• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التأريخ والكلمات !! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

التأريخ والكلمات !!

 

 
الإنسان يهتم بالتأريخ , لأنه يريد أن يمتلك مهارات الحفاظ على نوعه , وإمداد قوته بالقدرات اللازمة للغَلبة والسيادة  والنماء.
 وكأن في البشر طاقة لا تقاوم للتزود من التأريخ , واستحضار أحداثه وتحدياته وكيفيات مواجهتها وتجاوزها.
وفي تأريخ الأمم والشعوب هناك تفاصيل كثيرة ترسم للباحث صورة الحياة , وتوفر له مادة وصفية يمكنه أن يستدل منها على الحالة الفكرية والثقافية والإجتماعية آنذاك.
وفي متاحف الدنيا صور مرسومة تحدثك عن الحياة التي يمارسها الناس في مختلف الفترات.
وعندما نقرأ التأريخ العربي , ونتصفح ما كتبه المؤرخون , وتراجمهم كإبن خِلكان وغيره , وحتى إبن خلدون , لا نجد ما يشير إلا لحياة الملوك والسلاطين والحروب والغزوات , والحكم بما يتحقق فيه ويدور في كواليسه. 
ويبدو واضحا إنعدام دور الناس , أو الشعب أو الأمة , وكأنهم أرقام يتصرف بها السلطان لتحقيق مآربه ونواياه.
ويظهر أن غياب الرسم وعدم الإهتمام بهذا التوثيق المعرفي الثمين , قد أوجد  ثقوبا كبيرة في مسيرة كتابة التأريخ.
فعلى سبيل المثال , وددت أن أعرف مَن الذي وضع فكرة بناء الملوية , أو الذي هندسها , وشرع ببنائها , فلم أجد إلا أن المتوكل هو الذي بناها , وهذا غير صحيح , لأنها بنيت في عصره ولا أظنه قد وضع طابوقة واحدة فيها ,  لكن صاحب فكرتها ومعمارها مجهول.
وهذا ينطبق على الكثير من الحالات في التأريخ , ومنها يمكن القول بأن مقدار الصوابية في ما نقرأه ليس كبيرا , لأن الذين يكتبون التأريخ يكونون  تحت رحمة السلطان أو نظام الحكم , وحتى الشعراء , فلا يمكن لأحدهم أن يهجو أو يصف الحالة كما هي عليه , وإنما كما يريدها السلطان أن توصف. 
ولا يمكن لصاحب رأي أن يدلي برأيه الحر , لأن ذلك يعرضه للمخاطر والويلات , والتي قد تقضي بقتله.
وفي هذه الحالة المربكة , لا بد من العقل والمقايسة المنطقية المعقولة , للوصول إلى نتيجة ذات قيمة معرفية وحضارية.
ويبدو أن التأريخ المكتوب بمداد الكراسي ورجالاتها , قد أسهم في تدمير العقل العربي , وأنضبه من مهارات التفاعل مع الحياة وفقا لمنهاج صائب وراجح , يؤسس لمتواليات الإرتقاء , وليس التداعي والتقهقر في كهوف الضعف والكسل والخسران.
ذلك أن مسيرة الحكم العربي , ومنذ ابتدائها , تحولت إلى دوامة من العواصف التي تمحق بعضها بعضا. 
فاللاحق يمحق ما أقامه السابق , وهكذا دواليك , ولازلنا ندور في ذات الفلك السلبي التدميري , لمعاني الوجود الحضاري الرشيد.
وبسبب هذا التداول الإمحاقي , أو الإجتثاثي للسلطة والحكم , أدمن العرب على المراوحة , وعدم المبارحة , واستلطفوا السكون في ذات اللحظة أو البقعة أو المكان , بل وحتى الزمان إستطاعوا أن يأسروه في فترات جامدة , وكأنهم علّبوه , أو تعلموا كيف يحنطونه , ويحولون الوجود إلى مومياءات خانسة في صناديق الحجارة الأبيدة الطباع والمصير.
فلا جديد والتأريخ , عبارة عن إمعان في الكتابة عن السلطان , والقائد والرئيس والملك والإمبراطور والخليفة , ولا غير ذلك يثير الإهتمام.
وهذا السلوك يؤكد أن طبيعة البشر لم تتبدل , وأنهم في كل زمان يمارسون ذات السلوك , ويتفاعلون مع الكراسي بذات الكيفيات الساعية للحصول على الإمتيازات والأموال والقوة , وتأكيد الأنانية وإنفلات نوازع النفوس الأمارة بالسوء والبغضاء , وتمجيد المنكرات , ومحاربة المعروف , لأنه لا يساهم في إشباع الرغبات.
تلك حقيقة وجود , يتهاوى في الوهن والخسران , بإرادة أبناء أمة , تتحرك معمّمة بالجهل وتستلطف التحول إلى سجير يبعث دخانا , فيخبو دورهم , وتغيب أمتهم , في متاهات الحائرين , المنومين بأفيون الويلات والتفاعلات ذات السلوك المشين.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36032
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20