• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أحاجي عراقية حمامه بصحن الأمام .
                          • الكاتب : د . جواد المنتفجي .

أحاجي عراقية حمامه بصحن الأمام

 إلى ( بنت العراق )..والى روح ابنها الشهيد ( وسام )الذي اغتالته يد الإرهاب غدرا 

  ذات مرة، وبعد أن مــنّ علينا الله بالسلام ، وهربت خفافيش الليل من  جحورها لتنزاح عنا غمم الظلام .. التقيتها صدفة .. هائمة تمشي  وحيدة بين أزقة كربلاء .. فأوقفتني لتعاتبني قائلة:    
- مهمومة جنت امشي بكربله ،
وشفت ريشه من الحمام
بيضة..
حلوة..
مزوكة بالدم ،
وشايله سنبلة رمز للسلام
فاضت بروحي القوافي ،
وانحنت عدها الأقلام..
كعدت يمها وسألتها :
- يا جنح عافج وحيدة ؟
يا جفن الشافج وغمض ؟
ويا عين لأخذت على المنام ؟
ردت بنغمه حزينة ،
وكوه نطقت وكالت بالكلام :
- ابغداد كسرولي جنح
وهاي انه جايه بشوك وبمعزة ،
أريد اسكن..
بمآذن صحن الأمام  !
            ( بنت العراق )
 قلت .. وبعدما صليت على نبينا وال بيته الميامين الأطهار:
- للجنح الذي تشظى بعبوات الحاقدين اللئام  !
لحمامة السلام..
التي هجرت أشجار الزعفران،
لتسكن بوئام
بين مآذن صحن الأمام !
- لعتابك المر..
حيثما هب ودب إلى كل شبر،
- لآهاتك التي ما فتأت ألا أن تلامس بشموخها سفوح القلب !
- لشك اليقين الذي يثار بنفوس الجناة الواعظين بشرذمتهم!
- للمتلفعين بظلمة ليلهم البهيم ، 
- للثورة الخرساء، وقبل أن تمط على شفاه الأفواه لتقول كلمة:
( كلا .. كلا للإرهاب ) .. والتي حسمت خسائر كل ذاك الرهان:
 أصيلة كنت .. ولا زلت.. وستبقين هكذا أنت يا بنت العراق،فقصيدتك ذات الأثر وهي تفضح عري كل ما اقترف بحقك يوم قتلوا ابنك ( وسام ) الذي لم يبلغ ربيعه العشرين، وما اغتالته نثار شظاياهم من:
بنات العشب ،
وأفراخ الأعشاش
وحوريات النهر ،
كانت جميعها جرائم ضد الإنسانية ، وقد اختصرت لنا عهد طويل من أزمنة هولاكو ليجدد ما تبقى من زبانيته أيامه التي ولت وبدون رجعة ، وهكذا حذونا وبإصرار طريق الصبر لاحتمالات المفاجئة ،فازدان شموخنا بأعين العالم ألق مذ اليوم الذي أثبتنا للجميع رفضنا الزاخر لكل مخططات الفصل التي ارتأوا فيها المنحرفين عن دين الإسلام إلى أن يضعوها كحواجز نفسية لكي تقف حائلا فيما بيننا ، إضافة إلى ما غرسه الطاغوت وبعنوة في رحم هذه الأرض الطاهرة من اجل أن لا نصل لمراقد الأئمة (ع) والمنتشرة أضرحتهم في ربوع عراقنا الأشم ، ألا وانه ورغم كل شيء تبددت ظلمة الليالي الطوال عندما كنت تدركيني فيها فجأة لتيسرين لي عسرتي كلما ألفتني  بوحدتي ، كنت تطلين فيها علي كوجه وطني الذي صار بهي ، كنت تهدهدين للدموع التي تململت بمراقدها .. الدموع التي كانت سرعان ما تتلاشى عندما ترومين بمسحها من المقل وعلى مهل ، وبطريقة ما أحسست وكأنك تحصنينها بأسى موجع ، فتبث فينا ساعتها الرغبة بالحياة ، ويصبح عتابك المر كلام له قوام ، وليس هذا عليك بالغريب يا ( بنت العراق ) فالطما عهدناك حيثما تكونين غرة في جباه الرجال ، تفرضين جبروتك.. تحدثين في نفوس العدى الكثير من الأثر.. تمسين مثل السحب حينما تنبعين فيضا على كل ما جف من زرع وشجر ، تكونين لنا كدليل للنجوم ، وهذا ليس بالغريب أيضا لأن روحك الواجدة كانت قد اشرأبت ومنذ نعومة أظافرك من طقوس الإباء والأجداد السالفين ، والذين بذلوا في عطاياهم الكثير من التضحيات الجسام ، كنت تنتهجين فكرك من ثورة سيدتنا فاطمة الزهراء ( ع ) ، تلك الثورة التي أضحت لنا كشموس تأتينا في غير ميعادها لتلسع الطواغيت في جحورها ، فتكونين أكثر قربا من المجد كلما انتابتك الرغبة بالتضحية وكأنك ترددين على أسماعنا ترتيل أنشودة جهاد المرأة العراقية التي فرض عليها أن تدفع ديتها من الدم كحصة لهذا للوطن المفدى سوى أن كان من دم جد أو أب أو أخ أو عم أو زوج ، مضحية بكل شيء غاليا كان أم نفيس ، ولم تدركين الحيرى في يوما ما لأنك تعلمين جيدا أن العراق لا بد أن يعود في يوما ما آمنا مستقرا مجددا ، ونحن مثلك جميعا بانتظار مجيء ذلك الشفق.
         الأحجية الثانية
     ما حدث قبل ذلك اللقاء
إلى من سكنت في الجانب الآخر من المدينة
- وماذا بوسعي فعله لك ألان ؟             كان سؤالي هذا لا فكاك منه ، لا شارحة لجواب أجده عندي ربما تدلني ناصية لأجد فيه مهرب إليك ، فوساوسه الذي ظل يتردد على بالى منذ أن راودتني مخاوف تلك الهواجس .. هواجس كانت عبارة عن أصوات أمست تصيخ متداخلة في ذهني.. مستكينا.ت ألا أن تشف عما وراءها من أخبار لم تعد تسرني أبدا، لذا فلا تتعجبي وان رأيتني على هذه الحالة ألان..مستكينا .. لائذا وحيدا بغرفتي، مؤنبا إياك بالأسف لما عسست به من كلماتك المعتمة والتي كنت قرأتها قبل قليل:                               - سيقطعون رأسك أن جازفت مرة أخرى وأطرقت أبوابي ثانية لتعزيني بمصابي !           حينئذ تخلل وعيّ شعور خفيّ .. شعورا راح يشغل كل مساحات تفكيري ، وخصوصا عن تلك الأشياء الرهيبة التي سمعتها من بعض العامة ساعة قيام فئة من بقايا فلولهم المندحرة بالقتل العشوائي ، كانوا يفعلون هذا وفي وضح النهار خلال الأيام التي ولت ليبثون الخوف والرعب في نفوس من يجابههم بالرفض ، وعلى الفور غمت عيناي ، وأمست كل أجزاء بدني ترتعش عندما وجدت بعض من حروف تلك الرسالة تلامس إيقاعاتها مجسات أحاسيسي ، وباتت تنفذ في الأعماق كخوارق من الجزيئات الممغنطة صارت تتناثر بين المسام والجلد ، كانت تفتتني لأبدو فكأني بندول قلق غير مستقر بين الثبات أو الدوران وهي تتوغل ماضية بين ثنايا راسي لتكن لها القدرة الكافية على مسح ذكرى كل من كنت أعزهم من مساحات خواطري، وهكذا بت مشدوها بحب هذه الحياة ، بل وعزمت بالإصرار على الوصول إلى دورهم التي هجروا منها قسرا ،  أتفكر بطريقة ما لعلني احظي برؤية أحدهم مصادفة ، فطعم أشيائهم الحلوة والمرة لم تتغير لحد ألان رغم كل ذلك القلق والتوتر اللذين أشاب حياتي  ، إذ لم يكن يطرأ على بال أحد أن يجري لنا ما قد جرى في غابر تلك الأيام . في البدء ترددت كثيرا بالخروج إلى الشارع الذي بدا لي خاليا من مارته تماما بسبب ما آلت أليه غزارة الرمي الكثيف ، وقررت حينذاك أن أفكر بطريقة جديدة .. طريقة أيا كان نوعها من اجل الوصول إليك ، فانكببت على ركبتي ورحت ازحف نحو النافذة حيث تمسكت بمقبضها لأحكم إغلاقها جيدا ، ومن ثم وبهلع شديد استرقت النظر من خلف  ستائرها لعلني أتبصر بثمة أمل ما يلوح لي فيمسكني من كلتا يدي اللتين لم اعد اشعر بهما وينقلني بأمان إلى الجهة الأخرى من المدينة حيث لا زالت تقبع دارك هناك بعيدا عن تلصص ممن أسموهم بفرق الموت والملثمين بالتقنيات الحديثة للتفجير ، والموسومين بالقتل على الهوية ، تلك المجاميع التي كانت تذرع جيئا وذهابا عابثة بالشوارع المعبقة برائحة شجيرة ملكة الليل التي تشع في هدأه كل ليلة ، بحثا عن فريسة ربما كانت تائهة .. أو يا تراها قد تكون سقطت عنوة في مثلثهم البرمودي المدمر الذي ظل يعصف بغضاريف أمانينا ليثبتوا وحشيتهم التي وشموها على شماعات هذا العالم المفتون بالخراب والدمار . هكذا هي حالي :                           فمنذ أن تململت دمعتي بمراقدها ، مذ أن سرق الفراق كل ما تركوه لنا من ذكرى لمعظم الأصدقاء ، والذين تعسر علي حتى وداعهم عندما هجروا المنطقة على غفلة ، وقتئذ سكنت لروحي لحظة ، ثم بدأت تعتمر بخيالي الكثير من أحاجي الجيرة والشيوخ والنساء في الأمسيات الرمضانية الجميلة ، في صباحات الأعياد حيثما كانت حديقتها المركونة على مدخلها تنتشي بطوابير طويلة من الأحبة عندما كانت تحين في ساعات العصاري تبادل حميمة الشوق والتلاقي على أجراف وضفاف الشواطئ خصوصا في الليالي التي كانت تعقب سرعة خفوت شمس الغروب ليكون فيها البدر قمرا ، حيث حرجة كلام المخطوبين المعسول لبعضهم .. وتورد خدود العرسان خجلا وهم يخرجون من أعشاش فرحهم ليلمون جمعهم حول الموائد المكتنزة بدوارق العصير وأباريق الشاي ، حيث ثرثرة قفز ومرح الأطفال على الأراجيح الناطة نواصيها من بين أكداس العشب والمروج الندية ، حيث مكان موعدنا الأول الذي كانت تمتلئ  فضاءاته بصفاء عيوننا المتألقة بأماني المستقبل العريض .. يوم كنت تأتين ألي طائرة بفرحك، ملوحة بمنديلك الملفوفة حول معصميك ريثما تتحقق خالص الأماني، ساعتها كان لا شيء يلفيني سوى الاصطدام بصدى سؤالي:
 – وهل باستطاعتي ألان الحبو على قوائمي الأربع لأصل بوابات دارك رغم ما حذرتني به من كل ما سيقوم به الأعداء ، جاهرا بأعلى صوتي في خواء ممراته المعتمة:          -أنت: يا من سكنت مرغمة في الجانب الأخر من المدينة هلا تسمعين ما سأبوح به لك في هذه اللحظة بالذات ؟ هلا تودين أن أمنح ( وسام )  الشهيد أي جزء من جسدي ليسد خلة ما عطب في جسمه بعد أن بترت شظاياهم الخائبة إحدى أطرافه ؟                       وقبل أن ايئس من الملل .. أطيل النظر مرة أخرى بخواء وقفر حديقة دارك  ، فاصرخ ثانية وآثر بعدها على الانصراف:           - هل تريدين أن أهبك أي شيء وبدون مقابل هذه المرة، فديونك المرهونة بمداد رقبتي أيتها الصديقة الحميمة تراكمت ولم اعد أقوى على  تحمل ما سيترتب عليها من فوائد حزنها المقرفة .هكذا باتت حالي :                كلما آلم بي جزع ، فعندما استيقظ على طبل ( المسحراتي ) في الثلث الأخير من الليل ، أكون على عجلة من أمري لأتمسك بما تبقى من رغيف حنانك ، مترمض به صيام يومي الجديد ، وفور إعلان تكبيرة المآذن ، ابتدأ أروح عن كرب نفسي بعناء البحث والدوران ما بين الجوامع.. حاملا عتاد نفسي ، لعلني احظي بك ساعة تقفين كالحمامة على إحدى أشجارها خلسة ، عبثا أحاول مرة أخرى بالطواف حول كنيسة ( النجاة )التي أغلقت أبوابها منذ وقت قريب ، باحثا وبعيون حذرة عن أي انس  لاعترف ما بين يديه بما فعله بنا أولئك الجناة الذين قتلوا كل عرفان كان بيننا صادق وأمين ، فخيالك الذي تجذر بين متاهات نفسي التي لم تهدأ بغيابك ولو لدقيقة واحدة ، ووحدتي تلك الآخذة بالاتساع صارت تحتل مساحات شاسعة من شعوري بالفراق ..فرقتنا .. بما تبقى من عشقي..عشقنا للأرض والوطن ، كل هذا ولم ينفذ الصبر مني رغم ما تشوش فيما بيننا الكثير من وساوس الثواني المعدومة الملامح لتغشي ما حولي ، لتوحي ألي وكأنها أشباح تتراقص بإيقاعاتها الرتيبة ، ثم ما برحت إلا أن تتكاثر وكأنها تمارس بصورة غيبية مكارة المحارم والزنا مع زيف عيون ذكور الجن الفزعة المفتوحة شهياها بشتى أنواع فنون الترهيب ليعلنوا ضآلة تمردهم على قوانين الإنسانية ، ليراهنوا على إزاحة أيماننا بديننا الموحد عقب تلك السنين الطويلة ، ولم يفقهوا أن أمده الذي بلغ ملايين من السنين الضوئية لا زال يشع بالتماسك والتالف اللذين أدركنا بهما إيماننا حد النجوم رغم كل ما راهنوا به على تأجيج غرور الفتنة والفرقة فيما بيننا ، تلازمنا أنفاسهم الكريهة التي تزكم انفونا متى ما اهتاجت روائح جرائمهم التي نصبوا مشانقها بدا من الشروق إلى امتداد الغروب ، والآم حرابهم التي باتوا يغرسونها بصدورنا منذ أن يحل سنا المغيب حتى مشرق الشمس العابسة ، أملين بفعلتهم هذه بأنهم سيأخذون كل ما كنت أكنه لك بدواخلي من بهجة الشوق دفعة واحدة .    هكذا أمست هي حالي :                  فمنذ أسبوعين وأنا أعاني من صور لمشاهد مروعة أمست تتكرر يوم بعد يوم حتى باتت تدمرني هواجس ظنوني بأني ربما حظيت بفرصة الصراع عندما أواجه خصما مرعبا وأنا أجاهد بالانسلال بوصولي إليك ، وها أنا أتقلب الآن وبحرقة بين ثنايا حواجزهم المشدوخة فوقها لشاش وأشلاء جثث الشهداء المغدورين وهي معصوبة الأعين ومكممة الأفواه ، وهذا ما حاولت أن تفتعله تلك الثلة الخائبة من الجبناء المنتشرين ما بين بيتي وبيتك الذي تسكنينه ألان بعد أن صار ينأى عني بمسافات غير قصية ، كي يعلموك أنني كم بخلت عليك كثيرا حتى بوصولي إليك ، كي لا اسمع خبر عنك.. أو تصلني أحاجي عن الشوق منك.. متيقنين من أن محاولاتهم البائسة هذه بأنهم سيدمرون كل ذاك الحب المهتدي المتبادل بين الناس جميعا والذي منحناه جميعنا كلنا لأبهى وطن. وأخير أرجو قبول اعتذرا لعدم تمكني من أن ابعث لك تعزيتي ، فظروف الرصاصات الفارغة قد صدئت مروج الحدائق التي كنا نقطفها منها زهورنا في أيام الأعياد ، لذا قررت أن أسقيك رحيقا من نسوغ روحي التي جفت بغيابك فجأة .                       أنا صفرت كل ما في خزائني التي خوت من كل شيء ألا من أعشاش عصفورتي عينيك الحزينة التي خلفتها كأمانة بين جفوني ريثما يعود كل شيء لطبيعته ويختفي أولئك والمجرمين والسفاحين من على أرضنا وإلى الأبد ، إذ ذاك .. وحينما تعودين لي يوما مكللة بغارات النصر ، معلنة الحبور بعودتك ألي سالمة بعد ما نزحت عن حارتي  قسرا ستجدين كلماتي الرافضة التي كتبتها على بوابات ( بغداد ) بالرغم من كل ما خلفته عبواتهم الناسفة من تدمير ، والتي لم تستطع قوة انفجاراتها أن تشظى ما بين شفر جفوني لتخطفك خلسة من بين عينوني ،وها أنا ذا أناديك مرة أخرى يا ( بنت العراق ) ..                       يا من تسكنين في الجانب الأخر من المدينة فهلا تجيبينني ؟                              من تراب وطني المفدى أتممت وضوئي          وبدم جراحاتك سملت عيوني ،             ولك مني كل الود والسلام
 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : حيدر الجبوري من : العراق ، بعنوان : رد في 2011/02/10 .

الأستاذ جواد المحترم-سلمت والعراق ونسائه الطاهرات اللائي حملن من قهر سنين ماعجزت عنه الجبال-ستبقى شاعرا شعبيا وقاصا واديبا لامعا



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3221
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29