• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المنامة السابعة والثلاثون ابن سيَّا وصدام .
                          • الكاتب : د . محمد تقي جون .

المنامة السابعة والثلاثون ابن سيَّا وصدام

 بعنفٍ شديد سحبتـُه من استغراقاته (فيه). انه يدخل (فيها) فيضيع حين يعتقد انه سيعود سريعاً كعادته بصيد (الحسم).. يا له من موضوع مستحيل!!! انه يُعذر جداً لأنه لا يزال (يبحث)؛ فلم يقل خطأً واعتقد أنه قال الصواب، وهذا يكفي... سيضحك التاريخ وناسه الجدد دوماً مما قيل ويقال حين يكشف خطأ ما اعتقد وأشيع وتبني من تحليلات وآراء.
فانتبه...(ابن سيَّا) واعتذر عن (صيد شيء) وعاد إلى (استغراقاته) في (صدام): " ترى ماذا يقول المرء فيكون قد قال الحقيقة التي هي غير الحقيقة المطروحة (طرحاً)؟ غير أن الباطن يظهره الظاهر واللاحق يُتكهن به بالسابق، ولكن مهما قلت فلن يكون إلا إضافة أكوام من الكلمات الصماء إلى الركام (المكلكل) على الصدور والنفوس (عنه)، والذي رغَّب عن (الحقيقة)!".
ستوقظ النائمين من (نومهم الصاحي)، ومَن المستعد لسماع حرف واحد زائد؟! لقد أصبح الحديث (فيه) مملاً.. انه (استغراق في الحقيقة) ينتهي إلى (حقيقة في الاستغراق)!
" كلا فلتدوِّ كلماتي، وليتحول ضجيج الادعاءات إلى صمت يسمح بمرور الحقيقة بخيلاء.. إنها مجرد ضوضاء مضللة أو دفاعات ومتاريس وضعت بوجه الحقيقة المعطلة إلى (حِيني)"! كان ابن سيَّا على ثقة مما توصل إليه، فانه استجمع (أفعال) صدام كلها خلال ظهوره في فصوله كلها ليستقطرها (كلمات) تشهد ضده وتنطق بحقيقة كرهه ومقته للعراق والعراقيين جميعاً وسوء ظنه بهما، وطاعته الكلبية لأمريكا ومشروعها في العراق، وحبه الأناني الاثري لنفسه. انه خلاصة الغدر والمكر والإثم والكفر والجبن والعمالة. هذه أفعال صدام وكرهه للبلد والشعب استخلصها ابن سيَّا كلمات شعر:
مَنْ قالَ: إني عراقِي     دعابة يا رفاقِي
أنا أتيتُ مضيماً         وقاتلاً دون باقِي
أعبُّ عند اصطباحي     دماءهم، واغتباقي
وكنتُ منذ التقائي         على اتفاق فراقِي
إني بعثتُ رسولاً         إلى بلاد النفاقِِ
أنا الأكاذيبُ جالت     على ظهور العتاقِ
أدعو لدين (أميركا)     وفكرها الخلاَّقِ
شعباً تعوَّد سحب الذقون، رشـــح البصـاقِ
أمضي فيمضي وجودي    (جسماً) وتبقى البواقي

كان ابن سيَّا عميق التصور، دقيق التدبر، عاش العراق والعراقيين من الداخل، ووازن وقايس حتى تحقق له الحق، وعاد إلى القوانين فعادلها بالأحداث فأخرجت له (دقيق الصدق). 
" انه (مصنَّع) فهو (آلي)، نعم خلقه الله، ولكن أجريت عليه تعديلات بنسبة (100%).. فلاءم التجاويف والثغرات المحفورة في الشخصية العراقية إذ صاغوه بدقة وعالجوه بمشقة.. فمرّ بآخر يسر من تلك الثغرات المعقدة، وبالتالي صار مؤثراً في العراقيين خطابُهُ، سريعة منهم طاعته وجوابُهُ.. واستحال (ضمير العراق) المزيف الذي أتقن بدرجة (الأصيل) فاستحوذ استحواذاً. انه الجانب السلبي في الشخصية العراقية، فهو قادر على الخطاب والتحكم ما دامت الظروف السلبية هي المتحققة، فالصدامية هي السلبية العراقية زائداً الظروف الاستثناثية الشريرة التي مثلتها سنوات حكمة وتمثلها سنوات بعد سقوطه، وهذا دليل إضافي على أن صداما ومرحلة ما بعده من صنع الولايات الأمريكية بجدارة.
كان ابن سيَّا يتحفظ في موضوعة (نهايته) ويراها (بداية دائرية)؛ فكلما وصل (النهاية) عاد (بداية)، ولمْ ولنْ يتحمل فكرة نهايته؛ فهو يرى صداماً، بوصفه ظاهرة، خرج من ثغراتنا ويبقى ما بقيتْ تلك الثغرات غير مردومة.. وبالتالي غير متوقع أن يقتله أجنبي من الخارج، بل نقتله نحن من الداخل بإعادة صياغة دواخلنا تماماً":
عِشناكَ أقسى واقِعٍ     أفضى إلى أقسى خرافَهْ
يا مَنْ تسلل من دواخلنـــــا ليطفو وهو آفَهْْ
أوصافُهُ ثغراتنا: الطمـــعُ.. التخلفُ.. والمخافَهْ
سيعودُ (صدَّامينَ) إنْ     لمْ تردموا هذي السخافَهْ!
**
واستهزأ ببطولاته الساخرة من العراقيين:
أكثرتَ من ذكر (الصمودِ) وكم         أفضى تداعيه لـ(صمُّـونِ)
                     ورأيتني في الفرن أطلبــــه               لا في المعارك والمياديــنِ
                    يا قائداً جمع الجيــــاع إلى             غايات مخبوزٍ ومطحــونِ
                    لاهُمَّ لا أعطاكَ يا شبـــحاً             عشنا خرافتــــــــــــــــــــــــــه كتنِّينِ
                    أبقيتَ أكداساً مكدَّســـةً                     قولاً بلا معنى ومضمـونِ
ودعا العراقيين الى تجاوز مرحلته والاستفادة من انهزامهم مع صدام بنزع كل الأسباب التي حققت لصدام انهزامهم أي: انتصاره حتى سلمهم وسلم العراق بنجاح إلى أمريكا في كوميديا حربية باتت واضحة فاضحة:
قم من كرى قم من كرى       يا شعبُ واجهدْ أن ترى
                             جنودُهم قد دنَّســـــــــــــــــــــــــــــــــوا الأرضَ وداســـــــوا البشرا
                            وأظهروا صدَّامهـــم          بعكس ما قد أظهــرا
                            قائدُهم إلى العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراق.. فعليكَ انتصــــــــــرا
                           ما كنتَ (منصوراًً) كما     قالَ، ولا (شعــبَ الذرى)
                           صدَّامُ ضحَّى بالبطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولاتِ وكلِّ ما افتـــــــــرى
                           ألقى كنى أرضاً وألقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاباً بها هــــــــــزَّ الورى
                           أسلمكَ اليــومَ إلى     عِدَىً ولا أسدَ الشــرى
                           وقادةٍ جاؤوا يقودون البــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلادَ للـــــــــــورا
                           فامخض بنيك وانتخب     قائدك المنتصــــــــــــــــــــــــرا
ولم يجد ابن سيَّا من اطراد الخطبة بعد الإفضاء بدَّاً، ولكنه قلَّب عينيه وأدارهما، فلم يجد أحداً غير العراق يناقش معه موضوعة (الطغاة المستديمين) وتكراراتهم المملة، التي تفرض دائماً على المِلَّة، فتضعَها على المَلَّة. والعراق هو البلد المبتلى بخوف الشعب وظلم الحكام.. لذا فالتخلص من هذا الاعتياد يقتضي شعار (ما دمت تخاف فأمامك صدام يحكم). فأطلقها أبيات نافذة تشق إلى الأعماق دربا، وتدوَّي في الأسماع غضبى، لتقطع الخوف (المتعنكب) إرباً إربا:
بلدي المفجَّع كم تعيـــــش     حقيقة موصولة الآباء والأعمامِ
من عهد لا أدري إلى العهد الذي         أدري وتدريه، عروش طغامِ
وأنا أراكَ معابراً ومنابراً             للقادمينَ، ونهبَ كلِّ مَرامِ
قدر تُسلسلك الحروب فدائماًً         حربٌ، وتحلمُ خائباً بسلامِ
من كلّ فرعونٍ يلوح بوجهِهِ         سيماءُ راعي حُرمةٍ وحَرَامِ
إنَّ الدماءَ الفاسداتِ على الثرى         أرجٌ وفي الأعراق محض سِمامِ
عيبٌ تعيشُ الظلم في زمن طغى         وعيٌ على الطاغين والظلاَّمِ
سيظلُ سيرك (للأمام) محرَّماً         فأمَامَكَ الأعداءُ ألفُ أمَامِ
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40717
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29