• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الدولة الساسانية فيلية .
                          • الكاتب : د . محمد تقي جون .

الدولة الساسانية فيلية

تعد الدولة الساسانية آخر الامبراطوريات العظيمة في التاريخ الفيلي ومن أكبرها في العالم القديم، وكان ظهورها عام 226م حينما اسقطوا الاشكانيين واحتلوا عاصمتهم المدائن، وكان يزدجرد الثالث آخر اكاسرتها قد خسر تاجه في معركة الفتح الاسلامي سنة 636م. وعرف ملوكها بالاكاسرة كما عرف ملوك الرومان بالقياصرة والاحباش بالتبابعة، واسم كسرى تعريب لـ(كيخسرو). وهذه الدولة الكردية الفيلية حصل فيها وهم وايهام أكثر من سابقتيها فعدّت بشبه اجماع دولة فارسية، وهو ما رددته المصادر العربية والفارسية واقدمها (شاهنامه) للفردوسي. ولكن لا يركن للكتب الفارسية في هذه الحقيقة لمغالطتها، ولا للعربية لقلة خبرتها بالتراث الإيراني، فهي تعدّ الفهلوية لغة فارسية والكردَ جنساً من العرب أو الجن. وتسمي كل من سكن ايران فُرساً.

ويحسم أصل الدولة الساسانية ما ذكره الطبري نقلا من كتاب (خداي نامه) أن (أردشير بابكان) مؤسس الدولة الساسانية تلقى رسالة من آخر ملوك الاشكانيين اردوان الخامس " اذ ورد عليه رسول الاردوان بكتاب منه فجمع أردشير الناس لذلك وقرأ الكتاب بحضرتهم فاذا فيه: إنك قد عدوت طورك واجتلبت حتفك أيها الكردي المربى في خيام الأكراد!" 

وكان التفوق الفارسي في الحضارة عدم قدرة الكرد على التفوق عليهم قد دفع الى مجاراتهم في اسلوبهم، وهو ما فعلته الدولة الساسانية، فكانت كردية أصلاً فارسية " هوى وثقافة وسياسة". ونتيجة هذا التفوق الفارسي سميت ايران قديماً ببلاد فارس وهو الاسم الذي حفظه العرب ورددته كتبهم وسبَّب الخلط لديهم. ولهذا نجد الفرس مذكورين في الشعر الجاهلي (13) مرة دون ذكر الكرد. وفي العهد الاسلامي في الفتوحات الاولى يرد ذكر الفرس (مرتين): مرة للحارث بن سمي يذكر فيه قتله قائدا فارسياً، واخرى لعروة بن زيد الخيل يذكر فيه انه ضرب جموعاً من الفرس، بينما لا يذكر الكُرد ايضاً. وليس يعقل ان معارك الفتح الكبرى وشعرها الكثير لا يرد فيها اسم أعداء الاسلام الا مرتين. كما ان المؤرخين العرب حتى المتأخرين منهم لا يفرقون بين الكرد الفهلويين والفرس؛ فابن الجوزي (ت 597هـ) في (المنتظم) يسمي كرد فهلة فرساً بينما يسمي سكنة شمالي العراق كرداً.

وفي العصر الاموي، عسكرياً، نجد ذكرا للفرس بوصفهم جند كسرى، ويذكر الكرد ثلاث مرات في ذكر الفتوح لدى: المغيرة بن حبناء، بكر بن النطاح، ومالك بن الريب. ويصرح الفرزدق بوعي دقيق ان المقصود بـ(فارس) الكرد وليس الفرس: 

وَلَقَد رَجَعتَ وَإِنَّ فارِسَ كُلَّها       مِن (كُردِها) لَخَوائِفُ المُرّارِ

أما وصف الفرس بجنود كسرى فلا ينكر أنهم كانوا ضمن جنود الساسانيين كما كان الكرد ضمن جنود الفرس الاخمينيين. وعموم ذكرهم يرد (16) مرات. ولا يرد ذكر الكرد في غير الحالة العسكرية. وعموماً فان هذا العدد صغير جداً يتفق مع عدم احتكاك العرب بالفرس احتكاكاً واضحا، بينما يرد لفظ الموالي كثيرا دلالة على آل كسرى. ونحن نعتقد ان لفظ الموالي في العصر الاسلامي والاموي ينصرف الى الكرد الفهلويين، وأن العرب عرفوهم من الشعوب الإيرانية أولاً.

وحين نصل الى العصر العباسي نجد الفرس يذكرون (143) مرة من قبل الشعراء مقابل (12) مرة فقط يذكر فيها الكرد! وهذا يتفق مع المعرفة الجيدة والاحتكاك الكبير لاول مرة بين العرب والفرس، وفي هذه الحقبة كان لفظ الموالي أظهر واكثر في الفرس. لأنهم أوصلوا العباسيين إلى السلطة فعُرفوا بقوة لدى العرب مما ادى الى خمُول الكرد الذين هضموا الاسلام وعاشوا بهدوء مع المجتمع المسلم. 

وقد أدت عوامل كثيرة إلى اقتصار إيران على الفرس في مخيلة العرب أهمها: إن الفرس اسقطوا الدولة الاموية واقاموا الدولة العباسية العربية التي حكمت العالم الاسلامي اجمع. وسرعان ما استجمعوا انفسهم واستعادوا الحكم في اجزاء من إيران طموحا الى بناء امبراطوية فارسية، وقد نجحوا في بناء دويلات ايرانية مثل الصفارية والسامانية والبويهية التي نجحت في احتلال اغلب ايران والعراق اكثر من قرن.

ورافق النهوض القومي اعادة الديانة الفارسية القديمة كالمجوسية والمانية والمزدگية والاستهتار بأمر الدين الإسلامي ولاسيما في الدويلات التي قامت في ايران. ومقابل ذلك نجد الضعف القومي لدى الكرد الفهلويين الكسرويين وذوبانهم في الإسلام. 

يضاف الى ذلك ان العرب الذين عرفوا الكرد بعد سقوط دولتهم الساسانية مهزومين فعاملوهم معاملة العبيد، وصار المولى لغة يعني العبد، قد استقبلوا الفرس الناصرين المنتصرين في العصر العباسي باحترام شديد فقدروا موالاتهم وحسبوا كل تراث إيران لهم، وهو ما ادعاه الفرس أنفسهم. 

ومن الادلة الاخرى على كردية الساسانيين: أن الآثار الأدبية الساسانية كتبت بالفهلوية وهي لغة كردية فيلية كما أسلفنا. وتركزهم في ممتاطق الفيليين التي لا تزال الى الآن فيلية خالصة مثل (كرمنشاه) واتخاذهم المدائن (طيسفون) عاصمة لهم وكان غالبية سكانها فيليين، بينما اتخذ الفرس لدولتهم الاخمينية العاصمة (برسي بوليس) قرب شيراز الفارسية. واتخذ البويهيون شيراز نفسها عاصمة لهم وهي ضمن الجغرافية الفارسية. 

ومن الادلة الحاسمة على كرديتهم أن الملوك الساسانيون - كما في قول ابن النديم المار - يتكلمون في مجالسهم باللغة الفهلوية (الفيلية) بينما كانت الفارسية لسان الموابذة الفرس ورثة المجوسية، وليس يعقل ان يتكلم ملوك دولة ما بلسان قوم من رعاياهم ويجعلونها اللغة الرسمية لدولتهم. ويؤكد حقيقة كرديتهم أيضاً اهالي المنطقة؛ فقد قال لي نائب محافظ إيلام الدكتور طيب أفشار:(الساسانيون كرد فيليون بشكل قاطع).

وعلينا أن نتأكد بأن عادة الفرس قديماً وحديثاً الاستحواذ على ارث الشعوب الإيرانية ونسبتها لهم. فحين قامت الإمارات الفارسية في العصر العباسي والتي سعت إلى إعادة المجد الفارسي، عمل حكامها على ترجمة الآثار المكتوبة بالفهلوية إلى اللغة الفارسية (المجددة) لتصبح فارسية لغة وتاريخاً. وكان ابن المقفع من رواد إعادة المجد الفارسي وترسيخ فكرة وجود فكر وثقافة فارسية أعظم مما عند العرب، لذا ترجم الآثار القديمة ونسبها إلى الفرس ماحياً منها أي أثر كردي، وقدمها لتكون مهاد الثقافة العربية الجديدة. 

وعملت الدول الفارسية ولاسيما السامانية على اعادة الروح القومية والديانة المجوسية في ايران، وكلف حكامها الشعراء بكتابة شاهنامات تنسب للفرس كل التاريخ والحضارات الايرانية بنفس ملحمي واسلوب ادبي راقٍ، فانتج الكثير منها وكان اهمها وانجحها (شاهنامه الفردوسي). واستكمالاً وجمعاً لموضوع الدولة الساسانية وادعاء الفرس وخلط شاهنامه كتبتُ شعراً موجهاً الى فردوسي وهو على بحر الكامل بوزنين:

يا شاعراً خان الأمانة في

ما قاله، وتجنّت الأقلامُ

جج

إنّ الحضارات التي استبقت

اسَّاقطت، وتقدم الإسلامُ

جج

أنهضتَ ميتاً لا حياةَ به

ج أخنى عليه الدهر، فهو رمامُ

ج

أسندته ليسيرَ كيف به

اذ شُلّتِ الأوصالُ والأقدامُ

 

وصرختَ توهمنا بصرخته

ج هيهاتِ يقنعنا به الإيهامُ

ج

إن الشعوبيين مثلك قد

خابوا بمكرٍ حوله كم حاموا

ج

غطى الحقيقة كذبُهم زمناً

فزهت، وهدّم كذبهم هدّامُ

 

وتخارسوا فيما به نطقوا

لما عليهم ضيَّق اللوامُ

 

أمعظمَ الأمواتِ إذ سلفوا

قبح المعظِّمُ واستبيح عِظامُ

ج

صدعَ الرسولُ فزعزعت دولٌ

وتطامنت في جرحها الأحلامُ

 

واقتيد من ذَنَبٍ رؤوسهمُ

كالفأر مقتولاً..فجفَّ ضرامُ

ج

واستبدل الناس الأذى بمنىً

جج وحنا عليهم يومها البسَّامُ

 

أين العتاة من الألى رحموا

ج والمؤمنينَ ملوكُها الظلامُ

جج

سجّل على القرطاس كم هتكوا

ج وكم استذلوا في الورى وأظاموا

 

مقدار عظمهمُ ضخامة ما

قتلوا، وما كثرت به الأيتامُ

 

أهونْ بـ(كيروش العظيم) فقد

أضحى ولا عظم ولا إعظامُ

 

وكذبتَ ما (ساسان) دولتكم

في أرض فهلة والعراق تقامُ

 

ومليكها كسرى يسوس بها

حكماً ويتبعُ عرشه الاقوامُ

 

(فرهادُ) فارسهم، و(رستم زا‌ڵ) شجاعهم، وزعيمهم (بهرامُ)

 

كرداً نبجِّلهم.. ويفضلهم

كُردٌ لإسلامٍ لهم إسلامُ

ج

وإذا حكيمُ الفرس أفحمك التهريج منه.. فعندنا أحكامُ

 

يا من يصاولنا بمندرسٍ بعُدَ انتصارُك لا عداكَ الذامُ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32276
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28