• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : احتلال العراق في ميزان روائي رواية (بطن صالحة ) أنموذجا .
                          • الكاتب : وجدان عبدالعزيز .

احتلال العراق في ميزان روائي رواية (بطن صالحة ) أنموذجا

لا نريد أن نزيد الجدل القائم على أن الأدب ، قد يستوعب او لايستوعب الهزات العنيفة الناتجة من أحداث كبيرة كالحروب التي تخلف تغييرات مهمة في الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية أي أن هذا الأدب ، قد يستوعب هذا بعد حين من الدهر ، لان نفس الأديب دائما منفعلة مع الأحداث ومنفعلة مع هاجس الإبداع وهو صراع يولد صراعات أخرى .. يبقى الإنسان المبدع عاطفيا منفعلا وفي حالة من الذهول ، تميل الكفة عنده نحو الصمت والعمل الخفي إلا ان رواية (بطن صالحة) للكاتب علي عبد النبي الزيدي ، قد شقت عالم الصمت في ساحات الوغى والإعلان عن موقف تلاقفته صراعات محتدمة في اتجاه الحل الذي بدى بعيدا ، بل وغائر في صراعات تاريخية غير متوازنة وأخرى واقعية غرائبية ، صراعات التربية ، صراعات الذهنية التي تصطدم بتغييرات مفاجأة ، ثم ان الكاتب الزيدي عاش في روايته ظلمتين ، الأولى ظلمة البطن وهي ظلمة افتراضية بنيت على لون الفنتازيا والتاريخ اللامعقول ، والظلمة الثانية هي ظلمة الواقع   المعيش ، ثم ان اتجاه الرواية بصورة عامة وعلى خطوط هذه الظلمات هي السخرية من الواقع السياسي سواء كان قبل عشرين سنة او ما قبلها او مابعدها ، بحيث أصبحت هذه السخرية حالة توتر صراع عاشه الكاتب مع شخوصه وتحلى بالصبر والتأنٍ كي  تأخذ الشخصيات أبعادها وفق خطط اعد لها قبل البدء في تدوين تلك التصرفات والسلوكيات وما لها وما عليها في اكتمال العمل الروائي ..  تقول ديان دوات فاير :(عليك ان تعرف شخوصك بدقة وبشكل أفضل حتى من أي شخص تعرفه فعلا .. ذلك انك ستدرك مخاوفهم السرية وأمالهم ودوافعهم الشريرة والنبيلة) * والظاهر ان الكاتب قد عايش شخوصه وحاول رصد تصرفاتهم قبل وأثناء رحلة الكتابة  ، وتدوين مسالك العمل الروائي وكما قلت ، قد بنيت رواية (بطن صالحة) على ظلمتين هما ظلمة البطن وظلمة الواقع وامتدت على صراعين :
الأول : صراع ضد الاحتلال سواء كان من أمريكا أو غيرها وهذا الصراع أذكته حالة التشبع بأفكار المنظومة التاريخية والاجتماعية والتربوية ..
والصراع الثاني : هو القبول الخجل بالاحتلال ليس بشعاراته التي عرفتها شعوب العالم وخاصة شعبنا الذي عاش احتلالات كثيرة واستعمار قديم وحديث ، ولكن هذا القبول الخجل الذي عكسته الرواية جاء بسبب ان هذا الاحتلال ، قد اطاح برأس طاغية ظالم ودكتاتوري والذي احرق تقريبا كل شيء ، حتى العواطف الإنسانية  حاول تلويثها وان هذا الاحتلال استبدل الرأس الأوحد الشمولي بمنظومة ديمقراطية اذا ما تعاطينا بها مع شعبنا الحي وأحسنا التعامل مع هذه المنظومة المنقذة .. بالتأكيد ستنتج دولة  مؤسساتية ذات أبعاد مدنية قائمة على مبدأ الحقوق والواجبات ، وهو مبدأ قامت عليه الديانات السماوية والقوانين الوضعية واتصف المثالية ، لأنه ينتج مجتمعا حضاريا صانع لحياة ينمو داخلها التقدم والتحرك نحو استيعاب الإنسان ، لأخيه الإنسان الآخر .. وبين هذا الصراع والصراع الذي قامت عليه ظاهرية الرواية ، وهو الصراع بين الزوجين صالحة ويحيى النباش ، واذا شئنا التعمق في قصدية الكاتب ، لاكتشفنا حتى اختياراته للأسماء هي من مسوغات القصدية التي انتهجها الكاتب الزيدي واختلاف الزوجين صالحة ويحيى النباش على تسمية مولدهم فالزوج يسميه عنترة والزوجة ترفض وتسميه بالغائب ، ويذكي الكاتب صراع الزوجين بإبقاء (عنترة او الغائب )في بطن امه لمدة عشرين سنة وهي مدة لامعقولة تعادل السنين الظالمة والتي اشتد وطيسها وحاولت قهر الشعب العراقي حتى ان أعداء هذا الشعب تفننوا في عذاباته وآلامه ومحاولة أماتت داخله روح النهوض الحضاري ، وكان الكاتب الزيدي متوترا جدا في حدود الحيادية المطروحة من موقف صالحة بإبقاء وليدها في بطنها خوفا عليه وموقف يحيى النباش في إخراجه ، كي ينخرط في مواكب المدافعين عن الوطن وكانت الغايات في منتهى الصراع المحتدم بين الزوجين وشاهد هذا الصراع هو الوليد نفسه الذي يعيش ظلمة البطن بوعي ، فهو القريب من خلافات صالحة ويحي النباش حيث يقول عنترة او الغائب : (انا طعام لذيذ طالما وضعتني التواريخ على مائدة حوادثها ، أجوع دائما إلى لحظة بلازمن)  ، وظلمة البطن التي يعانيها (الغائب) او (عنترة) هي أمراض الانتظارات وهوس المستقبل المزمن  في ساحات يلعب فيها القحط والحزن والإحباط ومثلتها (بقايا أسرار وضعت في جزئيات المكان) وقد تكون الأسرار هي بقاء مولود صالحة في بطنها ، حيث تكون صراعات الإرادات الثلاث بين النباش وصالحة وافتراض  حضور الغائب عكست بلا أدنى شك اندهاش العراقيين بالتغيير وسقوط الصنم واختلافهم في تسمية القوات الأميركية هل هي قوة احتلال ام قوة إنقاذ وتحرير واستطاع الكاتب ضبط سلوكيات شخصياته رغم غرابتها باتجاه هذا الاختلاف وكان يحمل صبرا كبيرا ان يكون على الحياد من قضية الاحتلال ، وشكلت الشخصية الرابعة وهي أخت الغائب التي مثلت العنوسة بأسبابها  الاجتماعية المعروفة لكنها هنا مثلت في المعادلة الثانية العنوسة الوطنية بشعاراتها الجوفاء التي أوصلت العراق وشعبه الى حافة الانهيار والإقرار بالقصور عن معالجة الوضع الا بعامل خارجي .
كانت رواية(بطن صالحة) لوحات داخل أخرى من الألم والضيم والحرمان الذي ولد موجة من السخرية  المقابلة ، والتي أجد من الصعوبة الإلمام بها خلال هذه المقالة القصيرة ، فاني أرى الأفكار الكثيرة المتلاطمة في جوف هذه الرواية والتي تبدو للقارئ بقراءته الاولى انها ضد او مع الاحتلال ، ولكن اختلاط الخيال بالواقع جعل الكاتب كراوي يقف على مسافة واحدة من الضدية ، وهو يعيش تفاصيل الصراع ، بل هو شاهد حي مع الغائب ، حيث عاشا هذه الصراعات وتذبذب نفسه في اوج حالات القتل والحرمان قبل وبعد سقوط الصنمية العاتية والتي أفسدت حتى النفوس وأثرت على أخلاقيات المجتمع .
التساؤلات هي ياترى هل تتوقف الرواية العراقية عند هذه الصراعات وتتحدث بجرأة أكثر من (بطن صالحة) ، ولكن الحروب والهزات الاجتماعية الكبيرة ، قد لاتستوعب الا بعد انقشاع هذا الكدر في الرؤية واستقرار النظام السياسي في بنية تستمد شرعنتها من مؤسسة دستورية تليق بحضارة وتاريخ العراق وهو يمر بتواريخ رحل من خلالها الكثير من ابناء العراق قرابين للوطن وحسب ماجاءت به الرواية من تواريخ كالتالي 1914 /1918/1920/1935/1945/1980/1991/2003 وكيف أصبحت الويلاه ملازمة للام العراقية ..
والكاتب الزيدي حينما أبقى الوليد في بطن أمه لمدة غير معقولة من الناحية العلمية والواقعية ، كان يحاول الهروب من المعقول إلى اللامعقول بهدف التعبير عن إرهاصاته بحيادية غامضة وهذه من الناحية الفنية في الرواية كانت ناجحة في ترك شخوص الرواية تتحرك بصورة فوضوية وتكاد تكون سريالية في اكثر تصرفاتها ، مثل بقاء الوليد في بطن صالحة لمدة عشرين سنة وأمه ترفض خروجه ، ثم أن رفض الوالد تزويج ابنته الا لرجل يقوم بمحاربة الاحتلال واخراجه من البلاد وهناك أحداث غير معقولة أخرى مثل الجارة التي ولدت 150 ولدا وهذا ينطوي على تصميم الروائي لإحداث تبدو غريبة جاءت غرابتها من أثار المأساة التي يمر بها العراق عبر التاريخ حتى يومنا هذا .. والرواية هي إجراء واضح من قبل الكاتب لتدوين هذا الوضع المأساوي والتحدث بلسان المستقبل الغائبة ملامحه في الرواية ، وقد تكون ولادته قيصرية كولادة (عنترة او الغائب) وهذا الأخير هو رحلة عقيمة وبحث غير مجدي في بطن صالحة وتبدو الخاتمة بملامح  اليأس والاحباط من الوضع المتردي وصدم الكاتب المتلقي بخذلان الطبيب وهو يفتح بطن صالحة ولا يجد أي شيء فيه ....

 

• / كتاب (فن كتابة الرواية)/ تأليف ديان دوات فاير /ت . د.عبدالستار جواد / دار الشؤون الثقافية العامة بغداد لسنة 1988 / ص28

**/ رواية (بطن صالحة) للروائي علي عبد النبي الزيدي طبع دار الينابيع دمشق سوريا وباللغتين العربية والانكليزية لسنة 2010م وهي  الفائزة بجائزة الرواية  في مسابقة دبي الثقافية لسنة 2009م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3147
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29