• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ألوضع في الحديث من أسباب فرقة ألمسلمين .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

ألوضع في الحديث من أسباب فرقة ألمسلمين

من معاول الهدم في الاسلام ، الوضع في الحديث ، وبدأ الوضع منذ ولادة الاسلام الاولى ، فقد أُستخدم كسلاح لتشويه صورة الاسلام الناصعة ، ووسيلة لتزييفه وانحرافة عن خط المسار الطبيعي الذي اراده الله تعالى لخاتم الاديان ، وأتخذ وسيلة لزعزعة الايمان في النفوس ، من قبل أعداء ألدين ، فالوضع في الحديث سلاح ناجح للهدم ، لذا لجأ اليه أعداء ألأسلام منذ فجر الاسلام الاول ، أذ جاء الوضع من خلال الكذب على الرسول الاكرم ( ص ) في حياته ، وقد تنبه النبي  (ص ) لهذا الخطر الكبير لذا قال :

(( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) .

وقد كُذب على الرسول في حياته وبعد وفاته ، ولأهمية الحديث النبوي باعتباره المصدر الثاني للتشريع في الاسلام ، أزداد ألأهتمام بالحديث من قبل المسلمين ، وأزداد الأهتمام من قبل الوضاعين ايضا ، وازداد الوضع في الحديث بعد وفاة الرسول ( ص ) خاصة ، وقد أكد الامام علي ( ع ) الكذب على الرسول في حياته ، وبعد وفاته ، وقد روي عنه في أصول الكافي للكليني قوله : (( قد كُذِبَ على رسول الله - (ص) - على عهده حتى قام خطيباً فقال : أيها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فَمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار . ثم كُذبَ عليه من بعده )) .

قول الرسول ( ص )  يوحي بالخطر الذي شعر به على الاسلام بسبب الكذب عليه ، وقد أكد الامام علي ( ع ) ان الكذب على الرسول موجود في حياته ، واستمر بعد وفاته ، وقد تعاظم الكذب على الرسول ( ص ) خاصة في العهدين الاموي والعباسي  لأغراض شتى ، اهمها الغرض السياسي .

الوضع في الحديث جاء من أتجاهين ، الاول : من أعداء الاسلام الذين لا يمتون بصلة اليه ، كأن يكونوا من ديانة أخرى ، وغرض هؤلاء هدم أسس الدين الاسلامي، وهؤلاء مشخصون تقريباً ، لهذا تأثيرهم كان ضعيفاً ، والاتجاه الثاني : وهو الأشد خطورة ، لأنه جاء من المسلمين أنفسهم ، لأسباب ودوافع شتى ، وهذا الاتجاه هو الذي حذر منه الرسول الاكرم ( ص ) ، وحذر منه الأئمة الاطهار ( ع ) ، وقبل أنْ نتطرق الى أسباب الوضع في الحديث من قبل المسلمين ، والتي سببت الفرقة والنزاع والعداء والكراهية بينهم في كثير من الأحيان ، لابد أن نشير الى أنّ الاختلاف شئ والفرقة شئ آخر ، الاختلاف أمر أيجابي ، لكن الفرقة والتنازع أمر سلبي ، الاختلاف يعني التنوع في الفهم والاجتهاد ، أذ لا يمكن أن تكون الامة على لون واحد أو مذهب واحد ، الاختلاف حالة طبيعية للجنس البشري ، ينتج من تنوع الافهام ، لكن الأدعاء بالفهم الأوحد والعقل الاوحد والفكر الاوحد ، هو الخطر ، والخطأ الكبير ، أدعاء التفرد في الفهم والعقل والصحة والفكر هو الذي يولد الفرقة والنزاع ، ويقود الى الانغلاق والجمود في الفكر، وينتج التخلف والعزلة والتعصب الاعمى ، والشعور بامتلاك الحقيقة للفهم والفكر الاوحد فحسب ،  والاخرون كلهم على خطأ وباطل ، هذه هي الانحصارية ، وهي عكس ما يريد الله لنا من التنوع ، قال تعالى : (( ... ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )) 48 سورة المائدة .

الاختلاف حقيقة موجودة ، وهو حالة أيجابية في المجتمع ، أذ طبيعة التكوين الانساني هو التنوع في الفكر والفهم ، هكذا خلقنا الله تعالى ، لا يمكن أن نكون بلون واحد فكرا وفهما ، هذه أرادة الله تعالى وحكمته ، لا يدعي أحد أحتكار الحق والحقيقة  الله هوالحكم  يوم الجزاء ، وهو الاعلم بنوايانا ، يعاملنا بعدله ورحمته وفق ما نحمل من نوايا ، وقد أكد الرسول الاعظم  (ص ) حقيقة الاختلاف ، وأقرّ بوجوده ، بل أعتبره رحمة للأمة (( أختلاف أمتي رحمة )) .

نستوحي من الحديث الشريف أنّ اختلاف الامة أي تنوعها الى مذاهب رحمة ، لأن في الاختلاف تنشيط للفكر ، وتحفيز للأبداع  والتنوع ، وباب مفتوح للعقل بأن يتحرك في أتجاهات وأجتهادات منوعة حسب مستوى حركة العقل ، والاختلاف يفرض علينا أحترام قناعات الاخرين ، ويفرض على الاخرين ايضا أحترام قناعاتنا، والحديث الشريف يتنبأ بما ستكون عليه الامة في المستقبل من مذاهب وطوائف ، وهذه حالة أيجابية لأن فيها دفع للعقل والفكر بأتجاه التقدم الى الامام ، وفي الحديث دلالة ضمنية بأن الاختلاف والتنوع حالة أيجابية ، وأن الحق واحد ، لكن طرق الوصول اليه متعددة ، هكذا شاءت الحكمة الآلهية .

هناك فرق بين الاختلاف وهو التنوع ، وبين الخلاف الذي هو الفرقة والتنازع والتسقيط والحقد والكراهية ، ومن أسبابه بين المسلمين ، الوضع في الحديث ، الذي بدأ من عهد الرسول الاعظم ( ص ) ، وتعاظم بعد وفاته ، ولم يسلم مذهب من المذاهب من الوضع في الحديث ، عليه لا يمكن أنْ يتخيل البعض من أصحاب المذاهب ، انهم الصح وغيرهم الخطأ ، وللوضع في الحديث أسباب ودوافع ، سنتطرق الى بعضها ، ونترك الامر الى المختصين كي يخطوا خطوة جريئة لغربلة الأحاديث الصحيحة من غيرها ، وفق المعايير الفنية من جهة ، ومطابقة متن الحديث مع القرآن ، والعقل السليم من جهة أخرى ، وما خالف ذلك نلجأ الى أسقاط الحديث ، او تأويله بما يتناسب والمفاهيم القرآنية ، ومعيار العقل السليم ، حتى لوكان سنده في نظر المختصين صحيحا ، أذ يحتمل أنّ متن الحديث قد حصل فيه أشتباه او نسيان غير مقصود او تزوير وتحريف مقصود ، كأن  يُدس في سلسلة  المحدثين الصادقين بطريقة من الطرق ، من أجل أنْ يسمحوا للحديث الموضوع بالقبول عند التابعين الذين يثقون برجال السلسة التي تنقل الحديث المتعارض مع رسالة القرآن ، ومتقاطع مع متطلبات العقل السليم .

الوضع في الحديث أمر خطير ، له نتائج خطيرة تسببت في النزاعات ، وأشعال نار الفتنة بين المسلمين ، وجميع المذاهب الاسلامية أصيبت بداء الوضع في الحديث ، لكن دوافع الوضع تختلف من مذهب لأخر ، نذكر جملة من دوافع الوضع ، لغرض التنبيه ، وأخذ الحيطة والحذر ، ونترك أمر تدقيق الاحاديث سندا ومتنا لذوي الاختصاص ، وفي ذلك خدمة كبيرة لعموم المسلمين ، وخدمة كبيرة للأسلام للحفاظ على أصالته ونقاوته .

من دوافع الوضع في الحديث التقرب الى السلطان ، والتملق له لنيل الرضا او المكافئة منه ، او الحظوة عنده ، وهذا النوع من الوضع أنتشر بشكل كبير في العهدين الاموي والعباسي ، والشواهد على ذلك كثيرة ، منها رواية الخطيب البغدادي في كتابه ( تأريخ بغداد ) أنّ  ابا البختري دخل على هارون الرشيد وهو أحد القضاة عند الخليفة العباسي ، فوجده يلعب مع الحمام ، فسأل الرشيد أبا البختري عن وجود حديث في هذا الباب ، فأجاب ابو البختري فورا : (( حدثني هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة ، أنّ النبي كان يطيّر الحمام )) ، ورغم أنّ ألرشيد وغيره من الخلفاء هم من شجع على هذا اللون من الكذب على الرسول ( ص ) ، ألا أنه أمتعض من سرعة تلفيقه لهذا الحديث فطرده على الفور ، حتى قال عنه : (( لو لم يكن هذا الرجل من قريش لأمرت بطرده من القضاء )) . 

هذا نموذج من الوضع في الحديث تقربا للسلطان ، وجواب الرشيد يوحي برائحة العنصرية العشائرية ، وفي تقديري أنّ الرشيد لو لم يعرف أبا البختري  أنه من المختصين بالكذب على الرسول لما سأله هذا السؤال ، وكذلك لو لم يعرف أبو البختري أنّ هارون الرشيد من المستقبلين والمسوقين للكذب على الرسول لما أجابه بهذه السرعة ، فالرشيد وابو البختري كلاهما من مروجي بضاعة الكذب على الرسول ( ص ) ، أحدهما بائع والاخر مشترٍ ، ومن أمثال ابي البختري يوجد الكثير في التأريخ الاسلامي .

فكما أنّ الرسول ( ص ) لم يسلم من الكذب ، كذلك أهل بيته الطاهرين من الأئمة المعصومين ( ع ) لم يسلموا أيضا ، روي عن الامام الصادق ( ع ) أنه قال :

للفيض بن المختار (( يا فيض ، أنّ الناس أولعوا بالكذب علينا كأن الله أفترضه عليهم لا يريد منهم غيره ، وأني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وأنما يطلبون به الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا )) .

نستوحي من قول الامام الصادق ( ع ) أموراً منها ، أنّ من أبتلاءات الأئمة الاطهار(ع) ، الكذب عليهم من خلال وضع أحاديث تنسب أليهم ، وهي من أختراع الكذّابين ، الذين يخترعون الأحاديث بدوافع شتى ، ونستوحي من قوله أيضا ، أنّ القول المنسوب للأمام قد يكون صحيحا ، لكنه يؤول بغير معناه ، ويحمّل من المعاني التي لا تمت بصلة الى ما يريد الامام توصليه الى الناس ، وفي هذا أيضاً تشويه لكلام الامام ، روي عن محمد بن مارد في أصول الكافي للكليني أنه قال : (( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حديث روي لنا أنك قلت : أذا عرفت فاعمل ما شئت ! فقال قد قلت ذلك ، قال : قلت : وأن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر ؟ فقال لي : أنا لله وأنا اليه راجعون ، والله ما أنصفونا أنْ نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم ، قلت : أذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فأنه يقبل منك )) .

ومن دوافع الوضع في الحديث على الأئمة الاطهار ( ع ) ، الغلو في حبهم ، أوالبغض لهم ، أعداء الأئمة الاطهار يكذبون عليهم بسبب ما يحملون من حقد عليهم ومحبوهم يكذبون عليهم ايضا ردّاً على أحاديث أعدائهم ، أو من فرط حبهم للأئمة الاطهار ( ع ) ، فينسبون اليهم من الاقوال والافعال ما لا يرضاه الائمة الاطهار ، روى الشيخ الصدوق في كتابه (( عيون أخبار الرضا )) عن الأمام الرضا ( ع ) قوله لأبراهيم بن أبي محمود :

(( أنّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام : أحدها الغلو ، وثانيها التقصيرفي أمرنا ، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا ، فأذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا ، وأذا سمعوا التقصير أعتقدوه فينا ، وأذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا  بأسمائنا وقد قال الله عز وجل : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )) 108 ، الانعام  .

هذه الدوافع الثلاث خطرة جداً ، خاصة الغلو الذي يدعو المختلفين لألصاق الكفر بالقائلين به ، والغلو هو تجاوز الحد ، ومنه الغلو في الدين الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه المجيد:(( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق... )) المائدة ، 77 وقوله تعالى : (( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق ...)) النساء ، 171 ، والسب منهي عنه أيضا ، لأنّ من تسبه فقد يسبك ، والله تعالى نهى عن السب ، والاحاديث أو الأقوال التي تدعو الى السب تدور حولها الشبهات او التهم، منها أنها موضوعة لغرض زرع الفتنة ، وأشاعة روح الكراهية بين السائرين بمنهج السب من أي طرف كان ، أما التقصير الذي اشار اليه الامام الرضا (ع ) ، فهو أنْ لا نعطي للأمام مكانته واستحقاقه كأمام واجب الطاعة ، ومفروض الطاعة من الله تعالى ، ومثل هذه الأحاديث قليلة أذا ما قيست بعدد الأحاديث الموضوعة في الغلو ، او اللعن والسب .

أضافة للدوافع السابقة للوضع في الحديث ، هناك دوافع أخرى منها لغرض الدفع نحو المستحبات ، او الدفع  للألتزام  بمكارم الاخلاق ، والعلماء المختصون من النادر أن يدققوا في هذا النوع من الأحاديث ، لأنهم يركزون جهودهم لتنقية أحاديث الأحكام فحسب ، لكني أرى من الضروري التدقيق في جميع أنواع الحديث ، بغية التخلص من الأمور التي تسبب الحرج ، او الفرقة والنزاع بين المسلمين ، وتخلق الفتنة في أحيان كثيرة ، بل قسم من الاحاديث الموضوعة تشوه رسالة الاسلام الأصيل ، التي هي رسالة المبادئ الأنسانية ، ورسالة العقل ، والخلق الكريم .

من دوافع الوضع في الحديث دافع التكسب ، ومن يضع الحديث لهذا الغرض يمكن تسميته بالمرتزق ، والوضاعون المرتزقة كثيرون خاصة في العصر الاموي والعباسي ، ومن نماذج الوضع لغرض كسب المال هذا الحديث (( حدثنا احمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : من قال لا أله الا الله خلق الله تعالى من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ... ! )) ، تقول الرواية أن احمد بن حنبل ، ويحيى بن معين قد سمعا الرجل يحدث بهذا الحديث ، واستغربا من هذا الكذب عليهما ، أذ نفى يحيى بن معين ، واقسم لابن حنبل أنه لم يقل هذا الحديث او يسمع به الا الان من هذا الرجل الكذاب ، واعترضا عليه لكن لا فائدة ، اذ استلم أجره وذهب ، ومثل هذه الاحاديث موجودة عند جميع الطوائف الاسلامية تقريبا ، وهي محل أبتلاء للمسلمين ، والمسلمون اليوم بحاجة ماسة لتنقية ألأحاديث المنسوبة الى النبي الاكرم (ص) ، وتنقية الاقوال المنسوبة الى الأئمة الاطهار(ع) ، من أجل المصلحة العليا للاسلام والمسلمين ، لأن كثيرا من الخلافات مصدرها هذه الاحاديث او الاقوال الموضوعة .

 قال الامام الصادق ( ع ) : (( من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب )) .

وروي عن الامام الصادق ( ع ) وهو يقول لأبي الربيع الشامي : (( ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن الرئاسة ولا تكن ذنبا ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ، ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فأنك موقوف ومسؤول ... )) .

وروي عن علي بن الحسين ( ع ) أنه قال لقاسم بن عوف : (( أياك أنْ تستأكل بنا ))  ومن خلال هذا الاستعراض السريع للوضع في الحديث الذي اشتكى منه الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وهو على قيد الحياة ، وكذلك الأئمة الأطهار عليهم السلام ، اشتكوا من هذه الظاهرة في مواقف عدة ، نرى أن ظاهرة الوضع مشكلة كبيرة تحتاج لمعالجة من قبل العلماء والمختصين من أجل المصلحة العليا للأسلام ومن اجل مصلحة المسلمين ، لأن الوضع في الحديث تحول الى عامل من عوامل زرع الفتنة والفرقة بين المسلمين .

علي جابر الفتلاوي




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26338
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28