• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ملاحظات أساسية حول الحراكات في البحرين .
                          • الكاتب : علي بدوان .

ملاحظات أساسية حول الحراكات في البحرين

أثارت الهبات الشعبية المتتالية في البحرين، العديد من الأسئلة المتعلقة بها، فهل هي هبات شعبية حقيقية ضد الفساد ومن أجل العدالة والكرامة والحرية، أم أنها ترتدي طابعاً طائفياً بحتاً كما تروج بعض المصادر التي دأبت على إحالة الأحداث البحرانية إلى إيران دون غيرها..؟
في البداية لابد من القول بان أحداث البحرين تأثرت بشكل مباشر بماجرى في كلاً من مصر وتونس، حين بدا واضحاً أن الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية، خلقت مناخاً عربياً جديداً، تجلت أبرز معالمه في بروز رغبة جامحة عند عموم قطاعات الناس في العالم العربي للتغيير، وتصدر الفئات الاجتماعية الجديدة من  شباب وفتية زمام الحركة التغييرية، وغياب الأطر والأحزاب التقليدية ذات البنى الأيديولوجية المغلقة عن هذه الحركة، فضلاً عن التماثل بين مطالبها في مختلف أقطار الوطن العربي، وهي مطالب تتمحور بشكل رئيسي حول عناوين العدالة والمساواة والكرامة.
ومع ذلك، إن الحراكات التي حصلت في البحرين قبل فترة قصيرة، واستتباعاتها الراهنة، لم تأت هكذا دون مقدمات تذكر. فقد شهدت البحرين طوال السنوات الماضية احتكاكات داخلية كثيرة، وحراكات اجتماعية ملحوظة وذات مضمون سياسي، داخل البرلمان، وعلى صفحات المطبوعات والصحف اليومية وداخل بنى مؤسسات المجتمع المدني وجمعياته ومثقفيه وعموم نخبه الفكرية والسياسية في بلد يضم بين جموع شعبه فئات متعلمة واسعة الحضور والتأثير، ونخباً مرموقة محسوبة على العالم العربي ككل وليس على البحرين فقط، وذلك لأسباب لها علاقة بحياة الناس وأمور المجتمع المباشرة وقضاياه المعيشية، ولأسباب سياسية ايضاً.
موزاييك الحركة السياسبة في البحرين
وتتميز البحرين دون سواها من دول الخليج تقريباً، بوجود حركة سياسية نشطة، ميزتها على الدوام عن باقي بلدان الخليج، وفيها في الوقت نفسه قوى وأحزاب متنوعة المشارب الفكرية والأيديولوجية، منها القوى والشخصيات اليسارية التي تناسلت من رحم ماكان يعرف بـ (جبهة التحرير الوطني البحرانية بقيادة سيف بن علي) و (الجبهة الشعبية في البحرين بقيادة عبد الرحمن النعيمي) وهما تنظيمان ماركسيان، يعودان في نشأتهما إلى حركة القوميين العرب التي أسسها الدكتور جورج حبش في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1949، وكانا إلى وقت قصير من القوى المحظورة في البحرين، إلا أن تمت تسوية أوضاعهما مع تحول صيغ وعناوين العمل التي حملها كلا التنظيمين باتجاه الانخراط العلني في المسار السياسي في البلاد تحت عنوان أخر لكل منهما، وتحت مسميات المعارضة الديمقراطية الممثلة بـ (المنبر التقدمي) و (جمعية العمل الوطني الديمقراطي) و (التجمع القومي). 
ويضاف إلى ذلك، الحركة التي افرزها الحراك الراهن والمتمثلة في القيادات الميدانية الشابة التي أصبح لها كلمة في الشارع وبين الناس، وباتت تحمل اسم مجموعة شباب ( 14 فبراير) وهي مجموعة مؤلفة من شباب لا ينتمون في المجمل إلى جمعيات أو أحزاب أو قوى سياسية، فهم انتظموا فيما بينهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، ومنها موقع الـ (فيسبوك) وأداة (تويتر)... وغيرها من التقنيات المتطورة لوسائل التواصل والاتصال.
 ومايميز هؤلاء الشباب أنهم لا ينتمون إلى طائفة بعينها، فمنهم من المسلمين السنة ومنهم من المسلمين الشيعة، وهو مايمثل عامل تميز وقوة لهم في المجتمع، ويبعدهم عن تأثيرات الخارج، بل ويكسبهم احترام الخارج (العربي والدولي) باعتبار أن حراكهم ونشاطهم يعود لأسباب وطنية جامعة وموحدة للشعب في البحرين بالدرجة الأولى. 
وإضافة لذلك، فان القوى الإسلامية تحظى بدورها بوجود محسوس وملموس داخل نسيج المجتمع البحراني، وترتسم وفق ثلاثة تيارات، التيار الأول يتمثل في التيار الشيعي صاحب المواقف الراديكالية، خصوصاً المتعلقة منها بالصراع العربي الإسرائيلي، ممثلاً بشكل خاص في (جمعية الوفاق) و(جمعية العمل الإسلامي) وبعض التيارات غير المنضوية في إطار الجمعيات السياسية مثل (حركة حق). ويتمثل التيار الثاني بالقوى السنية السلفية، وهي قوى لها أيضا مواقف نقدية للوضع العام في البحرين، لكنها حدية في التعامل والتعاطي مع الشأن اليومي، ومع القضايا المطروحه وتفتقد للمرونة التي لابد منها في مسار التحولات السياسية والاجتماعية في أي بلد كان في العالم.
أما التيار الثالث فيتمثل بالتيار الإسلامي الوسطي المعتدل وغالبيته من المسلمين السنة، ويمثله بشكل رئيسي (جمعية المنبر الوطني الإسلامي) التي تمثل خط الأخوان المسلمين المعروف. وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة التي شهدها البحرين، والتي فرضت وقائعها على الحراكات الداخلية، ائتلفت أربع جمعيات سياسية وخيرية، من خارج المعارضة، في إطار جديد حمل اسم (تجمع الوحدة الوطنية) بحضور أساسي لقوى التيار الإسلامي في الشارع السني، وبعض الوجهاء والشخصيات المستقلة، وهو ائتلاف يتقاطع بشكل كبير مع مواقف الإخوان المسلمين ممثلين بـ (جمعية المنبر الوطني الإسلامي).      
ولاننسى في هذا المقام وجود تجمعات بحرانية وطنية وعروبية، مناهضة للتطبيع مع "اسرئيل" ومناصرة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وتطالب على الدوام بمواقف سياسية بحرانية جريئة ومسؤولة بالنسبة لقضايا الصراع العربي والفلسطيني مع العدو الإسرائيلي.
البحرين وسمات الحراك الوطني والسياسي
يجمع كل المراقبين والمتابعين، بأن احتجاجات الشعب البحريني بشكل عام، جاءت نزيهة ونظيفة ومقبولة, لولا أن الرداء الطائفي الذي (لحق أو ألحق) بها أساء إليها إساءة بالغة، وأظهر الأمور وكأنها صراع بين أبناء الشعب الواحد من طائفتي المسلمين السنة والمسلمين الشيعة،  بالرغم من أن تلك الفعاليات الوطنية التي وقعت في المنامة وميدان اللؤلؤة خلال الفترة القصيرة المنصرمة، والنظيفة البعيدة عن الرداء الطائفي، استطاعت من خلال النشاط السياسي للقوى السياسية والمجتمعية في البحرين، أن تفرض وقائع وتغييرات اندفعت بها قيادة البحرين للسير نحو الأمام بخطوات في طريق الإصلاحات المنشودة.
لقد صدر عن الملك حمد بن عيسى آل خليفة سلسلة من الإصلاحات التي قال إنها تأتي في إطار تحسين العلاقات الداخلية بين مختلف قطاعات الشعب، وهو أمر مازال بحاجة لعلاج ناجع من اجل ردم الهوة بين الناس، ومن اجل تحسين أوضاع الجميع في البحرين وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية. 
وفي هذا السياق، إن لعب بعض الأطراف على وتر التنوع الطائفي في البحرين قد يطيح بالأهداف والمطالب السياسية والقضايا المطلبية الداخلية، وقد يعيد إنتاج الأمور وكأنها صراع مذهبي وطائفي داخل البحرين في مشهد مقيت لايفيد بتحقيق أهداف المجتمع المحلية، بل يعيد إنتاج الفوارق والاختلافات وينميها ويدفع بالبحرين باتجاهات مدمرة.
وعليه، إن اصطباغ المطالب الوطنية والمطلبية برداء طائفي عند البعض في البحرين يسىء لتلك المطالب ويخفض من قيمتها وعدالتها، ويدفع نحو مخاطر خنق المطالب العادلة وإجهاض أصحابها من خلال دفع البلد نحو المنزلق الطائفي. فمطالب التغيير العادلة شيء وإعادة إخراج ونبش القمقم الطائفي من قوقعته شيء أخر، بل ويترك المجال لإعادة تصدير تلك المطالب باعتبارها ذات جذور غير سليمة وغير عادلة، ومرتبطة بالخارج. 
خلاصات واستنتاجات
وبالخلاصات والاستنتاجات الرئيسية، يمكن القول بأن قضايا البحرين الداخلية التي أعلنها الشعب عامة عبر القوى والمؤسسات والجمعيات والائتلاف الشبابي الجديد (مجموعة 14 فبراير) هي قضايا وطنية ومطلبية عادلة ومحقة، كما هي مطالب سياسية، حيث توجد في البحرين قوى سياسية فاعلة ومؤسسات وطنية ومجتمعية مستقلة وراسخة. 
إن القضايا المثارة اليوم في البحرين ذات طبيعة مركبة، تتداخل أبعادها المختلفة على نحو وثيق بالقضايا الداخلية المطلبية، قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية، والمواطنة التامة للجميع من أبناء البحرين. وفي هذا السياق جاءت اقتراحات البعض بإعلانه عن فكرة (الملكية الدستورية)، في فكره مازال ينقصها التفسير الممكن  للمدى الذي يمكن أن تذهب تلك الفكرة، على الصعيد التطبيقي. كما ينقصها الإجماع بين مختلف التكوينات والتشكيلات السياسية والمجتمعية.
 ومع ذلك فان تلك الفكرة وما قد يتمخض عنها، وما قد يصدر من أفكار إضافية، يؤكدان  أن الأفق السياسي في البحرين مفتوحاً ورحباً ويحتاج إلى المزيد من العمل لإنضاج الأفكار الخلاقة التي تفتح الطريق أمام التغيير والإصلاح الديمقراطية الذي يضمن في الوقت نفسه الحفاظ على وحدة البلد والشعب. فالإصلاحات الجذرية على مستوياتها الوطنية الداخلية، والمطلبية، وإحقاق المساواة بين الجميع من المواطنين، ومنح المزيد من الجرعات الديمقراطية في حياة الناس، والبدء بخطوات الإصلاح السياسي، باتت قضايا عناوين هامة، لايمكن القفز عنها إذا أريد للأوضاع في البحرين إن تهدأ وأن تعود الأمور إلى مجاريها. 
أخيراً، إن رياح التغيير التي هبت على المنطقة وعلى العالم العربي من محيطه إلى خليجه، لايمكن بسترتها، وتعليبها، أو إرجاعها لنظريات مختلفة كنظرية المؤامرة أو العامل الخارجي وحده، فالأساس في كل مايجري هو العامل الداخلي قبل غيره، في ظل تكلس الحالة السياسية على مستوى الخطاب والنظام الرسمي العربي، وعلى مستوى الانتهاكات التي وقعت خلال العقود الماضية بحق الناس ومطالبهم العادلة، وبحق حريتهم في التعبير عن مواقفهم تجاه مختلف القضايا المطروحة.
صحيفة الوطن القطرية 
الأربعاء 9/3/2011 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3934
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29