• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تونس: حكومة الديمقراطية أم حكومة الرأسمالية؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

تونس: حكومة الديمقراطية أم حكومة الرأسمالية؟

هنالك فرق بين أن يؤمن المرء بفكرة وأن ينفذها. مثلا، هنالك فرق بين أن يؤمن هذا الأخير بالديمقراطية وأن يصبح ديمقراطيا، وهنالك فرق بين أن يؤمن بعدم جواز الكذب أو الوشاية أو النميمة أو السرقة أو الزنى وأن يمتنع عن اقتراف مثل هذه الصغائر والكبائر.

ولو قِسنا مدى توفر هذا التمييز بين النظري والتطبيقي أو بين العقدي والسلوكي في عقلية المجتمع التونسي لتأكدنا أنّ الخلط بين الوجهين الاثنين هو الطاغي عموما. كما سنفترض أنّ الخلط له أصل مرتبط بتصور خاطئ للدين وهو المتسبب في أخذ الشريعة على أنها عقيدة والعكس بالعكس.

وقد يكون هذا مما خلق مناخا من الضبابية في العقل والوجدان لدى التونسيين بل ولدى العرب والمسلمين أجمعين ورسّخ لديهم صنفا من القابلية لكل شيء مخلوط، بطبعه أو عنوة، حتى لو كانت خَلْطتُه خطيرة. وهل أخطر على تونس وشبيهاتها اليوم من مزاوجة الديمقراطية بالرأسمالية المتوحشة و المُعولمة (ينفع كسر اللام كما ينفع نصبها)؟ نعني هل من موقف أخطر على التونسيين اليوم من غض النظر عن التلازم بين قيمةٍ مؤكدة ووزنٍ مضاد لها، وأن يستورداهما بصفتهما سلعة مخلوطة، راضين بأن تكون موجهة لهم بصفته شعبا يرى بعين وحيدة، دون أن يخطر ببالهم أنّ التفريق بينهما أضحى واجبا وطنيا وربما فريضة، غائبة الآن ولكنها جديرة بأن تصير حاضرة من هنا فصاعدا ؟

ففي بلد يُخلَط فيه اللبن بالماء وزيت الزيتون بالزيت النباتي والقهوة بالشعير ومربّى الفراولة بمعجون الطماطم وأخيرا وليس آخرا المشروب الغازي بمادة كحولية (أو مخمّرة) دون أن يتفطن المستهلكون للأخلاط بصفة آلية ودون أن يقاطعوا الخليط ويحاسبوا المخلّطين، لا عجب أن يراد لشعبه إرساء ديمقراطية مخلوطة بمساحيق التجميل. ولا غرابة في أن تتشكل 'لفائدة' هذا الشعب حكومة إنقاذ وطني على أنقاض بنايةٍ ديمقراطية غربية مفلسة بدأت تخيّب آمال أهلها تحددا. 

فبخصوص مبادرة الإنقاذ، أيُستبعد حصول التخليط، وهو الاسم الحقيقي لما يُعرف اصطلاحا، في قاموس الأخلاط السياسية في تونس، بـ"التلازم" بين الزلات ، عفوا بين المسارات، حيث قد يختلط 'التأسيسي' بـ'التنفيذي' وتُشتبه مفاوضاتُ الحوار الوطني بالانتخابات ومقياسُ السنّ البيولوجي لأحد المرشحين لرئاسة الحكومة بمقياس سنّ الحكومة نفسها ولو كانت مؤقتة وانتقالية؟

 لكي يتم كبح هذا الانزلاق نرجو أن تتوفر لبلدنا المتنوع الذي اختلطت فيه دماء الأمازيغ بالعرب للذود عنه، وأنفاس السكان الأصليين بالموريسكيين لإثرائه عرقيا، وثقافة الإسلام الغنية بِسِمات سابقاتها اللوبية والبونية والفينيقية والأمازيغية بثقافة الغاليّين، فرصٌ عديدة تسمح للفرد وللمجتمع أن يخترعا لنفسهما وسيلة يتّعظان بفضلها من التاريخ ومن العمران حتى يُدركا متى يتوجب الفصل ومتى الوصل وذلك في المجالات كافة.

بالنهاية مثلما كان التنوع السكاني في تونس عامل ثراء وتقوية لنشأة الأشخاص والشخصيات، الجماعات والجمعيات، لِمَ لا يكون للتنوع الفكري وقعٌ مماثل بشأن صناعة الحوكمة وتشكيل الحاكم والحكومة؟ وإذا كان هذا ممكنا، أليس حريّ بالسياسيين في بلدنا أن يصوغوا طبعة للديمقراطية غير الطبعة التي ورّدوها لنا وهي تلك المشحونة بقياضٍ رأسمالي شرس، وذلك تبعا لقاعدة يستحدثونها: 'للآخرين ديمقراطيتهم ولنا ديمقراطيتنا، إذن لهم منوالهم الاقتصادي ولنا منوالنا'.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=38647
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20