• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الفضاء العام بين رغد الجابر والشيخ السعدي .
                          • الكاتب : عماد رسن .

الفضاء العام بين رغد الجابر والشيخ السعدي

لمن لايعرف رغد الجابرفإنها المتسابقة في برنامج عرب أيديول بنسخته الأخيرة, والتي شغلت مواقع التواصل الإجتماعي في الأيام الأخيرة بسبب تقديمها لنفسها بأنها مجنونة هيفاء وهبي, وطريقة أداءها وسلوكها الذي أعتبر صادما ً للكثيرين بإعتبار ماقامت به رغد خارج عن المعايير والقيم المحافظة التي تسيطر على الشارع العراقي. لقد كانت الغالبية العظمى من تلك المواقع تسخر من تلك الفتاة وتعاملت معها على إنها شاذة بسلوكها وطبيعتها أي من أتباع جماعة الأيمو, أو مريضة نفسيا ً, أو شخصية تتحدى القيم والتقاليد الإجتماعية التي تطغى على الشارع العراقي. على أية حال, ربما أخذ موضوع رغد الجابر أكبر من حجمه في مواقع التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام المختلفة, لكنه بالتأكيد يكشف عن مدى قسوة الشارع العراقي المحافظ عل كل من تسول له نفسه بممارسة حريته الشخصية, حيث يرفض كل أشكال الخروج عن القوالب التي إعتدنا أن نتحرك بداخلها والتي تحدد شكل المعايير في الملبس وطريقة التصرف والأداء الذي نقوم به في الفضاء العام, حتى لو كان بعنوان ممارسة الحرية الشخصية. ويكشف أيضا ً أن المجتمع العراقي بدا أخيرا ً غير متسامح مع كل شكل من أشكال الإختلاف والتنوع حيث يصنف كل ما هو غير متعارف عليه على أنه خطر يداهم المنظومة الأخلاقية ويضعه في خانة الشذوذ والإنحراف كوسيلة من وسائل الدفاع عن قيم المجتمع والمعايير التي يجب أن يكون عليها. هنا ندرك كم أن الفضاء العام محدود ومراقب بشدة حيث لايمكن الشذوذ, بالمعنى الإيجابي أو السلبي, عن خطاباته المحددة سلفا ً. 
 
سأحكي لكم قصة أخرى من نوع ثان, تلك القصة تخص أغلب رجال الدين في العراق والسياسيين طبعا ً. هذه القصة هي قصة تبرئة تنظيم القاعدة من قبل الشيخ عبد الملك السعدي في سلسلة التفجيرات الأخيرة التي ضربت العاصمة بغداد, والشيخ هو أحد داعمي التظاهرات في مدن العراق الغربية. لايهمني أن برأ الشيخ السعدي أم لم يبرأ تنظيم القاعدة فتصريحاته تشبه كثيرا ً تصريحات أغلب السياسيين العراقيين بعد كل هجمة شرسة على مدينة بغداد, فتلك التصريحات تتشابه إلى حد كبير في مضمونها لكنها تختلف بأسماء من توجه إليه التهمة, فتارة أيران وتراة أمريكا وأخرى تنظيم القاعدة. من حق الشيخ السعدي أن يدعم التظاهرات الأخيرة في الأنبار وباقي المحافظات الغربية, فهذا حق مشروع له وللمتظاهرين الذين يحملون معهم مطالب في غالبها مشروعة, ولكن, الذي يهمني في تصريحات الشيخ السعدي هو تساهله في إستخدام مصطلح السنة أو أبناء السنة, فهو يتهم الحكومة العراقية بإستباحة دماء أبناء السنة بالتحديد, وهنا تكمن المشكلة حيث إخترقت تلك المصطلحات الطائفية عقول الساسة والمفكرين والمثقفين حينما يتساهلون في طرحها في الفضاء العام. والحق يقال, لم يكن الشيخ السعدي أول من أستخدم تلك المصطلحات فقبله العيساوي والبطاط والنجيفي من على قناة الجزيرة حين دعا لتضمين الطائفة في التعداد السكاني في العراق لمعرفة حجم المكون السني مقابل المكون الشيعي, حيث يكتب كل من لايؤمن بالدين أصلا ً على إنه سني أو شيعي ويمكن أن يقتل على هذا الأساس فقط لأنه ولد من أبويين شيعيين أو سنيين. وهناك الكثير من شيوخ المنابر من كل الطوائف في العراق يتحدثون عن السنة والشيعة والتكفير والترفيض والتنصيب بشكل علني وفاضح وبلا خجل ودون أدنى مراعاة لحرمة الفضاء العام.
 
إذن, تلك هي قصتان عن التشدد والتسامح في الفضاء العام في المجتمع العراقي, ولكن, دعوني أعرف ماهو, الفضاء العام لتكون الصورة أكثر وضوحا ً. الفضاء العام(public sphere) مصطلح أطلقه يورغان هابيرماس, الفيلسوف الألماني, في مشروعه لتأسيس المجتمع الديمقراطي, وطور تلك النظرية الكثيرين من بعده منهم الامريكية نانسي فريسر, بالخصوص عن الفضاء العام في الترانسناشونال(transnational public sphere). أن الفضاء العام هو تلك المساحة المحصورة بين الفضاء الخاص (private public sphere), حيث الحياة الفردية التي يمارسها الفرد في المنزل مثلا ً, والفضاء الحكومي الرسمي حيث المؤسسات الحكومية وتوابعها (sphere of public authority). أن الفضاء العام هو رديف لمشروع الديمقراطية حيث لايمكنه فصله عنها, فلا ديمقراطية بلا فضاء عام حيث يبنى الرأي والرأي الآخر من خلال النقاشات والمداولات والحوار في مختلف المؤسسات الغير حكومية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام. وهو يشمل الفضاء السياسي والإجتماعي والثقافي. إذن, أن فكرة الفضاء العام هي فكرة معيارية, وعندما تكون معيارية فهذا يعني بإنها ستكون رديفة للحرية والمساواة, هناك حيث تكون الديمقراطية. وعندما نقول حرية فهذا لايعني بأن الفضاء العام سيكون بلا رقابة بل هناك رقابة قانونية وأخلاقية يسيطر عليها النقد الذاتي حيث الوعي يلعب دورا ً كبيرا ً في تحديد مضامين الخطابات السائدة في الفضاء العام أو الفضاءات العامة المتعددة.
 
نعود لقصتينا الآنفتي الذكر, لماذا تتساهل فضاءاتنا العامة مع مصطلحات طائفية وتمررها في وعي النخبة الثقافية والدينية والسياسية التي تمتلك صوتا ً مؤثرا ً على الشارع. وفي نفس الوقت, لماذا تتشدد في مراقبة الإختلاف والتنوع, حتى لو كان بعنوان الحرية الشخصية, ونتهم كل المختلفين بإنهم شاذين خلقيا ً في حين أن هذه الرقابة هي بالضد من فكرة الحرية والديمقراطية. فديمقراطيتنا تتسامح مع من يعلنون الحروب ويستسهلون القتل في حين تتشدد مع من يمارس الحرية بأسم الديمقراطية. فعندما نقول أن العراق بلد ديمقاطي تعددي لابد حينها من سن قوانين تدعم هذا التنوع وترفع مستوى الوعي الذي يجعل الفرد يقبل الآخر المختلف عنه في الشكل والعرق واللون وذلك لتأسيس مجتمع متسامح. وفي نفس الوقت, لابد من رفع الوعي أيضا ً ليرتفع مستوى الرقيب الذاتي والذي لايسمح بالسخرية من الآخرين من على قنوات التلفزيون ممن يختلفون بالشكل والعرق والمنطقة. ويشدد بل يجرم من خلال القوانين على المصطلحات الطائفية التي تتبنى الفكر الإلغائي للمختلف في العرق والطائفة والدين والمنطقة.
 
الخلاصة هي أن المجتمع الديمقراطي الذي نصبو أليه لايصنعه رجال الدين الذين يركزون في غالبهم على الموضوع الطائفي لديمومة معائشهم, فهم مرتبطون بالمجتمع التقليدي المحافظ على أية حال, ولكن على دعم الحريات الفردية في الشارع والتي تقبل الإختلاف والتنوع الذي هو سمة من سمات المجتمع الديمقراطي المتسامح. علينا أن نقلب الصورة في القصتين ليكون المجتمع أكثر قوة بتنوعه. 
 
https://www.facebook.com/imad.rasan
Imad_rasan@hotmail.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=29109
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28