تمر الدهور والأزمان وتنطوي صفحات وأخرى تكتب في ملفات التاريخ المتنوعة ، فمنها البيضاء النقية التي لا نقرأ فيها الا الخير والصلاح ، وأبطالها رجالٌ أعطوا كثيرا ولم يدخروا شيئاً ، فكان كل ما أفاضوا به في ايامهم العظيمة ، عاد اليهم بعد حياتهم ، وباحترام كبير وبيان ناصح يراه حتى من فقد البصر والبصيرة ..
وهناك صفحات سوداء مخزية مُلئت ظلما وجورا ، وأٌذيقت فيها البلاد والعباد مرارة التنكيل والطغيان ، وتبعا لذلك لابد أن نرى من المظلومين من سطرهم التاريخ بصفحاته البيضاء ، ونرى ايضاً الذل والهوان على من ظلموهم واتخذوا من التكبر والاستعلاء والاستعباد وخصائص يُذكَرونَ فيها على قول الشاعر :
ما عاشَ منْ عاشَ مذموماً خصائلهُ ...............ولم يمتْ مَنْ غدا بالخيرِ مذكوراً
قد تنجذب عواطفنا الى هؤلاء ، وننفر من أولئك ، لكنها حقائق شئنا أم أبينا ، وإن أرادوا أو لم يرغبوا ، فقد علمنا التاريخ أن كل من أراد الملك لنفسه لا لرعيته ، خاصمه الناس من قلوبهم أولاً وقد يبهرهم مُلكه الزائل ، فيدورون حوله وهم منكرين له الملك ، وفي نهاية المطاف تفتح له الصفحات السوداء ابوابها ، وتعلمنا ايضا أن من يصدِق مع الناس يأتون اليه وقت الشدائد والمحن والمصائب ، ليكون قطب الرحى فيدورون حوله وهم مطمئنون ، وهذا هو المقياس الحقيقي ، فليس من صفات أغلب البشر أن يعودوا ويشكروا في الرخاء الا ما ندر لمن أسدى اليهم نصحا أو صنع لهم جميلاً .
إجتمع الكل عند وسطية الحكيم ، حينما تفرقوا حول عصا الحكم ، وعندما ضلوا الطريق ، أهتدى الجميع بنور الاعتدال والسماحة والمصداقية ، فقد اتسع بيت الحكيم للجميع ، ليعيشوا لحظات الطمأنينة والأمان ، ويعبروا عما بداخلهم بكلمات عذبة وطرية ومن القلب الى القلب ، بعد أن كان التناحر والتنافس يملأ القلوب غلاً وحقدا ، ترجمته السنتهم على مدى الأيام السابقة ، وأخيرا وجدوا نظريةً برهانها أثبت أن العراق للجميع ، ولا يمكن ان يدار من جهة واحدة ، وإن الحكيم ليس بحاجة الى عصا ليمسكها من طرف أحدهم أو من وسطها ، حتى يرضى عنه الباقين ، وإنما هي ثقة وهو يقين استحكم في قلوب الشركاء والاخرين ، حتى استسلم الجميع لمنطق الحكمة والاعتدال وأذعنوا جميعا إن لكل حكيم وسطية عادلة وعلينا الانصات له .
|