• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثقافة الأعتذار وشجاعة الأنتحار؟! .
                          • الكاتب : علاء كرم الله .

ثقافة الأعتذار وشجاعة الأنتحار؟!

أن ما وصلت أليه الشعوب  في دول الغرب على وجهه الخصوص من رقي وتمدن وتحضر جاء من أسباب كثيرة ولكن السبب الأهم فيها هو ثقافة السلطة الحاكمة وثقافة الشعب، فكلاهما أنصهرا في بوتقة واحدة أسمها حب الوطن، فأنتجوا هذه الحياة الرائعة والأوطان الجميلة المليئة بالحب والخيروالأمل والعطاء والتي ننظر أليها بأنبهار لا يخلوا من حسد!.والأهم في كل ذلك أنهم  ركزوا على ثقافة بناء الأنسان بناء صحيحا  لأنه هو رأسمالهم الحقيقي. يقول النبي المصطفى (ص)( الأنسان بنيان الله ملعون من دمره). أذا الثقافة هي الأساس في كل بناء وتطور وتقدم وحياة أفضل وأحسن. والثقافة التي أقصدها هنا هي الثقافة بمفهومها الأعم والأشمل، بدأ من ثقافة الأسرة وكيف تتعامل مع بعضها الزوج والزوجة وكلاهما كيف يتعاملون مع أبنائهم، مرورا  بثقافة  المدرسة وعلاقة المعلم بتلاميذه(لا زالت أساليب الضرب والشتم والأهمال وعدم المبالاة هي السائدة في عموم مدارسنا)، ووصولا الى الجامعة وكيف يتعامل الأستاذ مع الطلبة (أتصدقون لو قلت لكم أن معاون العميد لأحدى الكليات الأهلية قال لأحد الطلاب بسبب مشكلة تافهة وأمام سكرتيرته وفي مكتبه أطلع لو أشكك بالنص!!!)،( وأستاذ أخر بمنصب رئيس قسم في أحدى الكليات يقول لأحد الطلاب بسبب مشكلة ، هاي تصير عليها كعدت عشاير!!). نعود الى الكلام الى باقي الثقافات الأخرى مثل ثقافة سماع الموسيقى الراقية والأغاني الجميلة التي تحرك المشاعر وتشذب الأخلاق والطباع برومانسية عالية، ثم اعرج هنا الى الثقافة الصحية( لا أعتقد أذا بالغت بالقول أن 1 من كل مائة ألف عراقي!! يجري عملية الفحص الدوري لنفسه كل 6 أشهرليقف على وضعه الصحي. فقد اثبتت الدراسات العلمية والعملية ان حتى مرض السرطان الذي يفتك بالبشرية  أذا تم أكتشافه مبكرا عن طريق الفحص الدوري، عند ذلك تكون نسبة الشفاء منه عالية، ألا أن غالبيتنا نخاف ان نجري الفحص الدوري خوفا من المفاجأة من أي مرض نكون مصابين به دون ان نعلم! والكل تقول خليها على الله!) وطبعا نحن العراقيين من أكثرشعوب الأرض تخلفا من الناحية الصحية! حيث لا زال الكثير من العراقيين يمارسون هوايتهم المفضلة!!( التبول في زوايا الشوارع وأزقتها نهارا والتغوط ليلا!!) ومن الثقافات الأخرى التي لم ولن نعرفها في يوم من الأيام! هي ثقافة السكن العمودي!! أي الذين يسكنون العمارات السكنية فهناك أخلاقيات وثقافة لسكان العمارة على الجميع الألتزام بها !). وهنا نصل الى أهم الثقافات وأرقاها وأعلاها درجة ألا وهي ثقافة الأعتذار، فكم منا يعرف هذه الثقافة التي تدل على الرقي والتحضر، ولديه الأستعداد ان يعتذرأمام جمع من الناس لشخص عن خطأ أرتكبه بحقه؟ فلا زال غالبيتنا يحمل أنفة الجاهلية الأولى!!، ان كلمة العفو لا تفارق أفواه الشعوب المتحضرة والمتمدنة ويرددونها لأبسط الأسباب وأبسط (طخة) في المتجر أو الميترو أو السوق فسرعان ما تسمع كلمة (سووري) الأنكليزية او( باردو) بالفرنسي وحتى يمكن ان تسمع كلمة( أزفنيتي) أي العفو باللغة الروسية!، وأيضا دائما ما نلاحظ أفراد هذه الشعوب المتحضرة هو من يبادرك التحية بحركة في الرأس أو باليد وأنحناءة مع أبتسامة أحلى حتى  من أبتسامة (هيفاء وهبي)!!! ونجد ذلك بالخصوص عند اليابانيين المعروفين بأخلاقيتهم وتربيتهم العالية دون شعوب الأرض كلها وأيضا نجد ذلك عند الهنود أيضا.وقبل أيام ودع العالم كله بكل أحترام وأجلال وأكبار زعيم الأنسانية (نيلسون مانديلا)، هذا الرجل الأسود الذي أستطاع أن يحول بلده (جنوب أفريقيا) من بلد تتنازعه الصراعات العرقية والعنصرية الى بلد يسوده السلام والمحبة والتسامح والرقي والأزدهار وذلك عن طريق نشر ثقافة الأعتذار!! فبعد خروجه من السجن بعد 27 سنة قضاها بين قضبانه ووراءه  الملايين من السود منتصرا على خصومه من البيض الذين ناصبوه العداء والتفرقة له ولأبناء جلدته لم ينتقم منهم بل انشأ لجنة(المسائلة والمصالحة) المعتدي يعتذرمن المعتدى عليه والأخير يقبل الأعتذار!! في سابقة لم تحدث في دولة من دول العالم حتى صار الزعيم (مانديلا) وسياسته في التسامح مضرب الأمثال؟! ( راجع مقالنا المنشور في نفس الموقع عن الرئيس مانديلا)، وكم من مرة سمعنا عن رؤساء دول تنازلوا عن رئاستهم لأنهم أكتشفوا أن وزراء في حكوماتهم كانوا فاسدين فأعتذروا بكل شجاعة للشعب أمام وسائل الأعلام محملا نفسه مسؤولية  ذلك!!. وكلنا يتذكر الرئيس الفرنسي الأشهر( شارل ديغول) الذي تنازل عن الرئاسة رغم  فوزه بالأنتخابات  عام 1969! معتذرا للشعب الفرنسي لأنه أكتشف أن فوزه لم يكن بأغلبية ساحقة! وهناك من الشعب الفرنسي من لا يرغب به!! فترك الرئاسة وعاش بقية عمره في بيته  الريفي الى أن مات!!.وأيضا الحديث يأخذنا الى وزير الدفاع الألماني في حكومة المستشارة الألمانية( ميركل)، الذي أثيرت حوله شبهة فساد! مفادها أن أطروحته بالدكتوراه مسروقة!! فقامت عليه ألمانيا ولم تقعد، وبعد التحقيقات ظهرت الحقيقة هي غير ذلك تماما! حيث تبين ان هناك (4) أسطر فقط لا  غير!! ذكرها في موضوع اطروحته ونسي أن يشير الى من قالها!! وقد أيدت الجامعة ذلك ولكن الموضوع لم ينتهي عنده فأعتذر وقدم أستقالته!!، وللحديث صله حيث نشرت وسائل الأعلام خبرأستقالة وزيرة في أحدى الدول الأسكندنافية (السويد-الدانمارك-النرويج- فنلندة) بعد أن قدمت أعتذارها للحكومة وللشعب لكونها ملأت خزان وقود سيارتها الشخصية من دفتر(النسيئة) الخاص بالسيارات الحكومية مضطرة حيث كانت على عجلة من أمرها ونست محفظة نقودها في البيت فأنقلبت عليها  الدنيا! فأعتذرت على فعلتها الشنيعة!!! وتركت الوزارة!!. فثقافة الأعتذار تعتبر أحد الركائز الهامة في بنيان الشخصية الأنسانية، .أما الشطر الثاني من موضوعنا وهو شجاعة الأنتحاروقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع  أود أن أوضح  بأني لا أقصد هنا البهائم التي ترتدي الأحزمة الناسفة وتفجرنفسها وسط جموع  الزائرين لمرقد الأمام الحسين (ع) أو وسط جمهرة من الناس، فعملهم هذا لايمثل أية شجاعة بقدر ما يمثل قمة الخسة والدناءة والجبن والسقوط الأخلاقي والأنساني، وكثير ممن ألقي عليهم القبض قبل أن ينتحرتبين أنهم يتعاطون حبوب (الهلوسة وفقدان الوعي)!!. شجاعة الأنتحار التي أريد الكلام عنها هي غير ذلك تماما،أرى أن من يقدمون على الأنتحارهم أكثر الناس شجاعة وقوة ومبدئية ! وقرأنا الكثير من القصص التي تحدثت عن انتحار الضباط والجنرالات الكبار عندما يخسرون المعركة فيفضلون الأنتحار على ان يقعوا أسرى بيد أعدائهم، فالزعيم الألماني الفوهرر(هتلر) عندما تيقن تماما بأنه  خسر الحرب (الحرب العالمية الثانية من  1939-1945) وان جيوش السوفيات دخلت العاصمة برلين وأصبحت على مشارف(الرايخشتاخ) أي البرلمان الألماني،طلب من خادمه الشخصي ان يحضر له الفطورونزل الى قبو داخل القصر الرئاسي وكانت برفقته صديقته ( أيفا براون) وقال له عندما تسمع أطلاق نار اسكب البانزين علينا وأحرقنا!! وبالفعل تم حرق جثتيهما! فهتلر فضل  الأنتحاربكل شجاعة على أن يقع أسيرا بيد أعدائه وخلد نفسه بالتاريخ!!. ونفس الشيء فعل الزعيم التشيلي الماركسي(سلفادور أليندي) الذي أنتحربطريقة أكثر شجاعة عندما قاوم انقلاب العسكر الذي قاده (الجنرال بينوشيت) المدعوم من أمريكا، قاومهم بمسدسه الشخصي (عيار 7 ملم)!! حتى قتل! فآثر المقاومة والقتال على ان يقع أسيرا بيد أعدائه الأنقلابين.وما دمت أتكلم عن شجاعة الأنتحارلا بد لي هنا بالتذكير بالطريقة المخزية التي ألقي القبض فيها على الرئيس العراقي المعدوم(صدام) الذي طالما تبختر بالسيف والقوة والشجاعة وتبين أنه لم يكن عند كلامه بالشجاعة بل كان ظاهرة صوتية!!، أقول كم كان بودي لو قاتل الأمريكان أو أنتحربمسدسه الشخصي الذي كان معه ولا يعطي نفسه ذليلا جبانا كما ظهر وأخزى نفسه وأخزى العراقيين معه!! والطريف في أمرالقاء القبض على صدام انه حتى مسدسه الشخصي كان غير محشوا بالأطلاقات!!! والمسدس موجود في أحد مكاتب البيت الأبيض الأمريكي، وكان الرئيس الأمريكي(بوش) يعرضه لزائريه للسخرية  من صدام ويقول هذا مسدس صدام الشخصي لم يكن محشوا بأية اطلاقة عندما أخرجناه من الحفرة!!!. ونفس الشيء حدث مع الدكتاتور الليبي (القذافي) الذي تم أغتصابه !!! من قبل الثوار فبل ان يقتلوه وكان بأمكان هذا الجبان الآخر أن يقاتل لآخر لحظة ويموت او ينتحر ولكن ارادة الله ارادت أن تخزيهم في الدنيا قبل الآخرة. فصدام والقذافي (طلبوا العزة بباطل فأورثهم الله ذلا بحق / قول الأمام علي (ع)). ولا بد لي هنا من الأشارة بكل فخر وأعتزاز الى أستاذتي الراحلة الدكتورة (حياة شرارة) التي درستني الأدب السوفيتي عندما كنا طلابا في الكلية، والتي آثرت الأنتحار مع أبنتها!! في تسعينات القرن الماضي على ان تتنازل عن مبادئها الماركسية!! ، بعد أن حاربتها السلطة وأغلقت كل الأبواب في وجهها.وللمسؤولين والرؤوساء حكاياتهم في الأنتحار، فالرئيس الكوري الجنوبي (رو مو هيون) فضل الأنتحار بعد ان اشيع عنه أستغلال منصبه وهو الذي كان يسمى بالرجل النظيف!!.وكذلك وزير الزراعة الياباني(توسيكاتسو) الذي انتحربكل شجاعة قبل مثوله امام البرلمان بساعات لمسائلته عن عقود ابرمتها وزارته اثيرت حولها شكوك بالفساد!!. ونذكر هنا أيضا انتحار وزير الحزانة الأمريكي (رد أيدر) في عهد الرئيس الأمريكي (رونالد ريغان) الذي أتهم من قبل الصحافة بالفساد وأستطاع ان يقدم دليل براءته امام لجنة التحقيق التي برأته  فعلا ولكنه قال: أنا أشفق على أطفالي فأنه سيصيبهم العارونظرة الأتهام ممن حولهم حتى وأن برأتموني! ثم أخرج مسدسه وانتحر أمام لجنة التحقيق!!. بعد كل هذا أسأل : كم مسؤول عراقي يجب ان يقدم اعتذاره للشعب العراقي؟ على ما وصل أليه العراق من بعد عشرسنوات من الفساد والضياع  والخراب والدمار والخوف والموت والغرق بمياه الأمطارومياه  المجاري الآسنة  والأمية والجهل والتخلف؟، وكم مسؤول عراقي  يجب ان يقدم على الأنتحار بسبب قضايا الفساد وعدم  النزاهة وأستغلال المنصب التي طالتهم؟وما موقف عوائلهم؟ وهم يسمعون عنهم كل يوم ما يخزي ويعيب؟ لااعتقد اننا سوف  نرى او نسمع ذلك، ليس لكونهم لا يعرفون ولا يفقهون  ثقافة الأعتذار ولايمتلكون الشجاعة على الأنتحار حسب  بل لأنهم و بأختصار طلاب سلطة وليسوا بناة دولة!! والله المستعان على مايفعلون.  




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=41213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18