• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رحلة تطرق أبواب الفلكلور المهمل .... ماجد السفاح وكتابه رحلتي مع الأبوذية .
                          • الكاتب : قحطان الفرج الله الوائلي .

رحلة تطرق أبواب الفلكلور المهمل .... ماجد السفاح وكتابه رحلتي مع الأبوذية

 
إن الأدب الحي الذي يبقى على مر الأيام لا يعرف علم المعاني أو علم البيان أو علم البلاغة ولا يفهم القواعد العويصة التي يصطنعها العاجزون المتحذلقون، مصدر روعة الأدب وخلوده أنه صدى في نفوس الناس ويضرب على الأوتار الحساسة من القلب.
د.على الوردي
مما لا شك فيه أن فن الشعر يمتاز عن غيره من فنون القول بموسيقاه وإيقاعه، فموسيقية الشعر منذ أقدم العصور تعد أهم مقومات التشكيل الفني.
غير أن هذا الجانب المهم لم يأخذ نصيبه الكافي من الاهتمام عبر تاريخ الأدب العربي منذ عصر ما قبل الإسلام حتى منتصف القرن العشرين وانحصرت الدراسات بما توصل إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي عند اكتشافه للأسس الوزنية والعروضية في القرن الثاني الهجري وتبعه بعض البلاغيين بإضافة بعض السمات الصوتية التي تؤدي للتنافر وعدم الانسجام ، فـتكاد الدراسات القديمة في موسيقى الشعر العربي تنحصر في داخل الحدود التي رسمها الخليل. 
ولا أغادر الأقدمين حتى أذكر أن الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض ما وضعه إلا لإحساسه بالإيقاع الذي يحدثه النظم الشعري، وجعله يؤلف كتاباً في الموسيقى جمع فيه أصناف النغم وحصر به أنواع اللحون وحدد ذلك كله ولخصه وذكر مبالغ أقسامه ونهايات أعداده، وهذا يكشف عن علاقة الشعر بالموسيقى بشكل عام، فلا يمكن ربط النص بقوالب جاهزة يكتسب النص حظه من الجودة والرداءة بمقدار التزامه بها، فمثل هذه النظرة تصر على ربط النص بصياغات جاهزة، بدلا من تأمل الممارسة النصية التي تمنح العروض _وغيره من العناصر- وجودا فعليا ودورًا فعالًا في تشكيل التجربة، ومن هنا ينبغي دراسة الجانب الموسيقي، والإيقاعي في الشعر العربي المعاصر بشكل أكثر اتساعـًا وتخطي معطيات العروض القديم. 
وعلينا أن لا نغفل اهمية الموسيقى الداخلية في النص الشعري، فالإيقاع الداخلي هو توظيف ذا نمط خاص للمادة الصوتية على مسافات متقايسة بالتساوي، أو التناسب لإحداث الانسجام، وعلى مسافات غير متقايسة أحيانـًا لتجنب الرتابة، من هنا يشكل الصوت العامل الجوهري للإيقاع الداخلي، وله من الأهمية ما يجعله المعبر الحقيقي عن إحساس الشاعر وانفعالاته، ولعل من أهم مقومات الموسيقى الداخلية للنص الشعري هي البنية التكرارية المعتمدة على الإلحاح على جانب ذا صفات صوتية معينة والبنية التكرارية المعتمدة على تكرار جملة موسيقية، أو قالب نحوي، أو صرفي ولعل هذا الجانب اهم ما يميز فن (الأبوذية) كسمة موسيقية  فاعلة، فاختياره المفردات ذات دلالات مختلفة متشابه المباني اللفظية  يحقق اعلى مستوى موسيقي يثير الصدمة المصحوبة بمتعة اكتشاف التغاير الكبير بين لفظة وأخرى ... ولا اريد أن استرسل بالحديث عن الدور المتمازج والمتداخل بين الموسيقى والنص الشعري لأنه حديث متشعب ودقيق المسالك، ولكني أمام محاولة جادة في تقصي الأدب الشعبي والفلكلور الجنوبي، فمحاولة ماجد السفاح في كتابة رحلتي مع الأبودية تنطوي على اشاررات كبيرة تفتح الأبواب أمام الدارسين وتنبههم بقوة إلى الالتفات إلى هذا الجانب المهمل اكاديميا (الأدب الشعبي) حيث لازالت المؤسسات الاكاديمية تنظر بعين الدونية إلى اللهجة الدارجة وتعتبرها لهجة تحاول تحطيم اللغة الفصيحة وتهددها بالزوال رغم أن المنطق العلمي يقول: إن اللغات تتطور وتنمو وتكبر وتتداخل مع لغات اخرى فتاخذ وتعطي ومن البديهي والملموس لدى كل دارس متمعن في تطور اللغة أن اللهجات العامية واللغات الاجنبية أصبحت هي الرافد الاساسي للغة الفصيحة فما ينقله أو يعربه اي مجمع علمي إلى الفصيح هو من انتاج لهجة أو لغة اخرى ... وعلينا أن لا نغفل شيء مهم أن هذه اللهجة العامية أصبحت تكتب أدبا بمختلف الانواع قصة ورواية وشعر وحتى مسرح، فمن الجور والحيف أن تتعمى الجامعات العراقية عن منحها كرسيا ضمن الدراسات الاكاديمية .. 
ورغم ذلك فقد بادر ماجد السفاح من أول السطر وقام بمحاولة خليلية ليجمع الابوذيات من افواه مردديها  كخطوة في جمع التراث الشفاهي في كتاب رشيق اسماه (رحلتي مع الأبوذية) وساحاول التركيز هنا على الأبواب التي فتحها هذا الكتاب الذي اعد مقدمته اهم ما فيه فقد ركز السفاح على بناء المقدمة على جواب مهة من الأدب الفلكلوري الذي يكاد يضمحل من عقول النشء الجديد فبادر إلى تقصي اسماء الأماكن ومواسم وأوقات الاحتفالات  وأنواع الأداء الغناىي  والأماكن التي تشتهر بانواع معينة من طريقة الأداء اللحني لهذه الاشعار والتفت إلى طرق الاحتفال والآلات الموسيقية الفكلورية  وطريقة الرقص المصاحب لتلك الانات الغنائية واسماء المغنيين والمطربين وكل عنوان من هذه العناوين هو مشروع فلكلوري كبير مهمل يحتاج إلى جهد علمي مؤسسي يسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية، فولادة أي نوع أدبي لابد أن تصاحبها عوامل اجتماعية مختلفة وهذا ما المح إليه السفاح في أكثر من مرة، فالشجن وسطوة الحزينة التي تتمتع بها الانواع الشعرية والأنواع الأدائية الغنائية من ونين ونحيب هي مخرجات واضحة لتراكم حيف وقهر عاناها الإنسان الجنوبي بشكل كبير وحسب تعبير ما جد السفاح (فالنفس اذا طابت غنت وإذا حزنت انّت) ولو تصفحنا الاثار الفكرية والأدبية التي خلفها العرب لوجدنا أن الغناء يستأثر بحظ وافر منها. وحسبنا كتاب الاغاني الذي اسماه ابن خلدون بحق (ديوان العرب وجامع اشتات العلوم التي اجتمعت لهم) لقد كانت الموسيقى والغناء من اقدم الفنون التي مارسها الإنسان في طقوسه الدنية فقد كان الفلاحون القدامى يمارسون طقوس الرقص والغناء كشئ مقدس ليستدروا عطف الطبيعة عليهم وكانوا كلما شعروا بحاجة إلى المطر يرقصون رقصات يحاكون فيها حركات سقوط المطر وهبوب الرياح. كما ان شعورهم بأن حركاتهم هذا ستترك صدى عند الطبيعة كان يمنحهم قوة ونشاطا ويضاعفها من انتاجهم والمجتمعات البدوية مارست الغناء لأن الحيوانات التي تستخدمها (الجمال) كانت ترنو إلى الغناء لأنه يساعدها على قطع المسافات الطويلة 
وعلى رأي غوغول "أن كل اغنية هي قطعة من التاريخ الشعبي الحي المليء بالروح والمزدان بشتى الالوان وأنها تميط اللثام عن حياة شعب بأسره وأنها لاتقدر بثمن بالنسبة للكاتب الذي يحرص على أن يستشف ويستكنه روح أي عصر من العصور الخوالي" فلم يكن كلف العرب بالغناء أقل من كلفهم بالشعر لقد كانوا ينظرون إلى الغناء كفن يعبر عن مشاعرهم ويصور حياتهم باسلوب ملحمي فاذا كان لليونان ملاحمهم الشعرية التي نجدها في الإلياذة والاودسة، فإن للعرب ملامح العرب تتمثل في حياتهم الغنائية وتراثهم الغناىي الذي ينقل بشكل دقيق تفاصل حياتهم ومعاناتهم فحفيف القصب يشير إلى ألم دفين ومعاناة يصورها النوع الغنائي (الونين)، وفرقعة الاصابع (الاصبعتين )، وضرب الكعب على الأرض تشير بشكل لا يقبل اللبس إلى حبات القهوة التي تتفرقع تحت ضربات الهون، فكل مرحلة لها سماتها المجتمعية التي تفرز انواعا فنية قولية وادائة تحمل سماتها.
ومع ذلك فمحاولة السفاح رغم ما شابها من بعض المشاكل تعد محاولة جادة ويؤسس عليها لجيل اكاديمي يحترم التراث ويثمن الفلكلور ويخلد تراث امة عانت ولم تغفل الفن والأدب والغناء.
وعلى الرغم من ازدهار العصر تكنولوجيا ومعرفيا، ولكن الأدب الشعبي لازال محتفظا برونقه الشفاهي كي يمنح المتلقي عذوبة الاكتشاف ولذة التجدد والتراكم فعملية التجديد والتراكم والسقل والتهذيب من اهم مقومات حياة الأدب الشعبي، وكذلك هي العملية الادائية ولعل جمود قصيدة النثر الحديثة متأتي من تخليها عن الجاني الادائي ( الغناء) واتجاهها نحو النثرية والتصوير البحت، ولكن الأدب الشعبي بمختلف أنواعه امتزج امتزاجا عنيفا بالأداء حتى في  ابسط طرقه المحكية فضلا عن الغناء.
لا اريد أن ابالغ وأقول: إن خطوة ماجد السفاح هي الخطوة الأولى في هذا المجال ولكنها على الاقل الخطوة  الصحيحة الأولى التي سلطت الضوء على جوانب فلكلورية مهملة كثيرة اتمنى أن يؤسس عليها من جاء لاحقا .
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : اوركيد ، في 2013/04/13 .

اسمح لي ان امدح هذه المقالة الجميلة و اهنئك على اختيار هذا المقال للطرح ...فقد قراتها كثيرا ورايت ان فيها كلمات ذات رقه ومشاعر مرهفه ذات احساس عالى...مصطلحات جميلة جديدة ...فانك تنتقى مواضيعك لكى ننتفع بها فانها بالفعل نافعة ورزينة للغاية ...فالادب الشعبي او الفلكلور يمثل حياة مادية وروحية لدى بعض الشعوب، وهو يعكس صورة تاريخية وتراثية لهم....وهي مقالة رائعة في شكلها..وطرحها.. وتحمل للذي يفكر بها امور تكاد تكون عظيمة....كل الشكر لقلمك وفكرك الذى نتعطش منه المزيد



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29706
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 04 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18