• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التكنولوجيا... مفاهيم صحيحة وأخرى خاطئة ج2 .
                          • الكاتب : د . سعد بدري حسون فريد .

التكنولوجيا... مفاهيم صحيحة وأخرى خاطئة ج2

في كتاب العلوم، في احدى المراحل في المدرســة الابتدائية، كانت هنالك صورة لاحدى العلماء العرب لم تفارق ذاكرتي وأكاد استطيع رسـمها بتفاصيلها. هل تصدقون ان هذه الصورة المبدعة قد رسـمت باسلوب الفن الانطباعي!، عرفت هذا في المرحلة الجامعية من دراستي حين انغمسـت في الفن التشكيلي وصار الجمال ثقــافة وفلســفة..... عذرا، اعود الى الموضوع، كانت الصورة لابن الهيثم مع طلابه امام بركة اصطناعية وقد مد عصاه في البركة ليشرح انكســار صورة العصــا عند ســطح الماء، اي انكســار مســار الضوء عند دخوله المــاء. هل رســم الفنان هذه الصورة بالاسـلوب الانطباعي لان العراقيين هم رواد وزعماء هذا الفن في التاريخ المعاصر؟ أم ان الفنان كان يدرك ان الاسلوب الانطباعي، الغني بالضوء واللون، هو الانسـب لموضوع الصورة؟
 
بذرت هذه الصورة اولى توجهاتي المهنية، فقد كان الضوء عشــقي وشـغفي والمفتاح الى عقلي وانشغالي. كان هذا العشــق منذ كانت امي الحبيبة.... تصــبر على أسـئلتي وفي يدي واحدة من لعب الطفولة، قطعة المرآة تعكس شـمس الصيف على الجدار في واجهة المنزل. كنت لحوحا جدا، وكان صبرها أكبر. ولكني لازلت أذكر حدقتيها الواسـعتين.... السـومرتين....، حين سـألتها لماذا تتصرف كرتي الصغيرة مثل الضوء عندما ترتد عن جدار المنزل؟ أمي الحبيبة..... كنت الحاضنة والبيئة، كنت الســهل الممتنع، كنت ذلك الســر في كلكامش والزقورة، وســفينة نوح وتأمل ابراهيم لابراج الســماء، كنت القصـب والمشـحوف وعيني ابن الهيثم !
 
وأمتلات بعد ذلك كتبنا المدرســية عن العلماء المسـلمين، كان لزاما علينا ان نحفظ الاسـم الطويل وســنة الولادة والوفاة وغيرها من الجداول البائســة الســقيمة وكأنــه كان تعذيبا وتحجيرا للعقول! ثم جائت موجة أخرى من المناهج تقول ان كل هؤلاء العلماء المسلمين عرب، ابن ســينا والرازي وابن رشــد والخوارزمي وابن الهيثم وابن حيان وغيرهم. وعندما صرنا شـبابا عرفنا ان معظمهم كانوا مسلمين وليس عربا، اي علماء كتبوا باالغة العربية لكنهم من غير العرب..... ما علاقة هذا بموضوع المقالة، ينبغي اولا ان نلقي نظرة على علماؤنا في الوقت الحاضر،
 
في فضاء الانترنت، وخاصة نوادي التواصل العلمي والثقافي، كتبت مشاركات كثيرة عن انجازات عراقيين في الدول الاجنبية، اطباء ومهندســين وعلماء وغيرهم. حتى كدت اصبح احد النسّــابة العرب في اقتفاء الاصول العربية او العراقية للعالم والباحث الذي انجز شيئا كبيرا في احدى الدول الاجنبية. وكانت هذه المشاركات تلقى ترحابا وتعليقات كثيرة، واحيانا تكون التعليقات على شكل اضافة معلومة عن عالم عربي آخر ينتمي الى بلد صاحب المشـاركة وله انجاز علمي كبير في احد المؤسسات العلمية الاجنبية. وبعــد تفكير وتمعن يفرض نفســه السـؤال التالي، هل يحق لنا ان نفتخر بانجازات ابنائنا في الخارج؟ وهل يحق ان نفخر بانجازات غير العرب في زمن الحضارة الاسلامية في نفس الوقت؟
 
في زمن يعج بالندوات والمؤتمرات والخطط الاستراتيجية وورش العمل من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ارى لابد من تصحيح المفاهيم. كانوا يقولون اننا نعتبر ان العلماء عرب لانهم عاشــوا في "ظل" الدولة العربية الاسـلامية، وفي الحقيقة ينبغي ان نفهم ماذا يعني هذا "الظل". الجواب بسـيط يعرفه الجميع ولايفهمه أكثرهم!، كيف، الجميع يقول ان هذا "الظل" هو البيئة التي تم توفيرها للعلماء والمفكرين والباحثين وصارت العربية هي لغة العلم والفكر. لا اعتراض ابدا على هذا الرأي ولكني اســتدرك، ماهي البيئة التي يبدع في ظلها علماؤنا اليوم؟ بالتأكيد نحن لم نوفر هذه البيئة وانما يبدع علماؤنا في اكثر من بيئة اجنبية، ونتيجة ذلك، يكتبون ابداعاتهم باللغات الاجنبية. فأما ان نلتزم بمفهوم البيئة وبذلك نفتخر بكل العلماء المسلمين القدماء ولانتطاول على انجازات البيئة الاجنبية المعاصرة، او نترك الفخر بالعلماء المسلمين كون معظمهم لم يكونوا عربا ونفتخر بما يحقق ابنائنا اليوم في ظل المؤسسات الاجنبية.
 
انا شـخصيا، وبعد خدمة 25 ســنة في المؤسسات البحثية تبعها 6 سنوات في الجامعة، انا مع مفهوم البيئة في الفلسـفة والعلوم والتكنولوجيا وليس مع مفاهيم النسّــابة. لكني ايضا لاأنسى أهمية بيئة الطفولة التي تسبق البيئة في عمــر الانتاج العلمي والتكنولوجي. لازلنا نستحق الفخر ببيئة الطفولة العائلية بدرجة كبيرة ودور الأم والأب رغم الظروف التاريخية الضاغطة. لازالت الالعاب البسـيطة تفتق العقول امام خطورة العادات الحديثة في التعامل مع الاطفال. لازال بعضنا لايرى خطورة شاشات الحاسبة وغيرها على النمو الطبيعي لمهارات وعقول الاطفال، لازال بعضنا لم ينتبه الى التقارير التربوية في هذا المضمار بل لم ينتبه الى بواكير التأثيرات النفسية والعقلية وانغلاق الابداع نتيجة هذه الشـاشات. امامنا الفئة العمرية الاولى وهي الطفولة، والثانية خلال عمر الدراســة والانتاج. فاذا لم نلحق انفسـنا بتوفير البيئة المناسـبة لذلك، فلن تفيدنا التقارير وأشــرطة اخبار القنوات الفضائية وادّعاء الانجازات. وبالتأكيد، تفيدنا الجرأة في تشخيص اماكن الضعف وتفيدنا روح المبادرة والاصلاح الجذري والتخطيط العلمي، تفيدنا الروح المعاصرة في الانجاز وتسـارع الايقاع. ولن يفيدنا ابدا، استخدام هذه المفاهيم لمجرد تسجيل المؤتمرات وورش العمل والندوات، العلوم والتكنولوجيا، تنمو في ميادين المختبرات الاسـاسية والمتقدمة والريادية، ولاتنمو بالمضايف والدواوين ومنابر الوجاهة التي تسمى في بلدنا الآن مؤتمرات.
 
العلوم والتكنولوجيا هي قضية "أمـــن قومـــي"، ومن بين واجبات الامــن القومي هو تنمية اســباب البقـــاء.
 
هنالك بعدا آخر في كل هذا، بدونه لاتنشـأ العلوم والتكنولجيا في المجتمعات، ولاتمتلك ولاتتوطن، بل ولاتنمو، وهذا هو موضوع الحلقة الثالثة ان شاء الله.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=33269
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19