• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تونس: هل انقلبت علينا الديمقراطية؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

تونس: هل انقلبت علينا الديمقراطية؟

أعتقد أننا نعيش سياسيا على فضلات الديمقراطية الغربية. ولا يليق بنا أن نتمادى في الإبحار على هذا المسار. كيف يتجلى ذلك وما هي أسبابه وما هي السبل الكفيلة بطبخ الطبق الديمقراطي الأصيل ثم تناوله بنهم والاضطلاع به محليا وإقليميا وعالميا؟
 إننا فعلا نعيش على نتائج ومحاصيل الثقافة الديمقراطية الغربية من أمثال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحقوق الأساسية والحريات العامة والحقوق المدنية وغيرها، ولا نستفيد من مقاربات التحرر الذاتي التي تمنحها لنا هذه الترسانة، أي لا نتخطى مسارا ذاتيا يوصل إلى تلكم القيم والمفاهيم ولو كان ذلك (وينبغي أن يكون) بصيغ مختلفة. لكن بالطريقة الحالية المختلة نحن شاهدون على انقلاب الديمقراطية علينا، وهذا مما لا يمَكننا من تأسيس نظام حكم ديمقراطي.
لنرَ ما الذي يميّز الديمقراطيات الغربية عن الديمقراطية المعوقة التي أوهمْنا أنفسنا بأننا بصدد الانتقال إليها، عسى أن نهتدي إلى الطريق المؤدية إلى الديمقراطية الحقة. أولا، نلاحظ أن الديمقراطية الغربية ولدت على إثر حراك عالمي خرج منه الغرب منتصرا. وأعني بذلك الحربين العالميتين. بكلام آخر لو لم تنتصر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا (بالخصوص) لَما كانت قادرة على إرساء الديمقراطية، في بلدانها في مرحلة أولى ثم في البلدان الغربية المنهزمة مثل إيطاليا وألمانيا في مرحلة ثانية، ثم سينتظر العالم سنة 1989 لكي يشهد باقي التحولات الديمقراطية في بلدان "حلف فرسوفيا" (شرق أوروبا والاتحاد السوفياتي سابقا)  فيستقيم العالم الغربي بأكمله (عموما) على نفس الموجة.
فهل هذا يعني أنّ "الأمة" أو العالم العربي الإسلامي مضطرّ لشنّ حرب على العالم لكي يقتفي أثر الديمقراطيات ويحقق الديمقراطية؟ تكون الإجابة بالنفي طبعا لمّا نعلم أنّ الحروب التي خاضها الغرب لم تستهدف نشر الديمقراطية بل استهدفت نشر قيم الحرية تبعا لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا (1776) والمغانم المعنوية والحرياتية للثورة الفرنسية (1789) وغيرها من الآداب والمعاني التي انبثقت عن حركات التنوير والتحرر الإنساني والثورة الصناعية. أما الحكم الديمقراطي فجاء كنتاج لنجاح تلك الحملة التربوية والسياسية الكونية. 
والاستنتاج الذي يفرض نفسه في هذا المستوى هو: إنّ "الأمة"، أو الشعوب العربية الإسلامية، لم تسلك  مثل هذا النهج أبدا، و بإتباعها محاكاة الغرب تكون قد قفزت على المكان وعلى الزمان وبالتالي لن يكون بإمكانها إرساء الديمقراطية.
بهذا المعنى يكون بروز الإسلام السياسي وتميّزه في الآن ذاته بزعمه قبول الديمقراطية من جهة وبانتهاجه سلوكا رافضا لها (الازدواجية) من جهة أخرى، دليل على أنّ رفض الديمقراطية ليس مأتاه طبيعة الإسلام السياسي وإنما مأتاه الاحتقان (الذي سيتسبب في بروز الإسلام السياسي؛ وليس العكس صحيحا في الأصل)، لدى النخب المثقفة والسياسية كافة، وهو احتقان ناجم عن لاتاريخية المنهجية الديمقراطية التي تتشدق بها النخب الحداثوية من ناحية ويمتعض منها الإسلاميون أو يتزلفون لخصومهم بشأنها من ناحية ثانية. بكلام آخر، إنّ الإسلام السياسي تجسيد مقَنَّع لتناقضات الديمقراطية في مجتمع غير ديمقراطي وإيذان باستحالة تحقيق هذه الأخيرة إلا في صورة حصول تغيير منهجي جذري. 
ميدانيا، ما العمل أمام هذا الوضع الحرج وفي هذا الظرف الذي تعرف فيه بلادنا ذروة التناقضات وحدّة التجاذبات المتميزة خصوصا بتعثر التوافق حول مشروع الدستور وبالعنف السياسي وبالإرهاب فضلا عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمالية المتردية؟ هل يتوجب علينا نقل قيم الأخلاق والحرية والحداثة عن الولايات المتحدة وفرنسا ومنه شنّ حرب على العالم ابتغاء نشر هذه القيم بأيدينا؟ إنّ الطريق واضح، لكن على قدر وضوحه تأتي الصعوبة بشأن استبطان معناه وتوفير مكوناته ثم انتهاجه.
 كيف لا يكون ذلك كذلك وهو الطريق الذي يتطلب ترك الديمقراطية جانبا أي ادخارها والصوم عنها لكي ننشغل بما هو أعمق وأكثر أصالة واستعجالا، لكنه يفضي بالرغم من ذلك إلى تحقيق صيغة من صيغها ونموذج من نماذجها في نهاية المطاف: البحث عما يمكن أن تقدمه "الأمة" إلى العالم وأيضا عمّا يتسنى لها أن تأخذه منه؛ القيام بجردٍ مستحدث ومتجدد ومستفيض لواجبات هذه الأمة وأيضا لحقوقها، بدءً بالحي والحارة التي يعيش فيها المواطن وانتهاءً إلى الوطن العريض ومرورا بالقرية والمدينة والبلد والموطن والجار والمغاربي والنظير العربي. وهذا مما سيحفز الناشئة والأجيال الصاعدة على التحرك من أجل تغيير ما بهم وتغيير بيئتهم وتغيير العالم.
في الأثناء سنكون مُجبرين على قلب الأدوار والوظائف، وذلك طبقا لتبديل التمشي و الغايات و الأهداف تباعا. سنلجأ إلى استخدام آليات الانتقال الديمقراطي كأدوات، لا كغايات في حدّ ذاتها كما يحدث في الوقت الراهن. حينئذ سيتحول المجلس الوطني التأسيسي إلى مرصدٍ للأفكار والمقترحات، والهيئات المنبثقة عنه إلى خلايا تنفيذية لتوصيات الشعب، وأجهزة الإعلام (المستلبة حاليا للتمشي المعوجّ) إلى مرآة للوجدان والعقل المجتمَعيين.
 أما الأسرة والمدرسة والشارع فستكون ملزمة بالارتقاء إلى مرتبة الفاعل والمتفاعل الأصلي والأساسي إزاء مؤسسات الدولة الجديدة. وهل يتم هذا من دون إصلاح هذه البيئات الثلاث من باب أولى أي كمدخل لإرساء دولة الخلافة (من الاستخلاف) الديمقراطية؟



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32066
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28