• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إدارة الصراع بين مخاطر الصدام ومزايا الاحتواء .
                          • الكاتب : علي حسين/مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام .

إدارة الصراع بين مخاطر الصدام ومزايا الاحتواء

يستدعي تعريف مفهوم الصراع، أن نتوقف قليلا عند منطقة الحياد!، فثمة مزايا قد يكسبها الانسان عندما ينتهج حالة الحياد، حيث تنتفي حالة الصراع، وهذا هو الهدف المهم، لكن حالة تضارب الارادات تفرض حالة الصراع، الامر الذي يتطلب ادارة جيدة له، وربما تفرض الظروف السياسية وغيرها على الدول والحكومات وحتى على الافراد، إتخاذ مواقف واجراءات تقود الى التصادم بين طرفين أو أكثر، لذلك قد يصعب تحاشي الصراع بصورة كلية، وهنا لابد من ادارة تنحو الى منهج اللين، حيث تتحقق للطرفين مزايا مهمة اهمها اشاعة روح التفاهم والتعايش والاحترام، وتقليل الخسائر والتضحيات الى ادنى حد ممكن.

أما عندما يتعلق الامر بالأحزاب السياسية، والحكومات والدول، فإن الصراع يصبح أمرا واقعا مفروضا لا فكاك منه، لهذا يتطلب من الجهات المعنية، أن تبذل قصارى جهودها من اجل اعتماد منهج اللين، لإدارة الصراع بلا خسائر فادحة للطرفين.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، حول اسلوب اللّين: (علينا أن نسعى إلى أن نكون أكثر لينا من أصحاب اللين الذين حولنا. وأن نكون بشكل لا يوجب خوف الطرف المقابل وخشيته منّا. والشخص الألين كنفاً، يعني الذي لا يخافه الناس ولا يهابونه ولا يخافون ولا يخشون ما يصدر منه من تعامل وقول وعمل).

أما في علم الاجتماع، فإن مصطلح الصراع يشير إلى معان مفادها (أن معظم الكيانات المجتمعية تشهد حالة من الصراع الدائم من قبل المنضوين فيها بهدف تعظيم منافعهم، هذه الحالة المتضادة تسهم بشكل أساسي في إحداث حالة حراك وتطور اجتماعي، تصل إلى أقصى درجاتها، مع قيام الثورات وما يصاحبها من تطورات سياسية). وقد جاء في بحث لاحد الكتاب أن مصطلح الصراع يستخدم عادة للإشارة إلى وضع تنخرط فيه مجموعة معينة من الأفراد سواء قبيلة أو مجموعة عرقية، ثقافية، لغوية، دينية، اجتماعية، اقتصادية... في تعارض واعٍ مع مجموعات أخرى معينة، لان كل من هذه المجموعات يسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة. أما الباحث الاجتماعي لويس كوسر فيعرّف الصراع على أنه (تنافس على القيم وعلى القوة والموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم).

بهذا المعنى يمكن للتنافس ان يشكل حالة من الصراع التي قد تصل الى حد تصفية الخصوم بحسب (لويس كوسر)، وهنا تحديدا تكمن مخاطر الصراع، حيث تشكل نقيضا قويا لمزاياه التي توصف بأنها المحرك للطموح، والتطلع نحو التجديد وتغيير الحياة المجتمعية والسياسية نحو الافضل.

صراع العصبية والجهل

كثيرة هي المسارات التي يدخل فيها الصراع، كمرحلة أخيرة لمعالجة الامور السياسية وغيرها، وأفضل الصراعات تلك التي تُدار بحكمة وحنكة، ووعي تام للنتائج التي تصب في الصالح العام، حيث لا يقوم الصراع على دوافع ذات مصلحة فردية، او حزبية، او فئوية، وأهم الصراعات تلك التي تؤدي الى نتائج جماعية أفضل، وهذا يمكن تحقيقه في حالة ادارة الصراع إيجابيا، لاسيما أننا نقرّ بعدم إمكانية تحاشي حالات الصراع بصورة كليّة لأسباب معروفة، أهمها أن المصالح وحمايتها من التجاوز، على مستوى الافراد والجماعات والدول، لا يمكن حفظها من دون الدخول في حالة صراع، تتصادم فيها الارادات المتصارعة كي تحقق ما يعجز عن تحقيقه الحوار أو الحياد من نتائج، بمعنى أدقّ، كل طرف وكل إرادة تحاول أن تستثمر مزايا الصراع لصالحها، وهو هدف مشروع اذا كان يخلو من التجاوز، وينحصر في ادارة الصراع بصورة جيدة.

أما الانخراط في مخاطر الصراع، فهو غالبا ما ينتج عن الجهل والعصبية، وغياب الحنكة للمفاوضين او القادة بصورة عامة، نتيجة الفهم الخاطئ وضحالة الفكر والعقل معا، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، إذ قد ينتقل الجهل في كيفية ادارة الصراع وإذكائه، من المستوى الأعلى الى المستوى الأدنى، وفقا لمعدن الانسان نفسه ومحيطه العائلي والاجتماعي أيضا، أي سيحدث الانتقال من الاب للابن، ومن الام لإبنتها، ومن القائد السياسي الى المواطن العادي!! باعتبار ان القائد نموذج يتشبّه به الآخرون، فالصراعات ليست سياسية فقط، بمعنى هناك صراعات اجتماعية ودينية وعرقية وما شابه، كل هذه الانواع من الصراعات، ينبغي أن تدار بصيغ وسبل وطرائق ايجابية، من اجل التخفيف من أضرارها اولا، ولكي ينجح المعنيون في تحقيق النتائج المرتقبة من حالة الصراع، لاسيما أن قضية تفاديه تصبح في حالات كثيرة أمرا معقدا، وربما مستحيلا، من هنا يستحسن معرفة الظروف، والاسباب التي تؤثر في بناء شخصية الفرد والمجتمع، كالمحيطين العائلي والاجتماعي، وطبيعة النظام السياسي الحاكم ايضا.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الجانب: (إن التربية العائلية والمحيط الاجتماعي والنظام الحاكم لها اكبر الأثر في إذكاء حالات الصراع). هكذا يمكن للعائلة أن تُذكي حالة الصراع في أعماق الطفل وتكوينه النفسي، أما المحيط الذي يتحرك فيه الانسان، فإنه يؤثر بصورة مباشرة عليه، من خلال الافكار وطرائق السلوك المجتمعية السائدة، لذلك فإن تربية الفرد على اعتماد منهج اللين في تعامله مع الاخرين أمر في غاية الاهمية، لأن: (الشخص الألين كنفاً، هو الذي لا يخافه الناس ولا يهابونه ولا يخافون ولا يخشون ما يصدر منه من تعامل وقول وعمل. واللين له مراتب، لعلّها بالآلاف) كما يقول سماحة المرجع الشيرازي.

وعندما نتحدث عن النظام السياسي او الحكومة، فإن طريقة ادارتها لشؤون الدولة، ومضامينها الفكرية والأسس القيمية التي تنطلق منها، كل هذا يؤثر في ادارة الصراعات، وينعكس ذلك على السلوك الفردي والجمعي في وقت واحد، لذلك تؤكد الدلائل التاريخية والواقعية، أن النظام السياسي الاستشاري الديمقراطي، هو أنسب الأنظمة وأكثرها قدرة على استثمار حالة الصراع، لصالح بناء الدولة والمجتمع معا، كذلك يؤثر منهج النظام السياسي - كما تبيّن لنا التجارب-، في التخفيف من شدة الاحتقان بكل أنواعه، ويحوّل الصراع الى نوع من التنافس الايجابي، وبذلك من الوارد جدا أن يتحول الصراع الى حالة ايجابية، تسهم في تدعيم توازن الدولة واستقرارها وتطورها.

الصراع وعاقبة السلم

قد يخطر في البال، أن السلم يخلو من حالات الصراع، باعتبار أن السلم يرفض الصراع، ويدخل في مسارات واضحة المعالم، تقمع الحروب والمشادّات وتصادم الإرادات، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، لكن السلم حتى يتحقق فعلا ويتم تثبيت أركانه، يتطلب إرادة قوية لتثبيته والايمان به، في هذه الحالة لا تتشابه جميع النوايا والافكار والاهداف والمطامح، لذا يستدعي الامر إرادة تؤمن بالسلم، وتصارع من اجل تحقيق هذا الهدف، أي تدخل في حالة صراع لإقناع الطرف الآخر بجدوى السلم وأفضليته على سواه.

المؤمنون الصالحون من القادة والناس العاديين، ربما يلتقون في صفة واحدة تجمع بينهم، وهي السعي الى عاقبة أفضل للنفس وللمجتمع عموما، يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سرّه): (لا عاقبة أسلم من عواقب السلم).

لذلك يُستحسَن أن ينخرط الجميع في مسعى واحد، يطوّع حالات الصراع، ويروضها، لكي يعيدها الى حاضنة السلم، على أن يتم ذلك من خلال إجراءات خاضعة للتنظيم والتخطيط، من لدن لجان وكفاءات متخصصة في كيفية ادارة الصراع، هنا تظهر القدرات الباهرة في ادارة العلاقة مع الطرف الآخر، مهما كان مستواه، إذ نحن في حاجة دائمة الى ادارة سليمة وناجحة للصراع، سواءً بالنسبة للافراد أو الجماعات أو الدول، وكلما كانت أطراف الصراع اكبر واقوى واكثر عددا، كالدول مثلا، كلما كانت هناك حاجة ملحّة ودائمة لإدارة الصراعات بطرائق ايجابية، تنتج عنها حالات تثبّت ركائز السلم، والانسجام بين الاطراف التي قد تتضارب مصالحها.

ولا شك أن الحاجة لإدارة الصراع بصيغ سليمة، تتطلب التدريب والتعلّم واكتساب الخبرة، والشروع في الخطوات العملية المدروسة في هذا المجال، إذ يُستحسَن للأطراف والجهات التي تدير الصراع أن تتعامل بجدية وتخطيط مسبق في مجال ادارة الصراع، ونضع هنا بعض الخطوات أمام المعنيين في هذا الشأن، منها:

- الحرص على ادارة الصراع بما يضمن الحد الادنى من المصالح الأساسية، مع عدم إلحاق الاذى بمصالح الطرف الآخر.

- يستدعي الصراع عبر الحوار، إيمانا بأهمية السلم، وعلى الاطراف المتصارعة الايمان بمبدأ الصراع عبر التحاور.

- لابد من الشروع بنشر ثقافة متوازنة تهدف الى استثمار حالات الصراع بصورة سلمية، عبر قنوات الاعلام والمنظمات المعنية، حكومية كانت أو أهلية.

- حتمية السعي الدائم من لدن الجهات المعنية، لإقامة دورات تدريبية في مجال التفاوض لكبح مخاطر الصراعات، عبر الاستفادة من الكفاءات المتخصصة، والنظر الى قضيّة التعلّم والمران لاكتساب الخبرات كحاجة لا مناص منها.

- يقع على المؤسسة التعليمية والتربوية، جانب من مسؤولية تحسين الكفاءة لإدارة الصراع ايجابيا.

- كذلك على المؤسسات والمنظمات الثقافية والنخب كافة، أن تأخذ دورها المطلوب، في إشاعة ثقافة تغليب صراع الحوارات، وهي ثقافة تهدف الى إتقان الافراد والقادة لإدارة الصراعات ايجابيا.

- لا يغيب دور الفرد في تحسين اداءه في هذا المجال، وثمة دور للعائلة والمدرسة في المساعدة على بناء شخصية تميل الى كفة الصراع السلمي.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=42862
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28