• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النجف مدينة الأحياء .
                          • الكاتب : هادي جلو مرعي .

النجف مدينة الأحياء

هكذا هو معنى النجف في الذاكرة الجمعية ،مدينة للأموات، والذين يبحثون عن شفاعة علي بن أبي طالب في يوم الحساب ،وليس من معنى أعمق من ذلك،وسواء كانت المدارس الدينية وأكابر العلماء فيها ،أو كانت مهدا للثورات على مدى التاريخ السياسي الحديث للعراق، والشهرة الواسعة التي حظيت بها على مدى عدة قرون مضت من عمر الزمن بوجود مرقد الإمام علي بن أبي طالب ،فإنها مثلت على الدوام عنوانا للرحيل عن هذه الدنيا التي يتعلم فيها المسلم بسبب سياسة التسطيح التي تمارس معه ثقافة الموت والمضي، فلايعود قادرا على النظر الى الحياة إلا بعدها محطة إستراحة على جانب طريق ممل وطويل الى الموت والفناء ،وهكذا هي حوادث الدهر معه عبر تاريخه الممل والكئيب .

تعرفت إليها من أيام الصغر الأولى، وكيف تكون حافلة بالحزن والتوسل والبكائيات في فترة شهدت صداما بين السلطات الحاكمة والعلماء والناس المتمردين على الظلم والجبروت وسياسة القمع المنظم .كانت المقبرة ضاجة بالعويل تصطف فيها القبور دون حساب ،وفي الثمانينيات من القرن الماضي إشتعلت الحرب مع إيران، وبدأت الجنائز تتوالى على المقبرة حتى إتسعت جهة الصحراء من كل ناحية ولثمانية أعوام كاملة، هذا عدا عن الأموات الذين يؤتى بهم ليطاف بجنائزهم حول الضريح المقدس ،ثم يواروا الثرى، فصارت أعداد القبور تربو على الحصر.

كانت الحرب على الكويت التي تلت الحرب مع إيران سببا لتكاثر القبور،كان ذلك مطلع العقد التاسع من  القرن البائد،وتوالت سني الحصار الأمريكي ،وتوالى معها قدوم الجنائز بسبب الموت جوعا ومرضا ، وحوادث تعددت أسبابها ،وكانت نتيجتها على الدوام واحدة ،وهي مواراة الجثث تحت الثرى المقدس عند معتنقي المذهب الشيعي العريق ،كنت أقرأ كلمات رصفت بطريقة جنائزية على أغلب القبور .

ياقارئ كتابي........إبك على شبابي

بالأمس كنت حيا...واليوم تحت التراب

شواهد القبور كانت دليلا لمعرفة من يرقد فيها ،الإسم واللقب، وتاريخ الموت مرضا أو قتلا نوكانت النساء الباكيات يجتمعن ليبكين إبنا او زوجا أو اخا مضت به المنون الى عالم بعيد يصعب كشف مافيه من أسرار،ربما لم تكن أمي وهي تبكي جدتي وجدي وخالي تعلم إن السنين حين تمضي ستطوي معها الذكريات بإنتظار راحلين جدد ،بينما المقبرة تتسع وتمتد وتغيب فيها الأرواح والرسوم والعناوين والدموع التي تشربها رمال الصحراء،وكان البحر الجاف بعيدا للغاية ومقلقا ومثيرا للهواجس.

كنت أتمنى لو أن الأمور تتغير الى شكل آخر غير الذي تعودته ،وبقيت بعيدا عن المدينة لفترة طويلة أزورها من حين الى آخر ،ووجدتها اليوم مختلفة فهناك مبان ضخمة، وطرق حديثة، ومداخل عديدة وأشكال من العمارة والجسور ومدن الألعاب والأسواق العامرة، ومشاريع عمرانية تتناثر في أكثر من مكان من المدينة المحاصرة بالقبور والصحراء،وأعجبني كثيرا منظر المقبرة المحاطة بجدران جميلة ومحطات الوقود الفارهة ،وملعب جديد رائع يضاهي ماموجود في بقية البلدان يكاد أن يتألق برغم إنه يكتمل بعد ،وقاعات رياضية ،وشوارع تمتد على جانبيها أشجار لم تكن في بلاد الرافدين من قبل، وحدائق زهور، وأشياء أخرى.

هي مدينة للأحياء أيضا.


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2013/01/19 .

الكاتب المتألق الأستاذ هادي جلو مرعي دامت توفيقاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصف محتصر رائع وجميل لمدينة النجف الأشرف.
ربما تأخرت مدينة النجف في إعمار الطرق ومد الجسور وبناء مدن الألعاب الترفيهية ولكنها كانت الرائدة في إعمار القلوب ومد جسور الأخوة والمحبة والتسامح.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لخدمة هذا البلد الطيب وإعماره ورقيه لينال العراقي قسطا من الراحة يوما ما.
دمتم لنصرة الحق وأهله.

تحياتنا ودعواتنا

الأقل

محمد جعفر الكيشوان الموسوي


شكرنا الجزيل للإدارة الموفقة للموقع المبارك .





  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26540
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29