• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حركة المحرومين - أمل (الولادة - النشأة - الأبعاد) في لبنان - الحلقة الاولى .
                          • الكاتب : سعد العاملي .

حركة المحرومين - أمل (الولادة - النشأة - الأبعاد) في لبنان - الحلقة الاولى

المقــدمـــة:
 
نحن في ميثاقنا، الايمان بالله ـ المادة الاولى ـ والتراث يوجهنا، والانسان نؤمن به وبكرامته، والظلم نرفضه بانواعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمحلية والعربية والعالمية. ثم ان المحاضرات التي القيت والكتب التي وزعت أوحت الى شبابنا أن يكتبوا الدروس الثقافية التي أصبحت أربعين وموزعة بين الإخوان.انا بدأت آخذ هذه الدروس، وأضيف إليها، وكما قلت في الإسبوع الماضي، أقدم لكم درسين كل إسبوع يطبعان ويوزعان على الخلايا. طبعا، الدراسة إلزامية قانونية للحركة.
نرجو أنه خلال أربعين درسا تتكون الثقافة الذاتية للحركة انطلاقا مما قرأتم حتى الآن بشكل منسق، وننفتح على الثقافات الأخرى كما كان في بداية الإسلام عندما وصل المسلمون إلى درجة عبر عنها القرآن \" اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون \" [ المائدة/3 ] 
بعد هذه الآية نقول: \" اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا \" [ المائدة / 3 ]، ثم نصل الى هذه الآية: \" وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم \" [ المائدة / 5 ]. يعني بعد اكتمال الشخصية الإسلامية، لا مانع من العشرة مع أهل الكتاب. إذا\"، نحن بصدد اكتمال الشخصية الحركية، يعني الثقافة الحركية.
في البداية، البحث الأول الذي سيكون أربع أو خمس دروس: ولادة حركة المحرومين، وظروف نشأتها، وأبعادها التاريخية والجغرافية بما في ذلك الحلفاء في لبنان وفي العالم العربي وفي العالم.
 
إن حركة المحرومين في لبنان ولدت رغم لا طائفيتها ـ نحن نقول في ميثاقنا أننا لسنا طائفيين ـ في قلب الطائفة الإسلامية الشيعية وبرعاية القيادات والمؤسسات الرسمية الدينية.
الحركات عادة\" تنطلق من القواعد، بينما حركة المحرومين انطلقت من القواعد والقيادات معا وهذا له سبب. السبب للمفارقتين:
حركة لا طائفية تنطلق من قلب الطائفة، وحركة شعبية تنطلق من مشاركة القيادة الرسمية نفسها، ويعود السبب في ذلك إلى عوامل عديدة علينا أن ندرسها:
 
1 ـ الوضع الاجتماعي والسياسي في لبنان.
2 ـ موقع الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان والعالم العربي.
3 ـ العوامل التاريخية والعقائدية عند الشيعة، أي التراث والمفاهيم الدينية المتطورة: مفهوم الإيمان ومبدأ الإجتهاد لدى هذه الطائفة.
4 ـ دور القيادة في بعث هذه الحركة.
5-حركة المحرومين ... ثورة مؤمنة إنسانية.
 
ونجد في هذه الدراسة خطوطا عريضة للعوامل الأربعة هذه ومقارنتها، ونحيل الراغبين في الإحاطة أكثر بالعودة إلى المصادر. هذه الدراسات إلزامية للحركة، والتفاصيل إختيارية، وإنما إلزامية للكوادر طبعا. ومصادر الدراسة ستقدم ككتب للإخوان.
 
القسم الاول :الوضع الاجتماعي والسياسي في لبنان:
 
أرجو الانتباه. في سنة 1920 ولد لبنان الكبير برعاية وانتداب فرنسا، من قبل عصبة الأمم التي كانت مهتمة بتصفية تركة الإمبراطورية العثمانية في هذه السنة التي تأسس فيها لبنان الكبير ألحقت بجبل لبنان الأقضية الأربعة: بيروت، طرابلس، بعلبك ـ الهرمل، الجنوب، وسميت جميعها \" لبنان الكبير \". وكانت فرنسا هي الدولة المنتدبة من قبل عصبة الأمم لإدراة شؤون هذه المنطقة.
 
ليست جديدة عليكم هذه الأمور، ولكن تسلسل الأحداث فيه فائدة كبيرة في فهم ولادة الحركة.
 
بولادة لبنان الكبير كانت نهاية العهد الذي استمر منذ 1860 وفيه كان لجبل لبنان، بقضائيه الماروني والدرزي من 1860 الى 1920، إستقلال داخلي يحمى من قبل الدول الأوربية: بريطانيا، فرنسا، المانيا، النمسا، وروسيا. هذه الدول الخمس، كانت بموجب إتفاقية جرت في اسطنبول مع الحكومة العثمانية، تحمي استقلال جبل لبنان. هذه الإتفاقية، في الواقع، فرضت على العثمانين لأن الإستعمار الأوربي الناشىء كان يفتش عن قاعدة في هذه المنطقة إذ أن إسرائيل لم تكن بعد قد وجدت، وكان لبنان الحلقة الأضعف.
 
1 ـ وضع اليد على جبل لبنان والهجرة:
 
فمن حوالي أواسط العشرينات 1820 ـ 1824 بدأوا يدفعون باتجاه الخلاف الطائفي في لبنان بين الدروز والموارنة. ووقعت عدة جولات قتل فيها الالاف إلى أن كانت الجولة الأشد والأعنف في نهاية 1859 وأوائل 1860.
في 1860 دخلت جيوش هذه الدول الخمسة إلى جبل لبنان وفرضت اتفاقية على العثمانيين بأن يكون لجبل لبنان إستقلال داخلي.
إذا\"، الإستعمار الأوروبي حرك الخلافات الطائفية، أرجو الإنتباه، وأولئك الذين كانوا ينادون بالدين وبالخلافات الدينية وبالدخول إلى الجنة من أجل الدين كانوا ينفذون أفكار الشيطان وأفكار عدو الله في هذا الإطار. دائما الخلافات الطائفية هي كذلك: لا ترضي الله سبحانه وتعالى وهي ليست دعوة إلهية أبدا. حركوا الدروز والموارنة ليشتبكوا مع بعض ولما فعلوا وضعوا يدهم على جبل لبنان.
 
في هذه الفترة من 1860 ـ 1920 كانت الدول الخمس تتنافس على إجتذاب الفئات فكل دولة أوروبية تعتمد فئة، عشيرة، طائفة معينة. فالمعروف أن الانكليز كانوا يتحببون إلى الدروز، والفرنسيين والإيطاليين كانوا يتنافسون على الموارنة، وروسيا كانت تعتمد الأرثوذكس وهكذا..
في هذه الفترة، كل دولة قدمت المساعدات الثقافية والتربوية والفنية للفئة التي تعتمدها حتى كاد أن يتحول جبل لبنان إلى قطعة من أوروبا ثقافيا وحضاريا.
 
إنتشرت الجامعات، وسمعتم بالمعاهد التعليمية والمستشفيات والمصحات. تعرفون معهد عينطورة، من حوالي مائة وثلاثين أو مائة وأربعين سنة وهو مدرسة ثانوية ضخمة جدا وأنا ألقيت محاضرة في قاعتها ودهشت لموجوداتها إذ لا يوجد مثلها في جامعاتنا. الجامعة الاميركية وعمرها حوالي مائة وعشر سنوات، مصح \" بحنس \"، مستشفى هملين وغيره، قديم وعمره حوالي مائة سنة أو أكثر.. زرعوا هذه المناطق بالمؤسسات ورفعت الدول الأوروبية مستوى النخبة من أبناء جبل لبنان، في حين كان جمهور الشعب الماروني يعيش فقرا مدقعا اذ أهلكه القحط، وكان يضطر للهجرة إلى الاميركيتين وإلى إفريقيا الغربية وأنتم تعلمون أن الهجرة اللبنانية في الفصل الأخير بدأت في أواسط القرن التاسع عشر ابتداء من جبل لبنان. لذلك نرى أن المهاجرين القدامى الأولين إلى القارات المذكورة هم المسيحيون والدروز من جبل لبنان، اما هجرة الشيعة فقد بدأت في بدايات القرن العشرين.
 
ومن جهة أخرى أعفي أهالي جبل لبنان من دفع الضرائب ومن الخدمة العسكرية للحكم العثماني. وهذه العوامل تتمثل في المثل اللبناني القديم: \" نيّال من له مرقد عنزة في جبل لبنان \".
 
وقد إستفادت الدول الاوربية من أبناء الجبل المسيحين في شمال إفريقيا فعملوا كمترجمين وخبراء للمستعمر الفرنسي. وكانت الهجرة الثقافية إلى مصر وتأسيس الصحف الكبرى في القاهرة: الأهرام، والهلال والمقتطف أسسها مسيحيون لبنانيون. آل زيدان وعائلات لبنانية، غالبيتها من كفرشيما، أقامت مؤسسات ثقافية. كذلك كانت الهجرة السبب في انتقال الأدب العربي إلى أميركا اللاتينية وتأسيس العصبة الأندلسية هناك. وبرزت المنادة بالقومية العربية، لمحاربة الحكم العثماني المتستر بالإسلام، من قبل أبناء الجبل، وبدأ التفاعل الحضاري والثقافي بين العرب وأوروبا، ذلك التفاعل الذي إنتشر في العالم العربي بواسطة الجامعات والمدارس الموجودة في الجبل.
 
2 ـ لمحة عن الاقضية:
 
دام هذا الوضع جيلين ترسخ في أثنائها في نفوس أبناء الجبل وخلق في بعض النفوس شعورا بالتفوق بأنهم كانوا متقدمين ـ تفوق وتقدم حضاري ـ بينما برز الشعورالقومي العربي لدى الآخرين منهم. في هذا الوقت، أي بين 1860 ـ 1920 ، كان وضع الأقضية الأربعة يختلف كليا عن وضع جبل لبنان. كان جبل لبنان في هذه الفترة يتقدم بشكل صاروخي ويقترب حضاريا وثقافيا من أوروبا، بينما الأقضية الأربعة الأخرى تختلف.
بيروت وطرابلس كانتا موضع رعاية العثمانين باعتبار أنهم أبناء مذهب واحد، وأصناف النشاط التجاري بلغت الأوج. والمؤسسات الإسلامية الثقافية باسم المقاصد الخيرية تأسست من أيام العثمانين. البيروتيون والطرابلسيون، وحول بيروت، منطقة إقليم الخروب... استلموا مهاما رسمية وألقابا عثمانية: بيك ـ باشا.. وكانوا بدورهم يحسون بتفوق معنوي بسبب ارتباطهم بالسلطان، بالباب العالي. هذا وضع جبل لبنان والشمال وبيروت وبقي وضع القضائين الشيعيين.
 
أما البقاع، بعلبك ـ الهرمل، فبسبب الأكثرية الشيعية كان موضع إهمال من الدولة العثمانية التي شجعت فيه النظام العشائري وغاب عنه أمن الدولة. وكانت السلطات العثمانية تساهم في إفقار المنطقة وحرق الغابات الكثيفة الموجودة فيها، وربما تعلمون أن جبال بعلبك ـ الهرمل كانت مليئة بالغابات، والحكومة العثمانية كانت تقطع الأشجار من هذه الغابات لحرقها في تسيير القطارات وسكك الحديد، فكنت ترى المحطات مليئة بالأخشاب التي اقتطعت من أشجار هذه المنطقة. أي أن العثمانيين لم يكتفوا بعدم خدمة المنطقة وحسب، بل وعمدوا إلى إفقارها ومن جملة الإفقار نزع الأحراش من المنطقة، وتجهيل الناس، ورعاية تخلفهم الحضاري، وتحريض الناس على الأخذ بالثأر، وأمثال ذلك. وإلا فهذا أمر غريب، في وسط هذه المنطقة المتحضرة، أن تتحكم العشائرية.
 
أما الجنوب فكان يعيش الفقر وسيطرة عمال السلطان. شبابه يساقون إلى الخدمة العسكرية وإلى حروب اليمن ـ وكان يسمى \" سفربرلك \". والذي كان يذهب إلى الحرب كان يودع أهل بيته، فهو ذاهب للموت. وكان يعفى من الخدمة العسكرية كل من يدفع ضريبة باهظة ـ خمس وسبعون ليرة ذهبية ـ ولما كان الأهالي لا يملكون هذا المبلغ، فإن البعض كان يبيع أرضه. لمن؟ لآل الملوك، آل جنبلاط، آل الاسعد.. للاقطاعيين القدامى والجدد الذين كانوا موجودين في الجنوب.
كان هؤلاء الإقطاعيون يشترون الأراضي، وبالتالي أصبح الجنوب فارغا من الشباب من جهة، وأصبحت أراضيه ملكا\" للإقطاعيين الجدد من جهة أخرى، وتعطلت مدارس جبل عامل. هل تعلمون أنه في حناوية، عيتا الزط، النبطية، حبوش، العباسية... في كل بلد كان هناك جامعة صغيرة؟ الجامعات الدينية وعلماء جبل عامل معروفون. وكان هناك رئيس جامعة دينية صغيرة في حناوية وهكذا في كل بلد، وآخرهم مدرسة السيد حسن يوسف مكي في النبطية، والذي كان أستاذاً للشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد عارف الزين وهؤلاء كونوا النهضة العاملية الأخيرة.
 
عم الجهل والتخلف، وفتك بعض الولاة العثمانيين ـ أحمد الجزار ـ بالعلماء، ومن جملتهم جدي طبعا السيد صالح شرف الدين، وأحرقوا كتبهم وطردوا كبارهم، وساد الظلم والإضطهاد وبدأت الهجرة. ويقال أن أفران عكا اشتغلت إسبوعا كاملا بإحراق كتب علماء جبل عامل، هذا لا ينسى! 
إذا\"، جبل لبنان يطلع للقمة، طرابلس وبيروت تجارة واتكالية، والجنوب والبقاع ينزلان إلى الحضيض. بهذا التفاوت العميق بين المناطق الخمسة شكل لبنان الكبير بعد الحرب الكونية الأولى، وفي هذه الظروف المتباينة أسست فرنسا الإستعمارية الدولة الجديدة.
 
وتمكن أبناء الجبل، ولا سيما الموارنة، من خلال الظروف الثقافية والعلاقات المتينة مع أوروبا، من أن يحتفظوا بالمراكز الأساسية في الدولة. ويبدو بوضوح في الوثيقة الأساسية أن \" لبنان الكبير \" هو جبل لبنان والأقضية التابعة له ولذلك اسمه لبنان.
 
في الواقع، الأقضية الأربعة أقمار حول الشمس ـ حول جبل لبنان ـ هذه هي العقلية التي سادت، أي، أن الأقضية الأربعة مزارع تابعة لجبل لبنان.
طبعا فترة الحماية الأوروبية كان لها تأثير في إرتباط أبناء الجبل بأوروبا والعالم دون العالم العربي لأنه أيضا\"، كان خارجا من الإستعمار، وكان تحت الحماية الإنكليزية أو الفرنسية في ذلك الوقت. هذا الربط كان يشجعهم على الإمساك والتمسك بدفة الحكم وعلى شعورهم بالإنتماء الغربي.
 
3 ـ عهد الاستقلال:
 
وفي زمن الإستقلال، تنازل أبناء الجبل عن الإنتماء الأوروبي مقابل تنازل الاقضية الاربعة عن الوحدة العربية، فكما يقولون، نفيان اسسا الميثاق الوطني: بالنسبة للمسيحيين عدم الإنتماء للغرب، وعدم الوحدة مع العرب بالنسبة للمسلمين. هذا أساس الاستقلال عام 1943، أي بعد الحرب الكونية الثانية.
 
مع العلم أن فترة الإنتداب أسست إمتيازات الموارنة وأبناء جبل لبنان، ورسخت سيطرتهم، وبالتالي كانت السبب في خلق النظام الطائفي الذي نعيشه اليوم، والغاية الحقيقية منه إبقاء الوجود السياسي المميز للطائفة المارونية وعدم ذوبانه.
 
طبعا\"، الواقع أن النظام الطائفي: رئيس الجمهورية ماروني ورئيس الوزراء كذا ورئيس المجلس كذا.. هذه أمور كانت في الواقع عبارة عن الحفاظ على الإمتيازات التي حصلوا عليها في أثناء الفترة 1860 ـ 1920. ولكنهم كانوا يعطون بعض المبررات: أولا\"، كانوا يقولون أن الأقليات في العالم العربي مضطهدة وأن الأكثرية الإسلامية لا تسمح للكفاءات أن تبرز وأن تتسلم المراكز الأساسية. والحقيقة أن مسألة الأقليات لو صحت في الغرب، فهي ليست صحيحة إطلاقا في العالم الإسلامي حيث يحمي الإسلام بقوة كافة الأقليات المؤمنة بالله، ويشهد التاريخ أن الكفاءات اليهودية والنصرانية في العالم الإسلامي كانت موضع اهتمام واحترام.
ثانيا\"، كانوا يقولون أن الطوائف اللبنانية الموزعة في المناطق هي متفاوتة المستوى، ولذلك فوجود النظام الديموقراطي الليبرالي، والذي هو استباق بين أبناء الشعب لا يمكن أن يكون نظاما عادلا\" لأن الفرص المتوفرة للناس متفاوتة وليست متكافئة. لذلك لا بد من وجود تقسيم لهيكل الدولة بين الطوائف. الهيكل يجب أن تتقاسمه الطوائف التي هي بمنزلة الأحزاب في البلاد.
 
لكن الذي حصل أن الهيكل تقاسمه زعماء الطوائف. فكنت ترى أن الزعيم الشيعي أو الزعيم السني يأخذ خمسة مراكز مثلا فيبحث بين أقاربه عن أناس يوليهم هذه المراكز الأساسية، فإذا\" لم يجد شخصا\" منهم فإنه كان يتنازل عن هذا الحق.
 
هذا الذي حصل في بداية التقسيم، إذا كان التقسيم في الواقع تقسيما\" للمرافق بين الإقطاعيين ولم يكن إطلاقا تقسيما بين الشعب، وبقيت أكثرية الناس محرومة من الفرص كافة.
 
وفي النهاية، بقي عهد الإستقلال استمرارا\" للعهود السابقة، فازداد الحرمان والتفاوت والشعورالعام بالتمييز الطائفي والتذمر، وبقي المجتمع متفككا غير متماسك. وبقي أصحاب الإمتيازات يحمون دولتهم بالمظاهر الزائفة: من الإزدهار الإقتصادي بالعواطف، إلى الفلسفات الخاوية أن الصيغة اللبنانية أفضل الصيغ، قوة الجيش، الإمساك بمفاتيح السلطة، وتنازلوا جزئيا في بعض الفترات لبعض الفئات فعملوا تحالفا مارونيا ـ سنيا، وتحالفا مارونيا ـ درزيا. وهكذا حاولوا أن يرضوا بعض الفئات الأخرى ويعطوا قليلا من الإمتيازات هنا وهناك، ولكن التحالف كان دائما بين الإقطاع والأغنياء من مختلف الطوائف وبين الدولة.
 
هذه المحاولات لم تكن نافعة ولم يتمكن أولو الأمر من بناء مجتمع متماسك موحد كما لم يتمكنوا من البت في أي موقف أساسي سياسي أو إقتصادي أو ثقافي.
 
بقيت الدولة اضعف الفئات ـ أداة حفظ التوازن ـ وتعمقت الزعامات التقليدية وأصبحت موروثة، وبقيت المؤسسات كلها، وحتى الجيش، حذرة، مجمدة، محجمة، تسد أبوابها في وجه الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب... وتروضت الأحزاب. وأحب أن أتكلم هنا عن الأحزاب.
 
الأحزاب السياسية تروضت في هذا المجتمع فتحولت إلى زعامات جديدة، واضطرت بسبب التعقيدات الموجودة في المجتمع الى استعمال نفس الأساليب والوسائل المتعارفة لدى الإقطاعيين: يأخذون منحا لجماعاتهم، يرعون مصالح عناصرهم، يتحالفون مع الخصوم ومع الشيطان حتى ينجحوا، يتحالفون مع الإقطاع حتى يصبحوا نوابا وهكذا.
إستعمال الوسائل التقليدية في لبنان من قبل الأحزاب لم يمكنها من استقطاب الناس. الحزب الشيوعي مثلا، تاريخ تأسيسه يعود إلى خمس وخمسين سنة من قبل الأحداث. ما حجمه؟
أخذت الأحزاب قليلا بقوة السلاح ولم تتمكن من تحسين أحوال الناس وأعمالهم ومصالحهم، وتحولت إلى تحالفات سياسية تستعمل من قبل الزعامات المحلية تارة ومن الأنظمة والقوى العربية والعالمية تارة أخرى.
 
إن هذا الوضع الإجتماعي الشاذ جعل التسلل من الخارج لكل طامع أمرا في منتهى السهولة، فاصبح المجتمع اللبناني ساحة صراع بين العرب وغير العرب واستفادت \" الميركنتيلية \" اللبنانية من هذا الصراع ماديا ولكنها دفعت الثمن غاليا ومرة واحدة في الأحداث الأخيرة.
 
هذا فيما يخص الوضع الإجتماعي والسياسي في لبنان، والذي يشكل المادة الأولى والأرضية لطرحنا مسألة نشأة الحركة ودورها. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=34807
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19