• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح88 سورة الانعام .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح88 سورة الانعام

بسم الله الرحمن الرحيم

 
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ{80}
تروي الاية الكريمة ما دار بين ابراهيم (ع) وقومه , وفيها عدة منحنيات للتأمل : 
1) (  وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ ) : في بداية دعوة كل نبي او رسول يتعرض لمجادلة القوم , هو يدعوهم الى عبادة الله عز وجل , ويأتيهم بالايات المعجزة , والحجج الباهرة , وهم ينبرون للدفاع عن اصناهم واوثانهم . 
2) (  وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ) : عندما يفشل الكفار في الدفاع عن الهتهم امام الحجج الباهرة , يلجئون الى طريقة التخويف والترهيب , لئن تركت عبادة الاصنام فسوف تصيبك بسوء او ضر ما , لكن مثل هذا الامر لا يخيف الا ضعاف القلوب , اما الرسل والانبياء ومن تبعهم من المؤمنين , لا يخشون ذلك ابدا . 
3) (  إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً ) : اداة استثناء , تبين ان الضر والنفع لا يصدران الا منه جل وعلا , اما هذه الاوثان والاصنام فلا يصدر منها ذلك , لكن في احيان كثيرة , يلجأ الكهنة ممن لديهم مهارات في علوم السحر والشعوذة الى ايقاع الاذى بكل من خالف عقيدتهم عن طريقها ! . 
4) (  وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ) : علمه عز وجل وسع كل شيء , لا يوجد شيء في الارض ولا في السماء الا وعلمه وخبره واحاط به جل وعلا .  
5) (  أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) : دعوة للتذكر .             
 
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{81}
تروي الاية الكريمة على لسان ابراهيم (ع) , حيث خوفه القوم بغضب وانتقام الاصنام منه ان ترك ونبذ عبادتها , فيرد (ع) عليهم الرد الامثل , تخوفوني بنبذ عبادة اصنام ولا تخافون انتم ان اشركتم بالله تعالى من غضبه وانتقامه وعذابه الذي اعده للمشركين ! . 
 
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ{82}
تنتقل الاية الكريمة الى الجانب الاخر , جانب المؤمنين , فتؤكد ان المؤمنين الذين امنوا به عز وجل , ولم يخلطوا ايمانهم بشرك (  أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ ) من العذاب , وستحل عليهم الطمأنينة والسكينة وستكتب لهم السلامة , (  وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الى طريق الحق الذي ينبغي ان يسلك .     
 
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{83}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاث محاور : 
1) (  وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ) : كما بينت الايات الكريمة السابقة احتجاج ابراهيم (ع) على قومه بأفول كوكب الزهرة و القمر والشمس , وما دار بينه (ع) وبينهم من جدال , كان (ع) الغالب فيه , ينسبها النص المبارك الى الله تعالى , اتاها ابراهيم (ع) .
2) (  نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء ) : الانبياء والرسل (ع) يتفاضلون فيما بينهم بالدرجة , فلا شك ولا ريب ان يرتقي ابراهيم (ع) الى درجات رفيعة , ولا شك ايضا ان يكون النبي محمد (ص واله) في قمة تلك الدرجات , كذلك الصالحين والمؤمنين يختلفون فيما بينهم بالدرجة , بعضهم اعلى من بعض , فيسأل المتأمل بأي شيء يرتفع ويرتقي النبي والرسول , الصالح والمؤمن ؟ , هناك الكثير من الاراء , كل مفسر وصاحب رأي يطرحه بما يتناسب مع عقيدته ومذهبه , وهناك من يرى ان الاية الكريمة اجابت على هكذا سؤال في ختامها ! .    
3) (  إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) :  ان الله عز وجل حكيم في صنعه , وله في خلقه شؤون , يضع الاشياء في اماكنها المناسبة , وهو عز وجل عليم في ملكه وملكوته . 
لعل الاختلاف والتفاضل بالمنزلة والدرجة يعتمد على مقدار حكمة وعلم النبي او الرسول , وكذلك هو الحال بالنسبة للصالحين والمؤمنين , ويلاحظ في النص المبارك , تقديم الحكمة على العلم , عند ذاك , لا يخفى على المثقف والمتابع ارتباطهما مع بعضهما البعض ! .         
 
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{84}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة محاور : 
1- (  وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا ) : يروي النص المبارك , ان الله عز وجل وهب ابراهيم (ع) أسحاق (ع) ابنا , ويعقوب (ع) حفيدا , كلا هداه الله عز وجل .  
2- (  وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ) : يروي النص المبارك , ان الله عز وجل قد هدى نوحا (ع) من قبل , ومن ذرية نوح (ع) (  دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ) , كلا هداهم الله تعالى , ويلاحظ ان الانبياء (ع) المذكورين في الاية الكريمة جميعهم ينسبون الى ذرية نوح (ع) من جهة ابراهيم (ع) , كما ويعرف نوح (ع) انه ابو البشر الثاني بعد حادثة الطوفان , ويعرف ابراهيم (ع) انه ابو الانبياء والرسل (ع) .     
3- (  وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) : ان الله عز وجل حبا الرسل والانبياء (ع) بمنازل ودرجات رفيعة في الهدى والايمان , الحكمة والعلم , اما المؤمنين ممن التحق بركابهم , فسينالون درجة المحسنين , وهي منزلة ودرجة دون  درجات الرسل والانبياء (ع) , اعلى وارفع مما دونها من الدرجات .       
 
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ{85}
تعرج الاية الكريمة الى ذكر المزيد من الانبياء (ع) , وتضعهم في منزلة الصالحين , وهذه المنزلة ارفع شأنا من منزلة المحسنين الواردة في الاية الكريمة السابقة ! . 
 
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ{86}
تذكر الاية الكريمة اربعة من الانبياء (ع) , لتختتم بتفضيلهم على العالمين . 
الملاحظ في الاية الكريمة وسابقتها الكريمة الفرق بين (  كُلٌّ ) و (  كُلاًّ ) ! .    
 
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{87}
القران الكريم لم يذكر اسماء جميع الرسل والانبياء , واقتصر على ذكر بعضا منهم , يعزى ذلك للعديد من الاسباب , نذكر منها لا على سبيل الحصر : 
1- الكثرة العددية للرسل والانبياء كما يروى في بعض الاراء ان عددهم مئة واربعة وعشرون الف نبي . 
2- القران الكريم ذكر الكليات ولم يذكر الجزئيات , فذكر ابراهيم (ع) كون اغلب الانبياء ان لم يكن جميعهم يعودون اليه من جهة النسب , اما من جهة الدين , فجميعهم كانوا على ملته (ع) . 
3- ذكر القران الكريم الرسالات ذات الشمولية الاوسع , وذكر اصحابها من الانبياء لما في قصصهم من العظة والعبرة , اذا علمنا ان هناك من الرسل والانبياء ممن ارسل الى عدد محدود من البشر , او ان رسالته لم تدم طويلا ( يوما واحيانا ساعة ) .    
يلاحظ في الاية الكريمة حرف الجر ( من ) الذي يدل هنا على التبعيض , وذلك لعدة اسباب نذكر منها :
1- ان بعض الانبياء لم يكن لهم ذرية  , واخرين كان لهم ولد ( او ابناء ) غير صالح . 
2- ليس جميع اقارب الرسل والانبياء كانوا صالحين بالضرورة , فجاء حرف الجر للتبعيض ولمنع التعميم . 
 
ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{88}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1- (  ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) :  كل ما جاء به الرسل والانبياء (ع) من عنده عز وجل . 
2- (  وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) : عند افتراض الشرك لدى الناس وليس لدى الانبياء والمرسلين (ع) لبطلت اعمالهم , لانه عز وجل لا يقبل مع الشرك عملا .       
 
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ{89}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة مواطن : 
1- (  أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) : اشارة الى الرسل والانبياء (ع) وما اتاهم الله عز وجل من الكتب والحكمة . 
2- (  فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء ) : فأن يكفر بها هؤلاء ( اهل مكة ) من قومك يا محمد (ص واله) 
3- (  فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ) : المؤمنون من امة الرسول الكريم محمد (ص واله) .           
 
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ{90}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة نقاط : 
1- (  أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ ) : اشارة الى الانبياء (ع) الذين تقدم ذكرهم في الايات الكريمة السابقة .  
2- (  فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) : اجعل منهم قدوة لما احتملوا وصبروا على تعذيب قومهم لهم .  
3- (  قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23
4- (  إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) : القران الكريم موعظة للمخلوقات العاقلة ( الانس والجن ) .           
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=27388
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29