• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لماذا اصطحب الحسين نساءه واطفاله الى كربلاء؟ .
                          • الكاتب : د . حميد حسون بجية .

لماذا اصطحب الحسين نساءه واطفاله الى كربلاء؟

    ان مما اكتنف واقعة كربلاء من غموض-لدى البعض- هو اصطحا ب الامام الحسين ع لعياله الى ارض كربلاء وهو يعلم انه مقتول لا محاله، كما حدثه جده وابوه من قبل. ولئن أشكل الأمر على المتأخرين، فقد أشكل على المتقدمين من قبلهم ممن عاصروا الامام الحسين ع . فروي ان اخاه محمدا بن الحنفية ساله عن ذلك وطلب اليه ان يترك النساء في المدينة. لكن الامام اجابه:شاء الله ان يراهن سبايا.
          ولم يقتصر الأمر على المسلمين فحسب، فقد تساءل الكثير من الكتاب الذين اهتموا بقضية الامام ع. من اولئك كان الكاتب الكبير تشارلس دكنز Charles Dickens الذي قال ما معناه: انا لا ادرك لماذا اصطحب الحسين نساءه واطفاله. وهذا خير دليل على انه كان يضحي بصفاء لا تشوبه شائبة من اجل الاسلام.  
     ولاشك ان هنالك اسبابا لهكذا عمل. ولا يمكننا ان نحيط بكل تلك الاسباب. لكننا نؤكد على ما هو أهم من بين تلك الأسباب. فقد كان الأمويون قد بدأوا منذ زمن بعيد بمعاقبة اتباع امير المؤمنين ع والضغط على الذين خرجوا عليهم او اختفوا منهم، من اجل تسليم انفسهم بالقبض على نسائهم والقائهن في غياهب السجون. ومن امثلة ذلك آمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي رضوان الله عليه التي سجنها اتباع معاوية الى ان القوا القبض عليه وذبحوه والقوا برأسه في حجرها وهي في السجن.
          ومما لا شك فيه ان ذلك لم يغب عن بصيرة الامام الحسين ع، مما جعله يفوت الفرصة على اتباع بني امية الذين لم يكونوا يتورعون عن ارتكاب الاعمال الخسيسة في الضغط عليه لتلبية اطماعهم الدنيئة.
      على ان من بين اهم الأسباب-كما تبين فيما بعد- هو السبب الاعلامي. فيرى المتتبع لمسير السبايا من كربلاء الى الكوفة ثم الى الشام، ان السبايا كانوا الصوت الهادر الذي ما انفك يجلي الأمور للناس في كل الأماكن التي كانوا يمرون بها، وامام الظالمين، عبر خطبهم الرنانه ومداخلاتهم امام حكام الجور والظالمين. فلا ابلغ من كلام الامام زين العابدين ع والسيدة زينب ع وفاطمة الصغرى، اذ شهد من سمعهم فقال: وكأنهم يفرغون من رأس أبيهم علي ع. فقد بينوا لكل الاقوام التي مروا بها ما التبس عليها، والتي كان الاعلام الأموي قد اشاع فيها ان الحسين ع لم يكن الا خارجيا نال جزاءه على ايدي ولاة المسلمين وخلفاء الرسول ص. ولكن سقطت تلك المراهنة، وتبين للكثيرين من المغرر بهم ومن اهل الشام على حد سواء ان الأمر لم يكن كذلك، وان الطرف الآخر هو المدافع الحقيقي عن الرسالة ومبادئ الاسلام والوارث الحقيقي للرسول الكريم ص. ودخلت تلك التجلية حتى الى بيت يزيد، كما في قصة زوجته عندما علمت بالأمر، ومما أدى الى ميل ابنه معاوية الى اهل البيت ورفضه الخلافة فيما بعد.  لقد ظن الأمويون انهم بقتلهم الحسين ع سيدفنون أمره، ولقد شاءوا وشاء الله. ارادوا القول ان قوما ثاروا على الخليفة، وقضى عليهم جند الخليفة وانتهى الأمر.  
        وكان الأمر الآخر هو الكشف عن خسة الأمويين، الذين لم يتورعوا عن ارتكاب كل ما هو دنيء للحفاظ على ما اغتصبوه من حكم، وما ارتكبوه من ظلم، وما قاموا به من اضلال للناس وتحريف للعقيدة. فكما سنوا كل ما يأباه الاسلام من سنن من قبيل رفع الرؤوس على الرماح، ومنع الماء عن الخصم، فقد سبوا النساء، وكان رسول الله ص يطلق النساء في غزواته، كما حدث في قضية اطلاق سراح ابنة حاتم الطائي اكراما لأبيها ثم قال لها لوانه كان مسلما لترحمنا عليه. ثم استجاب لطلبها باطلاق سراح كل من كان معها من النساء اكراما لها. ولا ننسى كيف ان امير المؤمنين عليا ع ارسل مع عائشة التي انتهت توا من محاربته نساء متخفيات بزي الجند، حفاظا عليها ودفعا لانتهاك حرمتها.
                    وحسبكم هذا التفاوت بيننا      فكل اناء بالذي فيه ينضح
 وقد يلتبس الأمر على البعض في مسألة اصطحاب الحسين ع لعياله،  كما التبس عليهم في مغزى قضية الامام الحسين ع بكاملها. فكيف يمكن للحسين الخلود وللاسلام الديمومة بمقتله ع؟ فعند اولئك ان النصر يتأتى من غلبة جيش على آخر، ومن قتل القاتل للمقتول. وينسون ان من يطلب الموت توهب له الحياة.
كنت الصيف الماضي في زيارة للسيدة زينب ع. وعند زيارة احد الأضرحة لأحدى النساء التي توفيت خلال السبي ودفنت هناك، التقيت باشخاص مسيحيين من فرنسا على معرفة باللغة الانكليزية، يتجولون في أروقة الضريح. جرى بيننا، حديث قدمت لهم فيه معلومات عن صاحبة الضريح. وكان من ضمن ما قلت لهم: ان مما يثير الاعجاب هو ان امرأة مسبية توفيت في ديار الظالمين، ولا يزال لها ضريح باق في تلك الديار يؤمه الزائرون من كل الاصقاع، في حين ان الطاغية الذي قام بذلك السبي لا قبر له في عاصمة ملكه التي مات فيها. انها امارة من امارات الخلود. فهؤلاء قوم ارادوا الآخرة وسعوا لها سعيها، فأنالهم الله حسن ثواب الدنيا والآخرة.   




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3498
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28