• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المخلوق ( 2 ) .
                          • الكاتب : مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية .

المخلوق ( 2 )

سبق وأن قسّمنا المخلوق إلى عدّة تقسيمات، حيث انّ المخلوق الآخر إما أن يكون مجتمعاً من الأفراد، أو فرداً واحداً، أو شيطاناً، أو سائر المخلوقات والكائنات، وعليه كيف يرسم الإنسان خريطة حياته في تعامله مع هذا الآخر، وهذا ما سنبيّنه هنا إن شاء الله تعالى.
وقبل ذلك ليعلم انّ المخلوق الآخر حجة من الحجج الإلهية، ودليل من الأدلة للتعرّف والاهتداء إلى الخالق جلّت عظمته، وفي ذلك يقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «فصار كلّ ما خلق حجّةً له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجّته بالتّدبير ناطقةٌ، ودلالته على المبدع قائمةٌ»     .
وقال عليه السلام  بعد ما ذكر دقيق خلق النملة: «ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلّتك الدّلالة إلا على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة، لدقيق تفصيل كلّ شي‏ءٍ، وغامض اختلاف كلّ حيٍّ، وما الجليل واللّطيف، والثّقيل والخفيف، والقويّ والضّعيف في خلقه إلا سواءٌ، و كذلك السّماء والهواء، والرّياح والماء، فانظر إلى الشّمس والقمر، والنّبات والشّجر، والماء والحجر، واختلاف هذا اللّيل والنّهار، وتفجّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرّق هذه اللّغات والألسن المختلفات. فالويل لمن أنكر المقدّر، وجحد المدبّر، زعموا أنّهم كالنّبات ما لهم زارعٌ، ولا لاختلاف صورهم صانعٌ، ولم يلجأوا إلى حجّةٍ فيما ادّعوا، ولا تحقيقٍ لما أوعوا، وهل يكون بناءٌ من غير بانٍ، أو جنايةٌ من غير جانٍ»     .
ويجد المتصفّح لنهج البلاغة ذكر الكثير من الآيات والحجج الدالة على وجود الخالق وصفاته، كخلق الخفاش والطاووس والسماوات والأرض وغيرها من المخلوقات، حيث انّ كلها تشير إلى وجوده جلّت عظمته، كما قال عليه السلام : «بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التّدبير المتقن والقضاء المبرم»     .
 
أ ـ المجتمع الإنساني:
كما قلنا انّ الإنسان مدني بالطبع، ولا يمكن أن يستغني عن الحكومة وتأسيس المجتمع، ليعيش في ظلّه ويقضي حوائجه بالتعاون مع الآخرين، وفي ذلك يقول أميرالؤمنين عليه السلام  في معرض ردّه على الخوارج الذين أنكروا الحكومة: «وإنّه لا بدّ للنّاس من أميرٍ برٍّ أو فاجرٍ، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيه الأجل، ويجمع به الفي‏ء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السّبل، ويؤخذ به للضّعيف من القويّ، حتّى يستريح برٌّ، ويستراح من فاجرٍ»     .
ثم شاء التقدير الإلهي أن يكون المجتمع متنوعاً، كما ورد في قوله تعالى: +يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"     .
وفي كلام لأميرالمؤمنين عليه السلام  يذكر فيه أسباب اختلاف الناس: «إنّما فرّق بينهم مبادئ طينهم، وذلك أنّهم كانوا فلقةً من سبخ أرضٍ وعذبها وحزن تربةٍ وسهلها فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون وعلى قدر اختلافها يتفاوتون فتامّ الرّواء ناقص العقل ومادّ القامة قصير الهمّة وزاكي العمل قبيح المنظر وقريب القعر بعيد السّبر ومعروف الضّريبة منكر الجليبة وتائه القلب متفرّق اللّبّ وطليق اللّسان حديد الجنان»     .
وفي نصّ آخر يقسّم أميرالمؤمنين عليه السلام  الناس إلى أربعة أقسام ويقول: «والنّاس على أربعة أصنافٍ منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه، وكلالة حدّه، ونضيض وفره، ومنهم المصلت لسيفه، والمعلن بشرّه، والمجلب بخيله ورجله قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطامٍ ينتهزه، أو مقنبٍ يقوده، أو منبرٍ يفرعه، ولبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمناً وممّا لك عند الله عوضاً، ومنهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا قد طامن من شخصه وقارب من خطوه، وشمّر من ثوبه وزخرف من نفسه للأمانة، واتّخذ ستر الله ذريعةً إلى المعصية، ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضئولة نفسه، وانقطاع سببه فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة، وتزيّن بلباس أهل الزّهادة، وليس من ذلك في مراحٍ ولا مغدًى. وبقي رجالٌ غضّ أبصارهم ذكر المرجع وأراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريدٍ نادٍّ، وخائفٍ مقموعٍ وساكتٍ مكعومٍ وداعٍ مخلصٍ، وثكلان موجعٍ قد أخملتهم التّقيّة وشملتهم الذّلّة فهم في بحرٍ أجاجٍ أفواههم ضامزةٌ وقلوبهم قرحةٌ قد وعظوا حتّى ملّوا وقهروا حتّى ذلّوا وقتلوا حتّى قلّوا»     .
وقال عليه السلام  أيضاً: «وإنّما النّاس رجلان: متّبعٌ شرعةً، ومبتدعٌ بدعةً، ليس معه من الله سبحانه برهان سنّةٍ، ولا ضياء حجّةٍ»     .
وقال عليه السلام  أيضاً لكميل: «النّاس ثلاثةٌ، فعالمٌ ربّانيٌّ، ومتعلّمٌ على سبيل نجاةٍ، وهمجٌ رعاعٌ أتباع كلّ ناعقٍ، يميلون مع كلّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركنٍ وثيقٍ»     .
فالإنسان في علاقته مع المجتمع وتعامله معه، لابدّ وأن يكون ذا بصيرة عالية ليتمكن من السير على النهج القويم، وبالإمكان تقسيم المجتمع إلى: موالي، ومتخاذل، ومخالف، وتعامل الإنسان وعلاقته مع كلّ واحد تختلف عن الآخر.
1ـ المجتمع الموالي:
تتلخّص سيرة الإنسان في المجتمع الموالي والصالح ضمن نقاط نذكرها فيما يلي:
نصرة الدين والصبر، فقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ولقد كنّا مع رسول الله   (صلى الله عليه وآله) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضيّاً على اللّقم، وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدوّ... فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النّصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه»     .
ومنها العبودية لله تعالى، قال عليه السلام  يصف خيرة أصحاب رسول الله   (صلى الله عليه وآله): «لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، قد باتوا سجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشّجر يوم الرّيح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاءً للثّواب»     .
وقال عليه السلام : «طوبى لنفسٍ أدّت إلى ربّها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها     ، وهجرت في اللّيل غمضها، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها، وتوسّدت كفّها في معشرٍ أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون»     .
ومنها لزوم الجماعة، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «وألزموا السواد الأعظم، فإنّ يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة فإنّ الشاذ من الناس للشيطان، كما انّ الشاذة من الغنم للذئب»     .
وقال عليه السلام : «فإياكم والتلوّن في دين الله، فانّ جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وانّ الله سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممن مضى، ولا ممن بقي»     .
وقال عليه السلام  بعد ما ذكر الأمم السالفة: «فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم، فألزموا كل أمر لزمت العزّة به حالهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدّت العافية فيه بهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم من الاجتناب للفرقة، واللزوم للالفة، والتحاضّ عليها، والتواصي بها، واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم، وأوهن منّتهم: من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي»     .
ولا يفوت على القارئ الكريم بانّ الواجب هو لزوم الجماعة الصالحة، كما نبهنا عليه وكما ورد في كلام الإمام عليه السلام ، وإلّا فلا طاعة للأشرار ولا لزوم لجماعتهم، كما قال عليه السلام  منبّهاً لذلك: «ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، وخلطتم بصحتكم مرضهم، وأدخلتم في حقكم باطلهم، وهم أساس الفسوق، وأحلاس العقوق، اتخذهم إبليس مطايا ضلال، وجنداً بهم يصول على الناس، وتراجمة ينطق على ألسنتهم»      وكما ورد عن رسول الله   (صلى الله عليه وآله) لما سئل: أيّ الجهاد أفضل؟ فقال: «كلمة حق عند إمام جائر»     .
إذن الوصية بلزوم الجماعة لا تؤخذ على نحو الإطلاق.
 
ومنها لزوم العشيرة، انّ الإنسان في سلوكه الاجتماعي وصول للرحم سيّما لعشيرته، إذ «انّه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه، وألـمّهم لشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة إن نزلت به»     .
وكتب عليه السلام  في وصيته للإمام الحسن عليه السلام : «وأكرم عشيرتك، فإنّهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول»     .
وهذا ما التزم به أمير المؤمنين عليه السلام  في سلوكه، فقد كتب إلى ابن عباس لما كان واليه على البصرة وسمع منه غلظة على بني تميم: «انّ لهم بنا رحماً ماسة، وقرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها، ومأزورون على قطيعتها»     .
طبعاً لزوم العشيرة لا يؤخذ أيضاً على اطلاقه، بل انّه مقيّد بالعشيرة الصالحة، وإلّا فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم، وترفعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة على ربهم، وجاحدوا الله ما صنع بهم مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلائه، فانّهم قواعد أساس العصبية، ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء الجاهلية»     .
فالتقوى هنا تقتضي محاربة هكذا عشيرة، كما وصف أمير المؤمنين عليه السلام  حال المسلمين في زمن النبي   (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «فلقد كنّا مع رسول الله   (صلى الله عليه وآله) وانّ القتل ليدور بين الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلّا إيماناً ومضيّاً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح»      وقال عليه السلام : «ولقد كنّا مع رسول الله   (صلى الله عليه وآله) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، ومضيّاً على اللقم، وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدو»     .
ثمّ إن كان الإنسان حاكماً فعليه أن يبني علاقته مع المجتمع الموالي ضمن النقاط التالية:
العدل، قال عليه السلام : «الذّليل عندي عزيزٌ حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيفٌ حتّى آخذ الحقّ منه»     .
وقال عليه السلام : «أتأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور فيمن ولّيت عليه، واللّه لا أطور به ما سمر سميرٌ، وما أمّ نجمٌ في السّماء نجماً»     .
وقال عليه السلام : «واللّه لأن أبيت على حسك السّعدان مسهّداً، أو أجرّ في الأغلال مصفّداً، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشي‏ءٍ من الحطام»     .
وكتب عليه السلام  إلى بعض أمرائه: «أمّا بعد فإنّ الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل، فليكن أمر النّاس عندك في الحقّ سواءً، فإنّه ليس في الجور عوضٌ من العدل»     .
الألفة والوحدة، قال عليه السلام  وهو يكلّم الخوارج: «فإذا طمعنا في خصلةٍ يلمّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقيّة فيما بيننا، رغبنا فيها وأمسكنا عمّا سواها»     .
أداء الشريعة وتبليغها، قال عليه السلام : «إنّه ليس على الإمام إلا ما حمّل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النّصيحة، والإحياء للسّنّة، وإقامة الحدود على مستحقّيها، وإصدار السّهمان على أهلها»     .
وقال عليه السلام : «اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطانٍ، ولا التماس شي‏ءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك»     .
المواساة، قال عليه السلام : «ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرّى... أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش»     .
الاستماع لحوائج الناس، قال عليه السلام  في كتاب كتبه إلى عماله على الخراج: «فأنصفوا النّاس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فإنّكم خزّان الرّعيّة، ووكلاء الأمّة، وسفراء الأئمّة، ولا تحشموا أحداً عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته»     .
وفي عهده عليه السلام  للأشتر: «واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرّغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عامّاً، فتتواضع فيه للّه الّذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتعٍ، فإنّي سمعت رسول الله   (صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطنٍ لن تقدّس أمّةٌ لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتعٍ»     .
الإحسان إليهم، في عهده عليه السلام  للأشتر: «واعلم أنّه ليس شي‏ءٌ بأدعى إلى حسن ظنّ راعٍ برعيّته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المئونات عليهم، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبلهم»     .
 
2ـ المجتمع المتخاذل:
الإنسان سواء كان حاكماً أو غير حاكم يبني علاقته وتعامله مع المجتمع المتخاذل في البداية على النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من الأهمية بحيث قال عنه أميرالمؤمنين عليه السلام : «وما أعمال البرّ كلّها، والجهاد في سبيل الله، عند الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إلا كنفثةٍ في بحرٍ لجّيٍّ»     .
وقال عليه السلام  يشتكي من قلّة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: «ظهر الفساد فلا منكرٌ مغيّرٌ ولا زاجرٌ مزدجرٌ»     ، وقال عليه السلام : «لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم»     .
وقال عليه السلام  أيضاً: «فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فلعن الله السّفهاء لركوب المعاصي، والحلماء لترك التّناهي»     .
ومنها التأنيب والزجر، كما صنعه أميرالمؤمنين عليه السلام  مع مجتمعه المتخاذل حيث كان يقول عليه السلام : «فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون... يا أشباه الرّجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربّات الحجال، لوددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفةً واللّه جرّت ندماً، وأعقبت سدماً، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نغب التّهمام أنفاساً...»     .
وقال عليه السلام : «أصبحت واللّه لا أصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدوّ بكم»     .
وقال عليه السلام : «منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم، ما تنتظرون بنصركم ربّكم، أما دينٌ يجمعكم، ولا حميّة تحمشكم     ، أقوم فيكم مستصرخاً، وأناديكم متغوّثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً»     .
وقد ذكر عليه السلام  في مناسبة أخرى انّ السبب في كثرة تأنيبه لهم، استنهاضهم لئلّا يغلب عليهم العدو، فقال عليه السلام : «ولكنّني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصّالحين حرباً، والفاسقين حزباً فإنّ منهم الّذي قد شرب فيكم الحرام، وجلد حدّاً في الإسلام، وإنّ منهم من لم يسلم حتّى رضخت له على الإسلام الرّضائخ، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم»     .
 
3ـ المجتمع المخالف   المفتتن  :
لقد أخبر رسول الله   (صلى الله عليه وآله) بأنّ الأمة سيفتنون من بعده وقال له: «يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم على ربّهم، ويتمنّون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة، والأهواء السّاهية، فيستحلّون الخمر بالنّبيذ، والسّحت بالهديّة، والرّبا بالبيع»     .
وانّ من أهمّ أسباب افتتان المجتمع التي وردت الإشارة إليها في نهج البلاغة، الركون إلى الدنيا كما قال عليه السلام  في حق البغاة: «كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: +تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين" بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها»     .
وقال عليه السلام  في حق الفارين إلى معاوية: «إنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها ومهطعون إليها»     .
وقال عليه السلام  أيضاً: «قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال، وحضرتكم كواذب الآمال، فصارت الدّنيا أملك بكم من الآخرة، والعاجلة أذهب بكم من الآجلة... قد تصافيتم على رفض الآجل وحبّ العاجل، وصار دين أحدكم لعقةً على لسانه»     .
وقال عليه السلام : «فإنّ النّاس قد تغيّر كثيرٌ منهم عن كثيرٍ من حظّهم، فمالوا مع الدّنيا ونطقوا بالهوى»     .
ومنها البدع، قال عليه السلام : «إنّما بدء وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع، وأحكامٌ تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله»     .
وقال عليه السلام : «قد خاضوا بحار الفتن وأخذوا بالبدع دون السّنن»     .
ومنها الغفلة، قال عليه السلام : «ولكنّكم نسيتم ما ذكّرتم، وأمنتم ما حذّرتم، فتاه عنكم رأيكم، وتشتّت عليكم أمركم»     .
ومنها ترك الحق، قال عليه السلام : «ولعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافاً، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم»     .
ومنها متابعة السادة والكبراء الضالين، قال عليه السلام : «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الّذين تكبّروا عن حسبهم، وترفّعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة على ربّهم، و جاحدوا الله على ما صنع بهم، مكابرةً لقضائه ومغالبةً لآلائه، فإنّهم قواعد أساس العصبيّة، ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء الجاهليّة»     .
ومنها متابعة الشيطان، قال عليه السلام : «إنّ الشّيطان يسنّي [أي يسهّل] لكم طرقه ويريد أن يحلّ دينكم عقدةً عقدةً»     .
وقال عليه السلام في صفة حزب الشيطان: «اتّخذوا الشّيطان لأمرهم ملاكاً، واتّخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزّلل، وزيّن لهم الخطل»     .
انّ هذه الأسباب وغيرها تسبّب افتتان المجتمع أنّى حصلت، فما الحيلة إذن في تعامل الإنسان مع هكذا مجتمع، وكيف يرسم علاقته معه؟!
نستنتج من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام  في نهج البلاغة، انّ وظيفة المؤمن أمام المجتمع المخالف والمفتتن تتلخّص ضمن النقاط التالية:
1ـ متابعة الحق والتمسك به، قال عليه السلام  بعد ما قبض رسول الله   (صلى الله عليه وآله) حيث وقعت الفتنة العظمى التي غيّرت وجه التاريخ الإسلامي عن مساره الصحيح: «أيّها النّاس شقّوا أمواج الفتن بسفن النّجاة»     .
وقال عليه السلام : «أين تذهب بكم المذاهب، وتتيه بكم الغياهب، وتخدعكم الكواذب، ومن أين تؤتون وأنّى تؤفكون... فاستمعوا من ربّانيّكم، وأحضروه قلوبكم، واستيقظوا إن هتف بكم»     .
وقال عليه السلام : «وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصّبر والعلم بمواضع الحقّ، فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه»     .
2ـ متابعة الحاكم العادل، قال عليه السلام : «فتنٌ كقطع اللّيل المظلم... يجاهدهم في سبيل الله قومٌ أذلّةٌ عند المتكبّرين، في الأرض مجهولون، وفي السّماء معروفون»     .
3ـ الخمول، قال عليه السلام : «وذلك زمانٌ لا ينجو فيه إلا كلّ مؤمنٍ نومةٍ، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد»     .
وقال عليه السلام : «كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهرٌ فيركب، ولا ضرعٌ فيحلب»     .
4ـ الفرار، قال عليه السلام  عند ذكره لفتنة أهل البصرة في وقعة الجمل: «المقيم بين أظهركم مرتهنٌ بذنبه، والشّاخص عنكم متداركٌ برحمةٍ من ربّه»     .
وقال عليه السلام : «ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف... يهرب منها الأكياس ويدبّرها الأرجاس»     .
وليعلم انّ الفقرة الثالثة والرابعة تكون عند خلوّ الساحة من إمام الهدى أو من ينوب عنه نيابة خاصة أو عامة، وإلّا فمع وجوده يلزم مراجعته والتمسك به كما مرّ.
هذا إذا كان الإنسان فرداً عادياً، أما إذا كان حاكماً فماذا عليه أن يصنع في تعامله مع المجتمع المفتتن والمخالف؟! وهنا أيضاً نستنتج من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام  عدّة نقاط، وهي كما يلي:
1ـ النصيحة والتأنّي، قال عليه السلام  لما عوتب على تأخير القتال مع بغاة الشام: «فواللّه ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها»     .
وقال عليه السلام : «فإذا طمعنا في خصلةٍ يلمّ الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقيّة فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عمّا سواها»     .
2ـ التهديد والتوعّد، فقد كتب عليه السلام  لأهل البصرة: «فإن خطت بكم الأمور المردية وسفه الآراء الجائرة إلى منابذتي وخلافي فها أنا ذا قد قرّبت جيادي ورحلت ركابي ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعةً لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعقٍ»     .
وكتب عليه السلام  إلى معاوية: «فأنا أبو حسنٍ قاتل جدّك وأخيك وخالك شدخاً يوم بدرٍ، وذلك السّيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوّي»     .
3ـ القتال، قال عليه السلام  في حق البغاة: «فإن أبوا أعطيتهم حدّ السّيف، وكفى به شافياً من الباطل وناصراً للحقّ»     .
وقال عليه السلام : «ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ وخابط الغيّ من إدهانٍ ولا إيهانٍ»     .
وقال عليه السلام : «مالي ولقريشٍ، واللّه لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنّهم مفتونين»     .
وقال عليه السلام : «ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلّبت ظهره وبطنه، فلم أر لي فيه إلا القتال أو الكفر بما جاء محمّدٌ   (صلى الله عليه وآله)»     .
وقال عليه السلام  بنفس المضمون: «وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتّى منعني النّوم، فما وجدتني يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمّدٌ»     .
وكتب لأخيه عقيل: «وأمّا ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتال المحلّين حتّى ألقى الله»     .
وفي نهاية المطاف يدعونا أميرالمؤمنين عليه السلام  إلى الاعتبار من الأمم والمجتمعات الماضية ويقول: «واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال، وذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير والشّرّ أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم»     .
وفي وصيته للإمام الحسن عليه السلام : «واعرض عليه أخبار الماضين وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا»     .
 
ب ـ الفرد الواحد:
سبق وأن قلنا انّ الآخر الفرد من أفراد المجتمع يمكن تقسيمه إلى نبي ووصي، أو حاكم، أو غير حاكم، والحاكم إما عادل وإما ظالم، وأما غير الحاكم فهو إما موالي وإما مخالف، والمخالف إما كافر أو ذمي، وإما منافق وإما عدو.
فحينئذٍ كيف يبني الإنسان علاقته مع هذا الآخر من أبناء وأفراد المجتمع؟!
وسنحاول فيما يلي ـ وبالاعتماد على نهج البلاغة ـ استخراج وظيفة الإنسان في بناء علاقته مع هؤلاء.
 
1ـ النبي أو الوصي:
انّ الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً، وهو القائل: +وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنّ الّذين كفروا فويلٌ للّذين كفروا من النّار"     ، وكما قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «واعلموا عباد الله أنّه لم يخلقكم عبثاً ولم يرسلكم هملاً»     .
وعليه مسّت الحاجة إلى إرسال الأنبياء عليهم السلام لهداية الناس، وإتمام الحجة عليهم، قال أميرالمؤمنين عليه السلام  «بعث الله رسله بما خصّهم به من وحيه، وجعلهم حجّةً له على خلقه، لئلا تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ»      ثم أردفهم بالأوصياء للحفاظ على سلامة الدعوة واستمراريتها.
وكان لازماً على الإنسان في علاقته مع الأنبياء والأوصياء، الطاعة والانقياد كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم، واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدًى، ولن يعيدوكم في ردًى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا»     .
وقال عليه السلام : «وهو الّذي أسكن الدّنيا خلقه، وبعث إلى الجنّ والإنس رسله، ليكشفوا لهم عن غطائها، وليحذّروهم من ضرّائها، وليضربوا لهم أمثالها، وليبصّروهم عيوبها، وليهجموا عليهم بمعتبرٍ من تصرّف مصاحّها وأسقامها، وحلالها وحرامها، وما أعدّ الله للمطيعين منهم والعصاة من جنّةٍ ونارٍ، وكرامةٍ وهوانٍ»     .
وبخلاف ذلك سيكون الهرج والمرج والضلال والانحراف، قال عليه السلام  وهو يصف حالة اختلاف الفرق والانحراف الحاصل: «فيا عجباً ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصّون أثر نبيٍّ، ولا يقتدون بعمل وصيٍّ»     .
ثم انّ الأمر الآخر الذي يلزم على الإنسان رعايته في علاقته وتعامله مع الأنبياء والرسل، إنّما هو الاقتداء والتأسّي بهم، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ولقد كان في رسول الله   (صلى الله عليه وآله) كافٍ لك في الأسوة... فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر   (صلى الله عليه وآله) فإنّ فيه أسوةً لمن تأسّى، وعزاءً لمن تعزّى، وأحبّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه، والمقتصّ لأثره»     .
 
2ـ الحاكم العادل:
انّ الآخر إذا كان حاكماً عادلاً فما هو موقف الإنسان في ربط العلاقة والتعامل معه؟! هنا يأتي أيضاً نفس الدور السابق وهو الطاعة والانقياد والوفاء بالبيعة، وهذا من الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام  وهو يصف واجب الأمة أمام الحاكم العادل: «وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنّصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطّاعة حين آمركم»     .
وقال عليه السلام  في كتاب كتبه إلى أمرائه على الجيوش: «ولي عليكم الطّاعة، وألا تنكصوا عن دعوةٍ، ولا تفرّطوا في صلاحٍ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحقّ»     .
وقال عليه السلام : «فاستمعوا من ربّانيّكم، وأحضروه قلوبكم، واستيقظوا إن هتف بكم»     .
وعند رعاية هذه الحقوق المتبادلة بين الحاكم والأمة يستقر الأمر، كما قال عليه السلام : «فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرّعيّة واليها، أو أجحف الوالي برعيّته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدّين، وتركت محاجّ السّنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وكثرت علل النّفوس، فلا يستوحش لعظيم حقٍّ عطّل، ولا لعظيم باطلٍ فعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعزّ الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد»     .
طبعاً انّ طاعة الحاكم العادل تدور مدار الحق، فمتى ما خرج الحاكم عن جادة الحق فلا طاعة له، و في ذلك يقول أميرالمؤمنين عليه السلام  في كتابه إلى أهل مصر لما ولّى عليهم مالك الأشتر: «فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ»     .
 
3ـ الحاكم الظالم:
ربما يبتلى الإنسان بالحاكم الظالم، الذي يهلك الحرث والنسل، وربما تطول مدّة حكمه، ولكن الله تعالى له بالمرصاد، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ولئن أمهل الظّالم فلن يفوت أخذه وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشّجا من مساغ ريقه»     .
والحاكم الظالم من شر الناس لأنّه سبب الفتنة والضلال، قال عليه السلام : «وإنّ شرّ النّاس عند الله إمامٌ جائرٌ ضلّ وضلّ به، فأمات سنّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكةً»     .
ثم انّ الإنسان أمام الحاكم الجائر لابدّ وأن يقول كلمة الحق، كما قال عليه السلام : «إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يقرّبان من أجلٍ، ولا ينقصان من رزقٍ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدلٍ عند إمامٍ جائرٍ»     .
ثم عليه أن يجاهد ويكافح لئلّا يغلب الباطل، وهذا ما أوصى به عليه السلام  المسلمين حيث قال: «أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه...»     .
 
4ـ الفرد الموالي:
نقصد بالفرد الموالي من كان شريكاً مع الإنسان في العقيدة والاتجاه، فهنا كيف يربط الإنسان علاقته مع هذا الآخر؟
انّ الآخر إذا كان من أهله وولده فعليه بالإحسان إليهم والرحمة والمودة، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك»     ، وكذلك الإنصاف والعدل، قال عليه السلام : «وأنصف النّاس من نفسك ومن خاصّة أهلك»     .
طبعاً الاهتمام بالأهل والأولاد لابدّ أن لا يخرج الإنسان عن جادة الحق وإعلاء كلمة الله تعالى، قال عليه السلام  لأحد أصحابه: «لا تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله، فإنّ الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله، فما همّك وشغلك بأعداء الله»     .
ثم انّ الآخر إن كان صديقاً فعلى الإنسان أن يلاحظ أولاً سلوك هذا الصديق، ويرى هل أنّه أهل للصداقة أم لا، فقد ورد النهي عن مصادقة عدة أشخاص، كما في وصيّة أميرالمؤمنين عليه السلام  لابنه الإمام الحسن عليه السلام : «يا بنيّ إيّاك ومصادقة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصادقة البخيل، فإنّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصادقة الفاجر، فإنّه يبيعك بالتّافه، وإيّاك ومصادقة الكذّاب فإنّه كالسّراب يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب»     .
وقال عليه السلام  أيضاً: «لا تصحب المائق فإنّه يزيّن لك فعله، ويودّ أن تكون مثله»     . والمائق هو الأحمق.
فعندئذٍ يصادق الإنسان غير هؤلاء المذمومين، ويحاول جهد سعيه أن يحافظ على هذه الصادقة، لأنّ «أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم»     .
ويحاول دوماً أن يدارى الصديق ويصله، قال عليه السلام : «احمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصّلة، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدّنوّ، وعند شدّته على اللّين، وعند جرمه على العذر... وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّةً يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً»     .
وقال عليه السلام : «لا يكون الصّديق صديقاً حتّى يحفظ أخاه في ثلاثٍ في نكبته وغيبته ووفاته»     .
ويشير عليه السلام  إلى انّ الصداقة لابدّ وأن تتبع الموازين فلا يسهب الإنسان في الصداقة بحيث يفشي إليه سرّه وكل ما عنده، قال عليه السلام : « أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما»     .
ومن الأمور التي لابدّ من مراعاتها في التعامل مع الآخر الاهتمام بصلاح ذات البين، قال عليه السلام  في وصيته للإمام الحسن والحسين عليهما السلام: «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما   (صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام»     .
ومنها التواصل مع الآخر، قال عليه السلام : «وعليكم بالتّواصل والتّباذل، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع»     .
ومنها التواضع، قال عليه السلام : «واعتمدوا وضع التّذلّل على رءوسكم، وإلقاء التّعزّز تحت أقدامكم، وخلع التّكبّر من أعناقكم، واتّخذوا التّواضع مسلحةً بينكم وبين عدوّكم إبليس و جنوده»     ، وقال عليه السلام  في وصف المتقين: « ومشيهم التّواضع»     .
ومنها كفّ اللسان عن الآخر، قال عليه السلام : «واللّه ما أرى عبداً يتّقي تقوى تنفعه حتّى يخزن لسانه»     .
وقال عليه السلام : «وإنّما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السّلامة أن يرحموا أهل الذّنوب والمعصية، ويكون الشّكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الّذي عاب أخاه وعيّره ببلواه، أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه ممّا هو أعظم من الذّنب الّذي عابه به، وكيف يذمّه بذنبٍ قد ركب مثله، فإن لم يكن ركب ذلك الذّنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه ممّا هو أعظم منه، وايم الله لئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصّغير، لجراءته على عيب النّاس أكبر، يا عبد الله لا تعجل في عيب أحدٍ بذنبه، فلعلّه مغفورٌ له، ولا تأمن على نفسك صغير معصيةٍ فلعلّك معذّبٌ عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشّكر شاغلاً له على معافاته ممّا ابتلي به غيره»     .
ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال عليه السلام  في وصيته للإمام الحسن عليه السلام : «وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله بجهدك»     .
ومنها المساعدة والمعونة سيّما في الشدائد وساحة الحرب، قال عليه السلام : «وأيّ امرئٍ منكم أحسّ من نفسه رباطة جأشٍ عند اللّقاء، ورأى من أحدٍ من إخوانه فشلاً، فليذبّ عن أخيه بفضل نجدته الّتي فضّل بها عليه كما يذبّ عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله»     .
وكذلك مساعدة ومعونة الأيتام والجيران، قال عليه السلام : «اللّه الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، واللّه الله في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم   (صلى الله عليه وآله) ما زال يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم»     .
ومنها قبول عذرهم وإقالة عثراتهم، قال عليه السلام : «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثرٌ إلا ويد الله بيده يرفعه»     .
ومنها إغاثته، قال عليه السلام : «من كفّارات الذّنوب العظام إغاثة الملهوف، والتّنفيس عن المكروب»     .
ومنها عدم الاستماع إلى القدح فيه، قال عليه السلام : «أيّها النّاس من عرف من أخيه وثيقة دينٍ وسداد طريقٍ، فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرّجال، أما إنّه قد يرمي الرّامي وتخطئ السّهام، ويحيل الكلام، وباطل ذلك يبور...»     .
ومنها عدم البراءة منه إلّا بعد التثبت وفي نهاية المطاف، قال عليه السلام : «فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقرّاً في القلوب، ومنه ما يكون عواريّ بين القلوب والصّدور إلى أجلٍ معلومٍ، فإذا كانت لكم براءةٌ من أحدٍ فقفوه حتّى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدّ البراءة»     .
ومنها انّه ربما يكون ميزاناً للحق والباطل، قال عليه السلام : «واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا الّذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نقضه، ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الّذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله، فإنّهم عيش العلم، وموت الجهل، هم الّذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدّين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهدٌ صادقٌ، وصامتٌ ناطقٌ»     .
وقال عليه السلام : «اتّقوا ظنون المؤمنين، فإنّ الله تعالى جعل الحقّ على ألسنتهم»     .
ومنها انّ الآخر ربما يكون مدعاة للشكر، قال عليه السلام : «وأكثر أن تنظر إلى من فضّلت عليه، فإنّ ذلك من أبواب الشّكر»     .
ومنها انّ معاشرة الآخر تسبب الصلاح، قال عليه السلام : «قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشّرّ تبن عنهم»     .
ومنها انّ التمسك بالآخر المهتدي سبب للنجاة، قال عليه السلام : «رحم الله امرأً سمع حكماً فوعى، ودعي إلى رشادٍ فدنا، وأخذ بحجزة هادٍ فنجا»     .
وقال عليه السلام  في أهل الذكر: «يذكّرون بأيّام الله، ويخوّفون مقامه، بمنزلة الأدلّة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه، وبشّروه بالنّجاة، ومن أخذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطّريق وحذّروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظّلمات، وأدلّة تلك الشّبهات»     .
 
5ـ الفرد المخالف الكافر أو الذمي:
الآخر المخالف ربما يكون كافراً فإذا كان محارباً لا شك في لزوم محاربته والوقوف أمامه، إما إذا كان مسالماً أو في ذمة الإسلام، فهنا لابدّ من التعامل معه برفق ولين طالما لم يصدر منه ما يخالف القواعد الإسلامية و ما يخالف الذمة، قال عليه السلام  في كتابه للأشتر: «وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم واللّطف بهم... فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدّين وإمّا نظيرٌ لك في الخلق»     .
كما يجب الدفاع عنه عند ما يتعرّض لغارة أو مساءة، كما تألّم عليه السلام  عند تعرّض نساء أهل الذمة للإساءة من قبل جيش معاوية، قال عليه السلام : «ولقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام... فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً»     .
كما ينبّه عليه السلام  إلى أنّ التعامل معهم لابدّ وأن يكون بحذر ومشوب بالشدة واللين مشيراً إلى لزوم ترك القسوة والظلم، فقد كتب إلى بعض عماله: «أمّا بعد فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظةً وقسوةً، واحتقاراً وجفوةً ونظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللّين تشوبه بطرفٍ من الشّدّة، وداول لهم بين القسوة والرّأفة، وامزج لهم بين التّقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء»     .
6ـ الفرد المنافق أو الذي يكون من أهل الدنيا:
انّ الإنسان في تعامله وعلاقته مع الآخر المنافق أو المنغمس في الدنيا والأهواء، يجب عليه الاجتناب والحذر منه وعدم متابعته.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحذّركم أهل النّفاق، فإنّهم الضّالّون المضلّون، والزّالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتنّون افتناناً، ويعمدونكم بكلّ عمادٍ، ويرصدونكم بكلّ مرصادٍ قلوبهم دويّةٌ، وصفاحهم نقيّةٌ يمشون الخفاء، ويدبّون الضّراء وصفهم دواءٌ، وقولهم شفاءٌ وفعلهم الدّاء العياء حسدة الرّخاء، ومؤكّدو البلاء ومقنطو الرّجاء لهم بكلّ طريقٍ صريعٌ، وإلى كلّ قلبٍ شفيعٌ، ولكلّ شجوٍ دموعٌ يتقارضون الثّناء، ويتراقبون الجزاء إن سألوا ألحفوا، وإن عذلوا كشفوا و إن حكموا أسرفوا قد أعدّوا لكلّ حقٍّ باطلاً، ولكلّ قائمٍ مائلاً، ولكلّ حيٍّ قاتلاً، ولكلّ بابٍ مفتاحاً، ولكلّ ليلٍ مصباحاً يتوصّلون إلى الطّمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، وينفقوا به أعلاقهم يقولون فيشبّهون، ويصفون فيموّهون قد هوّنوا الطّريق، وأضلعوا المضيق فهم لمة الشّيطان وحمة النّيران، أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون»     .
وقال عليه السلام : «ولقد قال لي رسول الله   (صلى الله عليه وآله): إنّي لا أخاف على أمّتي مؤمناً ولا مشركاً، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأمّا المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكنّي أخاف عليكم كلّ منافق الجنان، عالم اللّسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون»     .
وقال عليه السلام  في عهده للأشتر: «ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشّره بالجور، فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظّنّ»     .
وقال عليه السلام : «وأنعم الفكر فيما جاءك على لسان النّبيّ الأمّيّ   (صلى الله عليه وآله) ممّا لا بدّ منه ولا محيص عنه، وخالف من خالف ذلك إلى غيره، ودعه وما رضي لنفسه»     .
وقال عليه السلام : «إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجلٌ وكله الله إلى نفسه، فهو جائرٌ عن قصد السّبيل، مشغوفٌ بكلام بدعةٍ ودعاء ضلالةٍ، فهو فتنةٌ لمن افتتن به، ضالٌّ عن هدي من كان قبله، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّالٌ خطايا غيره، رهنٌ بخطيئته. ورجلٌ قمش جهلاً، موضعٌ في جهّال الأمّة، عادٍ في أغباش الفتنة، عمٍ بما في عقد الهدنة، قد سمّاه أشباه النّاس عالماً وليس به»     .
 
7ـ الفرد العدو:
ليعلم انّ وجود الآخر العدو من الابتلاءات التي يبتلي الله تعالى بها عباده الصالحين، كما ذكر ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام  لمعاوية حيث قال له: «وقد ابتلاني الله بك وابتلاك بي، فجعل أحدنا حجّةً على الآخر»     .
ثم انّ العلاقة مع الآخر العدو تختلف باختلاف الزمان والمكان فتارة يتعامل معه بالشدّة وتارة أخرى بالصفح والعفو ابتغاء الأجر، كما قال عليه السلام  لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: «إن أبق فأنا وليّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربةٌ، وهو لكم حسنةٌ، فاعفوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم»     .
وفي سياق تشجيعه عليه السلام  على العفو عن العدو عند القدرة عليه، وعندما يأمن الإنسان من جانبه يقول عليه السلام : «إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه»     .
وكذلك معاملة العدو بالفضل كما قال عليه السلام : «وخذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظّفرين»     .
كما صنع هو عليه السلام  لما غلب على الماء في أيام صفين ولم يمنع جيش العدو من الماء كما صنعوا هم في أول الأمر لما سيطروا على الماء حيث منعوا جيش المسلمين من الماء.
أما إذا كان الآخر العدو في ساحة الحرب، وبعد دخوله في مواجهة علنية، فهنا يجب الثبات والحزم والاستعداد الكامل، قال عليه السلام  في وصيته يوصي بها الجيش: «إيّاكم والتّفرّق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً، وإذا غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كفّةً     ، ولا تذوقوا النّوم إلا غراراً أو مضمضةً»     .
أما بعد الانتصار ووقوع الهزيمة بالعدو، يقول عليه السلام : «فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريحٍ، ولا تهيجوا النّساء بأذًى»     .
***
 
إلى هنا انتهينا من تبيين كيفية العلاقة مع الآخر سواء كان مجتمعاً أو فرداً واحداً، وهذه العلاقة هي التي تحدّد مسير الإنسان وتدخله في معسكر الخير أو الشر، وحسن العاقبة أو سوء العاقبة، بحيث حتى انّ الرضا والسخط بأفعال الآخرين لها دخل في مستقبل الإنسان الأخروي.
وبهذا الصدد يقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «أيّها النّاس، إنّما يجمع النّاس الرّضا والسّخط، وإنّما عقر ناقة ثمود رجلٌ واحدٌ فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرّضا، فقال سبحانه: +فعقروها فأصبحوا نادمين" فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السّكّة المحماة في الأرض الخوّارة»     .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=45380
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18