• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نشر الفضيلة يحد من الرذيلة الجزء الثاني .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

نشر الفضيلة يحد من الرذيلة الجزء الثاني

تفاخرَ أحد الأثرياء يوما أمام أحد العرفاء الذي كان يسكن في بيت متواضع وقال له بغرور: بنيتُ قصرا
فخما له عدة أبواب، زَينتُه بتحف نادرة وأحطتُه بأشجار مثمرة. فماذا بنيتَ أنت ؟ أجابه العارف : بنيتُ هذا وأشار إلى ولده ، زادُه التقوى وزينتٌه محاربة الهوى ، سلاحُه الدعاء ورأسُ مالِهِ الرجاء. تختلفُ عقائد وأفكار البنائين إختلافا كبيرا، فالعارف يهتم ببناء بيتٍ مكتوبٌ على بابه " أدخُلوها بسلامٍ آمنين " والثري المتفاخر يهتم ببناء بيت مكتوب على بابه " كلُّ مَن عليها فانٍ ".
نُسرُ ونفرح حينما نقرأ ونسمع من يذكرنا بذلك البيت السعيد غدا ولكن لا نجهد أنفسنا ببنائه ونظن أننا سنحصل عليه بالتمني : اللهم أرزقنا ذلك ، بَيْد أننا نتابع بإهتمام  يوميا أسعار الصلب والحديد والأسمنت والآجر لبناء بيت نسكنه بعض الوقت ونهمل للأسف الشديد السعي  لبناء ذلك البيت السعيد الدائم. أن المواد الأولية والأساسية لبناء ذلك البيت هي التقوى ونكران الأنا  والزهد والتواضع والصبرعلى صروف الدهر وإفشاء التحية والسلام وحب الخير للآخرين وعدم تمني زوال نعمة الغير والقناعة برزق الله وشكر الخالق سبحانه على نعمه ظاهرة وباطنة. تماما كالبيت الذي نبنيه هنا في هذه العاجلة ،  شحة مواد البناء وإنعدام وسيلة نقلها ـ الصلاة ـ  يؤخر من تشييد ذلك البيت في تلك العاجلة. نجهد أنفسنا كثيرا  ونحرص أشد الحرص على أن يكون بيتنا الدنيوي ممييزا وفخما ورائعا ولكننا لانسعى بجد لجمع مواد بناء أسس ودعائم ذلك البيت الدائم. لم تكتف زوجة فرعون الذي طغى آسية بنت مزاحم بأن يرزقها الله تعالى بيتا في الجنّة. بل طلبت من الله " ربِّ إبني لي  عندك  بيتا في الجنّة". نقرأ  يوميا هذا المقطع من زيارة عاشوراء " اللهم أرزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدقٍ عندك  مع الحسين وأصحاب الحسين...". منزل بهذا لقرب من الله تعالى يكلف أطنان الحسنات ولكن أيدينا من الحسنات صفرات. ندّعي التدين ونتظاهر به ولكننا لم نتخلص بعد من الأفكار السلبية في رؤوسنا والتي تنعكس على تصرفاتنا وسلوكياتنا. جُلُ المتدينين وأنا أولهم ، لم يكونوا مثالا رائعا في المجتمع. نهتم كثرا بالمظاهر الأيمانية ، نحفظ الكثير من الأحاديث والأقوال والحِكم والأمثال ولكننا نفقد صوابنا إن إختلف زيد معنا أو عمر. نكتب ونتكلم عن الحقوق والواجبات ولكننا نبخس الناس أشياءهم. نكتب هنا " نشر الفضيلة يحد من الرذيلة ـ ولكننا لانغرسها في نفوسنا. كيف ننشرها ؟ بالكتابة  هنا لتبقى عدة ساعات وبعدها تحوّل إلى الأرشيف، تلحق أخواتها اللائي سبقنها ؟؟ نتمسك بأرائنا ولا نتقبل الرأي الآخر وإن كان ذلك صحيحا. نحيط أنفسنا بهالة القداسة ولا نواجهها ونتفحصها كما نتفحص عثرات الآخرين. نتكلم عن صلة الأرحام  ولكننا لم نتفقدهم إن طال غيابهم. نترك الواجبات ونتظاهر بالمستحبات. ثلاثون عاما نحضر دعاء كميل ولكننا لم نطبق فقرة واحدة من هذا الدعاء الشريف. 
 
حوار قصير :
كانت إحدى الفضائيات المباركة تنقل على الهواء مباشرة مراسيم دعاء كميل من العتبة الحسينية المطهرة. لفت نظري جلوس خادمتكم رقية ـ ثمان سنوات ـ  وهي تحبو شيئا فشيئا بإتجاه شاشة التلفاز. كنت حينها أمتع ناظريّ بمطالعة ردود وتعليقات السيد الحجة الورع السيد سعيد العذاري  والمولى العارف السيد علاء الجوادي. أنهل من معين هذين الأستاذين والسيدين المباركين وأمثالهما من الأخوة والاخوات. توقفت قليلا لأتابع شأن رقية وتفاعلها مع تلك المشاهد الرائعة واللقطات الجميلة من داخل العتبة الحسينية المطهرة. جلست بالقرب منها وكلمتها : لقد إقتربت كثيرا من الشاشة ، إن الأشعة المنبعثة من الشاشة تؤثر على عينيك أيتها العزيزة. رفعت رأسها وواصلت زحفها إلى أن وضعت يديها على الشاشة تلتمسها وقالت : أنت تقول هذا ياسيدنا. هذه ليست أشعة ، هذا نور يشفي العيون. نسيتَ أيها الوالد حينما ذهبت قبل عدة أشهر لزيارة الحسين عليه السلام وداويت عينيك بالتراب العالق بأقدام أحد الزائرين عند ضريحه الشريف. قلت أجل ياعزيزتي لم أنكر ذلك. إستوت رقية قائمة وأخذت بيدي ووضعتها على الشاشة وقالت : أريد أن أكون هنا مع هؤلاء الزوار وأعدك بأني سأدعو لمن أحببت. اريد أن ألتمس ضريح الحسين الطاهر واسجل إسمي عند الله مع الزائرين. ببركة هذه الطفلة المشتاقة إلى زيارة الحسين عليه السلام ، يسّر الله الذهاب إلى الحبيبة كربلاء. بقيت أسبوعا فيها أنتظر ليلة الجمعة  لأتشرف أنا وصغيرتي بحضور دعاء كميل عند الحسين عليه السلام. بعد إنتهاء الدعاء كلمتني رقية بلغة أجنبية وطلبت مني أن أفسر لها معاني بعض الكلمات التي وردت في الدعاء الشريف. سمعها أحد الجالسين قربنا فبادرني : أنتم من الخارج. قلت نعم ونتهيأ للعودة بإذن الله تعالى. قال : لماذا تعودون هل شبعتم من فنادق خمس نجوم. قلت أيها السيد المحترم سأقولها لأول مرّة : كنا نحمل همومكم فلقد تغربنا من أجلكم جميعا. لقد مرت علينا أيام وليالي لا نحسد عليها. ستندم كثيرا على قولك هذا وكنت أعني سيندم على تسرعه حين يعرف أننا من البسطاء ولسنا من الأمراء ، كنا ولا زلنا لاننام على سرير وإن كان متواضعا ولكنه فهمها بالمعنى المتوارث عندنا. قال مّن أنت حتى تقول هذا. قلت أنا أحد المسؤلين وكنت أقصد " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته " لكن السيد المحترم فهمها غير ذلك فقال: عذرا لك لم أنتبه لزلة لساني. قلت أيها العزيز خشيتَ المسؤول ولم تخشَ المَلِك. إستحيتَ من العبد ولم تستحِ من المولى. تملقت للفقير الذليل ولم تتملق للغني العزيز. خفت بلاء الدنيا ولم تخف بلاء الآخرة وكنا قبل قليل نردد :" على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه يسير بقاؤه فصير مدته فكيف إحتمالي لبلاء الآخرة وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أن ذلك بلاء ومكروه تطول مدته ويطول مقامه ولا يخفف عن أهله...". أيها لسيد المحترم إن البهتان إرثٌ سيء علينا التخلص منه عاجلا مادام هناك بعض الوقت. أجل بعض الوقت وليس المزيد من الوقت. إن حبنا لبعضنا يوجب علينا أن نتدارس أحوالنا كي نسموا بأنفسنا ونترفع عن الصغائر والضغائن.
أبعدَ شيبي تبتغي عندي الأدبا :
كتبَ السيد الجليل الفاضل جمال الطالقاني مقالا أخلاقيا تحدث فيه عن أخلاق بعض  بناتنا وأخواتنا الطالبات في الجامعات والمعاهد في العراق. أقول لجناب العزيز السيد جمال الطالقاني ان هذه مسؤولية الجميع في إشاعة ونشر الفضيلة بين مختلف شرائح المجتمع. البرنامج التربوي الأسلامي يبدأ برعاية الطفل وهوجنين في بطن أمه. هذا ماقلته لأحد التربوين الأجانب حينما حدثني عن برامجهم التربوية والتي تبدأ من مرحلة الحضانة. برامجنا للأسف الشديد معطلة عندنا ومفعلة عند سوانا. نتفاخر بتاريخنا ولانتعلم منه شيئا. نلهوا ولا نعتبر، نشكوا ولا نشكر.
 
العالِم العارف :
دُعي أحد العارفين إلى مأدبة  حضرها مجموعة من الشباب فبدأ يذكرهم بشكر نِعم الله تعالى وأن النِعم إنما تدوم بشكر المنعم المتفضل وأن نِعم الله الحنان المنان لاتُعد ولاتحصى كما أن هناك نِعمٌ ظاهرة ونِعم باطنة. أخذ العالم يذكرهم بجليل النعم الواحدة تلو الأخرى. أكل الجميع مما قسم الله تعالى فلّما شبعوا جميعا توجه صاحب البيت إلى الشيخ وطلب منه أن يتفضل بالدعاء فرفع الشيخ الجليل يديه وقال : اللهم أطعمت فأشبعت ، لك الحمد ولك الشكر وأخذ يشكر الله ويحمده على نعمائه  فقال له صاحب البيت : أدعو لي أيها الشيخ جزاك الله خيرا فقال الشيخ العارف ـ وأراد أن يبّن للرجل ما خفي عنه ـ : أسأل الله أن هذا الطعام الذي أكلتَه بيسر أن يخرج منك بيسر. إمتعض الرجل إمتعاضا شديدا من دعاء الشيخ وقال : ما دعوتَ لي إلاّ بهذا وأخذ يهزأ بدعاء الشيخ الجليل ويسخرمنه فقال له الشيخ حسنا ، أسألُ الله تعالى أن لايخرج منك ذلك الطعام بيسر. إنصرف الشيخ وقد إستجاب الله دعوته. بعد ساعات بدأ الرجل يشعر بألم شديد في معدته ولم تجديه نفعا كل محاولات التخلص من الإمساك وأوشك على الهلاك  ولكنه  تذكر دعاء الشيخ فاسرع إليه قائلا : لقد كنتَ مصيبا وكنتُ جاهلا. أدعو لي بذلك الدعاء الذي يسهل عليّ أمري فدعا له الشيخ بذلك وقال له : إيّاك أن تنسى نعم الله تعالى. ربما تكون هذه من قصص الوعظ  ولكن المهم فيها هو التذكير بنعم الله تعالى. كم وددت أن اكون ملازما لذلك الشيخ ليذكرني بنعم الله التي أجحدها بكرة وعشيا.
 
لانحب الواعظين :
 زار أحد المراكز الأسلامية هنا أحد العلماء الأفاضل وكان رجلا ورعا وزاهدا. في اليوم الأول حضر المجلس عدد كبير من المؤمنين فتعرض الشيخ للوعظ والأرشاد وطلب من الحاضرين أن يكونوا مثالا رائعا في المجتمع ـ أيّ مجتمع ـ  وسفراء لدينهم وقيمهم أينما وجدوا وأن يتحلوا بمكارم الأخلاق التي بُعث نبينا ـ ص ـ لأتمامها. في اليوم الثاني لم يحضر المجلس سوى بضعة أنفار.
تواضع الأغنياء وعدم الأستهانة بالدعاء ومراقبة الأولاد والأعتناء بهم  وغير ذلك  من  القيم والأخلاق يمهد لبناء فرد فاضل يكون غدا أحد أعمدة بناء أسرة محترمة  قائمة على الحب  والتفاهم والعدل والمساواة  تنجب أولادا صالحين نافعين. أرجو من القاريء الكريم أن لايشم رائحة الوعظ من كلامنا هذا فما أحوجني ـ أنا العبد الفقير إلى مولاه الغني العزيزـ  للوعظ والنصيحة. إننا نتكاشف ونتصارح ونأمل أن نصل في النتيجة إلى تدارك هفواتنا وإصلاح أنفسنا ونستعين بالله سبحانه على ذلك. نسأل الله تعالى العافية للجميع.


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي من : السويد ، بعنوان : نسالم الدعاء في 2011/01/22 .

الأستاذ الفاضل مهند البراك المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر مروركم الكريم وتعليقك الرائع.
أسأل الله تعالى أن يريكم بالحسين وأهل بيته السرور والفرج وأن يرزقكم شفاعته يوم الورود.
دمتم مسددين

تحياتنا ودعواتنا

محمد جعفر

• (2) - كتب : مهند البراك من : العراق - كربلاء ، بعنوان : السلام على الحسين في 2011/01/21 .

السيد الجليل محمد جعفر الكيشوان
وانا اقرأ مقالاتكم انتابني شعور غريب وكأني جالس معكم في رحاب الامام الحسين عليه السلام
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
وعلى الارواح التي حلت بفنائه واناخت برحله



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2730
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28