• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : علي السباعي في زليخات يوسف هذيانات واعية تسخر من الواقع .
                          • الكاتب : حسن البصام .

علي السباعي في زليخات يوسف هذيانات واعية تسخر من الواقع

 زليخات يوسف المجموعة القصصية الثانية للقاص علي السباعي. صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد عام 2005بعد المجموعة الاولى ايقاعات الزمن الراقص الصادرة عن اتحاد ادباء سوريا عام 2002.

كان يحب الشعر والغناء والرسم.. بل كان منجذبا للشجن فيها.. تلك المحبة لم تستطع ان تملئ فراغات قلبه، ولم تتناغم مع هذياناته الواعية.. توقف عن ترديد أغاني داخل حسن.. وترك الرسم.. وحقن الشعر بشريان القصة.. وارتمى في احضان القصة القصيرة ليردد اغانيه سردا شاعريا. رأيت قصصه دامعات العيون وقلوبها تفيض تعاسة. وسماؤها ملبدة باحلام المعوزين والهاربين من جحيم الظلم والاستبداد.. اغوته القصة وانقاد اليها، ربما لان رداء القصة يتسع لتغطية رؤوس الفقراء.. وقد وجدت ثمة شبه كبير بين علي السباعي وما يكتبه، فالقصص تحمل جيناته الوراثية، فصيلة دمه وملامحه، لون بشرته، فرحه وحزنه..انه ابن العراق السومري المتحفز دائما.. العراق الذي يرمى بالاحجار فتتساقط من عثوقه الثمار.
يشرك القارئ في التأويل والرؤية والخيال. وجدت صعوبة في تحريك الاجناس الادبية خارج النص، وخاصة الشعرية العالية المتفردة التي هي ركن اساسي في ديمومة السرد.. لقد تداخلت وامتزجت. جمله مكتنزة واحيانا متناقضة بوعي وحرفية عالية وادراك وقصدية.. عدسة وعيه تلتقط ملامح المتعبين القلقين الذين لم يلتفت اليهم احد على الرغم من وجودهم دائما مع الاخرين.. يتردد على المقهى التي تحتضن حكاياتهم وزفراتهم واحلامهم، يدون كلامهم وصمتهم.. يحاورهم ويدخر ذلك، زاده الثقافي والمعرفي.. قلبه خزين كبير لاحلام متعثرة.. يغمس قلمه في قلبه ليرسم لنا حكاياته، سموات مكتظة بالاحلام وارض تفتقد خطوات محبيها ويدون اغانيه الاخيرة زليخات يوسف .
تكاد تتشابه قصص المجموعة في مناخاتها السردية ولغتها المركبة المتوالدة وانثيالاتها وتضميناتها. انها تتنفس من فضاء واحد فتزفر افكارا هاربة يلحق بها القارئ فلا يمسكبها الا بشق الانفس.. ومن الممكن ان يصوغ وحدة القصص لتكون رواية لا تقل براعة عن القصص ذاتها.
لغة هاربة دائما، فاضحة بقوتها وسلاطة لسانها، قابلة للتاويل معتمدا على خزينه الثقافي والفلكلوري والتراثي والديني يغلف القصة بغموض لايقاع الرقيب في الجهل فقد كتب المجموعة قبل عام 2003
استخدم لغة طيعة تنثال بعقلية مدركة لتسخر من واقع مر.. سخريته سوط على ظهر المواقف المخادعة.
في قصة مريم البلقاء ابتدأ لارباك الذاكرة بعنوان مدهش وتداخلت فيه عفة وقداسة ونبل مريم وقوة وجمال وتحفز فرس البلقاء وبين خطيبته وحبيبته وابنة عمه التي تحب الخيول.. لقد وظف العنوان توظيفا دلاليا موحيا… مريم هي الانثى التي يعبر من خلالها مفازات الحلم والطموح والمستقبل، يفقدها وهو في اوج اخضراره يدهسها القطار في الربيع لينتكس كل شئ.. انها شخصية القاص المتخفية، بوحدته وشتاته واحلامه وارهاصاته.. انه نص محتشد بالرموزوالاسماء والاماكن، وقد لا تجد ثمة رابط بين هذا اوذاك، لو اهملت بعضها فلا ينتقص من القصة القها، الا انه يغنيها بمعرفة وخيال.. انها هذياناته الواعية المبثوثة في كل صفحة.. صرخات استنجاد اواحتجاج.. هذيانات متسربة من فتحات صغيرة تحت ضغط التسلط والقهر والظلم.. لديه الكثير الذي يود ان يقوله ولكن هذا ما يسمح به والمتاح له وهو بديل عن الانفجار.. انه صمام امان. 
يرزخ تحت ظل الوصايا.. عند بدء الاحتفال بيوم الحب اعطوه سيف جده اللامع وجديلتي جدته لاخذ الثار. ولا غرابة حين يتحدث عن ابنة عمه لكنه يسهب في وصف برج ايفل او خيول فائق حسن او عنترة بن شداد وعبلة او معلم اللغة العربية او التاريخ او تضمينه ايات من سورة العاديات. او احتضان جده ابن اوى المتعب المتهالك.. توقع من علي السباعي كل شئ كما تتوقع من الحياة كل شئ، القصة هي الحياة التي تحتضن المتناقضات.
استخدم القاص الرؤيا ليرسم لنا صورا فنطازية بارعة الدلالة وهي تصوير دقيق لاحداث متنامية في السرد.. قصة مريم البلقاء تحمل انفاسه وملامحه،. تتكشف صورته وملامحه واضحة بالحبر السري للقارئ.. وان انفاس هذه القصة مبثوثة في رئات القصص الاخرى.. انها زفرته القوية التي خرجت من اعماق صدره.
وفي قصة مومياء البهلول .. البهلول الذي تنبأ بظهور امرأة تقود عربة ذات حمارين رماديين باذنين مقطوعتين ويدعو لاتباعها لغرض الخلاص.. وتظهر الذئاب التي تحاصر المدينة.. انها حصاراتنا وحروبنا السابقة والحالية والمستقبلية.. الذئاب تعوي في كل مكان، حول وداخل بيوتنا، وفي انفسنا.. انه الخوف والقلق والياس والرعب. ارغفتنا مغموسة بالدم، واحلامنا كوابيس عواؤها حاصرنا أمس.قبل عام.منذ سبع سنوات والبهلول ممسك بندقية محشوة، ارث اسلافه .. انها ايامنا الفارقة بالخوف المحاصرة بالجوع والقلق.. لقد استخدم القاص لغة شعرية بالغة التكثيف تقيأت العربة صراخها صديدا أسكن العيون المنثورة على ارصفة المدينة، العيون لينة، فاترة تقافزت اجفانها النحاسية كرتاجات صدئة، قفلت اندهاشا، فتساقط عجبها نحاسا باردا هشا فوق عتبات المحلات التجارية، تسأل 
لقد مللنا سماع الاباطيل. مللنا .
وفي قصة وساخات ادم تجلت الفوضى وعم الاضطراب, حيث اكوام النفايات تزحف نحو الشارع، لقد تحول المجتمع او المدينة الى اكوام نفايات.. تشير دلالاتها الى عفونة المواقف وقرفها وسلبيتها.. الفساد يزحف الى كل مكان.
وفي قصة وتبقى قطام اشارات واضحة الى عظم الخيانة والغدر.. قطام التي حرضت على قتل من اواها واطعمها وكساهاومنحها الشرف والعزة والامان… يوم بعد يوم تكشف بانك ضحية لعبة كبيرة، هائلة ومخيفة، وكنت فيها وجبة صغيرة، هشة وقشية, انفقت عمرها تعيش نصف في الظل والنصف الاخر تحت الاضواء الساطعة انها اشارات تحذيرية الى من اسرف في الظلم، تحركه اياد حاقدة.. انها انظمتنا التي تتباكى على ابتسامة المحتل.. وهذا ماحصل، تحرك بيادقنا اياد خفية وهي الرابحة ونحن دائما خاسرون، لاننا بلا ارادة ولسنا اصحاب قرار.
وفي قصة الجذر التربيعي للقمر تعري الانحطاط والتخلي عن القيم والاصالة والمواقف الشجاعة… ان الحشد المتراص الذي يلهث خلف الجنازة، انما هو تشييع فرس الامير، انهم يلهثون لشكر الامير ورضاه عنهم اربعة قوائم بيض رشيقة، اذناه بيضاوان كبيرتان, عيناه سوداوان واسعتان، وجسد ممشوق رياضي العضلات، ينتهي بذيل ابيض وطويل .
وفي قصة الزاماما وهي الحرب في لغة العرب القديمة.. صرخة بوجه الحرب التي تلد حربا ولا تجني الا الخسائر معاركنا محسومة سلفا لاعدائنا ولا نحقق الامان لان ابي سفيان دخل بيوت الناس ولم يطرق احد باب داره لقد استخدم القاص ترميزات دلالية متشظية تغني الثيمة الاساسية للقصة.. فالقاص لا يعتمد باسلوبه على متابعة السرد ونماء احداثه ووضوح شخوصه.. انها اشارات متوالدة ذات عمق وثقل، نجدها في بعض الاحيان لايرتبط بعضها بالبعض الاخر الا انها تمنح السرد قوة وارتكازا واقترابا من وحدة الموضوع، واني لاجد ان القصص التالية تعتمد بشكل رئيس على اللغة المشحونة، يستنطقها ويمنحها شحنة ايحائية وتاويلية، ولا تعتمد على السرد التقليدي، الذي يمسك بيديك ليقودك الى نهاية محددة، انت الان الذي تصنع وجودك اثناء السرد وانت الذي تصنع نهاية القصة.
نجد في في قصة احتراق مملكة الورق الحجاج حاضرا في احداث القصة, وكما اسلفنا مستخدما لغته الشاعرية المركبة.. لم يعتمد على تنامي الاحداث وتطورها انه يعتمد على فكرة يغذيها بلغته المشحونة التي تمتلك طاقة متفجرة.
وهذا مانجده كذلك في قصة عطش ذاكرة النهر حيث تنفق الحياة بموت النهر، وتحث المراة المتسولة الناس على ترك النهر.. تنعتهم بالكفار والخطاة والمساكين.. تتسول المراة لها قبرا من الذين يحفر كل واحد منهم بئرا في مجرى النهر بحثا عن الماء، تخاطبهم مساكين اهل الاوهام يحفرون قبورهم او ادفنوا فيها احلامكم.. ذكرياتكم..حروبكم..خطاياكم..اوهامكم ثم تخرج المتسولة حاملة غرفة دم. دم ساخن وفائر .
وفي قصة زليخات يوسف فان زليخة تولد زليخات لكل العصور, لنشر ثقافة الخطيئة.. غوايات متجددة بتجدد الملوك.. انها تغلق الابواب كلها لمحاصرة الشرفاء.. يسقط في فخاخها من لم ير برهان ربه.. جمال مبهر تنحني له قامات الرغبات, وتقبل يدها اذعانا لاقتراف الخطيئة. مبايعة الرذيلةوالانحطاط والعهر والفساد.. الشرفاء لا يسقطون في فخاخها على الرغم من انهم يدفعون الثمن غاليا.. لكن العدالة تلاحقهم، عدالتهم هم الطغاة، ان تصفق للامير وان تبتسم له وان بصق بوجهك.. على الرغم من اشارته السابقة في قصة وساخات ادم الى توالد النفايات الا ان القاص يعيدها ثانية الحياة قمامة هائلة الاخرون لا يكفون عن اضافة المزيد وهي ادانة السلطةالحاكمة حيث يتحول الناس الى اشباح تحت ضغوطات قاسية تتجدد فيها الحروب والحصار الذي لا ينتهي.
وفي قصة بكاء الغربان فان السماء تغني نحن لا نعرف غير البكاء, فامطرت دما .. ابليس يعبث فسادا.. الغربان في كل مكان، تحلق فوق المدن المحاصرة غدر..حرب..خيانة..نساء. كلها تعلمت الكتابة فوق صدري رماد ينثر فوق دم البؤس .
ومضات سردية متعددة في القصة الواحدة, باذخة موجزة مكثفة مختزلة تتعكز على شعرية اللغة لاستقامة السرد ولتحليق ذاكرة القارئ في سماواته.. فقد اشتغل على جناس اللغة لتكون حاضنة لتاويلات متعددة حتى في تناقضات رمزيتها.
السرد يتداخل فيه الخيال بالواقع..والتناص حاضر لشحن القصة بطاقات اللغة لتنتظم جميع القصص كمسبحة احجار طيبة، كل حجر مرتبط بالاخر، تسبيحا ابداعيا متقنا..
ارفع اسمه من القصة.. ستقرأ بصمته.. وهذا تحصيل حفرياته بازميل الاجنهاد على حجر الابداع.. كم تحتاج من جهد لترسم لنا بصمة؟ .. دوائر البصمة وانحناءاتها وتعدد خطوطها لا يجيد نحتها الا البارعون.. وعلي السباعي قاص بارع اصنفه في خانة نحات الكلمة المتفردين. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=31957
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20