• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إلى السلفيين التكفيريين هل تدبرتم آيات الإحياء؟ .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

إلى السلفيين التكفيريين هل تدبرتم آيات الإحياء؟

     ربما يرى البعض في الجدال مع السلفيين مضيعة للوقت، لذا اقتضى التوضيح أن الخطاب هنا موجه للمنبهرين بالسلفيين وسطوتهم لا المهووسين بالسلفية إلى حد الانغلاق العقلي التام على أي نص مقدس أو دليل منطقي مخالف ولو قليلاً معتقداتهم المتحجرة.
     الإحياء الغاية العظمى للخلق، وهي عقيدة وبديهة عقلانية، ولو حدث العكس تماماً أي الفناء لما عبد الخلق ربهم، ولما كانت هنالك حاجة للرسل والكتب السماوية.
   هنالك عدد من الآيات التي تدل بصورة مباشرة أو غير مباشرة على أولوية الإحياء على كل العقائد، ومنها ما جاء في الحوار الذي دار بين الله والملائكة عندما أنبأهم بعزمه على خلق خليفة في الأرض، فتخوف الملائكة من جنوح البشر لسفك الدماء والفساد، فبين لهم رب العالمين بأن البشر قادرون بالفطرة على التعلم، وبواسطة التعلم ستتبين لهم المصلحة المطلقة في اتباع عقيدة الإحياء وتجنب سفك الدماء.   
     في الآية المباركة التالية نجد أن الله قد فرض هذه العقيدة منذ أول الشرائع، ومن بينها ما كتبه على بني إسرائيل:
    [ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ] (البقرة: 32)
   مدلول الآية واضح في تحريم قتل النفس وإثبات عقيدة الإحياء، ولكن اختلف المفسرون حول المقصود بكلمة محورية فيها، هي النفس، إذ ينقل البغوي في تفسيره الموثق لدى أهل السنة في رواية عن ابن عباس بأن المقصود بالنفس هو النبي أو الإمام العادل، ولإبن عباس تفسير آخر وفقاً لإبن كثير ضمنه في تفسيره المعروف وهو أن النهي هنا عن قتل النفس التي حرمها الله، وهو ما يذكره البغوي عن مجاهد أيضاً، أما قتادة وسعيد بن جبير فيروي عنهما المفسرون بأن المراد بالنفس في هذه الآية هو الفرد المسلم.
     يرد ذكر النفس في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وتدل على الذات البشرية المجردة، مؤمنة أو كافرة، والمثال على ذلك: [كل نفس ذائقة الموت](العنكبوت:57)، وقد تكون هذه النفس كافرة، كما يرد في الآية التالية: [ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ] (التوبة:55)، وكذلك النفس الفرعونية التي قتلها النبي موسى عليه السلام: [وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ] (طه:40)، وهنا لا بد من التوقف لنسأل: إن كان قتل النفس الكافرة مشروعاً لماذا استغفر موسى ربه من قتل العدو الفرعوني الكافر؟ كما تدلنا الآية التالية:[ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (القصص:15-16) فالواضح من هاتين الآيتين أن قتل الفرعوني الكافر خطيئة بتأثير الشيطان استوجبت استغفار النبي موسى، ولو لم تكن كذلك لما استجاب له ربه وغفر له.ٌ
   الخطاب القرآني محدد وصريح عندما يكون المقصود بالنفس المؤمنة منها على سبيل المثال: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ] (الفجر:27) وفي الآية التالية وصفت نفس غلام بالزكية، أي التي لم تقترف المنكرات: [انْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا] (الكهف:74).
   نخلص من هذا التحليل الموجز بأن لفظ  أو مصطلح النفس الوارد في الآية المتقدمة إشارة إلى النفس البشرية بالمطلق، ولا يوجد ما يؤيد انطباقه على الأنبياء أو الائمة العادلين أو المسلمين حصراً، فالنهي عن قتل النفس المحرمة ومن غير حق هو شرع شامل لكل البشر، وكذلك الدعوة إلى إحيائهم، ولا فرق هنا بين مسلم وغيره، وهو سابق في نزوله للقرآن الكريم، وبالنتيجة فإن قتل النفس المحرمة سواءً كانت مؤمنة أو غير مؤمنة يعادل قتل الناس جميعاً، بما فيهم المؤمنون وغير المؤمنين.
   على السلفيين تدبر آيات الإحياء في القرآن الكريم، والاتعاظ بها، والكف عن اقتراف اشد المنكرات في شرع الله، إلا وهي قتل الناس من مسلمين مخالفين لهم أو غير المسلمين من غير حق، وإن لم ينتهوا فإن من واجب جميع المسلمين التصدي لهم وايقافهم، وإلا فلينتظر الجميع بلاءً أعظم.
25 آب 2013م 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35541
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28