• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : اراء لكتابها .
                    • الموضوع : المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح5 - التجاوز على علماء المذهب(رحمهم الله) .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه) .

المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح5 - التجاوز على علماء المذهب(رحمهم الله)

 بين الشيخ احمد الوائلي والشهيد السيد جواد شبر (رحمهما الله)

كلاهما ذهب الى لقاء الله, وكلاهما كان من أعمدة المنبر الحسيني... الشيخ أحمد الوائلي, والسيد جواد شبر رحمهما الله, إختصَّ الشيخ احمد الوائلي بلقب عميد المنبر الحسيني في العراق وفي بلاد الخليج ما يقرب من نصف قرن, والآخر كان من أبطال المنبر الحسيني واعمدته, وخصّه الله تعالى بالشهادة, فكان من شهداء المنبر الحسيني, وهو فوق كل رزق.
خدما المنبر الحسيني أكثر من نصف قرن, وكسبا أوسع جماهير شيعة أهل البيت, ورفعا خطاب أهل البيت عليهم السلام الى أوسع الجماهير في العراق وبلاد الخليج, بل وفي المهاجر الاوربية.
رحمهما الله, وتغمدهما برحمته الواسعة.
يذكر هذا (الكاتب) لهما قصّة في التنافس بينهما على كسب الجماهير وساحات المنبر, وكَأنّ احدهما يكيد بالاخر ويمكر به, والآخر يرد الكيد والمكر اليه بمثله(جولة في دهاليز مظلمة: ص177 - 181). لا أحبّ أن أذكر القصة هنا, لئلا ادخل فيمن يشيع قول السوء والفحش في الذين آمنوا, وأنا لا أشك في أن القصة بتفاصيلها التي يسردها هذا الكاتب في كتابه (جولة في الدهاليز) منتحلة عليهما وباطلة, واحتمل بدرجة عالية جداً انها مكذوبة وباطلة حتى في إجمالها(ص177 - 181).
ولست اتحدث هنا عن هذا وذاك, ولكنني أتساءل: لماذا هذا النبش في المقابر, وفي تاريخ ناس صالحين عرفناهم وعرفهم جمهور المؤمنين بالاستقامة والصلاح وخدمة المنبر الحسيني, وتثقيف جماهير أهل البيت عليهم السلام, ومقاومة الظالمين, حتى أن أحدهم ذهب شهيداً الى لقاء الله, والآخر بقي مهاجراً, بعيداً عن بيته وأهله واولاده في شيخوخته, فراراً من بطش الظالمين.
ولو كانا يعطيان للظالم نصف كلمة او كانا يسكتان عنه لعاشا في أرغد عيش وفي أمن وسلام ودعة..
أليس في حسناتهم, وخدماتهم, ومقاومتهم للظالمين, ودورهم في خدمة المنبر الحسيني ما يغنينا عن ذكر قضية, في أغلب الظن, منتحلة وموهومة في التنافس السلبي بينهما؟ حتى أنَّ احدهما كان يكيد بالآخر, والآخر يحفظ له هذه الإساءة, ولا ينساها له, حتى يردها له الصاع بالصاع والكيل بالكيل.
اللهم ليس هذا النهج هو النهج الذي علمنا عنك انبياؤك واولياؤك.
رحم الله فقيدي المنبر الحسيني وعميديه ومعذرة اليهما, اذا اضطرني هذا الكاتب الى الاشارة الى هذه القضية المنتحلة من بعيد, لاعالج بذلك مرضاً يستشري في بعض اوساطنا الاجتماعية وهو الفتك بانفسنا, واخواننا احياءً وامواتاً, كما يقول تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}الحجرات/12.
ولو عرف الناس أنّ مثل هذا الفتك بالاحياء والأموات, وبرجالنا وأبطالنا وقادتنا وقدواتنا, مثل من يأكل لحوم الآخرين وهم أموات, اذن لاشمأزت نفوسهم من بشاعة هذا الأثم وممن يقترفه.


السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله
ساءني كثيراً التعبير الفج والفظ لهذا الكاتب عن المرجع الديني الكبير, الفقيه, الذي تفرد بمرجعية الشيعة الإمام السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله يقول هذا الكاتب
(ان المندوب السامي البريطاني قبّل يد السيد كاظم اليزدي, وكان ذلك في لقاء سري, لكن مساعده الانكليزي عاب عليه ذلك, قائلاً ماذا كان يفعل رئيس الوزراء البريطاني لو رآك وانت تقبل يد هذا الرجل, فرد عليه المندوب قائلا: إنّه يعلم أفضل مني ومنك بانه ما كان لمشاريع بريطانيا في الشرق الاوسط والقارة الهندية تنجح لولا فضل هؤلاء, وأشار بيده الى السيد اليزدي رحمه الله انها صفقه سوداء في تاريخنا والخاسر فيها الاسلام والمسلمون)(محنة الهروب من الواقع: ص171).
وعلى طريقته يلقي الكلام على عواهنه, ويمضي, غير عابئ بتبعات هذا الكلام, ويزرع الشك في نفوس المؤمنين تجاه فقيه ومرجع كبير من فقهاء المسلمين ومراجعهم.


التاريخ الجهادي الناصع للسيد كاظم اليزدي
أقول ان القوات البريطانية دخلت العراق, وبالتحديد الفاو في 6 تشرين الثاني 1914م لاحتلال العراق, وفي كانون الاول 1914م أي في شهر او اقل من شهر صعد السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله المنبر في الصحن الحيدري الشريف وخطب في الناس خطبة حثهّم فيها على الدفاع عن البلاد الاسلامية واوجب على الغنّي العاجز بدناً ان يجهز من ماله الفقير القوي(مذكرات الشبيبي: ص182).
وفي 7 محرم 1333 أي في نفس شهر تشرين الثاني 1914 ولم يمر على احتلال الفاو إلا بضعة أيام توجه وفد من علماء النجف الى بغداد ليتوجهوا منها الى جبهة الحرب عن طريق دجلة.
وكان الوفد يومئذ يضم الشيخ فتح الله شيخ الشريعة الاصفهاني, والسيد علي الداماد التبريزي, والسيد مصطفى الكاشاني (والد السيد ابو القاسم الكاشاني) والوفد الذي اوفده الإمام السيد محمد كاظم اليزدي الى جبهات القتال, وفيهم ولده السيد محمد والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء, والسيد اسماعيل اليزدي وبعض طلية العلوم الدينية(ثورة النجف للأسدي: ص91).
وكان لإعلان الجهاد من جانب السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله للتصدي للاحتلال البريطاني دور كبير في تحفيز عشائر الفرات ودجلة للمشاركة الفعالة في جهاد الانكليز.
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله في مذكراته المطبوعة بعنوان (عقود من حياتي):
وهاجت الحمية الدينية بعلماء الإمامية والمراجع الدينية فخرجوا بأنفسهم الى الجهاد في الجهات المختلفة التي ساق العدو قواه اليها. وكانت الزعامة الروحانية قد إنحصرت بعد وفاة الاستاذ الخراساني بالسيد الاستاذ (الطباطبائي), (أي السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي) وحيث رأى القضية هجوم الكفر على الاسلام لم يتوقف من إعلان الفتوى بوجوب النفير العام على كل متمكن من الدفاع(عقود حياتي: ص100 - 101).
وقد راسل السيد محمد كاظم الطباطبائي جمعا كبيراً من شيوخ عشائر الفرات ودجلة يستحثهم على الجهاد, جمع بعضها الاستاذ الباحث المتتبع كامل سلمان الجبوري في كتابه القيم الكبير عن الفقيه المرجع السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ووثقها في ملحقات كتابه من ذلك كتابه الى الشيخ خزعل(السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ،الاستاذ كامل سلمان الجبوري: ص545).
ورسالة اخرى الى الشيخ طه فرج الله العشار (ص546).
والى والي البصرة العثماني.
والى الحاج عطية والحاج حمودي الملاك والحاج موسى العطية والحاج مهدي الهواز.......
ورسالة الى عامة المؤمنين يستحثهم على جهاد الانكليز, يخبرهم فيه أنّه ارسل ولده السيد محمد ليدعو العشائر الى الجهاد(ص549).
ورسالة الى التجار(ص550).
ورسالة الى وكيله في الكوفة السيد على القزويني(ص570).
ورسالة الى عامة المؤمنين يستحثهم على الجهاد وترك الخلاف والتفرغ لجهاد الانكليز(ص572).
وبرقية الى ولده السيد محمد في ساحات الجهاد يقول له انه ارسل كتبا الى رؤساء العشائر فرداً فرداً(ص590)
ورسالة الى والي بغداد بهذا الشأن(ص612).
ورسالة الى اهالي الشطرة وعشائرها يستحثهم فيها على جهاد الانكليز(ص574)
ورسالة الى الشيخ خيون العبيد رئيس عشائر العبودة في الناصرية يأمره بالتوجه هو وعشيرته الى ساحة الجهاد.
ورسالة اخرى الى الشيخ خيون العبيد(ص576).
ورسالة الى الشيخ كاطع ال بطي رئيس عشيرة الازيرج في الناصرية يخبره بفتواه بوجوب جهاد الانكليز(ص580).
ورسالة الى رئيس عشيرة خفاجة في الناصرية يخبره بفتواه بالجهاد(ص582).
وحيث بلغه ان الشيخ خيون يساير الانكليز أرسل رسائل الى شيوخ ورؤساء الناصرية يطلب منهم ان يمنعوا الشيخ خيون من مسايرة الانكليز(ص584).
ولما عرف أن الشيخ خيون العبيد رئيس عشائر العبودة التحق بركب المجاهدين أرسل اليه كتابا يشكره على ذلك ويثنى عليه(ص592).
ويذكر الاستاذ كامل سلمان الجبوري مجموعة من الرسائل بعناوينها تبلغ ست عشرة رسالة الى شيوخ العشائر يستحثهم السيد كاظم الطباطبائي على جهاد الانكليز(ص596 - 597).
ورسائل السيد كاظم اليزدي الى شيوخ عشائر الفرات ودجلة والى الولاة العثمانيين كثيرة يذكر جملة منها الاستاذ كامل سلمان الجبوري, ولا نريد ان نتوقف عند هذه النقطة كثيراً.
ولما علم السيد محمد كاظم اليزدي أنّ بعض المعممين أرسلوا برقية الى ملك بريطانيا يهنئونه على إحتلال العراق ويطلبون منه حماية العراق والعتبات المقدسة غضب غضباً شديداً فكتب في جواب من استفتاه عن حكم هذا المعمم:
(الرجل الذي ارتكب هذا الفعل الشنيع فاسق فاجر لا يدفن في مقابر المسلمين)(ص145).
وقد ذكرت مس بل هذه الرسالة وجواب ملك بريطانيا في كتابه عن تاريخ العراق ص(7).
ولكن بعد ما احتل الانكليز العراق كان يراجعه بعض شيوخ العشائر في إعلان الجهاد ضد الانكليز مرة اخرى إلا ان السيد الطباطبائي كان يرى أنّ الوقت لم يحن بعد لإعلان الجهاد, ولا بد من فرصة لتحضير الناس والعشائر, وكان يقول إنا لا أمركم ولا أنهاكم حتى يتهيأ الناس للجهاد... الا أنّ الأجل عاجله رحمه الله قبل أن يستطيع ان يعمل شيئاً.
وكان يحتقر الانكليز احتقاراً شديداً.
يقول تلميذه الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله: كان السير برس كوكس (الحاكم السياسي الأول للانكليز سنة 1917) كان يراجع السيد في بيته في الكوفة وفي النجف >فيجلس على الحصير المتقطع المتلاشي, ويبقى بالانتظار مدة الى ان يخرج السيد ثم يجلس معه قليلا, ويقوم (السيد) قبل زائره, ولا يكلمه إلا بضع كلمات)(عقود من حياتي للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: ص114).
ويقول الشيخ كاشف الغطاء في طبائع استاذه السيد الطباطبائي ومنهجه السياسي ونفسيته:
كان السيد رحمه الله صعب المراس, شديد الشكيمة, في غاية الحذر وسوء الظن, لا يُغَرُّ ولا يُخدّع(ص119).
ولعل هذه الخصال النفسية والحذر, والانتباه وبعد النظر الذي كان يتمتع به السيد كان يدعوه الى التريث في الاستجابة لطلب بعض الناس في إعلان الجهاد للمرة الثانية من دون تحضير وإعداد.
ومهما يكن من أمر فلست اريد أن ادافع عن موقف السيد الطباطبائي اليزدي رحمه الله في التوقف عن الاستجابة لدعوة بعض العشائر الى اعلان الجهاد مرة اخرى ضد الانكليز.
وانما اقول إنّ هذه رؤية ونظرية, وهو رحمه الله بالتأكيد أدرى منا بالظروف السياسية الصعبة التي كان يعيشها امام الاحتلال الانكليزي للعراق.
وبعد مقتل الكابتن مارشال ومحاولة اغتيال بلفور في النجف من قبل اولاد سعد راضي اراد الانكليز الانتقام من النجفيين فطلبوا من السيد الطباطبائي اليزدي مغادرة النجف لقصفها قصفاً وحشياً شرساً, وارسلوا اليه ان يخرج هو وعائلته من النجف, إلا ان السيد الطباطبائي رفض طلب الانكليز رفضاً قاطعاً, وقال لهم إن أهالي النجف كلهم عائلتي, فحمى الثوار من انتقام الانكليز(السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، كامل سلمان الجبوري: ص447).
وكان رحمه الله, الى ذلك, فقيها, في الرعيل الأول من الفقهاء, يتميّز بدقة النظر, وعمق الرأي, والقدرة الفائقة على الاستنباط, ويشهد بذلك كتابه القيم (العروة الوثقى). وهذا الكتاب وإن كان كتاب فتوى, إلاّ أنّه يكشف عن قدرة صاحبه على التفريع.
وفي الكتاب اشارات سريعة احيانا الى الدليل وهذه الاشارات رغم اختصارها وايجازها تكشف عن نظر الفقيه اليزدي الثاقب ودقته وعمق رأيه, وكتابه في التعلق على مكاسب الشيخ الانصاري من أفضل ما كتبه الفقهاء في التعليق على هذا الكتاب.
واجمالاً يُعَدّ صاحب العروة الوثقى من ابرز فقهائنا في العصور الاخيرة. وقد تصدّر كتابه العروة الوثقى المتون الفقهية عند مشايخنا في الشرح والتعليق, بعد ان كان كتاب الشرائع للمحقق الحلي رحمه الله المتن الفقهي عند فقهاء الإمامية رحمهما الله.
ومهما يكن من أمر فنحن نعتذر الى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله عن الاساءة التي وجهّها اليه هذا الكاتب ووصفه (بصفقة سوداء) فانه اسوأ وصف لرجل تفرد بمرجعية الطائفة كلها وتحمل المسؤولية الشرعية للأمة في ظروف سياسية صعبة للغاية.
ان الناس يعظمون الاقزام الذين ينتمون اليهم, ويجعلون منهم عمالقة اما نحن فَنُقَزَّمُ العمالقة الذين ينتمون الى تاريخنا المعاصر.


التجاوز على الإمام الحكيم والإمام الخوئي(رحمهما الله):
يسيء الكاتب كثيراً الى الإمام الحكيم والإمام الخوئي رضوان الله عليهما وبيتيهما وجهازيهما بقسوة وضراوة بالغة.
وقد عاش هذان الإمامان الجليلان من فقهائنا المعاصرين ظروفاً سياسية صعبة للغاية, تحمّلا الكثير, وصبرا الكثير, وظُلما كثيراً, تغمدهما الله برحمته الواسعة... وهما من أجلاء فقهاء عصرنا.
وعلى الجيل الذي يليهما أن يأخذ هذه المعاناة التي تحملاها والظلم الذي صبرا عليه, والظروف الصعبة التي عاشاها من أجلنا... علينا ان نأخذ ذلك بنظر الاعتبار ونرد لهم الجميل بالجميل, والذكر الحسن, ونعرف لهما طول محنتهما وصبرهما.
وعلى خلاف ذلك. يعمل هذا الكاتب, فيتحدث عنهما وبيتيهما بأسوأ ما يكون الحديث ويروي عنهما قصصاً واحداثا لا اشك في انها منتحلة عليهما عن عمد وقصد, يذكرها هذا الكاتب من دون تحرج, ومن دون حجة ولا دليل.
من ذلك, على سبيل المثال, لا الحصر:
يقول: (في اوائل الستينات زارت النجف الاشرف فرح ديبا زوجة شاه ايران محمد رضا بهلوي.
و(كان يصحب هذه الضيفة وفد رفيع المستوى يرأسه وزير خارجية الشاه عباس رام, واقيمت مأدبة طعام في منزل احد مدرسي المدرسة الايرانية في النجف الاشرف وهو (كيهاني). وحضر فيها السيد الحكيم واكثر من 80 من وجهاء الحوزة والمدرسين, وكان حضور وزير خارجية الشاه لافتاً, حيث جلس بجنب السيد الحكيم, وبجنبه من الجانب الآخر السفير الايراني (فريدون مشايخي) والتقطت لهم الصور مع السيد الحكيم, لقد كنت حاضراً آنذاك وانا ابن 18سنة, وكنت ارصد المشهد تماما. وكان في ظرف اقتصادي صعب لا يستطيع فيه رجل العلم ي النجف الاشرف من ان يتذوق لحم الدجاج إلا في العام مرة واحدة)(محنة الهروب من الواقع: ص141)
ثم يصف الكاتب الوليمة التي اقامها كيهاني (معلم في المدرسة الايرانية) على شرف مرافقي فرح, وفيها انواع الطيبات (ويصفها وصفا مسهباً)(ص142) في حين كان طلاب الحوزة العلمية لا يدخل بيوتهم لحم الدجاج الاّ بالسنة مرة واحدة.
ويصف المجلس الذي حضره الإمام الحكيم على مأدبة (كيهاني) وصفاً دقيقاً, ويقول كان وزير الخارجية الايراني على يمين السيد الحكيم والسفير الايراني على يسار السيد الحكيم رحمه الله.
ويقول انه كان يومئذ حاضراً في المجلس وهو ابن 18سنة, وكان يرقب هذا المشهد بنفسه.
وهذا اقصى مراحل التأكيد والتوثيق بالحضور والمشاهدة, يؤكده الكاتب ويقول انه كان شاهداً وراصداً له.
وكل ذلك كذب وانتحال على الإمام الحكيم رحمه الله
فلم يحضر الإمام الحكيم هذه المائدة, ولا تجدون هذه القصة الا في تخيلات هذا الكاتب حصراً.
سبحان الله ما اخصب خيال هذا الرجل على نسج القصص, وما أجرأه على انتحال الاخبار والقصص والحكايات.
وليس بيننا وبين هذه القصة التاريخية التي ينتحلها هذا الكاتب اكثر من خمسين سنة. ولم تمر عليها قرون, ليشق التحقيق الميداني في هذه القضية.
فهل تجدون مصدراً, يُعبأ به علمياً لهذه القصة, الاّ عند هذا الكاتب.
ان الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود طلب من الإمام الحكيم في السنة التي حج فيها الإمام الحكيم: انه (أي الملك) يرغب في زيارة الإمام الحكيم, ويرغب ان يلتقي به في المسجد الحرام, وانه لا مانع لديه من زيارة الإمام الحكيم في بيته كسائر الناس, غير انه يخشى ان شخصية دينية علمائية - سماها له - يتوقع منه مثل ذلك... فهل يمكن ان يلتقي به في المسجد الحرام.
فارسل اليه الإمام الحكيم(رضوان الله عليه): إن لمرجعية الشيعة اعرافا في اللقاء بالزعماء والسياسيين لا يسعه ولا يمكنه ان يتجاوزها, فاذا احب الملك فيصل ان يلتقيه ففي بيته كما يلتقيه ويزوره سائر الناس فهل يمكن أن يستجيب الإمام الحكيم لمأدبة لمعلم في المدرسة الايرانية في النجف الاشرف تقام على شرف مرافقي الملكة, فيحضرها الإمام الحكيم بنفسه ويجلس وعلى جانبيه وزير الخارجية والسفير الايراني, وتلتقط لهم صور.
سبحان الله ماذا يطلب هذا الرجل من هذا المسلسل من الافتعال والانتحال, وما أجرأه على افتعال القصص والتواريخ, وما أخصب خياله, وليته كان يوظف هذا الخيال الخصب فيما ينفع الناس ويمكث في الارض, لافي تعكير علاقة الناس بالمؤسسة الدينية لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتشكيكهم بها, وهي المؤسسة الاكثر نزاهة ونظافة وبركة على وجه الارض كلها, ولست أعرف اليوم مؤسسة عاملة على وجه الارض اكثر نزاهة ونظافة وبركة منها من دون أي تحفظ.
وأحتمل إنّ قصة (علي عيني) التي تأتي تحت هذا العنوان ص141 و142 من نفس الكتاب, وفيها اساءة واضحة الى علم من اعلام الفقه والفلسفة في النجف الأشرف ايضاً من بنات خيال هذا الكاتب المغرم بالإساءة الى أعلامنا وتاريخنا.
ويروي كذلك زيارة أخرى لفرح ديبا (بهلوي) للنجف الأشرف سنة 1378هـ(محنة الهروب من الواقع: ص142) ويقول: (والجدير بالذكر ان للملكة فرح ديبا زيارتان (زيارتين) للنجف الأشرف. كان هذه الاولى أما الثانية فكانت عام 1378هـ [الظاهر حصول سهو في التاريخ والتاريخ الصحيح 1978م] الا انها ضيفه هذه المرة على ابنة الإمام الخوئي زوجة السيد نصر الله المستنبط وأسباب الزيارتين كانت واحدة, وكنت شاهداً على الحالة الثانية كما في الأولى)(محنة الهروب من الواقع: ص142).
وهذا إنتحال غريب للتاريخ فإن فرح ديبا كانت ضيفة على محافظ النجف الأشرف... وليس على إبنة الإمام الخوئي(رض) ولا تجدون هذه الرواية إلا عند هذا الرجل حصراً, وهذه القضية حدثت قبل 35سنة, وليس قبل قرون, ولازال الكثير من الذين شهدوا هذه القضية على قيد الحياة, ولست ادري كيف استسهل الكاتب لنفسه ان ينتحل قضية نزول فرح بهلوي ضيفة على ابنة الإمام الخوئي رحمه الله, ولا زال الكثير ممن شهدوا هذه القضية على قيد الحياة من ابناء النجف الأشرف.
وقد نسج هو ونسج المغرضون الذين لا يخافون الله حول هذه الزيارة ما جادت به قرائحهم.
منها: أن الإمام الخوئي رحمه الله استقبلها في بيته بالكوفة بـ(حي كنده), وقدم لها خاتم عقيق كتب عليه (يد الله فوق ايديهم)[قال لي بعض المقربين من الإمام الخوئي رحمه الله إن الإمام الخوئي لما سمع بقضية خاتم العقيق التي نسجها هؤلاء, تأثر وتألم كثيراً, ودعا على الذين انتحلوا هذه القضية ولفقوها]. لتقدمة الى السفاح الفاسد محمد رضا بهلوي(محنة الهروب من الواقع: ص174).
ومنها أنّ الوسطاء الذين توسطوا عند الإمام الخوئي رحمه الله لاستقبالها هم السيد نصرالله المستنبط رحمه الله وتلقي أثر ذلك مبلغ 4000دع والسيد مرتضى النقشواني, وتلقّى من الملكة 3000دع(ص175)...
ومنها ان الإمام الخوئي دعا لها ولزوجها وولديها(جولة في دهاليز مظلمة: ص62) الى آخر الافتراءات التي نسجها خيال هؤلاء من لا شيء... ولو كان يجمعون الى هذا الخيال المبدع تقوى وورع وخشية من الله لاستنزلوا رحمة الله وبركاته علينا. 
وهذا الذي نسجوه حول هذه القضية كلها افتراء واتهام.
وكلما في الامر أنّ محافظ النجف ومدير الأمن يومئذ حبكا خطه ذكية في مباغتة الإمام الخوئي بإدخال فرح بهلوي عليه, فجا ءبها المحافظ وبعض الحاشية الملكية الى بيت الإمام الخوئي رحمه الله بالكوفة, وقد أُخِذَ الخادم الذي فتح لهم الباب بالمحافظ والقوة الأمنية التي ترافقه, ففسح لهم المجال, ودخلت فرح على الإمام الخوئي على حين غِرّه, ولم يكن يسع الإمام الخوئي أن يتحرك لثقل في جسمه رحمه الله فجلسوا حول الإمام الخوئي رحمه الله قبل أن يستطيع أن يصنع الإمام الخوئي رحمه الله شيئا فواجهها الإمام بوجه مكفهر ومتجهّم, كما ذكر لي اكثر من واحد شهد الموقع, وذكرّها وذكّر زوجها بأخطائه الكبيرة الفادحة التي أوصلت الامر الى هذا الحد, وبعد بضع دقائق أشار اليهم بعض مرافقي الإمام الخوئي رحمه الله بأنّ للإمام الخوئي أعمالاً ومواعيد, ولا يسعهم ان يطيلوا الجلوس عنده اكثر من ذلك, فقاموا وانصرفوا, والإمام الخوئي متجهم في خروجهم, كما كان متجهما في دخولهم, وتعرض الخادم الذي اذن لهم بالدخول من غير استئذان من الإمام لعتاب وتوبيخ شديدين بعد ذلك.
هذا كلما في الأمر, لا أكثر ولا أقل.
ولا تسأل بعد ذلك عما نسج المتصيدون بالماء العكر حول هذا الأمر من محادثات وخطاب بينهم وبين الإمام الخوئي رحمه الله, وتقبيل ليد الإمام الخوئي رحمه الله, وتقديم الخاتم العقيق هدية من الإمام رحمه الله الى المجرم السفاح محمد رضا بهلوي... ودعاء الإمام الخوئي لها ولزوجها, فإن من لا يخشى الله, ولا يتورعه بإمكانه ان ينسج الكثير من بنات تخيلاته واوهامه حول هذه القضية وينسبها الى الإمام الخوئي رحمه الله.
ثم ينتحل الكاتب اهازيج شعبية يتغنى بها الشباب في شوارع طهران عندما نشر تلفزيون الشاه صورة فرح ديبا في زيارتها للإمام الخوئي(محنة الهروب من الواقع: ص176).
ويتساءل الكاتب في سخرية واضحه للإمامين الجليين الإمام الحكيم والإمام الخوئي رحمهما الله: (ولم اعرف كيفية تقبيلها ليد السيد الحكيم ويد الإمام الخوئي, وكيف كانت وهل انها تمت على ما يرام شكراً لله!!!)(ص143)
أقول: لا تسعني مفردات اللغة ان أعبّر عن أسفي واستيائي لهذه الدرجة من الاسفاف الذي يسقط فيه هذا الكاتب, وغيره ممن هو على رأيه ومذاقه في الاستهتار بكرامة أئمة المسلمين الذين يضع جمهور شيعة أهل البيت عليهم السلام, بل جمهور المسلمين, فيهم ثقتهم واحترامهم وطاعتهم, وأحيل أمره الى الله العلي القدير القهار, الذي اذا شاء أن يهتك عنه ستره الذي ستره به لم ينفعه الذين يشجعونه على هذا الإثم والافتراء, حتى لو ستروه بأكفهم.
وأمّا حديث هذا الكتاب عن عمالة جهاز هذين الإمامين الجليلين وبطانتهما للبلاط الملكي في ايران, فحدث ولا حرج.
علماً بان الإمام الخوئي رحمه الله قد أصدر رسالة في تحريم التعامل مع نظام بهلوي. وأظن انني لا أزال احتفظ بنسخة من هذه الرسالة الى اليوم في مكتبتي الخاصة.
ولكن هذا الكاتب يتهم جهازهما بالعمالة لبلاط الفاسد الساقط محمد رضا بهلوي بمناسبة وغير مناسبة, وكانه يستمرء ذلك ويستطيبه, فيكرره عشرات المرات فيما قرأت له...
ولم اقرأ له قط, ولا مرة واحدة, خلال كتبه هذا حجة ودليلا يرتضيه الدين والعقل في هذا التخوين والتفسيق والتسقيط الذي يمارسه مرة بعد اخرى تجاه تاريخنا.
ولقد وجدت عند هذا الكاتب مالم أجده عند غيره من نزعة تهاجميّة تجاه تاريخنا المعاصر وفقهائنا وامجادنا وجهادنا وابطالنا... وقد قلت من قبل واقول: ان الاعتداء على تاريخنا اعتداء علينا جميعاً, فإن قيمة الأمة بتراثها وتاريخها, والنيل من تراث الامة وتاريخها نيل منها واساءة اليها.

يتبع... 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : حيدر الحدراوي ، في 2013/07/24 .

السلام عليكم .. شهر مبارك عليكم وصيام مقبول
لا غرابة في ما تفضلتم به .. فقد كاد ان يكون جميع علماء المذهب الشيعي هدفا لمرمى الاعداء .. من الخارج ومن الشيعة انفسهم احيانا .. وجلّ تلك المحاولات والاقلام المأجورة تحاول ان تخلق هوات وهمية بينهم .. سواء كانوا مراجع او حتى خطباء منابر .. بعد ان يأسوا من خلق الفتنة فيما بينهم ... الحمدلله .. ان هذه الفتن لا تلاقي اذان صاغية لدى المثقفين الواعين .. لكنها تجد طريقها في قلوب الجهال .. ومرتعا خصبا لها عقولهم وقلوبهم ...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=34050
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19