• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحلقة السادسة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث .
                          • الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني .

الحلقة السادسة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث

متابعة سرد الشواهد:-
الشاهد الثاني عشر
الاختلاف الشاسع في تقييم الاحاديث
اختلف اهل الروايات والعلماء والمحدثون في مناهج تصحيح الروايات على مستويات مختلفة ، وطرائق متعددة ، ليس المقام مناسبا لاستعراضها ، ولكنا نستهدف إعطاء صورة تكشف مدى الاختلاف الواسع في التصحيح والتضعيف.
فمنهم من تساهل كثيرا في تصحيح الروايات ، وذهب الى ان كل الاخبار والروايات صحيحة ومعتمد عليها ، رواها ثقة او مجهول ، حكاها صادق او كاذب ، نقلها متحرز عن الكذب او معروف بالدس والوضع ،
 
ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا بان هذا المنهج المتساهل كثيرا في التصحيح اشبه بحالة مرضية تصيب صاحبها ، ولا اتحرج في اتهام كثير من عوام الناس بهذا الداء ، فالأصل عند هذه الفئة هو صدق الخبر وصحته ، فكلما يسمعونه فهو حق وصدق ، وهذه النقطة الرخوة في المجتمعات هي ما تشجع الدعايات الباطلة والاشاعات الكاذبة ، والسخافات الساذجة خصوصا في عالم السياسة.
وكما ان السرعة الضوئية في تصديق كل ما يسمع داء يبتلي به كثير من الناس ، فان هذا الداء لا يعرف استثناء اهل الاخبار والروايات فهم بالآخرة بشر ، يصيبهم ما يصيب غيرهم ، وبعبارة أخرى تأثر الجانب البشري الإنساني في شخص المحدث والراوي او العالم ، وهكذا فتصحيح الروايات عند هذه الفئة الرخوة من الناس يقع عند بعض المؤلفين وقد انتبه العلماء والمفكرون لهذه الظاهرة ونبهوا عليها ، واشتهرت هذه الفئة باسم (أهل الاخبار)  حتى ان الشيخ المفيد الف كتابا للرد عليهم سماه
( مقابس الأنوار في الرد على أهل الأخبار )
ومما قاله الشيخ محمد حسن النجفي (المتوفى سنة 1266 هجرية) في موسوعته الثمينة جواهر الكلام في مقام مناقشة بعض الآراء: ...من غير التفات إلى تحقيق حالها وتنقيح المراد منها والجمع بين مضامينها كما هو عادة أهل الأخبار في الأصول والفروع .
جواهر الكلام ج20 ، ص215.
وحيث لم يتحرج اعلامنا من التصريح ببعض أسماء اتباع المنهج المتساهل المتسامح ، فلا حرج علينا في ان نعرض بعض الأسماء على سبيل المثال فيما يلي:-
1- الراوي الحسن بن محمد بن جمهور العمي ...، يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل . على ما في رجال النجاشي
2- محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي أبو جعفر ، كان ثقة في الحديث . إلا أن أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ. كما في رجال النجاشي أيضا.
فهما يعتمدان على المراسيل ، أي انهما يصححانها ويعملان عليها ، ويأخذانها في دين الله ، رغم ان المراسيل يرويها مجهول لا يعرف اسمه ، ولا أي شيء عنه ، كعنوان (رجل) فما ان يصلهما خبر وان كان في السند (رجل) أخذا به واعتمدا عليه ، وجعلاه حجة بينهما وبين الله.
فهذان الراويان مثال للمحدث والمؤلف الذي لا يبالي عمن أخذ ، ولا يشك في ما يقال له ، فكأن الأصل هو الصدق والصحة ، ولمَ العجب؟ ففي زماننا نواجه كثيرا من الناس على هذه الشاكلة ، فبالنسبة للروايات تجد كثيرا من الناس ينقلها بصيغة جزمية بهذه الصورة ( قال الامام الصادق عليه السلام) وكأنه كان حاضرا وسمع كلام الامام عليه السلام.
3- كما ان هذه التهمة وجهت للفقيه صاحب التصانيف الكثيرة ، والوجاهة الكبيرة احمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب (المحاسن) فقد " قال ابن الغضائري في الكتاب المنسوب له : طعن عليه القميون ، وليس الطعن فيه ، إنما الطعن في من يروي عنه ، فإنه كان لا يبالي عمن يأخذ ، على طريقة أهل الأخبار.
(رجال الغضائري)
وهكذا نخلص الى ان مناهج تصحيح الروايات مختلفة جدا ، وهي بين افراط وتفريط واعتدال ، وقد بينا لكم منهج التفريط ، وأسلوب التساهل والتسامح ، وما قد نسميه البساطة والميل الطبيعي عند بعض الناس لتصديق كل ما يسمع الا اذا ثبت له الكذب!.
ففي مقابل صيحات تصحيح التراث نقول لهم تريدون تصحيحه وفق أي منهج ؟ فحسب منهج اهل الاخبار كل الروايات صحيحة أي كل ما عندنا هو ( صحيح التراث والروايات) على انا لم نستعرض سائر المناهج التي هي مختلفة أيضا في قواعد التصحيح ، بل بعض الاعلام كالسيد الخوئي رحمه الله تعالى تبنى بعض الأساليب في التوثيق والتصحيح تراجع عنها أواخر حياته الشريفة مما نتج تغيرا في بعض فتاواه .
وهكذا فان باب الاجتهاد كان ولا زال مفتوحا عندنا الامامية فكل مجتهد ينتج دراساته ويطرح تحقيقاته ، ليناقشها الآخرون ويحكمون عليها سلبا او إيجابا.
فهذا الكليني الف موسوعته الحديثية العظيمة ( الكافي) وقيل انه ادعى صحة الاحاديث الواردة فيه ، ولكن الصدوق والمفيد والشيخ الطوسي وغيرهم الكثير من الاعلام وقفوا موقفا مخالفا لما ربما كان يراه الكليني ( صحيح الكافي) وقد اشرنا لذلك في حلقة سابقة ، وجاء الصدوق ليؤلف كتابا متميزا يصرح فيه حرفيا:
ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره وتعالت قدرته
مقدمة كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه.
فهو اذن ( صحيح فقيه من لا يحضره الفقيه) ولكن ذلك بحسب نظره واجتهاده ، ولم يقبل اكثر علمائنا بدعواه ، ولم يقلدوه فيما وصل له من راي ونظر ، ولم يتبعوه في نتائج تحقيقه ، اجل قبل نتائجه بعض علمائنا وخالفه الأكثر ، وهذا الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى الف كتابيه في الحديث ( تهذيب  الاحكام ) و ( الاستبصار فيما اختلف من الاخبار) وهو اول من طعن في اسناد بعض ما جمعه من روايات ، ومع ذلك لم يقبل بعض علمائنا بطعنه وراح يصحح رواياته في كتابيه المزبورين!.
وهذا العالم الكبير صاحب الموسوعات الشيخ محمد باقر المجلسي الف كتاب مرآة العقول شرحا لكتاب الكافي معلقا على كل رواية من رواياته من ناحيتي المتن والسند ، فصحح بعض رواياته وضعف بعضها الاخر ، ولعل ما حكم بضعفه منها اكثر مما حكم بصحته.
وهذا الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (المتوفى سنة 1104 ه‍ ) اعتقد بصحة احاديث الكتب الأربعة ولم يكتف بذلك فأضاف نحو مائة وثمانين كتابا آخر اعتقد بصحتها أيضا فجمع كل تلك الروايات في جامعة قيمة عرفت ب ( وسائل الشيعة) وهذه الجامعة الكبيرة هي بحسب اعتقاد جامعها ومؤلفها ( صحيح وسائل الشيعة) ولكن اغلب علمائنا لم يستسلموا لاعتقاده ولم يركنوا لما وصل له من نتائج ، بل ثابروا واعادوا التحقيق فمنهم من ضعف اغلب روايات جامعته ( وسائل الشيعة) ولكن ذلك لم يمنعهم من الاستفادة من هذا الكتاب القيم لتبويبه وترتيبه الذي لا يقوم به بهذه الحلة عادة الا مؤسسة ولجان مختصة ، ولكنه رحمه الله انجز هذا المشروع بجهوده ، فاخرج لنا هذه الحلة القشيبة ، ومن علمائنا من وسع دائرة صحة الروايات فاعتبر ( وسائل الشيعة ) ناقصا غير جامع للاحاديث المعتبرة فقام بتأليف ( مستدرك وسائل الشيعة ) وهو العلامة واسع التتبع والاطلاع المحدث الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (المتوفى سنة 1320 ه‍ ) في ثمانية عشر جلدا ، ثم اتبعه بخاتمة للمستدرك طبعت في تسعة مجلدات.
وهكذا فالتحقيق يقتضي انجاز عمل ضخم يستنفذ سنوات طويلة من عمر المؤلف والمحقق ، ثم يعرضه للمحققين والباحثين ليحكموا عليه ، وفي الحقيقة لا نعرف عالما ولا محققا ترك تحقيقاته ومؤلفاته لتغدو آراؤه فيها مورد القبول ومحل الاتباع ، فسيرة الاعلام والمحققين انجاز الكتب والموسوعات ، وتأليف الكتب والتصنيفات ، فيأتي من بعدهم يستفيد منها استفادات جمة ، ومع ذلك يناقش بعض تلك النتائج والآراء ، فهذا خاتمة المحققين في عصرنا السيد الخوئي رحمه الله تعالى انجر في مختلف علوم الدين والشريعة ما يبهر العقول ، من التحقيقات الانيقة ، والآراء اللطيفة الدقيقة ، ولكن طلابه ، لم يأخذوا كل ما يطرحه على انه الحقيقة التي لا تقبل النقاش ، ولم يردوا كل ما حققه وبينه ، فوقفوا منه موقف الباحث المتأمل ، فاعترفوا بفضله ، واقروا بعلمه ، ونادوا بشكر اياديه عليهم ، وفي الحقيقة فان اياديه على الدين والمذهب ساطعة لامعة الى يوم يبعثون ، لن ينقص من فضله كلمة مستنقصة من هنا او هناك ، فهو الجبل الاشم الذي لا تجمله الدعايات ، بل الإنجازات العلمية الضخمة التي تعجز موازين الحساب والاحصاء عن بيان مستواها وعددها ودقتها كما وكيفا ووكفاه فخرا ان مراجع العصر تلامذته ، وكل من عاصره او تأخر عنه غرف من نمير علمه ، واستفاد من لآلي جواهر حدائقه الناضرة ، وتحقيقاته الباهرة فرحمه الله رحمة الابرار ، وحشره مع النبين والصديقين والائمة الطاهرين وحسن أولئك رفيقا.
 فهذا الاستعراض رغم ايجازه ، والبيان رغم اختصاره يبين لك ان التحقيق لا يكون عبر اطلاق عبارات رنانة ، ولا عن طريق شعارات براقة ، فما اسهل القول والشعار وما اصعب التحقيق والابتكار ، وفقنا الله سبحانه للعلم والعمل الصالح انه ولي ذلك والقادر عليه.
http://beladey.blogspot.com.au/2013/08/blog-post_25.html



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36166
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29