• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التوحيد وإبادة البشر ! الجزء الأول .
                          • الكاتب : مير ئاكره يي .

التوحيد وإبادة البشر ! الجزء الأول

 التوحيد إجمالاً هو معرفة الله عزوجل معرفة صحيحة لاتشوبها شائبة ، أي بمعنى أن الله سبحانه هو واحد أحد ، فرد صمد لاشريك له ، ولامثل ولامثال ولامثيل له سبحانه ، وأنه الخالق الباريء المصوِّر البديع المبدع للكون والكائنات والمخلوقات ، وأنه الأول والآخِر ، وأنه الظاهر والباطن ، وأنه رب العالمين ، وأنه الرحمن الرحيم العطوف الرؤوف سبحانه عما يقولون ، وعما يصفون ..
يعتبر التوحيد الحجر الأساس والأصل الأول لجميع الأديان والرسالات السماوية المقدسة للأنبياء والرسل – عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام – من لدن آدم أبي البشر ، والى الإسلام بخاصة ، حيث قاعدته الأساسية تتمثل في التوحيد المطلق في شهادة التوحيد المطلقة : { لا إله إلاّ الله } ، وبعد التوحيد تأتي بقية الأصول والثوابت والأركان الدينية والإيمانية تباعاً .
عليه ، فالاسلام هو دين ورسالة عامة عالمية سماوية خاتمة ، وهذه الرسالة تشمل جميع الأجناس والأرومات والقوميات والألوان في شرق المعمورة وغربها ، كما جاء في محكم التنزيل الحكيم : { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } الأنبياء / 107 . مما لاشك فيه إن التبليغ والإعلام والنشر والدعوة الإسلامية لاتجوز شرعاً بطريق الإكراه والقوة والقهر والضغط والعنف ، بل إنها تكون بوسائل الإقناع والإقتناع والقبول الطوعي ، وبالحرية والإختيار . ذلك أن الأصل في الإسلام للإنسان هو الحرية والإختيار في الإيمان ، أو الّلإايمان ، مثلما أصَّل هذا الأصل الإنساني العظيم الكثير من الآيات القرآنية ، منها : { لا إكراه في الدين } البقرة / 256 ، { أفأنتَ تُكرهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين } ؟! يونس / 99 ، و { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } المائدة / 48 ، { قل : هذه تذكرة ، فمن شاء ذَكَرَهُ } المُدَّثٍّرْ / 11 ، و { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين } هود / 118  ، بالإضافة الى العنصر والأصل الأهم والأبرز الذي يرافق الرسالة الإسلامية وعالميتها وعموميتها آبتداءً وآنتهاءً ، وهو الرحمة ، والرحمة بداهة هي نقيض للعنف والتعنيف والعنفية والخشونة والرعونة والقسوة والإرهاب والإرعاب !!! .
من جانب آخر فإن الله سبحانه قد جعل الإختلاف والتنافس والتنوع من سنن الحياة والكون والتاريخ ، لأنه بهذه العناصر ونظيراتها تكتمل وتتكامل العوامل المؤثِّرة في إحداث عملية التطور والتغيير والإزدهار في المجتمعات البشرية ، ومن خلالها تقوم الحضارات وتؤسس المدنيات . لهذا نلاحظ أن القرآن في العديد من الآيات يركِّزُ على هذه العوامل الأساسية والهامة في الكون على المستوى الإجتماعي والتاريخي ! .
مثلما تلونا العديد من الآيات القرآنية قبل قليل ، فلو شاء الله تعالى لجعل الناس جميعهم على دين واحد ، وعلى معتقد واحد ، وعلى مِلَّة واحدة ، وعلى لون واحد ، وعلى أرومة واحدة ، وعلى لسان واحد ، لكن حكمته سبحانه البليغة والبالغة ومشيئته الحكيمة إقتضت غير ذلك ، حيث آقتضت حكمته اللامتناهية على النحو الذي نراه في الكون ، وهو الإختلاف والتنوع . يقول القرآن الكريم حول الإختلاف والتنوع في الكون : { ياأيها الناس : إنا خلقناكم من ذكر وأنثر وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات / 13 ، و{ ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض وآختلاف ألسنتكم وألوانكم ، إن في ذلك لأيات للعالمين } الروم / 22 !!! .
أما إنه لمزيد من الأسى والأسف الشديدين فإن الجماعات والشخصيات الدينية المتطرفة شَذُّوا عن الأصول والأركان والثوابت الإسلامية المذكورة حول فلسفة الإختلاف والتنوع القرآنية ، وحول إختيار الناس في العالم كله وحريتهم ، في قبول ، أو رفض الإيمان ، وحول الإعتدال والوسطية والرفق وحسن المعاملة والتعامل مع الآخر المختلف ، ذلك أن { الدين : المعاملة } كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، فهم بدلاً من ذلكه كله إتخذوا التشدد والتطرف والغلو والعنف في الدين ديدناُ ونهجاً لهم ، فأخذ هؤلاء يُنَظِّرونَ الإسلام ويفسِّرون تعاليمه وأحكامه بشكل خاطيء ومتعسِّف ومنحرف جداً ، وبشكل متناقض تماماً مع الحِكَم والمقاصد القرآنية  ، وذلك تحت ذرائع [ الجهاد ] و [ المقاومة ] و [ نشر التوحيد ] وتحت ذرائع إقامة وإعادة [ الخلافة الإسلامية ] !!! .
على هذا الأساس فهم – كما أعتقد وثبت لي – يتحمَّلون مسؤولية عظيمة وخطيرة أمام الله تعالى وعباده في الدنيا والآخرة ، مثلما جاء في الحديث النبوي الحكيم :
{ من سَنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة ، فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيءٌ ، ومن سَنَّ في الإسلام سُنَّة سيِّئة فعمل بها بعده ، كتب له مثل وزر من عمل بها ، ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ } ينظر صحيح الإمام مسلم ، ص 1438
تأسيساً على ما جاء فإن ظلم دولة ، أو دول لشعوب مسلمة ، أو لشعوب مضطهدة لايبرر قطعاً ، بأيِّ شكل من الأشكال ، بخاصة من الناحية الإسلامية القيام بظلم مثله ، أو التجاوز لحدود الشرع والتعاليم الإسلامية . ذلك أن دفع الظلم لايجوز شرعاً بإرتكاب ظلم مقابل ومماثل ، ولنا ، في هذا الموضوع وغيره أيضاً برسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – أسوة حسنة ومثل ومثال أعلى ، إذ إنه – عليه السلام – تعرَّض في مسيرة الدعوة الإسلامية في بداياتها ، مع أهل بيته الأخيار وصحبه الأبرار الى جميع صنوف التعذيب والعذاب والعنف والأذى والإضطهاد والإرهاب والعدوان من قومه ، لكنه – روحي فداه – بالرغم من كل ذلك كان لايحمل – وحاشاه بطبيعة الحال – الحقد والكُرْه َوالكراهية والضغينة تجاههم ، بل بالعكس فإنه كان عطوفاً ورحيماً بهم وحريصاً ومشفقاً عليهم وناصحاً ومصلحاً لهم ، وأنه كان كثيراً ما يدعو لهم ، فيقول : { اللهم آغفر لقومي فإنهم لايعلمون } !!!
من شديد الحزن والأسى القول بأنه من الشخصيات العلمية الإسلامية الذي فلسف ونَظَّرَ للعنف والإرهاب والقتل الجماعي للناس وتبريره والدعوة اليه ، هو الدكتور عبدالله عزام الأردني الجنسية والفلسطيني الأصل ، وقد آنخرط الدكتور عزام في المقاومة الأفغانية ، أو في الجهاد الأفغاني ضد الإتحاد السوفيتي السابق عام [ 1981 ] . وذلك بعد أن قدَّم إستقالته من الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة إسلام آباد بباكستان ، حيث كان أستاذاً فيها .
لُقِّبَ الدكتور عبدالله عزام ب[ شيخ المجاهدين العرب ] ، وذلك لدوره الكبير في دعم القضية الأفغانية في العالمين العربي والإسلامي ، لهذا لقب أيضاً ب[ عَرَّاب الجهاد الأفغاني ] . وقد تمكن الدكتور عزام من خلال فتاويه ودعواته وكتبه وخطبه وفعالياته وجولاته الكثيرة في البلدان العربية وغيرها من آستقطاب وجذب الآلاف من الشباب الغض العرب ، وغير العرب الى ساحات القتال الأفغانية بإسم [ الجهاد ] ، ولأجل تسهيل هذه الفعاليات أسس الدكتور عزام مؤسسة كبيرة تحت عنوان [ مكتب الخدمات ] في عام [ 1984 ] في مدينة بيشاور الباكستانية التي تقع على الحدود الأفغانية . وذلك لتوجيه وإرسال العرب وغيرهم من الوافدين الى داخل أفغانستان ، من هنا آشتهر هؤلاء ب[ الأفغان العرب ] . في عام [ 1989 ] أغتيل الدكتور عبدالله عزام مع ولديه الصغيرين في مدينة بيشاور الباكستانية ! .
يعتبر الدكتور عبدالله عزام المنظِّر والمعلِّم والمرشد الأول لجميع العرب الأفغان وغيرهم من الجنسيات الوافدة ، من بينهم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق !! .
حول الدعم والإسناد الهائلين والفعاليات الكبيرة التي قدمها الدكتور عبدالله عزام ورفاقه للشعب الأفغاني المضطهد ومقاومته ليس لنا كلام ولاتعليق عليه ، لأن المسلم اذا ما رأى مستضعفاً مظلوماً ، سواءً كان مسلماً ، أو غير مسلم فعليه شرعاً مد يد العون والمساعدة له ، إنٍ آستطاع الى ذلك سبيلاً ..
لكن النقد الشديد والمآخذ الأشد متوجهة نحو تطرفه وتشدده وغلوه في تعاليم الإسلام من ناحية ، وتنظيره المنهجي للعنف والإرهاب وإراقة الدماء والقتل الجماعي للناس ، بل الدعوة الى الإبادة للمخالفين من ناحية ثانية ، وذلك بحجة نشر عقيدة التوحيد !! .
بالحقيقة ذلك كان منزلقاً خطيراً وإثماً عظيماً وقع فيه الدكتور عبدالله عزام ، وكل من شاطره ويشاطره في هذا الشأن الخطير والمتصادم مباشرة مع الكتاب والسنة ، أو الذين ينتهجون خطه من جماعات العنف الديني . في هذا الصدد يقول الدكتور عبدالله عزام :
( إنَّ إقرار عقيدة التوحيد في الأرض ولو على بحور الدماء وتلائل الأشلاء ، فرض على المسلمين الذين يعرفون قيمة التوحيد ، ولو فنيت نصف البشرية ، أو قتل ثلاثة أرباعها من أجل إقرار عقيدة التوحيد ، ومن أجل أن تنعم البشرية تحت ظِلال هذا الدين وتتفيَّأُ في فيءٍ شريعته هو قليل ، قليل بجانب السعادة التي يعيشها الربع الباقي من البشرية . إنَّ الدماء رخيصة ، من أجل إنقاذ الإنسان ، إنَّ الأشلاء هيٍّنة من أجل تخليص البشر } !!! ينظر كتاب [ في التربية الجهادية والبناء ] لمؤلفه الدكتور عبدالله عزام ، السلسلة الأولى ، الجزء التاسع ، ص 190
بالحقيقة لقد صُدِمْتُ بالدكتور عبدالله عزام وفزعت وآندهشت كثيراً حينما قرأت هذا الكتاب له ، حيث إنه يحوي هذه هذه الأفكار الخوارجية والتدميرية والآراء السوداوية والنوايا الإجرامية ، بخاصة إن مؤلفه – أي عبدالله عزام – يحمل شهادة الدكتوراه في علم أصول الفقه . من هنا جاء آستغرابي وآندهاشي منه بأنه كيف خفيت عليه إنسانية الشريعة الإسلامية ومقاصدها وغاياتها وأبعادها الإنسانية ، مع أنه كان عالماً بأصول الفقه ، وكانت أصول الفقه مجال تخصُّصه . ذلك أن علم أصول الفقه تدور مداراتها وكلياتها حةل مصالح الإنسان ومنافعه وخدمته ! .
ثم إن الأئمة والفقهاء الفطاحل الكبار الأجلاء المسلمين ، أمثال [ الغزالي / ت 505 ه ] ، و[ الرازي / ت 606 ه ] و [ الآمدي الكوردي / ت 613 ه ] و[ إبن الحاجب / ت 646 ه ] و [ القرَّافي / ت 684 ه ] و [ الزركشي / ت 794 ه ] وغيرهم كثيرون قد آستفاضوا وآجتهدوا فآتفقوا جميعاً حول المقاصد الإنسانية للشريعة الإسلامية التي تتمثل في حفظ وصون { الأنفس والدماء والنسل والدين والعقل } للجنس البشري ، سواءً كان مسلماً ، أو غير مسلم . وذلك على أساس المباديء والأحكام والثوابت والقواعد الإسلامية التي قرَّرها القرآن الكريم ، منها : { من قتل نفساً بغير نفس ، أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً } المائدة / 32  ، و { لا إكراه في الدين } البقرة / 256 ... ينظر في هذا الصدد كتابي [ البحر المحيط ] لمؤلفه الزركشي ، ج 5 ، ص 208 ، وكتاب [ نحو تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية ] لمؤلفه الدكتور جمال الدين عطية ..
إن الإسلام – حقيقة – كما قرَّره القرآن لايرفض ولايلغي الأديان والألوان والأجناس والشعوب والقوميات الأخرى ، بل إنه يرى أن من وظيفته حفظ كل ما ورد والدفاع عنها ، وعن معتقديها ومعتنقيها وفق قاعدته المعروفة على المستوى النظري والعملي التاريخي ، وهي { لا إكراه في الدين } ! .
مما لاريب فيه إن مثل هذه الأفكار الخوارجية الهدامة مرفوضة في الإسلام جملة وتفصيلاً ، وهي متصادمة معه على طول الخط ، لا بل إن الإسلام يكافح ويحارب تلكم الأفكار الخوارجية والآراء الشاذة اللاإنسانية حرباً وكفاحاً بلا هوادة . وذلك بغية آستئصالها من الجذور من المجتمعات ، بخاصة من المجتمعات المسلمة ..
حتى أن الرسول الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – قد دعا في أحاديثه التنبُّؤية الى قمعهم ما لم يتوبوا ويرجعوا الى الدين الحق بعدما مرقوا منه . وذلك لعظيم خطرهم على الإسلام والمسلمين والناس بشكل عام .
قال رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – عنهم : { يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ، ليس قراءتكم الى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم الى صلاتهم بشيء ، يقرأون القرآن ، يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم ، لايتجاوز صلاتهم تراقيهم . يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَمِيَّة } !!! . ينظر كتاب [ صحيح مسلم ، ص 536
ويقول – عليه السلام - في حديث تنبؤي آخر عنهم : { إن بعدي من أمتي يقرأون القرآن لايجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية . ثم لايعودون فيه  : هم شَرُّ الخَلْقٍ والخليقة } !!!  ينظر نفس المصدر ، ص 537
كما شاهدنا فإن رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – قد تنبأ بأن جماعة مسلمة من أمته سوف يمرقون من الدين ، أي انهم سيخرجون عليه . والمروق هو الخروج السريع والإنحراف والإنطلاقة السريعة جداً ، وقد شبه الرسول الكريم مروقهم الإنحرافي السريع بسرعة السهم حينما ينطلق من الرمية . ثم ذكر صفاتهم ، وهي القراءة المستمرة للقرآن الكريم والصلاة الكثيرة ، مع الإطالة فيها ، وربما أكثر من السواد الأعظم من المسلمين، حيث هم يشكِّلون الأمة ، لكن كل ذلك لاتشفع لهم في شيء ، لأنها ليست على فهم صحيح من الكتاب والسنة ، أما أفعالهم فهي بالضد منهما ، إذ هي مقرونة بالتكفير والتضليل والتطرف والإجرام والإستسهال في سفك الدماء والعدوان على حقوق الناس وأمنهم وآستقرارهم ومعايشهم .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=42909
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19