• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الدكتور المقالح أين إثمه ..؟! وهذا جميل الساعدي وشعره..!! .
                          • الكاتب : كريم مرزة الاسدي .

الدكتور المقالح أين إثمه ..؟! وهذا جميل الساعدي وشعره..!!

ذهب ( أدونيس) إلى أنْ " ليس لدينا شعر جديد , فالجديد لا ينهض إلاّ إذا كانت لنا رؤية مغايرة للرؤية القديمة , وأنا أشكّ في وجود مثل هذه الرؤية " (1) , وقد بيّنا وجهة نظرنا حول المقولة المقالة في موضوع سابق , ومثله اجتهد الدكتور عبد العزيز المقالح , وهو ناقد عربي كبير , وباحث قدير , ورئيس جامعة جدير ,  فإذا كنـّا لا نعرف كيف ذهب به التطرف في دعوته للمغايرة إلى حد بعيد , قد نقبل منه على مضض قوله : " وبغض النظر عن نجاح هذه المحاولة أو إخفاق تلك  المحاولة , فإنَّ مسارات التغيير ينبغي أن تستمر , ويجب ألا تتوقف ..." ( 2) , ولكن كيف - بربّك - نقبل منه , وتحت أي ذريعة أو مبرر - صرخته القاسية : " لعل الشاعر محمد أنعم غالب الوحيد بين كلّ شعراء الجديد - يقصد في اليمن - الذي لم يقترف إثم كتابة العمودي , ولم تشتهر أو حتى تروى عنه قصيد عمودية ..." (3) , ويدعم دكتورنا دعوته للمغايرة بقوله : " ويكاد القارئ العادي ينسى نفسه وسط الزحام , لكنه لابد أن يألف الجديد ويأنس إليه , وأن يرددمع حكيم المعرة :

ستألف فقدان الذي قد فقدته ***كإلفك وجدان الذي أنت واجدُ "

ليسمح لي الدكتور المقالح أن أحاوره في هذه الخصوصية فقط , لعلمي بجهوده المضنية في خدمة الأدب العربي ونقده , بعد أن أستعير كلمته بحق الدكتور طه حسين حين كتب عن الشاعر العربي الأموي العصر (وضاح اليمن) قائلاً : " غريب أمرالدكتور طه , كيف يصف شاعراً هذا مستواه الفني بالإسفاف والابتذال والسقوط واللين . " (4) , وعلى السياق نفسه نقول  : غريب أمر الدكتور المقالح , كيف نعت كتابة الشعر العمودي بـ (الإثم) , ويعتبر عدم كتابته مأثرة تستحق التمجيد ,  فهنالك احتمالان , إمّا أنّ الشاعر اليماني (الغالب ) , لا يجيد نظم الشعر العمودي  , وهنا مكمن الإثم , على حد وصية الحطيئة :

الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلمهْ***إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ

زلـّت به إلى الحضيض قدمهْ**** يريـد أنْ يعربه فيعجمهْ

فمن هذا المنطلق ينقلب (الغالب ) إلى خاسر بالضربة القاضية ,  وإمّا أنّ الدكتور قد تخيّل أنّ الشعر العربي الأصيل  أصبح يتيماً لا يوجد مَن يدافع عنه , بل  عقيماً لا ينجب من يجدده , وهو يدافع عن أحد الشعراء العموديين من الطبقة الثانية في عصره , ويرتكز في دعوته على طود شامخ من شعرائنا العظام المعري - الذي استهجن حتى الرجز الجميل من بحوره لسهولة نظمه , وكيف نسى الدكتور أنّ الفرد شيء , وأنّ النوع شيء آخر , وأن الفرد يموت ويفقد , فمن الممكن أنْ تألف غيره , , وأمّا الأمّة لا تموت ولا تـفقد تراثها , فكيف ستألف غيره , وكيف سيفقد النوع الإنساني , , ومن هذا النوع العرب غرائزه وأحاسيسه ليألف غيرها .

ألا ترى من حقـّنا على نهج الدكتور المقالح أن نقول أنّ الشاعر العراقي جميل حسين الساعدي لم يقترف إثم كتابة قصيدة النثر على حدّعلمي , وأنا ممتبع لما ينشره في المواقع العراقية , وخصوصاً (النور) و (المثقف ) منذ أكثر من سنة , بل لم أرقب حتى قصيدة (تفعيلة) له , والله أعلم بما سبق من نظمه , فالرجل بعيد عني بحكم الغربة , ولم أتشرف بمعرفته عيانياً , إلا عن طريق المواقع ما بين شعر منشور , وتعليق مكتوب , وأخذ وردّ على مابين السطور , وهذا لايكفي الناقد الشغوف لمعرفة خبايا النص والأنطلاق من تعريفه إلى تحليله - وإنْ سنحلل من بعد على قدر تفهمنا  للشاعر من خلال نصوصه , وسنركز على المعايير الفنية  -   , المهم كلّ نفس لا تجيش بخوالجها إلا بما تحتمه عليها بيئتها , ومما لفت انتباهي أنّ الشاعر قضى طويلاً في غربته وتغرّبه , وأجاد اللغة الألمانية - حيث إقامته الحالية - قراءة وكتابة وترجمة , و نال شهادة أكاديمية عليا بها أو بآدابها , كما يذكر زميله الشاعر العراقي سامي العامري في أول تعليق على أول قصيدة نشرت له في موقع (النور) بتاريخ (31 / 1 / 2012 م) , تحت عنوان (اقرعي الطبول ) قائلاً :

" جميل الساعدي الشاعر المجيد البليغ المحيط اللغتين العربية والألمانية بإتقان والحاصل على الماجستير بالأدب الألماني هنا في ألمانيا والذي ألف ونشر رواية بعنوان : (تركة لاعب الكريات الزجاجية) , لاقت في ألمانيا صدىً كبيراً ... وهي تكملة أدبية راقية لرواية هيرمان هسه الشهيرة , هذا الشاعر المخضرم في دنيا المنافي والمغتربات ! تراه يكتب الشعر العمودي بتمكن وبموهبة نادرة بل هو من ترجم مسرحية غوته الشهيرة : فاوست إلى اللغة العربية بشعر عمودي بارع حاكى لغة غوته وحافظ على معانيه وروحه الشاعرة , يطل علينا هنا بقصيدة رومانسية كثيرة التوهج وتنطوي على عتاب رقيق وروح نقية ومرحة رغم الألم !" (5)

والحقيقة أنّ اللغة الجرمانية عريقة صافية من الشوائب , وهي لا تأكل حروفها كالأنجليزية والفرنسية والإيطالية , إذ تعتبر سهلة النطق , صعبة الإنسياب , وهي منبع اللغة الإنكليزية , فإن كان للأخيرة (شكسبيرها) , فللأولى (غوتهها) , وما (غوته) إلا الفرد المتميز من بين آلاف الشعراء والروائيين والكتاب الألمان , ولعل شاعرنا الساعدي , سهلت عليه الألمانية , لتعلمه اللغة الأنكليزية في وطنه الأم (العراق) , فاللغتان كما ذكرنا من أصل واحد , وتركيب لغوي واحد , ومع هذا كلـّه لم ينجرف إلى (إثم) التقليد والتجربة المعاصرة المغايرة !!  كأنما أراد أن يقول أنّ الأصالة العربية لا تقل عراقة من الجرمانية , بل أعمق منها , وأبدع ! 

شاعرنا الأصيل شعرأ وأصلاً , نشر في موقع النور خلال سنة واحدة منذ التاريخ أعلاه إلى اليوم ما يقارب خمس وخمسين قصيدة , أي بمعدل قصيدة في الأسبوع الواحد , ولكن هذه القصائد نظمت في فترات متباينة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي  حتى اليوم الحالي , ففي القصيدة  المذكورة آنفاً  (اقرعي الطبول ( , والتي يتشكل عقدها من ستة وعشرين بيتاً  من بحر (الرمل) التام , ضربها قد جاء سالماً (فاعلاتن) , وأحياناً أصابه زحاف (الخبن) , فأصبحت التفعيلة (فعَلاتن)  , وقافيتها متواترة ... فسيصكّ ُ سمعك اللحن الراقص , والنغم المغنى , وينتهي كل بيت بلفظ القافية المتواتر الهادئ المتعقل , فكأنما ينتهي بعد ثورته المنفعلة بـ (لا) المترددة , فالشاعر بين ثورة وردّة , تنافر وتجاذب , كبرياء ورضاء , وأنا  - والحق يقال - لست قاصداً نقد القصيدة , وإنـّما هدفي أنْ أأتي بإنموذج لشاعر قدير يقيم في غرب الدنيا , ويفقه لغة دنياه الجديدة بجدارة , وحافظ على شعره العمودي الأصيل بقدرة وإجادة , وإليك هذه الأبيات اللاهبة الراقصة الجذ ّابة :    اقرعي إنْ شئت ِللحرب ِطبـــولا*** املأي الدنيا صهيــــلاً وخيولا

لك ِ أنْ تنتقمــي أن تجعلــــي ****** مـا بنيناه ُ خرابـا ً وطــلولا

لك ِ ما شئْت ِ .. فكونـــي ثورة ً ****  وبراكيــن َ وريحـا ً وسيـولا

حرّري العفريت َ من أغلالـه ِ ***** افتحي قُمْقُمــه ُ حتّــى يصـولا

لا أخالك بحاجة أن أدلـّك  على التحدي الصارخ بأفعال أمر ٍ , ولا مبالاة بما تفعله انتقاما...هدماً ...ثورة...  وهذا التناسق البياني الراقص الرائع في صدر البيت الثاني , وتسلسل واوات العطف الرابطة بين قوافي الأبيات  ومعانيها , ومضامين حشوها بأعاريضها , فالأفكار المتعاقبة تتجسد في عضوية واحدة , وهكذا تستمر القصيدة في وحدتها المتماسكة حتى ختامها , وهذا دليل أكاد أنْ أدلك عليه للوصول إلى رقي النظم ليتلائم مع عصره :

طرَدَتْك ِ النفسُ من عالمِـــها *** قَبـل َ أن تعتزمي أنْتِ الرحيــلا

وُجْـــهة ُ الرحْلة ِ قد غيّرتها ****بَعْـد َ أن ْ فكّرتُ في الأمْر ِ قليلا

وإذا مـــا الريح ُ مالت ْ فجأة ً ***كان َ للزورق ِ حـق ٌّ أنْ يميـــلا

بقى إلى آخر رحلته يتماهى بزهو الشعراء , ولو أنه أعطى لنفسه , وربما لها , قليلاً من العذر , ومن يعذر لا يعذل , كما يقول ابن خلفة الحلي في بنده :

أهل تعلمُ أم لا

أنْ للحبًِ لذاذاتْ ؟

وقد يعذرُ لا يعذلُ

مَن فيه غراماً وحوى ماتْ

فذا مذهب أرباب الكمالات

فدع عنك من اللوم زخاريف  المقالات ...!!

لذلك حيرنا الشاعر الساعدي في بيته الختامي , هل الزورق قد مال بعد رحيلها شغفاً بها فتعلقا , أم حزناً عليها فتأرقا ؟!  سؤال يبقى لغزاً , جوابه عند صاحبه صاحبنا  !!

ولا أطيل عليك - يا صاحبي أنت القارئ  - سنعرج على قصيدته (صور من الريف) المنشورة في موقع (النور) نفسه بتاريخ ( 19 / 01 / 2013 م ) , وقد نظمها في فترة السبعينات أبان الطبيعة المتبرجة الهائمة قبل الحروب المتعرجة الهادمة , وقد غيّر الشاعر نهجه من وصف طبيعته الغناء المغردة إلى التشبيب بغانيته العذراء المعطرة , ومن  أنفاس ( ساكب روحه) محمد إقبال الخالدة إلى (ساكبة الزيت) على ناره لتأجيج شعلتها الخامدة , ويقرّ الرجل في أحد تعليقاته (النورية) عليها قائلاً :" إن من يقرا قصائدي القديمة ويقارنها بقصائدي الحديثة لا يصدق أنَّ ناظمها هو نفس الشاعر " , والحقيقة أنّ مسارب وصف الطبيعة تؤدي إلى رومانسية التشبيب بالحبيبة .

القصيدة التي نحن بصددها يتشكل عقدها من ثلاثة وعشرين بيتا من البحر البسيط التام المخبون  , وقافيتها المتراكبة بحركة كسرتها الشجية , فإليك منها :  ً   

النهرُ ساجٍ وصفْوُ الليـــلِ مُنتشـرٌ*** ينسـابُ فــي كلِّ شئ ٍ غايةَ َالبُعُـــد ِ

كأنما الليلُ إذْ يمتـــدُّ راهبـــــة ٌ ***** راحتْ مُفكّـــرة ً فـي معبد ِالأبــــد ِ

كأنَّ دُنيـا ً مِــنَ الإلهـام ِ قدْ فُتِحَـــتْ*** فراح َ دفّاقُهــا ينصبُّ مِنْ صُعُــــد ِ

فانزاح َ عنْ كُلِّ شـئ ٍ ما يُحجّبُـــهُ *** *وحُرّرتْ مُهْجَـة ٌ مِنْ ربْقة ِ العُقَــد ِ

كأنمــا النفــسُ إذْ حَلّــتْ سكينتُــها*** في عـالم ٍ بمعانــي اللطْف ِ مُحـْتشد ِ

تمازجـتْ في مداها كلُّ خاطـــرة ٍ ***** بخاطر ٍ أزلــيٍّ غيــر ِ ذي أمَـــــد ِ

لا الأمس تذكرُ منهُ مـا يُكدّرهــــا ****  ولا ترى حكمــة ً في حمْل ِهَمِّ غـدٍ

كما ترى مهّد من مطلع قصيدته غير المصرع بالخروج عن اجترار القديم  , بل تعدّى الدلالات اللغوية المألوفة , فمنح صفة السجو للنهر , وقد  جاء في القرآن الكريم : والضحى والليل إذا سجى  , ومعناه سكن ودام , وقال الفراء : إذا أظلم وركد في طوله كما يقال : بحر ساج وليل ساج إذا ركد وأظلم (6) , والشاعر أدرى بما ذهب إليه بدليل تفسيره للمفردة موجزاً , ونعت الليل بالصفو , والصفو من صفات الماء   فـ " الصفو والصفاء  , ممدود : نقيض الكدر صفا الشيء والشراب يصفو صفاء وصفوا... وصفوة كل شيء : خالصه من صفوة المال وصفوة الإخاء ...  وصفا الجو : لم تكن فيه لطخة غيم  , ويوم صاف وصفوان إذا كان صافي الشمس لا غيم فيه ولا كدر .." (7) , فإذن الشاعر كما يبدو لي هو الذي أراد لنفسه الصفاء من كدر القيل والقال , والركون إلى الخلوة والسكون في أمد غاية البعد , والانطواء في ذات الله , حتى سمح لخياله الخصب الملهم في تصوير بالغ الروعة بتشبيه الليل البهيم كراهبة متأملة في معبد الخلود السرمدي , ثم يواصل مسيرته الصوفية المشبعة بالتشبيهات والاستعارات ما بين إلهام وصعود وتدفق , وإزاحة حجب  , وإزالة عقد ...إلى أين يريد بنفسه الساعدي , قد قارب قاب قوسين أو أدنى  من اللطف الخفي ...!! لم يكتف بهذا العشق الصوفي  حتى يذوب امتزاجاً حلولياً بالمطلق الأزلي , فشاعرنا هو الآخر قد تأثر بفكرة حلول الحلاج الحسين بن منصور( قتل 309 هـ / 922م) إذ يقول :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ***نحن روحان حللنا بدنا

أدنيتني منك حتى *** ظننتُ أنّكً أنّي

ولكن لماذا هذا كلـّه ؟! , يجيبك البيت الأخير من المقطوعة المستقطعة :

 لا الأمس تذكرُ منهُ مـــا يُكدّرهـــا **** ولا ترى حكمــة ً في حمْل ِ هَمِّ غـدٍ

وهكذا أراه الآن قد استلهم روح المعري في بيته من قصيدته الخالدة عند رثاء صديق عمره أبي حمزة الفقيه :

تعبٌ كلـّها الحياة فما أعْـــــجب إلاّ من راغب ٍفي ازديادِ

أمّا بقية ما اخترنا من أبيات القصيدة , فلا تقل روعتها الإبداعية مما سبق , إليك الأصل , ومن بعده الفصل :

ومشـهد ٍ للمراعي راح َ يوقظـهــا ***مِنْ غفْوة ِ الظهْر ِلحْنُ الصادحِ الغَرِد ِ

والشمسُ تبعــث ُ مِنْ انوارهــا لُججـا ً**** زحّافة ً في امتـداد ٍ غيْر ذي أَوَدِ

والأرضُ مُخْضلّــة ٌ خضراءُ طافحـة ٌ *** بالطِيْـب ِترفــل ُ في أبرادها الجُـدِد ِ

والنهــرُ يبعـــثُ أنغـاما ً مُحبّبــة ً***  تسهــو بها النفسُ مِـــنْ هـمٍّ ومِن كَمَــد ِ

قـد أورد َ النفس َ دنيا ً غير َ عالمِها ***فتّــانة َ السحْر ِ لـَــمْ تُولـَـــدْ ولـَــمْ تَلِـد ِ

حتّـى إذا امتدَّ ظلٌّ واعتلى شفــــــقٌ *** *وغيّب َالشمس َ مجرى ثـمَّ لـَمْ تـَعُــــد ِ

ولاح َ في الأفْق ِ نجْــم ٌ جـِـدُّ مؤتلق ٍ *** ** وأوشك َ الدرب ُ أنْ يظلم َّ أوْ فـَقـَــد ِ

وراح َ راعي غنيمـات ٍ يجدُّ خُطـى **** سعْيـــا ً إلــى حيث ُ يلقى راحــة َالجَـسَد ِ

تغيّــرتْ صـورُ الأشياء ِ والتحفت ْ *****بُرْدا ً جـــديدا ً بما في الكون مِــن بُـــرُد ِ

وانســاب َ نورُ فوانيس ٍ مُعلّقـــة ٍ *** ** يُفاخرُ الشـُهْــب َ في الإشراق ِ عـَـنْ بُعُـد ِ

لوحة فنية لك أنْ تتمعن فيها هنيهة , قد تحسبها لليوناردو دافنشي أو فان كوخ أو بابلو بيكاسو سوى أنـّها ناطقة ...! شرع شاعرنا بالمراعي الغافية , والطيور الصادحة , فذكرني بأمير الشعراء وقوله :

صدّاح  يا ملك الكنــــــــــار ويا أميرَ البلبل ِ

قد فزتُ منك بمعبدٍ ورزقت قرب الموصلي

وأتيحَ لي داودَ مــــزماراً وحســـــــن ترتل

وفي البيتين الثالث والرابع قفزالساعدي  ليتخيل الأرض الغناء غانية هيفاء , معطـّرة بالأطياب , تتماهى بالأزياء , كعروس نجلاء ,  ووقف النهر متربصاً بها ليشدو لها أعذب  الألحان , والنفس الشاعرة الساهية في عجز البيت الرابع لم تكن سوى مراقبة لمشهد الطبيعة الفتان , كأنها سائحة في شوارع باريس وبرلين واليونان ..!! فبذور الرومانسية كامنة في نفس الشاعر من قبل , وستبقى من بعد.

والحق ربما أول شاعر عربي لفت الانتباه للعلاقة بين تبرج الطبيعة وتبرج الأنثى العبقري البغدادي ابن الرومي , اقرأ ما يلي :

ورياض ٍتخايلَ الأرض فيها *** خيلاءَ الفتاةِ في الأبرادِ

تبرّجت بعد حياءٍ وخفرْ *** تبرّج الأنثى تصدّتْ للذكرْ

لمنْ تستجدُّ الأرضُ بعدك زينة ً*** فتصبحُ في أثوابها تتبرّجُ ؟

إذا كان الساعدي قد لجأ للتشبيه الضمني , والآستعارة المكنية في بيتيه , فابن الرومي ذهب للتشبيه مؤكداً بحذف أداتي التشبيه في بيتيه الأول والثاني , وإلى الاستعارة المكنية في بيته الثالث , المهم تلاقت الرؤى والصور التخيلية لرسم اللوحات الشعرية الفنية .

 أطلنا المقام - يا سادتي يا كرام - فنرجع إلى المرام , فهل هذا الشعر الساعدي العربي الأصيل بأوزانه وقوافيه , وتأملاته النفسية , وصوره الإيحائية التخيّلية , ومراميه الصوفية الحلولية القناعية , وتسلسل أفكاره كوحدة عضوية , وتراقص أنغامه الموسيقية , إثم ما بعده إثم , , أم فنّ ٌ لا يضاهيه فن ؟ ! أين الإثم في الأصالة الحاضنة أم المغايرة التائهة ؟ ! نترك الأمر لمستقبل أهل الشأن , ولنا حاضرُ شأن ...!! 

         ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  (مجلة العربي) : العدد 242 ص 23 - الكويت .

(2) ( الشعر بين الرؤيا والتشكيل ) : الدكتور عبد العزيز مقالح - ص 12 - دار طلاس - دمشق .

(3) (نظرات في الأدب والنقد ) : عبد الرزاق البصير ص 96 - نقلاً من كتاب (من البيت إلى القصيد ) للدكتور عبد العزيز مقالح .

(4) ( الشعر بين الرؤيا والتشكيل) : ص 79 م. س .

(5) موقع (النور) : جميل حسين الساعدي (اقرعي الطبول) بتاريخ 31 / 01 / 2012 م .

http://www.alnoor.se/article.asp?id=140761   

(6 ) (لسان العرب ) :  ابن منظور - ج 14 - الصفحة 371 -   موقع مكتبة الشيعة .

لسان العرب)  :  ابن منظور - ج 8 - ص 257 -  2003 م  - دار صادر. ) ( 7 )  




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=27332
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16