اليوم تبعثون وتعرضون في هذا الموقف .   

 

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً{49}

تستمر الآية الكريمة بموضوع سابقاتها مبينة تسلسل الاحداث في ذلك اليوم نشر وعرض ثم (  وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) , صحائف الاعمال , فينال المؤمن كتابه بيمينه , لا تثريب عليه , والكافر ينال كتابه بشماله , (  فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ) , المجرم سيكون خائفا من آثامه ومعاصيه , (  وَيَقُولُونَ ) , في تلك اللحظة يقولون : 

1- (  يَا وَيْلَتَنَا ) : بمعنى ( هلكنا , وقع الهلاك علينا ) . 

2- (  مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) : ينقل النص المبارك تعجبهم من دقة الكتاب في تدوين كل ذنوبهم الصغيرة منها والكبيرة .             

(  وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً ) , كل شيء فعلوه وجدوه مدونا ماثلا امام اعينهم , (  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) , تختتم الآية الكريمة بأنه جل وعلا لا يظلم احدا , فيعاقب احدا بذنب اخر او ان يدون عليه ذنوبا لم يقترفها , او ان يزيد في عذابه بما لا يستحقه , وكذلك لا ينقص من ثواب المؤمنين شيئا .  

 

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً{50} 

تنعطف الآية الكريمة مشيرة (  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) , امر الهي بالسجود لادم (ع) "تطرقنا الى هذا الموضوع مسبقا " , (  فَسَجَدُوا ) , امتثل الملائكة "ع" للأمر الالهي وسجدوا لادم "ع" , (  إِلَّا إِبْلِيسَ ) , باستثناء ابليس اللعين لم يسجد , (  كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) , الجن احد الثقلين وهم مخلوقات عاقلة , يجب عليها ما يجب على بني ادم من فرائض وطاعات , (  فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) , خرج من طاعته الله تعالى بتركه للسجود , (  أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي ) , تضمن النص المبارك استفهام توبيخ وانكار ( بعد كل الذي بدا منه يا بني ادم تتخذون منه ومن ذريته انصارا لكم من دونه عز وجل ) , (  وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) , يبين النص المبارك ايضا ان اللعين ابليس وذريته هم اعداء لبني ادم , ابتدأت عدواتهم من ذلك الموقف ( السجود لادم ) , (  لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) , عندما اختاروا طاعة ابليس اللعين وذريته بديلا عن طاعته عز وجل .    

الجدير بالإشارة هنا , ان مضمون الآية الكريمة تكرر عدة مرات في القرآن الكريم , لذلك الكثير من الاسباب , لعل ابرزها , ان تلك الحادثة هي السبب الاول والاخير في كل المشاكل التي عانى ويعاني منها العالم , والا لكانت الاوضاع والاحوال مختلفة لو اطاع وسجد اللعين .  

      

مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً{51} 

تبين الآية الكريمة مؤكدة (  مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , يبين النص المبارك ان الله تعالى لم يطلع ابليس اللعين وذريته على خلقه جل وعلا للسموات والارض , لم يشهدوا ولم يحضروا ابدا , وما كان الله عز وجل بحاجة لان يشهدهم او يطلعهم على ذلك , (  وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ) , يضيف النص المبارك ان الله تعالى لم يطلعهم ولم يشهدهم ايضا على خلقه جل وعلا لبعضهم البعض , (  وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) , يشير النص المبارك الى انه عز وجل ما اتخذ من الشياطين اعوانا له بالخلق , فلماذا تطيعونهم وتتخذونهم اولياء من دونه جل وعلا .  

مما يروى في خصوص الآية الكريمة ما جاء في تفسير العياشي وتناقله عدد من المفسرين الحديث المنسوب للإمام محمد الباقر (ع) : عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال اللهم أعز الأسلام بعمر بن الخطاب وبأبي جهل وهشام فأنزل الله هذه الآية يعنيهما .

 

وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً{52} 

تنعطف الآية الكريمة لتسلط الضوء على (  وَيَوْمَ يَقُولُ ) , الله عز وجل , (  نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ), نادوا كل الاوثان التي زعمتم انهم شركاء لله تعالى , وايضا زعمتم انهم سيشفعون لكم , (  فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا ) , يبين النص المبارك امرين : 

1- (  فَدَعَوْهُمْ ) : تحقق النداء من المشركين لأوثانهم . 

2- ( فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا ) : لم يستجيبوا لهم . 

(  وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً ) , للنص المبارك عدة معاني منها :        

1- سترا . "تفسير القمي , تفسير البرهان ج3 السيد هاشم الحسيني البحراني" . 

2- جعل الله تعالى بين المشركين والهتهم مهلكا يشتركون فيه وهو واد من اودية جهنم . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , تفسير الجلالين للسيوطي" .  

3- وقيل البين بمعنى الوصل أي جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .  

4- (  مَّوْبِقاً ) محل هلاك وتقطع للرابطة ورفعها من بينهم . " مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي".

 

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً{53} 

تنعطف الآية الكريمة مبينة مؤكدة (  وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا ) , ايقنوا , (  أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ) , واقعون فيها , (  وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ) , عند ذاك لم يجد الكفار مكانا يميلون اليه او مكانا يعصمهم منها . 

 

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً{54}

تبين الآية الكريمة (  وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ) , بينا , (  فِي هَذَا الْقُرْآنِ ), القرآن الكريم , (  لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ) , كل مثل للعظة والاعتبار , (  وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) , يبين النص المبارك ان الانسان اكثر المخلوقات جدلا وخصومة .      

 

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً{55}

تبين الآية الكريمة (  وَمَا مَنَعَ النَّاسَ ) , كفار مكة , (  أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى ) , النبي الكريم محمد (ص واله) والقرآن الكريم , (  وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ) , طلب المغفرة منه جل وعلا , (  إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ) , يشير النص المبارك الى سنته عز وجل في اهلاك السابقين , (  أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ) , يختلف المفسرون في شأن العذاب الذي يشير اليه النص المبارك , فننقل رأيين :

1- مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر . " تفسير الجلالين للسيوطي" .  

2- طالما وان النص المبارك السابق ذكر عذابا دنيويا , فمن المحتمل ان يكون النص المبارك الحالي قد عنى عذابا اخرويا يذهب الى مثل هذا الرأي عدة مفسرين ومنهم الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 .        




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=46546
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28