• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف نستثمر الملحمة الحسينية؟ .
                          • الكاتب : الشيخ راضي حبيب .

كيف نستثمر الملحمة الحسينية؟

بسم الله الرحمن الرحيم ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) صدق الله العلي العظيم (سورة الأحزاب) . 

طبعا هذه الاية الكريمة تحمل في طيّاتها الكثير من المواضيع ، فكل مُفرَدَةٍ من مفرداتها تصلح أن تكون عنواناً مستقلاً لموضوعه ، وبناءً على قاعدة المورد لا يخصص الوارد  والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص ‏السبب ، وبما أن صلاحية المفاهيم القرآنية لكل زمان ومكان ، أريد أن أركز في هذه الآية الكريمة على مفردة الانتظار في قوله تعالى : وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ.

لنتاول مفردة الانتظار ونجعلها عنواناً لموضوع هذه المحاضرة الحسينية .

إذن : علينا أن نستثمر الموقف الكربلائي والعطاء الحسيني اللامتناهي فوق ألاّيتناهى ، والذي يستفاد منه قواعد وفوائد السير والسلوك إلى الله سبحانه وتعالى في البحث حول نظرية الانتظار وتقسيمه إلى إيجابي وسلبي.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح ملح ما هو الانتظار ؟؟

نتسائل هنا عن ماهية الانتظار وحقيقته كيف تكون ؟

هل أننا نكتفي بإنزال بعض الدمعات على مصاب الامام الحسين ع في كل يوم عاشر من محرم وينتهي الأمر إلى هذا الحد ؟؟ 

ام أن الانتظار هو مجرد أن نجلس هكذا ونبكي الحسين (ع) فقط لحين سماع الصيحة بالخروج المهدوي ؟

 طبعا: لا اشكال عندنا في أن البكاء على الامام الحسين عليه السلام مطلوب ومستحب بشدة.

ولكن المراد هنا أن نستثمر هذا البكاء وليكن بكاء قوة لاعن ضعف .

وليكن بكاء تصاحبه حيوية فكرية ونشاط حركي يأخذنا إلى مقاصد كربلائية متعالية الارتقاء في القوس الصعودي والسلوك المهدوي .

 ولكن يلاحظ في كمية الحضور في مجالس العزاء ان المعزين بعد يوم عاشر يفيضوا إلى منازلهم ويقل عدد الحضور بنسبة سبعين بالمئة تقريباً !!

فهل هذا يعدُّ في ضمن الانتظار الايجابي أم أنه في ضمن الانتظار السلبي ؟

 

كما تعلمون أن مفردة الانتظار لها علاقة وارتباط وثيق ومتين جدا بظهور امامنا بقية الله الاعظم حجة الله ابن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف ورزقنا وإياكم نصرته والقيام معه في دولته المقدسة .   

فالامام الحسين عليه السلام  عندما خرج على يزيد الطاغية قال عليه السلام  مقولته المشهورة : ما خرجت أشراً ولا بطرا، ولكن خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي محمد صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين. 

واذا أردنا فعلا أن نتابع الامام الحسين عليه السلام  في قضاء نحبه وتفعيل هذا الأمر فعلينا أولاً أن نبيّن معنى قضاء النحب ـ

 ومعنى النحب كما عرّفه الراغب الاصفهاني هو النَذر المحكوم بوجوبه، يقال: قضى فلان نحبه أي وفى بنذره) . وبانزال هذا المعنى على موقف الامام الحسين عليه السلام  يكون بمعنى أنه قد نذر نفسه للشهادة وقد وفى به.

وبما أن الآية جاء في سياقها ارتباط قضاء النحب بالانتظار، فعلينا أن نعمل جاهدين في تفعيل مرحلة الانتظار كي نصل إلى مقام نصرة الامام الحسين عليه السلام  والاعلان عن مظلوميته و استشهاده بالطريقة والاسلوب الذي أختاره لنا وقضى نحبه عليه .

ولما كان المراد من خروجه عليه السلام  هو العمل على اصلاح أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وحتى نصل إلى هذه المرحلة الارتباطية أقول : لما كانت الغاية الحسينية هي إصلاح الأمة المشار إليها في كلام الامام الحسين عليه السلام  مرتبطة بخروج المصلح العالمي ارتباط وثيق وعميق وجب علينا العمل بمقتضاها.

وقد دلّ حديث أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام  بنص صريح على هذا المعنى عندما قال ع: (واعلموا أن الارض لا تخلو من حجة لله عزوجل ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم). على نحو القضية الشرطية المتصلة اللزومية كقولنا: (اذا استعد المؤمنون فالامام يظهر) .

وقد جاء في بحار العلامة المجلسي عن الإمام الصادق (ع) قال : ( فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً ، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة ، ثم قال (ع) هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا) .

فالاصلاح والمصلح قائمان على نظرية الارتباط وتعني العلاقة القائمة بين مجموعتين فاذا سلكا بطريقة مماثلة,  قيل إن الارتباط بينهما إيجابي. أما إذا أظهر الرسم البياني أنهما متغايران  فعندئذ يكون الارتباط بينهما سلبيا.

 وفي ضوء ما تعطيه اللغة لمعنى (الانتظار) حين تحدده بالترقب والتوقع.. قد يتوهم: أن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر (عليه السلام) بالقضاء على الكفر، وبالقيام بتطبيق الإسلام لتعيش الحياة تحت ظلاله في دعة وأمان، غير متوفرين على القيام بمسؤولية تحكيم الإسلام في حياتنا وفي كل مجالاتها، وبخاصة مجالها السياسي بدافع من إيماننا بأن مسؤولية تحكيم الإسلام في كل مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المنتظر (عليه السلام)، فلسنا بمكلفين بها الآن.

 وقد يتوهم بأنها من عقيدة الشيعة، فتتحول عقيدتنا بالإمام المنتظر فكرة تخدير عن القيام بالمسؤولية المذكورة بسبب هذا التوهم.

 إلا أننا متى حاولنا تجلية واقع الأمر بما يرفع أمثال هذه الألوان من التوهم، نجد أن منشأ هذه المفارقة هو محاولة عدم الفهم، أوسوء الفهم في الواقع.

وذلك لأن ما يستفاد من الانتظار في إطار واقعه كلازم من لوازم الاعتقاد بالإمام المنتظر(عليه السلام) يتنافى وهذه الألوان من التوهم تمام المنافاة لأنه يتنافى وواقع العقيدة الإسلامية التي تضم عقيدة الإمامة كجزء مهم من أجزائها.

 وفي هذا الشأن يقول العلامة الشيخ المظفر في كتابه عقائد الامامية ص80: (ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ(المهدي)، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكن من ذلك، بلغت إليه قدرته (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

ولا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي، فان هذا لايسقط تكليفاً، ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم.

 ويقول العلامة الصافي الكلبايكاني في منتخب الأثر ص499: (وليعلم أن معنى الانتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإقدامات الإصلاحية.

 فانه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المعاصي التي دل عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين.

ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهور الإمام المنتظر، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار..

فهذا توهم لا يتوهمه إلا من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات).

نعم.. تدل الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدل على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة.

فإذن ما هو الانتظار؟.

إن الذي يستفاد من الروايات في هذا المجال، هو أن المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام).

 وهناك ضوابط وقيود ذكرها الائمة ع للوصول إلى رايات الهدى التي تدعوا للتوطئة والتمهيد المهدوي .

وكما تعلمون أن في آخر الزمان تكون الفتن كالليل الدامس ، وعلى المؤمن أن يحذر من انجرافه تحت رايات الضلال ، فهناك علائم ورايات مختصة بالتمهيد لظهور الامام المهدي ع لابد من متابعتها حذو النعل بالنعل والقُذّة بالقُذّة « ، «مثل يُضرب للشيئين يستويان ولا يتفاوتان».

كما أشار الامام الصادق ع لهذا المعنى في قوله: "ان قدّام المهدي علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين" كمال الدين/649.

ومن هنا نعتقد أن كل من يتجاهل ويتغافل دور الثقاقة المهدوية في هداية المؤمنين وانقاذهم من الفتن قبل مرحلة الظهورالمهدوي، فسوف يكون مصيره محتمل السقوط في مخططات الكفر وفي أجواء النفاق والضلال .

فالامام ينتظر ونحن ننتظر فمن منا يحتاج العمل على تكميل نفسه ، نحن أم الامام المعصوم ع .

أظن معنى كلامي قد وصل لان الامام المهدي معصوم كما نعتقده في مذهبنا والمعصوم هو الانسان الكامل ، فحقّ علينا نحن أن نعمل جاهدين حتى نقرب المسافة فيما بيننا وبين ظهور الامام ع بتكميل أنفسنا .

فعلى هذا يكون في حقيقة الأمر هو المنتظِر بكسر الظاء وليس المنتظَر بفتح الظاء اوبصيغة المفعول بل بصيغة الفاعل .

فينبغي علينا نحن القيام بتوظيف طاقاتنا الايمانية بتهذيب النفس ولياقتها بما يتناسب مع مقام ظهوره الشريف عليه السلام ، حتى نحظى برؤيته وتكتحل أعيننا بالنظر إليه 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39139
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29