• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المفارقات بين اختيار مرسي والنبي يوسف لحكم مصر .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

المفارقات بين اختيار مرسي والنبي يوسف لحكم مصر

 
      ذاك نبي مرسل وابن نبي وهذا رجل من عامة الناس لذا فقد لا تصح المقارنة لكنها قد تكون جائزة في أمر واحد، وهي أن الإثنين اختيرا لحكم مصر، وما يهمنا بالذات معايير الاختيار ونجاح كل منهما في أداء مهام المنصب.
 
     حسن وجه النبي يوسف عليه السلام مضرب الأمثال، أطار عقل زوجة العزيز، وقطعت نسوة المدينة أيديهن بسببه، حتى ظنن بأنه من الملائكة لا البشر، وما كان موضع رغبة أو حسد الآخرين أدى بالنبي إلى السجن، ولم يكن من أسباب اختياره حاكماً لمصر. أما بالنسبة للرئيس مرسي فهو على النقيض تماماً من النبي يوسف في الحسن والوسامة، وبالتالي فما يقال عن تأثر الناخبين في أمريكا وغيرها بوسامة المرشحين لا أثر له البتة في اختيار أغلبية الناخبين المصريين للرئيس مرسي، وبالنتيجة فالحسن لم يكن ضمن معايير اختيار أي منهما.
 
     العقيدة إحدى أسس اختيار الحكام، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالعرف الدستوري البريطاني ينص على أن يكون الحاكم مسيحياً على المذهب الأنجليكي، وفي أمريكا لا توجد قاعدة دستورية لذلك لكن الافتراض السائد هو أن المنتمين للمذهب البروتستاني أكثر قبولاًً لدى الناخبين من الكاثوليك أو غير المسيحيين، وتشترط دساتير الدول العربية والإسلامية الديانة الإسلامية، ما عدا لبنان الذي يرأسه مسيحي ماروني، ولولا أن يكون الرئيس مرسي مسلماً سنياً لما أختير لرئاسة الجمهورية،  أما النبي يوسف فقد استلم حكم مصر وهو يعبد الله وعلى دين النبي إبراهيم عليه السلام، وهو لم يخف ذلك، كما يبين لنا القرآن الكريم، وبالتحديد في محاورة النبي لصاحبي السجن، في حين كان أهل مصر في حينها وثنيون، ويؤمنون بتعدد الآلهة، ومع ذلك وعلى الرغم من التناقض الحاد بين دين النبي وعقيدة أهل مصر فقد أختير لحكمها.
 
   قد يزعم البعض بأن المصريين القدامى اختاروا النبي يوسف لأنهم عدوه من الكهنة أو العرافين أو السحرة، عندما تنبأ بسبع سنين من الرخاء تليها سبع سنين من القحط، وكما يدلنا القرآن الكريم فقد كان للسحرة مكانة خاصة في المجتمع الفرعوني، وكان المصريون القدامى يخافون ويهابون السحرة والعرافين، لكنهم ومثل بقية الناس تحت سطوة الحاكم، وفرعون عدو النبي موسى عليه السلام توعد السحرة بقطع الأيدي والأرجل والصلب لأنه آمنوا برب موسى وهارون، لكن ليس في تاريخ مصر ما يؤيد ارتقاء كاهن أو ساحر لعرشها، كما لا يوجد ما يؤكد انتظارهم حتى ثبوت صحة تفسيره لرؤيا الملك قبل اختياره، وبالتالي فهذا الافتراض فاقد للمصداقية، من ناحية أخرى فقد يحاجج معارضو الرئيس مرسي بأنه استغل الدين وانتماءه لفصيل سياسي إسلامي لاستمالة أصوات الناخبين، وقدم لهم وعوداً زائفة، فهو في ذلك أشبه بالمشعوذين.
 
   هل كانت الجدارة معياراً في اختيار النبي يوسف والرئيس مرسي؟ ليس للرئيس المصري تجربة سابقة في الحكم والإدارة، تؤهله في أعين وتقييم الناخبين لتولي رئاسة مصر، وكان بعض المرشحين المنافسين أكثر جدارة منه في حسابات الخبرة العملية والتاريخ الوظيفي أو المهني، لذا فقد كان اختياره بالدرجة الأولى لانتماءه لحركة الأخوان المسلمين ومنعاً لفوز المرشح المنافس في الجولة الثانية، أما النبي يوسف فلم يكن مصرياً أصلاً، واشتروه كما يشترى المسترقون، وعمل في قصر العزيز، ودخل السجن ظلماً، وخالف عقيدتهم قبل أن يختاروه لإدارة خزائن أرض مصر وتولي مقاليد الحكم فيها، وهم لم يفضلوه على غيره لعقيدته وانتماءه ولا  اقراراً منهم بكونه نبياً مرسلاً ولا لمعجزاته  أو حسنه ووسامته ولا لأنه تنبأ بالغيب، بل لأنه امتلك الصفات المطلوبة في القائد، ومنها العفة والإخلاص، واثبت جدارة فائقة في ادراك دورة مواسم مصر الزراعية وضرورة توفير احتياطي من المحاصيل في مواسم الوفرة لسد النقص في سنوات الجفاف والقحط.
 
     ثبت من اختيار المصريين القدامى الوثنيين الذين عاشوا قبل أكثر من ألفي عام للنبي يوسف عليه السلام لحكم وإدارة بلدهم بأنهم أشد اهتماماً بتحري الجدارة والأخلاق في الاختيار من غالبية المسلمين والعرب المعاصرين، الذين تتحكم في اختياراتهم السياسية والوظيفية والشخصية الأهواء وعوامل التحيز والتعصب الطائفي والعرقي والقبلي والمناطقي بدلاً من مؤشرات الحكمة والجدارة والأخلاق وصفات الإخلاص والأمانة وحسن التدبير، وهي الدليل القاطع على مدى انحرافنا عن المنهج الموضوعي الراقي وعن قيم ومباديء الإسلام السامية والتي هي جوهر الدين وغاياته العليا.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32638
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19