• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : اراء لكتابها .
                    • الموضوع : من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن بين الحيدري وطرابيشي (الحلقة الثالثة) .
                          • الكاتب : سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي .

من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن بين الحيدري وطرابيشي (الحلقة الثالثة)

بسمه تعالى

لقد وعدنا الأخوة القراء بقراءة ناقدة لكلا المسلكين ؛ وذلك ليتبين للقارئ مدى صحة ما ذكرناه سابقاً عنهما وهل هو ثابت أم كان مجرد دعوى لا برهان عليها .
 
ولنبدأ بكتاب جورج طرابيشي ؛ والمهم من كتابه هذا هو الفصلان الاولان ؛ إذ أنه يؤسس فيهما لأصل مشروعه التوثيقي لدعواه ، فقد سبق أن ذكرنا محتملات ثلاثة في مراده من عنوان الكتاب وقلنا إن المحتمل الثالث هو الاكثر تبادراً عند القراء وهذا ما أكده خالد غزال في مقاله مترجماً للكتاب باختيار هذا الاحتمال منحصراً فقط على انه المعنى المراد للمؤلف.
 
ونقول : 
 
أولاً : قد كتب محمد عابد الجابري - من رؤوس العلمانية في عالمنا العربي - كتاباً أسماه نقد العقل العربي فقام جورج طرابيشي بمشروع يهدف منه لنقد هذا الكتاب فكتب عدة كتب في نقده وأسمى مشروعه نقد نقد العقل العربي ؛ ولكي نتصور تناسباً مع عنوان كتابه نقول إن كتابات الجابري تمجد في العربية مع تضعيفها للعقلية العربية رغم تنوعها وتفاوت مراتبها ؛ فيكون كتاب طرابيشي دعوةً لتمجيد العربية - ولذا يسير في الكتاب على انه كاتب قاموسي - والعقلية العربية للعربي لكن مع إضعاف للقرآن وللغته العربية. 
 
ثانياً : يقول خالد غزال عن كتابه وهو من المؤيدين لفكر طرابيشي :هو مقاربة جريئة عن قضايا يجري تغييبها في التراث الاسلامي أو تحريف مضمونها من قبيل العلاقة الفعلية بين الله والرسول المتجلية في النص القرآني وصولاً الى تفكيك كل ما رافق منظومة الاحاديث النبوية وكيفية إحلالها الى حد كبير مكان القرآن في التشريع ...الى أن قال : هادفاً الى إثبات أن إسلام القرآن ليس نفسه الاسلام الذي كرسه الفقهاء ولا يزالون بل للقول إن تحريفاً فعلياً لمضمون الاسلام قد جرى على امتداد عقود نتيجة التحول من إسلام القرآن إلى اسلام الحديث. 
 
أقول : على هذا التحليل والقراءة وعلى الكتاب نفسه عدة ملاحظات :
 
الاولى : من الواضح جدا أن هذه القراءة التحليلية لنص كتاب طرابيشي قريبة جداً من مراد الكاتب خاصة على الاحتمال الثالث الذي أشرنا له سابقاً .
 
الثانية : نلاحظ أنه نسب لأرباب الحديث والمروجين له سياسة تغييب بعض القضايا القرآنية او تحريف مضمونها من خلال إحلال قضايا أخرى بديلة عنها كقضية أن يد الرسول مكفوفة تماماً مغلولة لا تقدر علي شيء ، وأنه لا يمكن أن يشرع شيئاً بنص القرآن فقد أحلت مكانها قضية تفويض بعض التشريعات للنبي بنص الحديث ؛ وهذا ذكره في الفصل الاول في عدة مواضع بل كرَّس الفصل الاول بكامله لهذا المعنى .
 
الثالثة : يظهر أن المنطلق الذي يبدأ منه طرابيشي تحليله لاسلام الحديث هو أمران :الاول : فهمه أحادية المصدر والمرجع التشريعي في الاسلام وهو القرآن . 
ولا شك ان هذا الفهم نتج من تقمص نظرية (حسبنا كتاب الله) وهي نظرية مردودة تماماً وغير مقبولة في كل الاوساط الاسلامية في عصرنا الحاضر وإن كان لها رواج عند بعض الفرق في أزمنة سابقة 
 
.الثاني : فهمه لبعض آيات القرآن على أن بينها وبين السنَّة النبوية تناقضاً وأن المغيبين لمكانة القرآن من التشريع إنما روجوا الحديث كذلك لإحلال تشريعات النبي صلوات الله عليه وآله مكان تشريع القرآن لئلا تخلو صفحة الواقع من تشريع بعد تغييب الثاني . وهذا فهم خاطئ أيضاً فإنه منبثق من الخلل المنهجي الذي أشرت له في بيان المنطلق الاول، وإلا فلا أحادية في التشريع بل إن ثبوت مكانة النبي كرسول من الله عز وجل في التشريع واضحة بالقرآن قال تعالى (( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )) وقوله تعالى (( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) وقد فهم منها الكثير من المفسرين أن حكم النبي ماض ٍ لا ينتظر بعده شيء ومن توقف فيه مدعياً انتظار القرآن فهو كافر . وأن وجوب طاعة النبي مستقلة كوجوب طاعة الله ؛ فكيف يدعي أحادية التشريع ولا يكتفي بذلك بل يفرع عليها أن الحديث النبوي الدال على ثبوت تشريعات من النبي صلى الله عليه وآله يناقضه القرآن بل يرده مستدلا بآيات لا دلالة لها على ذلك أو أنها موجهة بما لا يتنافى والحديث كالآيات التي تنهى النبي عن التعجل بالقرآن أو الايات التي تهدد النبي بالتقول على الله أو التي تأمره بعدم الافصاح الا بعد مجيئ الوحي ؛ وغيرها من آيات الكتاب .ولعل السر في صدور ذلك منه هو : اعتماده على منهجية التفكير السنيَّة في المنع من جعل الحديث حجة في عرض القرآن من حيث تخصيص العام الكتابي حيث إن أكثر العامة يمنعون من هذا ؛ كما أن من أهم تلك الأسباب اتكاؤه في فهم التناقض على روايات التيار التحديثي الاشعري وقد تمثل في احتواءه وتقمص شخصيته من خلال روايات الطبري الواردة في تفسيره جامع البيان والكثير منها من الاسرائيليات كما حققت هذا إحدى الباحثات من مصر قبل عدة سنوات . فهو حينما يفترض عدم صلاحية للنبي في التشريع مستنداً لآيات من القرآن ولتفسيرها من الطبري في جامع بيانه فلا شك ولا ريب ان نتيجته سيكون مفادها أن القائلين بتقدم الحديث في التشريع قد غيبوا آيات الكتاب وحرفوا مضمونها . وهذا لا يمكن تعميمه للمنهجية الامامية في فهم النص الديني ؛ فإن المنهجية الامامية تعطي الحجية للرسول في قوله وفعله وتقريره إلى جانب الكتاب كمصدر ثانٍ للتشريع كما تثبت له حق التشريع بنصوص الكتاب نفسه لا بالحديث حتى لا يشكل عليهم بلزوم الدور. إذن فكلام جورج طرابيشي هذا ومن اتبع منهجيته كالحيدري وغيره في أن تمام الحجبة للكتاب وغيره حجة ناقصة ليس صحيحا وذلك لاستناده على مقدمات مغلوطة عن قصد وعلم او عن غير قصد . فهذا يدعي ان الفقهاء من المسلمين قد غيبوا دور القرآن بصنع غطاء من الموروث الروائي لتحريف آيات الكتاب ؛ وجاء الحيدري وأكمل مسيرته فادعى ضرورة الرجوع للقرآن لأنه مصدر التشريع الوحيد والكامل وغيره كالسنَّة ليست إلا مداراً ولا تكون محوراً ولا مركزية لها أصلا كما عبر في أطروحاته عنهما بذلك فقال إن القرآن محور وله المركزية والسنة مدار له فقط.
 
الرابعة : قد نقلنا في الحلقة الاولى عنه نصاً في ص 10 من كتابه مفاده ان الدعوة للحديث هي المسؤولة عن تشييد اللامعقول في إسلام الحديث وتغييب المعقول من القرآن . ومراده من اللامعقول هو الجانب الغيبي في السنة ، وقد ذكرتُ في محاضرة الاصيل والدخيل المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي أن عالم الغيب وعالم الامر والشهادة متكاملان وليسا بمتناقضين وأن كمال الاسلام الأصيل بتكاملهما وأن دور الغيب هو تحديد مجال العقل لا إلغاء دوره أو تغييبه كما فهمه طرابيشي في كتابه .إلى هنا أقف في هذه الحلقة واعداً لكم بقراءة تحليلية لمسلك السيد الحيدري في تبنيه الحركة من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الهادين
 
الشيخ حلمي السنان القطيفي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35066
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19