• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : البعد القرآني في فكر الشهيد محمد هادي السبيتي .
                          • الكاتب : ازهر السهر .

البعد القرآني في فكر الشهيد محمد هادي السبيتي

تمهيد:
لا شك ولا ريب بان أعظم عظماء المسلمين إنما اكتسبوا سر عظمتهم من علاقتهم الاستثنائية بالقرآن الكريم هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم.
والمفكر الشهيد محمد هادي (أبو حسن) السبيتي (قده)(1) يعد على رأس قائمة أولئك العظماء، فقد كانت له علاقة استثنائية بكتاب الله بكل معنى الكلمة، من حيث كثرة القراءة، وتنوعها(2)، وحفظ الآيات، وفهمها، وتفسيرها، وطريقة عرضها(3)، والتمعن والتدبر فيها.
 ونحن في هذا البحث المتواضع سنحاول عرض البعد القرآني في فكر هذا المفكر الشهيد الفذ حسب ما جاء في كتاباته القيمة.
كيفية الاتصال بكلام الله تعالى:
يحدد الشهيد السبيتي (قده) طرق معينة لكيفية الاتصال بكتاب الله تعالى، حيث يقول (قده):
((إذا أردت أن تكلم الله عز وجل فادعه، يقول تعالى: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))[غافر/60]، وإذا أردت أن يكلمك الله عز وجل فأقرا القرآن. والاتصال بالقرآن يكون على مراتب:
ـ يقرأ القرآن بترتيل: ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا))[المزمل/4].
ـ ويسمع القرآن عند تلاوته: ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))[الأعراف/204].
ـ يقرأ القرآن بتدبر: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))[النساء/82]،(( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))[محمد/24].
ـ أن يقرأ القرآن للذكر: ((‌وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ))[ص/1]،(( وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ))[القلم/52]،(( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ))[النحل/44]،((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ))[القمر/15].
ـ يقرأ القرآن للتفتيش عن حلول المشاكل الإنسانية: ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ))[النحل/89]،(( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ  لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ))[فصلت،41ـ42]،(( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))[الأعراف/52]،(( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))[ابراهيم/1].
ـ والقادر على حفظ آيات من كتاب الله فليستكثر منها فأنها خير رفيق في كل الأوقات: ((تعلموا كتاب الله تبارك وتعالى فأنه أحسن الحديث وابلغ الموعظة، وتفقهوا فيه فأنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فأنه شفاءٌ لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فأنه أحسن القصص)) ،(( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))[الأعراف/204]،((وإذا هُديتم لعلمه فأعملوا بما علمتم ولعلكم تفلحون)).
وجوب اتصال المسلمين المباشر بالقرآن:
يرى الشهيد السبيتي (قده) بأنه: ((لابد من إشاعة اتصال المسلمين اتصالاً مباشراً بمصادر الإسلام ـ القرآن الكريم والسنة المطهرة ـ لكي يباشروا نصوصها وعطاءاتها الوفيرة. ومع الأسف فإن مباشرة المسلمين لمصادر الإسلام قليلة جداً حتى لدى من يعرفون اللغة العربية فالوضع السائد في بلاد المسلمين هو الاتجاه نحو الصحف والمؤلفات والأعراض عن مباشرة المصادر. مع أن مخامرة الفكر والنفس لمصادر الإسلام التي يسَّرها الله ورسوله  لكل الناس لا يغني غيرها ولا يعطي عطاءها غيرها.. لذلك ينبغي توجيه المسلمين نحو مصادر دينهم بنشر ترجماتها وإشاعة تدريسها وإزالة الحاجز اللغوي بين المسلمين ومصادرهم بتعليم اللغة العربية. ويفضل أن يشجع التعليم التَّطوُّعي))(4).
 
القرآن مدرسة العقيدة وبناء الذات:
يقرر الشهيد السبيتي (قده) بأنه: ((ليس هناك من طريقة أفضل وأيسر وأوصل إلى الإيمان من التدبر بآيات القرآن المجيد، والتخرج من مدرسة القرآن التي خرجت أرقى نماذج الشخصية الإسلامية))(5).
 
ضرورة نشر وإشاعة المصطلح القرآني في حياة المسلمين:
يرى الشهيد السبيتي (قده) بأنه لابد من ((نشر المصطلح وتعميمه، وإضافة ما يوضحه إذا كان فيه غموض، وإضفاء التعبير القرآني والإسلامي عليه إن احتاج إلى ذلك)) (6).
 
قراءة القرآن والثقافة الحزبية:
 يعتقد الشهيد السبيتي (قده): ((أن على رأس الحد الأدنى من الثقافة الحزبية للداعية الإسلامي ((المداومة على قراءة القرآن الكريم بتفهم قدر المستطاع وحفظ بعض آياته قدر المستطاع))(7).
قراءة القرآن والتنمية الذاتية: 
يذكر الشهيد السبيتي (قده) مجموعة من النقاط المهمة التي يمكن للداعية الإسلامي أن يستعين بها في سبيل التنمية الذاتية للحس الفكري والسياسي والاجتماعي والتنظيمي والنفسي والحس بالمسؤولية، ومن تلك النقاط: ((القراءة اليومية للقرآن الكريم، ويتعود الداعية أن يلتزم بأن يقرأ ما تيسر من القرآن بعد كل صلاة، والاستماع إلى القرآن والتأمل في الآيات وحفظ آيات مختارة))(8).
 
الدعوة والاختصاص في فهم القرآن:
يعتقد الشهيد السبيتي (قده) أن عمل الدعوة الإسلامية يحتاج إلى أصالة فكرية متخصصة في فهم القرآن الكريم، حيث يقول: ((الاختصاص اللازم للدعوة في الثقافة هو مستوى الأصالة الفكرية المكتملة الناضجة في المجالات الفكرية المتعددة. فعمل الدعوة يحتاج إلى أصالة فكرية "اختصاص" في فهم القرآن...))(9).
 
كثرة استشهاد الشهيد السبيتي (قده) بالآيات القرآنية في كتاباته:
من يوفق لقراءة ما خطه يراع القائد الشهيد محمد هادي السبيتي (قده) من بحوث ودراسات في مجالات الدعوة والسياسة والحضارة، يثير انتباهه كثرة استشهاداته القرآنية سواء في مقدمة أو وسط أو خاتمة ما يكتبه (قده) ولعل هذه الميزة الأبرز التي يمتاز بها فكره الوقاد.
ويمكن أن نذكر أمثلة على ذلك وكما يلي:
1ـ ذكر 60 آية قرآنية في بحثه الموسوم (حديث الدعوة لكافة الناس في الإقليم العراقي) والمعروف بـ(بيان التفاهم)(10).
2ـ ذكر 110 آية قرآنية في بحثه الموسوم (مقدمة معالم المسيرة الحضارية في الإسلام)(11).
3ـ ذكر 21 آية قرآنية في بحثه الموسوم (صور عملية من القرآن الكريم)(12).
4ـ ذكر 157 آية قرآنية في بحثه الموسوم (القراءة الكونية..دروس من عِلم النبات)(13).
5ـ ذكر 24 آية قرآنية في بحثه الموسوم (المهاجرون)(14).
6ـ ذكر 18 آية قرآنية في بحثه الموسوم (العمل السياسي والثقافة السياسية)(15).
7ـ ذكر 77 أية قرآنية في بحثه الموسوم (العمل الحزبي)(16).
8ـ ذكر 8 آيات قرآنية في بحثه الموسوم (أوراق عمل)(17).
9ـ ذكر 419 آية قرآنية في بحثه الموسوم (دراسة الوقت والعمل)(18).
10ـ ذكر 39 آية في تعليقهُ على ما سُمي بـ(مؤتمر مكة)(19).
11ـ ذكر 12 آية في بحثه الموسوم (رسالة المسجد)(20).
12ـ ذكر 26 آية في بحثه الموسوم (نحن وما حولنا)(21). 
13ـ ذكر 48 آية في بحثه الموسوم (الارتباط بالله أساس في شخصية الداعية)(22). 
14ـ  ذكر فيه 47 آية قرآنية بحثه الموسوم (ثلاثية عن الشهادة والشهداء)(23).
هذه بعض الأمثلة من بحوثه التي إن دلت على شيء إنما تدل على إحاطة الشهيد الكبيرة بكتاب الله حفظاً وفهماً وتدبراً واستيعاباً.
 
الشهيد السبيتي يحث على كتابة البحوث القرآنية:
وفوق هذا كله فقد كان الشهيد يحث الدعاة على كتابة البحوث القرآنية لأجل ربط الدعاة بالقرآن والتعمق في فهم معانيه وأسراره ومن المواضيع التي اقترح على الدعاة أن يكتبوا فيها ما يلي:
1ـ ((دروس في دعوات الرسل في القرآن الكريم.
2ـ الصفات القيادية للأنبياء كما صورها القرآن الكريم.
3ـ العقبات التي تصادف العمل الرسالي كما صورها القرآن الكريم.
4ـ صور تنظيمية من القرآن الكريم))(24).
5ـ ((دروس من آيات النبات في القرآن.
6ـ دروس من آيات الحيوان في القرآن.
7ـ دروس من آيات الإنسان في القرآن.
8ـ دروس من آيات السماء في القرآن.
9ـ دروس من آيات الماء في القرآن.
10ـ سلسلة مفاهيم إسلامية من القرآن والسنة.
11ـ سلسلة التفسير الميسر، لكل القرآن أو لبعض أجزائه))(25). 
 
أمثلة من نظرات القائد السبيتي القرآنية:
للمفكر الشهيد محمد هادي السبيتي (قده) نظرات تفسيرية غاية في الروعة ضمنها في بحوثه التي خطها قلمه الكريم، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
 
تفسير قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ))[لقمان/29]
يقول (قده) في تفسير هذه الآية: ((الآية الكريمة برهان فطري لتثبيت الأساس الإسلامي الأولي وهو علاقة الخالق بخلقه، بالبرهان الذي يراه كل الناس وكل من يدرك: ولوج الليل ي النهار وولوج النهر في الليل. فالحياة هي الوقت الذي يعبره الإنسان، وهي الوقت الذي يعبر الإنسان، أو هي الاندماج بين الإنسان والوقت.. إن هذا التلازم بين الوقت والإنسان يجعل الرؤية التي يتلبس بها الإنسان بالنسبة إلى وحدتين من وحدات الوقت ـ الليل والنهار ـ والتواج أو التداخل بينهما أمرٌ لا شك فيه، ولوضوحه وتكراره ربما لا ينتبه إليهما الإنسان، فجاءت الآية الكريمة لتنبيهه وإيقاظه من غفلته عن هذا الأمر الواضح بالتساؤل البسيط ((أَلَمْ تَرَ ..؟)) لتنبيهه على البرهان الفطري. وتنتقل الآية الكريمة بعد ذلك إلى مجال آخر له علاقة بتتابع الوقت أو بسبب هذا التتابع ألاّ وهو: جريان الشمس والقمر، فالليل والنهار لهما علاقة معينة بجريان الشمس والقمر، والوقت كما تراه الآن منوط بالآجل الذي حدده الله لهذا الجريان.
والأمر الأخير في الآية: علاقة الوقت بالعمل وعلاقة الله بالإنسان بعمل الإنسان في حياته. هو في الدائرة التي يسيطر عليها، وقد رسمها الإسلام مساراً لأعماله، ديناً يلائم الفطرة ويسعد الإنسان، وله الخيار في أن يطيع أو يعصي في عمله ولا جبر على ذلك، وان كانت القدرة على العمل من الله تعالى، إن الله بما تعملون بصير. والقرآن الكريم يستعرض حالات شتى من حالات الوقت، فيها للوقت تبيان وللإنسان موعظة، نمرّ على بعضها لتكون دليلاً لمعرفة حقائق الوقت وأهميته في حياتنا يقول تعالى: ((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا))[الإسراء/12]،(( وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))[القصص/73]. إن تتابع الليل والنهار، وولوج الليل في النهار، افرز مفردات وقتية كثيرة، أهمها: الفجر، الصبح، الضحى، الظهر، العصر، المغرب، الغسق، العشاء، السحر. وهذه الأوقات هي حالات كونية يمر عليها الإنسان ويتأثر بها شاء أم أبى ومن من بني البشر من يتأثر بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى؟ ويذكرنا القرآن الكريم بهذه الأوقات بأساليب تأخذ بمجاميع القلوب لمن يفهمها ويتأمل فيها، وفي الآيات وصف دقيق لحالات الوقت. يقول تعالى يصف الليل في حالاته المتعددة: ((وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى))[الليل/1]،(( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى/2]،((وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ))[الفجر/4]،((وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ))[الانشقاق/17]،(( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ))[التكوير/17]،((وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ))[المدثر/33]. وكذلك في الآيات ذكر لمفردات الوقت، نتأمل بعضها بهدوء ولا نحاول أن نعتدي إلى أسرار هذا الذكر الحكيم:
((كَلَّا وَالْقَمَرِ  وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ))[المدثر/32، 33، 34].
((وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا))[الإنسان/25].
((فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ  وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ))[الانشقاق/16].
((وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ))[التكوير/17، 18].
((وَالْفَجْرِ  وَلَيَالٍ عَشْرٍ  وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ  وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ))[الفجر،1ـ4].
((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا  وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا))[الشمس،1ـ4].
((وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى))[الليل/1ـ2].
((وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى/1ـ2]))(26).
 
تفسير قوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا))[النبأ/11]
يقول (قده) في تفسير هذه الآية: ((ومن الواضح أن الوقت مقسم في الوجهة الفطرية للإنسان إلى وقت لنشاط الإنسان تارةً ووقت لراحته تارةً أخرى: ((وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا  وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا))[النبأ:7ـ11]. لا نفهم من جعل النهار معاشاً في الحياة الدنيا السعي على الرزق اليومي للعائلة فقط كما يفهمه المسلمون الراكدون، لأن هذا الأمر تقوم به الحيوانات والكائنات الدنيا، والإنسان لم يخلق ليكون شأنه شأن الأنعام. إن النهار ميدان واسع للسعي الحياتي الأصلي، للحصول على الحياة الكريمة من توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة، من ملبس ومسكن وتعليم ومحافظة على سلامة الجسد، والنوع والعرض والأسرة والمال، والمحافظة على الدين والكرامة، والحصول على الاطمئنان والأمان(27).
فهم حركي لقصة أهل الكهف:
يقول الشهيد السبيتي (قده) وهو في معرض إفادته من قصة أهل الكهف في دراسة الوقت، حيث يقول: ((إن قصة أهل الكهف قصة حركية، لو أن أحد المفكرين الدعاة يتعرض لها ويستنبط منها ما يفيد...))(28) ، ولم يكن القائد الشهيد (قده) هنا بصدد دراسة "قصة أهل الكهف" دراسة حركية، بل كان بصدد دراسة الوقت، ولو تسنى للقائد الشهيد (قده) أن يستنبط البعد الحركي من قصة أهل الكهف لأتحف المكتبة القرآنية بتفسير حركي لهذه القصة ربما لم  يتطرق له أي مفسر لحد الآن.
 
دلالة قَسَم الله تعالى بالوقت وتكراره:
يستعرض الشهيد السبيتي (قده) الدلالة القرآنية من تكرار قَسم الله تعالى بالوقت حيث يقول: ((إن قَسم الله تعالى بالوقت وتكراره يدل على أمور:
منها: أن الآيات التي تسند بعضها بعضاً لإزالة اللبس والإبهام وتدل على أهمية الوقت وعلى أهمية مفرداته التي وردت في القرآن الكريم.
[ومنها:] وتكرار القَسم بالوقت يدل على أن الوقت بالنسبة إلى الإنسان ذو أهمية كبرى.
[ومنها:] وان الله تعالى يشير إلينا بقسمه سبحانه بالوقت من أجل أن نتجه إلى احترام الوقت الذي هو وعاء أعمالنا في تقربنا منه تعالى))(29).
سورة "يس" والعمل السياسي التغييري:
ثم يغوص الشهيد السبيتي (قده) في أعماق سورة يس المباركة، ويستنبط ـ بفهمه الوقاد ـ من أوائل آياتها، صوراً للعمل السياسي التغييري، فبعد أن يستعرض الآيات العشر الأولى من السورة، يكتب قائلاً:
((هذه الآيات تعطينا صورة للعمل السياسي التغييري، وفي القرآن الكريم صور غنية أخرى، وعناصر هذه الصورة كما يظهر لنا تحتوي فيما تحتوي على:
1ـ عنصر الإنسان العامل: ((إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ))[يس/3]،(( إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ))[يس/13]،(( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى))[يس/20].
2ـ المبدأ ومنهاج العمل: ((إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))[يس/3ـ4]،((تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ))[يس/5]،((وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))[يس/17]. فالمرسل معه رسالة، والصراط المستقيم تعليمات واضحة للحياة، وتنزيل العزيز الرحيم ارتباط الرسالة بالله.
3ـ المجتمع المراد تغييره: ((لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ))[يس/6]،(( أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ))[يس/13].
4ـ الفعاليات: ((لِتُنْذِرَ قَوْمًا))[يس/6]،(( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا))[يس/13]،((قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ))[يس/16]،((وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))[يس/17]،((وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ))[يس/20].
5ـ التنظيم: ((إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ))[يس/3]،(( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ))[يس/14]،((فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ))[يس/14]،(( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى))[يس/20].
6ـ الصراع: ((لِتُنْذِرَ قَوْمًا))[يس/6]،((فَكَذَّبُوهُمَا))[يس/14]،((مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ))[يس/15]،((رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))[يس/16ـ17]،(( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ))[يس/18]))(30).
القرآن الكريم وثقافة الدعوة التنظيمية:
يقرر الشهيد السبيتي (قده) بأنه ينبغي على التنظيمات الإسلامية أن تستنبط  ثقافتها التنظيمية من القرآن الكريم، وهذا في الحقيقة أمر غير مألوف لديها كما يقول (قده):
 ((تؤخذ ثقافة الدعوة التنظيمية من القرآن الكريم والسنة ((كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ))[البقرة/151]، والاستهداء بالقرآن الكريم في شؤون التنظيم أمر غير مألوف، فمثلاً المنظمات الحزبية وبعض التنظيمات الإسلامية تستهدي بالنظرية الماركسية اللينينية، ولو جاهدت قياداتها ودرست ما في القرآن والسنة لاستغنت عن ذلك)(31).
خلاصة البحث:
نرجو إننا وفقنا من خلال هذا العرض التوضيحي أن نعطي القارئ صورة واضحة عن البعد القرآني في فكر القائد الشهيد محمد هادي السبيتي (قده)، الذي ما زال فكره بكراً يحتاج إلى دراسة تفصيلية تتناول كل مفهوم أو كل بعد أو كل قضية من فكره الوقاد ودراسها بشكل مستقل، نرجو أن نوفق لتقديم مفردات هذا الفكر لجمهور المجتمع الإسلامي بعد غيابٍ وتغييبٍ متعمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولد في بغداد عام 1930 نشأ في أسره متدينة ولها باع في الإسهام بدعم الفكر الإسلامي، فوالده هو العلامة الشيخ عبد الله السبيتي صاحب كتاب سلمان الفارسي، وجده لأمه هو سماحة الأمام الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي صاحب كتاب (المراجعات)، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه الكاظمية، ثم أكمل دراسته في كلية الهندسة جامعة بغداد، في قسم الكهرباء، وعمل بعد ذلك في محطة كهرباء بغداد، حيث شغل منصب رئيس مهندسين في عقد الستينيات من القرن العشرين. كان عضواً في حركة الأخوان المسلمين في الخمسينيات، ثم أصبح عضواً في حزب التحرير ووصل إلى قيادة التنظيم في الخمسينيات. ثم أصبح الرجل الأول في الدعوة والمهيمن على تنظيمها بلا منازع منذ عام 1963. تعرض للاعتقال من قبل حكومة نوري السعيد في العهد الملكي. وفي عام 1973 اقتحمت منزله في بغداد/ شارع فلسطين مدرعة عسكرية مع مجموعة من قوات الأمن إلاّ انه كان حينها في بعثه حكومية في لبنان ووصله الخبر عن طريق شقيقه مهدي السبيتي فبقى في لبنان. ثم غادر لبنان إلى الأردن ليستقر في مدينة الرزقاء الأردنية ومن هناك أدار تنظيم الدعوة الإسلامية. اعتقلته السلطات المخابرات الأردنية بطلب من المخابرات العراقية في 9/5/1981، وسلمته إلى نظام البعث الذي أبقاه في السجن حتى أعدمه عام 1988: [للمزيد ينظر المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية، شذرات من حياة المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الشهيد محمد هادي السبيتي، (البصرة، 2005)، ص4ـ7، (كراس)].
(2) يقال أن القائد الشهيد (قده) كانت له ثلاث طرق في قراءة القرآن الكريم.
(3) كان القائد الشهيد (قده) يرى من الضروري جداً إعادة كتابة تفسير الميزان للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قده) بطريقة سهلة وسلسه، لمدى أهميته وعمقه، لكي لا تجد أجيال الإسلام صعوبة في فهم المطالب القرآنية.
(4) منشورات حزب الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، أضواء على المسيرة (3)، دراسة العمل، ج3، ط1،1405هـ،ص130ـ131.
(5) منشورات حزب  الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط1، 1401هـ، ج2، ص71ـ 72.
(6) المصدر نفسه، ص202ـ 203.
(7) المصدر نفسه، ص 372.
(8) منشورات حزب الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط2، 1401هـ، ج1، ص23.
(9) المصدر نفسه، ص138.
(10) المصدر نفسه، ص23.
(11) المصدر نفسه،ج4، ص35.
(12) المصدر نفسه، ص12.
(13) منشورات حزب الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط2، 1401هـ، ج1، ص208.
(14) المصدر نفسه، ص187.
(15) المصدر نفسه، ص289.
(16) المصدر نفسه، ص313.
(17) المصدر نفسه، ص203.
(18) المصدر نفسه، ص79. 
(19) منشورات الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط1، 1405هـ، ج3، 1405هـ، ص28.
(20) المصدر نفسه، ص280ـ297.
(21) منشورات حزب  الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط1، 1401هـ، ج2، ص119ـ139.
(22) المصدر نفسه، ص 449ـ 554.
(23) منشورات الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط1، 1405هـ ،ج3، ص197.
(24) المصدر نفسه، ص212.
(25) منشورات حزب الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط2، 1401هـ، ج1، ص370.
(26) المصدر نفسه، ج1، ص38.
(27) منشورات الدعوة الإسلامية، ثقافة الدعوة الإسلامية، ط1، 1405هـ ،ج3، 10ـ12.
(28) المصدر نفسه، ص12.
(29) المصدر نفسه، ص14.
(30) المصدر نفسه، ص34.
(31) ينظر، المصدر نفسه، ص216.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=38500
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19