• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : وهوى الآخر .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

وهوى الآخر


    ثنائيّ عُرف دائمًا باسمٍ واحد: "الأخَوان رحباني". وقد غيّر هذا الثنائيّ التاريخ الفنّي اللبنانيّ والعربيّ. فصارت الموسيقى والكلمة والمسرح مدرسة لبنانيّة رحبانيّة، طعّمت العالم الفنيّ بخصوصيّة لافتة ومؤثّرة.
    عاصي ومنصور الرحباني، اسمان كبيران. بل أكبر من أن يستوعبهما وطن. إنّهما راحا في العمل الفنيّ إلى حيث لا يتوقّف زمان ولا يحدّ مكان. وكان لهما عالم من الزمان يروح في التاريخ، حيث لا يعرف بداية، ويحاكي الآتي حيثُ لن ينتهي. أمّا المكان فلا يهمّ. المهمّ حيث يعيش إنسان بكرامة وفق القيم والمبادئ، حيث السياسة في خدمة المواطن، والمال غاية رخيصة، تُبذل في سبيل أمجادٍ إنسانيّة نبيلة.
    أيّ لبنان، بل قلْ أيّ وطنٍ يمكنه احتضان تفتّحات فكريّة لامعة تحمل توقيع الأخوين رحباني. إنّ مرسَلتهم كبيرة، تُفهم أكيد، لكنّها ولو آمَنَا أنّها تحقّق، أين منها النفوس الآخذة بحالها؟
    الأخوان رحبانيّ، سقط عاصي منهما. وقد عصى على الدنيا لمعان إبداعيّته، ليتركَ المسيرة إرثاً في عنق الذي، ولو تابع وحيدًا، فإنّ توقيع "منصور الرّحباني" لم يعنِه يومًا وحده. كان يعني وسيظلّ: الأخوان الرحباني. عقدان من الزمن والأخوان الرحباني يتابعان في منصور عالم الوحي والإبداع، متجذرًا في التاريخ، ممتدًّا نحو الغد الذي يصارع الواقع، في حلٍّ لا يليه ترحال.
    منصور، عرّاب الفنّ اللبناني الأصيل، البطريرك الرحباني الذي يملأ الرحاب العائليّة حبًّا وخبرةً وفيضَ عطاء، يبارك السلالة أخًا وأبناء وأولادَ أخوة، وفنّاني الدوحة الرحبانيّة، عاقًد عليهم جميعًا أملاً خالصًا بنموّ البذار وتكملة المسار، شهادةً حيّة لرسالةٍ أرساها وعاصي، قلعةً عاصية على الرياح الهدّامة، من مسمّى فنّ لا أساسَ له ولا أصول.
    واليوم، هوى الآخر. مات منصور، الأخ الرحباني الآخر. لكنّ المدرسة الرحبانيّة لا تموت. الفنّ الرحبانيّ لا يفنى. "الأخَوان الرحباني" أرزة لبنانيّة شامخة فوق الوطن. هي إكليل مجده وتاج خلوده. هوى الآخر صعودًا، يلاقي في الأزل شقيقًا، ليشتركا في سمفونيّة رحبانيّة، سماويّة هذه المرّة، انضمامًا إلى الأجواق الملائكيّة المرنّمة العزّة الإلهيّة بأوتارٍ لبنانيّة شرقيّة، يسبّح فيها عالمُ البقاء سيّدًا، اختار الشرقَ مرتعًا أرضيًّا لسكناه، ولبنان تجلّيًا لمجده الإلهيّ. 
    اليوم، لبنان الحلو لحنًا وشعرًا ، يحاكي الله في جواره. لبنان القيم والفنّ، أنغامٌ في مسامع الخالق، تطلق أنشوداتٍ طالما أطربت آذانًا وقرّبت قلوبًا. اليوم، عمالقة الموسيقى والأدب يهتفون من عليائهم أناشيدَ معزوفةً على آلات العشق الفينيقيّ، وطنًا حدوده المدى، تاريخه الأبد. وطنًا زرعوا فيه أبناءَ وأحفادًا، بل فنّانين لا يعرفون لحبّهم ختاما. يُنشدون وطنًا يرافقهم إلى اللامنتهى. هم أعمدته، قِيَمهم دستوره، ومواطنوه يُحاكون البقاء، حيث الزوال لا يطال إلاّ شوائبَ تذوب.
   هناك منصور، نستودعك اليوم "ساكن العالي". نستحضركَ كلّما فكّرنا وطنيًّا وعشنا لبنانيًّا. نعود إليكَ كلما غرفنا من ثقافتنا الشرقيّة. في كلّ هذه نكون في حضرتكَ، أكيدين من نوالنا المبتغى الراقي.

                                                     
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26890
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29