• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءة تحليلية لقرار المحكمة الاتحادية المرقم (88/اتحادية/2010) .
                          • الكاتب : القاضي قاسم العبودي .

قراءة تحليلية لقرار المحكمة الاتحادية المرقم (88/اتحادية/2010)

قبل التعرض لمضمون القرار وتحليله نود أن نورد النقاط الآتية :
-    هناك عدم وضوح لماهية وطبيعة القواعد الدستورية المنظِّمة لعمل السلطة والتي تشمـل كل الموضوعات التي تتعلق بأساس الدولة وتكوينها وهيئاتها وصلاحياتها، أي جميع العناصر الضرورية لقيام الدولة وتسيير أعمال السلطة فيها. اذ يكشف قرار المحكمة عن عدم الاخذ بمفهوم تلك القواعد وسبب ذلك يعود حسب رأينا الى حداثة التجربة الديمقراطية في العراق وعدم رسوخ مفهوم الفصل بين السلطات. ولو سألنا اليوم عن تعريف تلك القواعد فإن الإجابة المتوقعة وفقاً للجدل القانوني والسياسي الذي ترتب على إصدار هذا القرار هي (إن القواعد الدستورية هي مجموعة المواد الدستورية الموجودة بين دفتي الوثيقة الدستورية التي أصدرتها الجمعية الوطنية وصادق عليها الشعب من خلال الاستفتاء).
لكن هذه الإجابة وهذا التعريف بكل تأكيد هو غير كافٍ ولا يتفق مع ماهية وطبيعة تلك القواعد لأنها كما قلنا أوسع وأشمل من أن تقتصر على مواد الوثيقة الدستورية، إذ إن القواعد الدستورية هي المواد المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية وكذلك في القوانين الملحقة بالدستور والمشرعة بموجبه والتي تعتبر مكملة ومفسرة ومخصصة ومقيدة له إذ إن المواد الدستورية عادة ما تكون عامة بالإضافة إلى قرارات القضاء المختص بالنظر في النزاعات الناشئة عن ممارسة السلطة.
وسنسوق عدة أمثلة من نص الدستور وردت على هذه المسألة .
نص الدستور في الباب الثالث ، الفصل الأول ، بعنوان (السلطة التشريعية) في المادة (48) :
(تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد)
ثم أسهب الدستور في بيان آلية تشكيل وعمل وصلاحيات مجلس النواب من المادة (49) وحتى المادة (64)، ولم يذكر أي شيء حول صلاحيات مجلس الاتحاد الذي هو جزء من الهيئة التشريعية وأحال آلية تشكيل وصلاحيات ذلك المجلس إلى قانون سيشرعه مجلس النواب في المستقبل، وكما نصت المادة (65):
(يتم إنشاء مجلس تشريعي يُدعى (مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.)
مما يعني أن ذلك القانون الذي سيشرعه مجلس النواب وفق أحكام المادة أعلاه سيكون جزءاً من الدستور فيما يتعلق بصلاحيات مجلس الاتحاد التي هي بالتأكيد ستكون صلاحيات تشريعية وبالتالي لا يمكن إغفال ذلك القانون عند النظر في تفسير صلاحيات الهيئة التشريعية.
وهناك أمثلة أخرى، فقد نصت المادة (107) من الدستور :
(يؤسس مجلس يسمى "مجلس الخدمة العامة الاتحادي" يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون.)
ولم يذكر الدستور شيئاً عن طبيعة مرجعيته لأي سلطة من السلطات الثلاث وإنما ترك ذلك للقانون الذي أحالت عليه نص المادة، وبالفعل فإن قانون الخدمة المنشور على موقع مجلس النواب قد بين في المادة (2) منه :
(يؤسس مجلس يسمى (مجلس الخدمة العامة الاتحادي) يرتبط بمجلس النواب ويتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري ويمثله رئيسه أو من يخوله.)
بل إن الدستور في المادة (108) أجاز للبرلمان بما له من سلطة تشريعية استحداث هيئات مستقلة أخرى حسب الحاجة والضرورة بقوانين دون أن يذكر في نص المادة ارتباط تلك الهيئات أو مرجعيتها وبالتالي فإن النصوص الواردة في القوانين هي التي تحدد بصورة واضحة مرجعية وارتباط كل من تلك الهيئات وهي جزء لا يتجزأ من أحكام الدستور.
وفي العودة إلى مضمون قرار المحكمة الاتحادية نورد الملاحظات الاتية  :
1.    لقد تم تقسيم الوثيقة الدستورية العراقية إلى (ستة) أبواب خصص الباب الثالث منها للسلطات الاتحادية، ويحوي الباب الثالث على (أربعة) فصول ، خصص الفصل الأول للهيئة التشريعية بينما خصص الفصل الثاني للسلطة التنفيذية والفصل الثالث للسلطة القضائية والفصل الرابع للهيئات المستقلة، وهذا التقسيم مقصود في إفراد فصل خاص بالهيئات المستقلة.
2.    إن الدستور وفي الفصل الثاني الخاص بالسلطة التنفيذية (الحكومة ورئاسة الجمهورية) نص في المادة (80) من هذا القسم على الصلاحيات الحصرية لمجلس الوزراء ولم يكن من بينها ما يتعلق بممارسة أي سلطة من قبل مجلس الوزراء على الهيئات المستقلة موضوع القرار .
3.    إن قرار المحكمة الاتحادية قد استند إلى مواد الدستور (102) (103) الخاصة بإنشاء الهيئات المستقلة، فقد نصت المادة (102) منه :
(تُعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة ، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون)
وكذلك المادة (103) :
(أولاً – يعد كل من البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، ودواوين الأوقاف، هيئات مستقلة مالياً وإدارياً، وينظم القانون عمل كل هيئةٍ منها. 
ثانياً – يكون البنك المركزي العراقي مسؤولاً امام مجلس النواب، ويرتبط ديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات بمجلس النواب.  
ثالثاً – ترتبط دواوين الأوقاف بمجلس الوزراء .)
إن إشارة الدستور وبصراحة في الفقرة ثالثاً من المادة (103) إلى ارتباط دواوين الأوقاف بمجلس الوزراء دلالة واضحة على استقلال باقي الهيئات المستقلة المذكورة في نفس المادتين عن مجلس الوزراء وعدم ارتباطها به وفقاً لمبدأ المغايرة القانونية بل إن تصنيف المشرع أدق من تصنيف المفسر فبعد أن عرّف بالهيئات المذكورة في أولاً من المادة (103) خصص الفقرة ثانياً وثالثاً لمرجعية هذه الهيئات.
4.    إن المحكمة الاتحادية كما سبق ذكره في مقدمة هذا التحليل لم تتعرض لقوانين تلك الهيئات التي تبين وبصورة واضحة مرجعيتها وارتباطها وآلية تشكيلها وطبيعة عملها فقد نصت المادة (3) من قانون المفوضية رقم (11) لسنة (2007) المعدل :
(أولاً – تتألف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من :
أ. مجلس المفوضين  
ب. الإدارة الانتخابية. 
ثانياً : مجلس المفوضين .
يتألف مجلس المفوضين من تسعة أعضاء ، اثنان منهم على الأقل من القانونيين يختارهم مجلس النواب بالأغلبية بعد ترشيحهم من (لجنة من مجلس النواب) على أن يكونوا من ذوي الاختصاص والخبرة والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية مع مراعاة تمثيل النساء.).
أما بالنسبة لانتهاء العضوية في مجلس المفوضين فقد نصت الفقرات ( 4 ، 5 ، 7 ) من المادة (6) منه على الاتي:
(تنتهي العضوية في مجلس المفوضين لأحد الاسباب الآتية : 
4. مصادقة مجلس النواب بالأغلبية البسيطة على التوصية الصادرة من مجلس المفوضين بأغلبية خمسة من أعضائه بإقالة أحد أعضائه إذا انتهك قواعد السلوك.  
5. لمجلس النواب إعفاء مجلس المفوضين مجتمعاً أو منفرداً من مهامه بالأغلبية المطلقة بعد ثبوت مخالفاتهم القانونية.    
7. إذا شغر أحد مقاعد مجلس المفوضين لأحد الأسباب المذكورة في المادة (6) من هذا الفصل فيتم استبداله بعضو يتم اختياره بنفس الآلية المنصوص عليها في المادة (3) فقرة ثانياً.)
كما نص قانون المفوضية في (تاسعاً) من المادة (9) :
(إعداد تقارير فصلية من قبل المفوضية وتقديمها إلى مجلس النواب) .
كما نصت المادة (2) من قانون البنك المركزي رقم (56) لسنة (2004) بعنوان الأهلية القانونية والاستقلالية في الفقرة (2) منها :
(يتمتع البنك المركزي بالاستقلالية في سعيه لتحقيق أهدافه وفي أدائه للمهام المنوطة به، ويكون موضع المساءلة عليها حسب ماينص هذا القانون، ولا يتلقى البنك المركزي تعليمات من أي شخص أو كيان آخر، بما في ذلك الكيانات الحكومية، ما لم ينص هذا القانون على خلاف ذلك، ويتعين احترام استقلالية البنك المركزي وألا يسعى اي شخص أو كيان للتاثير بشكل غير مشروع على أي عضو في أحد أجهزة البنك المركزي المعنية باتخاذ القرارات للتدخل في أدائه لواجباته تجاه البنك المركزي أو للتدخل في أنشطة البنك المركزي.)
كما أفرد الباب الرابع من القانون (العلاقة مع الحكومة) في المواد (24 – 25 – 26) ولو أراد المشرع ربط البنك المركزي مع الحكومة لما احتاج إلى إفراد هذا الباب.
إنّما أوردنا النصوص المذكورة أعلاه من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقانون البنك المركزي على سبيل المثال لا الحصر وهي تبين بشكل واضح جداً طبيعة عمل تلك الهيئات واستقلالها عن الحكومة .
5.    سبق للمحكمة الاتحادية أن أعطت رأياً تفسيرياً بالرقم (228/ ت 6/2006) في (9/10/2006) بشأن معنى الاستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور وكان مضمون رأي المحكمة التفسيري هو : (( ان منتسبي هيئة النزاهة مستقلون في اداء مهامهم المنصوص عليها في القانون ولا سلطان عليهم في اداء هذه المهام لغير القانون، ولايجوز لاي جهة التدخل او التأثير على اداء الهيئة لمهامها . وان الهيئة تخضع لرقابة مجلس النواب في اداء هذه المهام فاذا ما حادت عنها او تجاوزتها فان مجلس النواب يملك لوحده محاسبتها ويتخذ الاجراء المناسب في ذلك بها ، ومعنى ذلك ان هذه الهيئة تدير نفسها بنفسها ووفقاً لقانونها شأنها شأن البنك المركزي الذي يتمتع بهذه الاستقلالية لتمكينه من اداء مهامه دون تدخل من احدى الجهات )) .  
6.    إن الهيئات المستقلة تعمل ضمن هيكلية الدولة العراقية ، فهي تلتزم بقانون الخدمة المدنية وقانون الملاك وقانون انضباط موظفي الدولة وهي القوانين التي تشكل ما يسمى بالقانون الإداري، كما إنها تلتزم بتنفيذ تعليمات الموازنة الفيدرالية وكذلك الالتزام بتعليمات تنفيذ العقود الحكومية، كما إن كل تصرفاتها المالية تخضع لمراجعة ديوان الرقابة المالية .
ان مبدأ الفصل بين السلطات من المبادئ الدستورية التي اقرها دستور جمهورية العراق، إلا أن هذا الفصل بين السلطات لا يعتبر أداة لتوزيع الهيئات بحسب اختصاص كل منها على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بقدر ما يمثل تحديدا ً لادوار ووظائف هذه السلطات باتجاه عدم تكريس السلطة بيد جهة ما، وهذا ما عززه الدستور العراقي عندما أفرد فصلاً مستقلاً للهيئات المستقلة وكما ورد آنفاً.
كما تجدر الإشارة بأن النظم السياسية المعاصرة ومن خلال قراءة لدساتيرها ومراجعة لعمل أنظمتها السياسية ، قد هجرت مبدأ الفصل بين السلطات الجامد ، لانه من المستحيل تطبيقه عملياً فاتجهت هذه الأنظمة إلى تبادل الأدوار والاختصاصات لغرض حفظ التوازن بينها وجعلها أكثر فعالية من دون الإضرار بالمسمى الأساس لتلك السلطات ، وقد استبدل الفقه الفرنسي لفظ (الفصل) بـ(التعايش) بين السلطات.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3209
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19