• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم في المركز الاسلامي في انجلترا .
                          • الكاتب : د . علي رمضان الاوسي .

دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم في المركز الاسلامي في انجلترا

 من هو المنجّـي؟
(قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ، قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ، وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ، لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)([1]).
دليل آخر على قدرة الله سبحانه من خلال خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله) للكفار: من ينجيكم؟ من يخلصكم في اسفاركم من شدائد هذه الظلمات وقد تكون الظلمات حسّية كالذي يواجه الغرق في البحر أو خطر الوحوش في البر وما شابه فهذه الشدائد تتسبب في ايجاد الظلمة ولعل الليل يضفي رهبة اكثر حين تقع الشدائد فيه.
وهناك ظلمات معنوية قد يواجهها الانسان:
الظلام المعنوي:
ومنها الشبهات والصعوبات والمشاكل الاجتماعية والجهل والفقر والمرض والفساد الاخلاقي والمالي والتخلف الاقتصادي وغيرها فهذه تتسبب في تعقيد السير الحياتي للانسان فتظلمُّ في عينيه الدنيا على رحبها فيعيش ظلمات قد يطول زمنها في ايذاء الضحية ونشاهد اليوم أمماً كثيرة تعاني من مثل هذه الظلمات رغم انها تعيش نهارها لكن الظلمات هنا انما تهجم على القلب فتفتت العزائم وتقضي على الارادات.
تضرعاً وخفية:
وهم في الظلمات وشدائدها يدعون ربهم (لئن انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين) وهذا وعد منهم بالشكر لله سبحانه، وقد أظهروا ذلك في دعائهم تضرعاً حين يصرخ الانسان بالدعاء علناً وحين تشتد عليه الظلمات والشدائد، وخفية: حين يسر بالدعاء مع نفسه وربّه.
قال (صلى الله عليه وآله): (خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي).
هل وفّـى هؤلاء وعدهم؟
المنجّي الحقيقي هو الله سبحانه لا غير وان توفرت اسباب نجاة أخرى فهي دون السبب النهائي وتعود إليه وهو الله سبحانه، فالله لا يتخلى عن خلقه لا سيما اذا دعوه بالخلاص فهو القادر، لكنهم لم يفوا بوعدهم كما أشارت الآية إلى ذلك اذ عادوا بعد إنجائهم الى الشرك مرة أخرى. (ثم أنتم مشركون) وفي ذلك تقريع وتوبيخ لهم.

قال سبحانه: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))[2](.

 

الكرب:

هو الغمّ الشديد، وهو الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس وجمعه كروب. وكربه الغمّ اذا اشتد عليه، وهي من حفر الارض وقلبها، اذ الكرب يقلب قلب الانسان ويضغط عليه. فالله سبحانه هو المنجّي من تلك الظلمات ومن الكرب ايضاً.

 الاسلوب التربوي الآخر:

الى جانب ذلك الحنوّ والرأفة بالمخلوقين حين يدعون ربهم فأن الله سبحانه قادر على ان يرسل عذاباً وعقوبة عليهم وهذا توازن في غاية الدقة لبناء الانسان فهو يتحرك دائماً بين عقاب وثواب وترغيب وترهيب الهيين مما يؤسس في النفس الطاعة والامتثال والرغبة في التحرك نحو الله سبحانه.

أنواع العذاب:

ذكرت الآية الكريمة ثلاثة أنواع من العذاب لمن يشرك مرة أخرى بعد ذلك الدعاء العريض:

1-عذاباً من فوقكم: كالحجارة على قوم لوط (عليه السلام) والريح على قوم عاد والطوفان على قوم نوح (عليه السلام) والصيحة على قوم شعيب (عليه السلام) وهكذا كل عذاب ينزل من فوق على رؤوسهم كالبراكين والصواعق.

2-أو من تحت أرجلكم: كالخسف الذي حصل لقارون والرجفة لثمود وهكذا كل عذاب يزلزلهم من أسفل كالزلازل وغيرها وجهتا وقوع العذاب من أعلى وأسفل هو في غاية الإيلام وعدم القدرة على دفعه. ولا يمنع ان يكون معناه العذاب من الظالمين والمتسلطين فيأتيهم من فوق أو العذاب من أعوان الظالمين وسفلة المجتمع المتعاونين مع الظالم الذي يأتيهم من تحت ارجلهم.

3-العذاب الثالث: التفرق والعذاب: (أو يلبسكم شيعاً) فلا يشكلون أمة واحدة وتبقى آراؤهم المتناقضة تنخر في وحدتهم وتمنع منها، وعليه تكثر أوهامهم ونزاعاتهم، فيشهد المجتمع انهيارات اجتماعية واخلاقية ثم لا يكتفون بذلك فقد يبلغ بهم الأمر الى قتل بعضهم البعض (ويذيق بعضكم بأس بعض) فتقوم العداوات وتتمزق صفوفهم فلا وحدة تنظمهم حتى يعودوا شيعاً وجماعات متفرقة متناحرة.

وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (سألت ربي ان لا يظهر على أمتي أهل دين غيرهم فأعطاني وسألته أن لا يهلكهم جوعاً فأعطاني وسألته أن لا يجمعهم على ضلالة فأعطاني وسألته ان لا يلبسهم شيعاً فمنعني ذلك).

تصريف الآيات:

(انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).

الصّـرْفُ: ردّ الشيء من حالة إلى حالة أو إبداله بغيره، والتصريف كالصرف، وتصريف الرياح هو صرفها من حالٍ الى حالٍ قال تعالى: (وصرّفنا الآيات)([3])، وقال تعالى: (وصرّفنا فيه من الوعيد)[4]، ومنه تصريف الكلام وتصريف الدراهم.

انظر:

أي تأمل وتفكّر يا رسول الله في كيفية ذكرنا وترديدنا لأدلة التوحيد حتى يفهم هؤلاء ويفقهوا، فالله سبحانه يعني من هذا النظر الى التصريف ضرورة فهم الحق والاذعان للخالق المتعال، ولا يمكن التجاهل والغفلة بعد هذا البيان والتوضيح فتصريف الأدلة حجة على المأمور بالنظر فيها. وهذا أسلوب تربوي آخر لبناء التوحيد في قلوب الناس ونفوسهم.

لستُ عليكم بوكيل:
رغم كل تلك الدلائل وتصريف الآيات والنظر فيه كذّب قوم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بالقرآن أو بذلك التصريف لكن ذلك هو الحق من الله المبني على الادلة الفطرية والعقلية وهذه ثقة أخرى من الله وتصديق مقابل ذلك التكذيب غير المبني على أي دليل.
فالموقف من هؤلاء انك يا رسول الله – بعد عنادهم – قل لهم انك لست كيلاً عليهم فأنت مبلّغ للرسالة ولا يضرك تكذيبهم ولست حفيظاً ومتسلطاً عليهم ثم انك لست بضامن قبولهم، فالرسول (صلى الله عليه وآله) لم يؤمر من الله سبحانه بمنعهم من التكذيب بآيات الله وقل لهم لا أحامي عنكم ولا عن عواقبكم.
لكل نبأ مستقر:
وهذه ثقة أخرى يتحدى النبي (صلى الله عليه وآله) بها مخاطبيه (لكل نبأ مستقر) وهو إخبار عن تحقيق وعد الله لعاقبتي المؤمن والكافر في الدنيا والآخرة، فما كان في الدنيا يظهر أثره في مستقر من الزمان والمكان، وما كان في الآخرة فسيظهر أثره فيها من حساب وعقاب وجزاء وثواب وكل وعد ووعيد، ثم بصيغة التوبيخ المتضمنة تهديداً للمكذبين قال تعالى: (وسوف تعلمون) عاقبتكم ومصيركم.
دروس اجتماعية مستفادة:
1-كيف تتحول الشدائد الى ظلمات.
2-أهمية الدعاء بين التضرّع والخفية.
3-الظلمات والكروب والانجاء منها سير تكاملي كيف تقرأ ذلك؟
4-كيف يواجه المجتمع دعوات الظلام المعنوي؟
5-وحدة الأمة في تجاوز أسباب (أو يلبسكم شيعاً).
6-(لكل نبأ مستقر) كيف تقرأه في واقعك الاجتماعي؟

([1]) سورة الانعام: 63-67.

([2]) سورة العنكبوت: 65.

([3]) سورة الاحقاف: 27.

([4]) سورة طه: 113.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40174
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28