• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثارات الحسين وميثاق الشرف الصحفي وميثاق الشرف المنبري .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

ثارات الحسين وميثاق الشرف الصحفي وميثاق الشرف المنبري

من البديهي أن الإنسان الذي يجاهد ليفوز برضا الله على أمل أن يدخل الجنة أفضل مليون مرة من إنسان يعمل بكل طاقته وجهده لكي يُدخل إنسانا آخر إلى النار، لأن الله سبحانه لا يبحث عن وقود لناره بقدر بحثه عن التائهين لكي يدخلهم جنته. وما أقسى أن لا يجد المرء له مكانا في جنة عرضها السماوات والأرض مع أنه سيد مخلوقات الله كلها. ويعني هذا أن الناس أصناف:
صنف يبحث عن حريته من خلال العبودية لله. 
وصنف يبحث عن الجنة خوفا من النار.
وصنف يبحث عن النار لمن يختلف معه. 
وخيرها الصنف الذي يتمثل بإسلام علي بن أبي طالب، الذي قال: "اللهم إني لم أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك" . إن الإمام علي (ع) كان ينظر إلى الناس بمنظار الإسلام دين الوحدة والألفة والاحترام والتعايش والقبول بالآخر، وهو ما أكده في عهده إلى مالك الأشتر: يا مالك "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق" حيث لخص في جملته هذه رؤية الإسلام الحقيقية للتعايش مع الآخر. كذلك كان الإمام الحسن (ع) حريصا على الوحدة والألفة يوم تنازل عن الخلافة صونا لوحدة الأمة وحفاظا عليها. وعلى هذا النهج سار الإمام الحسين (ع) الذي كان يعلم أنه مقتول في كربلاء، وهناك عشرات الروايات التي أوردتها المدارس الفقهية الإسلامية تؤكد ذلك، منها عن انس (رض) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: "إن ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض من العراق، فمن أدركه منكم فلينصره"[1] ومنها، عن شيبان بن مخرم - وكان عثمانيا - قال : إني لمع علي (رض) إذ أتى كربلاء، فقال: "يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر"[2] وهذا يعني أن الحسين لم يخرج طلبا للسلطة؛ كما لم يخرج على السلطة، وإنما خرج لتصحيح منهج السلطة وفق الرؤى الإسلامية طلبا لرضا الله، لأنه موعود بالقتل، أي انه خرج مصلحا موحدا فكان في جنده المسلم السني والمسلم الشيعي والمسيحي؛ كلهم يبحثون معه عن الإصلاح.
ومن خلال تلك المواقف تعرف عظمة المنهج التربوي لأئمة أهل البيت، ولكنك للأسف لا تجد طلابا حقيقيين لهذا المنهج، بل تجد أصنافا كل منهم يريد التركيز على جزئية محددة لغايات غريبة أغلبها شخصي مصلحي، فهم بين:
باحث عن تمظهر العنف في هذا المنهج ليوظفه خدمة لمصالحه. 
ومن يسعى من خلال المنهج إلى إثارة غضب الآخرين الذين يخالفونه غير ملتفت إلى مشاعرهم. 
ومن يدعو إلى الانتقام ممن يظن أنهم أحفاد قتلة الحسين (ع) فيقع في الإثم. 
ومن يشوه نصوع الحقائق بالخرافات التي يختلقها.
ومن يُحَّمل النصوص فوق طاقتها.
ومن يستجدي الدمعة بالمبالغة والتهويش والتهريج.
وهي أمور عفا عليها الزمن، ولم تعد صالحة للاستخدام في عالمنا اليوم، فالعالم تطور كثيرا، وتحول التعاطي مع المعلومة إلى مناهج علمية جديدة في غاية الدقة، وظفت لتناغم عقول الناس وتؤثر فيهم. حيث استعيض عن السلاح بالكلمة؛ التي تبين أنها أمضى من السلاح في كثير من الأحيان.
 
 المدهش أننا سبقنا العالم في استخدام هذه الآلية يوم وظفناها في مشروعنا الديني، ولكننا أبقيناها بشكلها الفطري ولم نُحسِّنها ونطورها لتتماشى مع التطور العالمي، فبقيت على جمودها؛ مما أحدث شرخا بين أطروحتها وبين المتلقي. وأقصد بالسبق توظيفنا المنبر الحسيني إعلاميا للحديث عن أعظم ثورة في التاريخ الإنساني. وإذا ما كان المنبر قد رسخ العقيدة في الزمن الماضي فهو بجموده على آليات التأسيس لم يعد يتماشى مع متطلبات العصر ومتغيراته، وبات من الملح تغيير منهجيته وتطويرها، ولاسيما الكوادر المرتبطة به والتي يمكن أن نطلق عليها اسم (مجموعة الإعلاميين المنبريين) فالخطيب الحسيني والباحث الإسلامي والكاتب والمؤلف الإسلاميين هم صحفيون من نوع خاص، وكل منهم وسيلة من وسائل الإعلام المنبري لأنهم يعملون على إيصال المعلومة الحسينية إلى الآخرين، وهم مسؤولون أمام الله عما يوصلوه إلى الناس، ولكن كم واحد منهم يشعر بثقل هذه المسؤولية يا ترى؟
وإذا ما تم النظر إلى هذه الشريحة بهذا المنظار فذلك يعني أن كل ما ينطبق على الإعلامي الحر ينطبق عليهم، وبالتالي يحكمهم ميثاق الشرف الصحفي شأوا ذلك أم أبوه، بل هم محكومون بميثاق الشرف المنبري فضلا عن ميثاق الشرف الصحفي. ولذا عليهم الالتزام ببنود الميثاقين.
ولما كان ميثاق الشرف الصحفي يلزم الإعلامي بأن لا يستخدم أساليب التهديد ضد الآخرين، فمن الواجب عليهم أن يكفوا عن استخدام أساليب التهديد أي كان نوعها. 
ولما كان الميثاق يمنع الإساءة إلى رموز وعقائد الآخرين بغير وجه حق، فمن الواجب عليهم أن يحترموا رموز الآخر أو في الأقل أن يكفوا عن التطاول عليهم أو تأنيبهم أو الانتقاص منهم. 
ولما كان الميثاق يمنع استخدام وسائل الإعلام في إثارة غرائز الجمهور، فمن الواجب عليهم أن لا يسهموا في إثارة الغرائز أو المراهنة عليها، أو التفكير نيابة عن الأتباع تطبيقا لمنهج البروباغاندا.
ويمنع الميثاق استخدام الفضاءات المتاحة في إثارة الفتن والقلاقل وبث ثقافية الكراهية والقطيعة، ولذا من الواجب عليهم أن يسهموا في بث ثقافة القبول والتهدئة، ويسهموا في التأسيس لثقافة الحوار البناء المثمر، أو في الأقل أن لا يوظفوا المنبر لبث ثقافة الكراهية والقطيعة.
ويبيح ميثاق الشرف الصحفي للآخر حرية وحق الرد، وهذا يعني أن هناك في الجانب الآخر من سيستخدم الأسلوب نفسه للرد على أي تطاول أو اعتداء بحقه؛ فتنشغل الأمة بالصراع البيني وتنسى قضاياها المصيرية الأكثر إلحاحا.
 
ولذا أرى أن ساعة التغيير حانت ويجب أن نغير عدة عملنا القديمة البالية التي ورثنها، ونستعيض عنها بعدة جديدة متطورة تماشي التطور الحضاري وتتواءم مع مواثيق الشرف. ونغير آليات تعاملنا مع المعلومة وفق مناهج قانون الدولة وحقوق الإنسان وقدسية حرية المعتقد والدين ومنظومة الحريات الأخرى لكي لا نثير نوازع الشر في نفوس أهلنا وونوازع الحقد والكراهية في نفوس من نختلف معهم. 
إن هذا المنهج العقلائي يتطلب فهما جديدا للنصوص وجهدا كبيرا لإفهام الآخر بمعناها، ففهمنا لها ـ الذي يبدو وكأنه يخصنا وحدنا ـ لم يعد كذلك، فالآخر معني بها بنفس درجتنا، وإفهام الآخر بمعناها لا يخصنا ويخصه فقط بل يخص المجتمع كله والإنسانية كلها.
وأنا هنا لا أدعو إلى الخروج على قدسية التشريع في بُعديه الديني والتاريخي ولا أدعو إلى التحريف أو المجاملة الفارغة من أجل إرضاء الآخر،وإنما أدعو إلى الحذر من أن تسحرنا جمالية النص أو ترهقنا قدسية المتوارث الديني فنفقد القدرة على الموازنة بين الواقع والمبالغة والغلو، وهو امتحان عسير نضع أنفسنا بمواجهته لنعرف إلى أي مدى يمكن أن نصل في فهمنا لعملية التوازن الموجودة في النص وفي الموروث.
 
ولنأخذ على سبيل المثال ما يردده الخطباء وترفعه المواكب الحسينية شعارا وهو شعار: (يا لثارات الحسين) هذا الشعار عظيم العادل بمعناه ودلالاته، الذي كنا ولا زلنا نردده منذ أربعة عشر قرنا؛ ولكن لم يصدر عنا أي تهديد حقيقي للغير، ولم يصدر عنا ما يبدو وكأنه بداية عصر الانتقام في أي مرحلة من مراحل تاريخنا؛ وذلك لأننا نفهم أن ولي الثأر هو المهدي المنتظر(عج) وليس الشيعي البسيط، ولدينا آلاف الدلائل على ذلك، منها ما ورد في نص زيارة عاشوراء: "فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمد (ص) وفيها أيضا: "واسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله وان يرزقني طلب ثأري مع إمام هدى ظاهر ناطق بالحق منكم"[3]
وفي زيارة عاشوراء غير المشهورة: "واسأل الله الذي أكرم يا مولاي مقامكم وشرف منزلتكم وشانكم أن يكرمني بولايتكم ومحبتكم والائتمام بكم وبالبراءة من أعدائكم واسأل الله البر الرحيم أن يرزقني مودتكم وان يوفقني للطلب بثأركم مع الإمام المنتظر الهادي من آل محمد"[4]
لكن بالرغم من ذلك هناك بيننا من يعتقد أنه ولي الدم والثأر، كما وهناك بين المسلمين من يرى في هذا الشعار تهديدا لوجوده وحياته ويعتقد أن الشيعي متى ما تمكن فسوف يقتله انتقاما وطلبا للثأر. وبالتالي لا نحن عرفنا حقيقة الشعار وفهمناها وأفهمنا الناس مضمونها، ولا الآخر فهمها من تلقاء نفسه أو حملها على محمل حسن، فخاف ومن حقه أن يخاف لأنه يشعر بالتهديد.
إن في مضامين العقائد عند المذاهب الإسلامية هناك عشرات الشعارات المشابهة التي خفي جوهرها ويُساء فهمها من قبل الآخر تحتاج إلى وقفة تأمل وفهم نقول من خلاله للآخر: إنك لست المقصود بهذا فكن مطمئنا.
 
 
الهوامش
[1] ذخائر العقبى، المحب الطبري، ص 146
[2]  المعجم الكبير، الطبراني، ج 3، ص111
[3] مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص 531
[4] المصدر نفسه، مفاتيح الجنان، ص 538



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=41743
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29