• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الانسان المبدع والانسان الملقن .
                          • الكاتب : د . عصام التميمي .

الانسان المبدع والانسان الملقن

 بناء الانسان المبدع ازاء بناء الانسان الملقن ، مدرستان ما زالتا  تتصارعان في البيئه العراقيه ويبدو ان الغلبة ما زالت مسيطره لمدرسة التلقين . التلقين المعرفي في المدارس والكليات والمعاهد العراقيه قد تنامى في السنوات العشرين الاخيره وقد ساهمت سياسات الدوله في شيوع هذا المنهج من خلال تبنيها لجمله من الاجراءات التي تقود الطالب الى الحفظ عن ظهر قلب ، الطالب الذي يحفظ عن ظهر قلب يحصل على درجات عاليه تقوده على ضوء سياسات القبول المتبعه الى الدخول الى اعلى الكليات في السلم العراقي المعروف. اي ان النظام يقود الى ان يكون في الطليعة الحفّاظ في حقل معرفي معين وليس الاذكياء. كما ظلت الشخصيه المنمطه للتدريسيي التلقني هي السائده ، التدريسيي الذي يلقن الطلاب مرغوب في المؤسسه التعليميه التقليديه، وهي التي تعتبر مثالا يحتذى به مع الاسف ، التدريسيي الذي يضع حاجز بينه وبين طلبته ويتعامل بفوقيه مع طلابه والذي يحيط نفسه بهاله من الغموض المبهم ، الغموض المريب ان صاحبه يخفي خلفه ضعفاً يخشى افتضاحه.    
ظلت سياسة التربيه والتعليم العراقيه العشوائيه طيلة الخمسين سنه الماضيه ، تحث على ثقافة التلقين للطالب والاستاذ وظلت المؤسسات التعليميه تنتج مناهج تعليميه تلقينيه تؤطر حدود تفكير الطالب والباحث والمعلم او التدريسي وتعتبر التفكير الحر شاذا في بيئه صنميه تعتبر كل منهج قديم مقدسا لا يجوز المساس به او تغييره. وان المناهج المتبعه منذ عشرات السنيين نفسها لم تتغير وهي متشابهه في كل مكان جامعه او كليه او معهد. يقوم الاستاذ بالقاءها على طلابه دون ان تكون له وجهة نظرخاصه ويتلقنها الطلاب ليلقنوها لغيرهم سنة بعد سنه وجيلا بعد جيل  ونحن نعرف ان في كل علم وفن وادب وثقافه ، مدارس متعدده ومختلفه ، تنوعها في ذاتها هو عنصر قوتها ونموها وتطورها.ان لكل علم فلسفه ولكل عالِم اسلوب ورؤيه وفلسفه ، قد تختلف كثير او قليلاً عن الاخرين. 
تسعى الانظمه الدكتاتوريه والانظمه البيروقراطيه الى تشكيل الانسان المنمط  . اما الانسان المنفتح فله نوافذ متعدده على جميع المدارس والمناهج والافكار ، له عقل منفتح على كل الاتجاهات ، له رؤيا ثاقبه وعمق معرفي لفلسفة الاشياء عكس اولئك المنمطون الذين يتخبطون بين هذا وذاك ولا يفقهون من فلسفة العلم شيئا وياخذون من هذه المدرسه قليلا ومن تلك شيئا يسيرا في مزيج من المتناقضات وخليط من المتعارضات.تنتهج بعض الكليات اساليب قسريه في فرض شروط الاداره دون مراعاة لرأي ومشاعر الطلبه وكانهم جنود او بيادق في لوحة الشطرنج ، ويعتقد البعض خطأًً ان التركيز على ضخ المعلومات العلميه البحته الى الطلبه هي معيار الكفاءه العلميه العاليه للتدريس. وان اعطاء المحاضرات ساعه بعد ساعه ويوم بعد يوم واسبوع بعد اسبوع دون اتاحه الفرصه للطالب ان يتمتع بالراحه والترفيه النفسي والنقاهه العقليه تعوق القدره التحصيليه للطلبه وتحبط الابداع ، ويصبح الطالب كماكنه صماء لحفظ المعلومات. لا بد ان تتوفر في التدريسي الكفاءة العلميه والاخلاق والمعرفه التربويه التي تؤهله للقيام بمهمته الأكاديمية بنجاح ، ان يتعامل بروح الحب مع الطلبه بصرامه وحزم دون قسوه وبانضباط وتشدد لكن بحب ولين ورقه . ان يكون التدريسي قريب الى طلابه يشعر بالصعوبات التي تواجههم ويحاول تذليلها ، لا يستهين بقدراتهم بل يجعلها محط اعجابه وتقديره ، يقيّم المتفوقين ويظهر اعجابه بقدراتهم ويساعد الضعفاء ويشخص مواطن القوه لديهم فيحفزها . ويحبب مادة الدرس الى الطلاب ويثير شغفهم بها ويثير روح التنافس الابداعي بينهم . ويقترب من الطالب الخجول ليتخلص من خجله كي يعبر عن افكاره باجواء تسودها روح الاخوه والابوه الصادقه ، ولا يستهين بالاراء مهما كانت ، بل على التدريسي الاخذ بيد الطالب للوصول الى طريقة التفكير الصحيحه. فالخريج سيجد نفسه وهو يمارس عمله بحاجه الى تعلم اشياء جديده لم تتح له الفرصه او الوقت او كثرة المعلومات ان يتعرف عليها اثناء دراسته والتعبير عنها الى الاخرين وعرضها بطريقه تقنعهم بمحتواها. وتعتبر الطريقه الابداعيه من الوسائل التي يتعلم فيها الطالب كيف يضع الحلول للمشكلات بالاعتماد على اسلوب علمي للبحث والتي تعتبر من انجح السبل في تعلم مهارات التعلم المستدام او المستمر الذي لا يتوقف بعد التخرج. وهناك مهارات مهمه على الطالب اكتسابها تفيده مستقبلا عند امتهانه لاي حرفه او مهنه ، منها قدرته على وضع الحلول او الاجابات للاسئله التي تبرز دائما في العمل في المواقف المستجده عن طريق السعي او القدره على الحصول على المصادر اللازمه للاجابه ومن ثم اتباع الاساليب والمهارات العلميه للوصول اليها اي الاجابه وصياغتها باسلوب مفهوم والدفاع عنها بحجة مقنعه تستند الدليل والمنطق العلمي. اي ان على الطالب  أن يصل الى درجة الاعتماد الكامل على النفس في تعقب المشكله  ووضع الحلول لها من خلال التعلم الذاتي المستدام.
ان السلوكيات بصوره عامه تتكون أثناء الطفولة وعندما تتكون يصعب تغييرها كما يقول المثل  \"أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر\" ..ولكن بالتاكيد يتغير سلوك الأطفال بسرعه اكبر من تغير سلوك البالغين. ومن الحقائق الشائعه ان السلوكيات التي نتعلمها في الطفولة ترافقنا طيلة حياتنا. ويكتسب الطلاب سلوكيات التعلم في وقت مبكر من دراستهم المدرسيه ، واذا اكتسبوا سلوكيات  تعلم خاطئه فأنها تبقى معهم الى مراحل دراسيه متقدمه ويصعب تغييرها في غياب محاولات
واعيه وجاده لاكساب المتعلم سلوكيات تعلم صحيحه. في تدريسي لمادة تصميم اجزاء المكائن لطلبه المرحله الثالثه في كلية الهندسه ، اركز على سلوكيات الطلاب في اكتساب المعارف او المعلومات من اجل الاستفاده المثلى منها لاكتساب
المهارات وتحويلها الى سلوكيات نافعه في ميدان العمل تساعد على العطاء الابداعي المثمر. 
على المدرس في بداية عمله مع أي مجموعه من الطلبه ان يحاول ان  يعلم ويكسب الطلبه اساليب تعلم فعاله لمناهج علميه مفيده ، تلبي حاجات او متطلبات المجتمع المحلي في سوق العمل. أي ان نسعى الى ان تكون مواصفات الخريج مرغوبه في سوق العمل من ناحية المعارفالتي يمتلكها والتي اكتسبها خلال سني دراسته والمهارات التي يتقنها  والسلوك المهني الذي يتحلى به ، السلوك الضامن للاستفاده المثلى من المعلومات والمهارات بطريقه ابداعيه خلاقه من خلال الممارسة الفعلية للسلوك عبر مواقف مهنيه وحياتيه ملموسه. وتواجه محاولات تدريب الطلبه على سلوكيات تعلم جديده ممانعه شديده من قبل الكثير من الطلبه لان الانسان مجبول على مقاومه التغيير المحتمل في حياته وانه محب لِمَ اعتاد عليه ومقاوم لاحداث تغيير فيه . وللاسف فان الطالب العراقي قد اعتاد على التلقين في دراسته لمختلف المواضيع ، كما ان اي محاوله للتفكير الابداعي المختلف تجابه بالرفض والاستهجان والاستهزاء في بعض الاحيان.
أن أفضل   طريقة   لتدريب الطلاب على التفكير الابداعي الخلاق والمواقف الايجابية هي  اعطاء فقرات حره في المنهج الدراسي للممارسات السلوكية الابداعيه ، على ان تكون خاضعة للمناقشه العلميه الرصينه وللتقويم والامتحان، كما أكدت على فعالية ذلك بعض الدراسات حيث ان تعليم السلوك عن طريق الممارسة له تأثير فعال أكبر بالمقارنة مع تدريسه عن طريق المحاضرات. وغالبا ما يشعر الملقنون من التدريسيين والطلبه ان الفقرات الحره مضيعه للوقت ولا فائده منها على العكس من المبدعين الذين يعتقدون ان الفقرات الحره لها اكبرالاثر في تنمية القدرات الابداعيه لدى الطلبه وتحفيز قدرات االابداع الخلاق لديهم. وما زالت الاراء العشوائيه للادارات التعليميه سائده ، فكل يفتي برأيه دون دراية وبناء على معطيات يستقيها من فلان او علان الذين لا يفقهون شيئا في التعليم والتعلم. ان منح الطالب الثقه بنفسه واظهار الاحترام لافكاره وخططه وعدم الاستهانه بها او تصغير شأنها له اكبر الاثر في اعتداد الطالب بنفسه والكشف عن المزيد من الطاقات الابداعيه المكنونه فيه. ويجب تشجيع الطلبه على المزيد من الكلام او كتابة التقارير والابحاث . ان اللغه والكتابه والرسم هي وسائل الاتصال الفعاله لتداول الافكار ، واذا لم يعبر الطالب عن نفسه باحد تلك الوسائل او جميعها فلن يكشف عن افكاره ومكنونات نفسه او ما يدور في خلده من خطط وافكار. ان على الطالب ان يطور ادوات الاتصال تلك عن طريق الممارسه . يطور لغته كي يستطيع ان يعبر عن افكاره بصوره صحيحه ، يطور لغته المنطوقه والمكتوبه ، كما عليه ان يحاول اتقان احد اللغات الحيه التي يُكتب فيها العلم بغزاره. اما الرسم وهو لغه اشاريه متطوره فعليه ان يتقنها ايما اتقان لانها لغه عالميه يفهمها الجميع.
كما لا بد من تقدير جميع الحلول التي يتوصل لها الطلبه لمشكله معينه وعدم الاستهان بها ، وتحفيز الطلبه على الاتيان بحلول مختلفه عن الاخرين وجديده،  وتنميه سلوك احترام ذوي الحلول المختلفه ، لان الابداع هو في ما هو مختلف وليس في ما هو مألوف ، الذي أعتادته النفس وألفته. اما اولئك الذين يشجعون الطلبه ذوي الحلول النمطيه فانهم يكرسون مبدأ التلقين في العملية التعليميه.  في احد الامتحانات ، ظهر لي ان اجابات معظم الطلبه كانت مختلفه عن بعضها البعض رغم ان
معظمها كانت اجابات صحيحه . ان تنوع اجابات الطلبه كان بسبب ان موضوع الامتحان كان قداعطي للطلبه بطريقه غير نمطيه بناءً على قدرات الطلبه الفكريه على فهم الموضوع واستيعابه بطريقه ابداعيه غير تلقينيه لهذا جاءت الاجابات متنوعه لا يشبه احدها الاخر الا انها جميعا تعطي نتائج صحيحه ومثل تلك الاجابات لا يمكن تصحيحها على ضوء جواب نموذجي للاسئله ، فمن المعروف انه في العلم ليس هناك طريق واحد للوصول الى الهدف بل ربما الكثير من الحلول الا اذا كانت الاسئله نمطيه والماده ملقنه والطالب ملقن والاستاذملقن والاجابه تلقينيه نمطيه. وستعطي الاختبارات نتائج عكسيه في فشل المبدع ونجاح التلقيني.   
ان اظهار علامات الاعجاب والتقدير والاهتمام والرعايه للحلول التي تتوفر فيها عنصري البساطه والجده يحفز من قام بها على الاستمرار بهذا النهج وتعميق الحلول ويحفز الاخرين على الاقتداء بهم وبانجازاتهم. 
ان تعزيز السلوك يكون بوسائل متنوعه ابتداءً باستخدام علامات الاعجاب وكلمات الاطراء ومن خلال التقييم اليومي والسنوي للطلبه ، من خلال قيادة الطالب المبدع لمجموعات العمل التدريبي ومجموعات حل المسائل.  حقيقةً ان لكل مشكله الكثير من الحلول الصحيحه المختلفه في عمقها ونضجها وشمولها ، لهذا هي تتفاوت في تقييمها بين الحلول الممتازه والحلول المقبوله ، اما الفشل فهو عدم القدره للوصول الى حل او الوصول الى حل سئ او بدائي. فمن السهل على طالب كلية الهندسه
الميكانيكيه ان يضع حل لتبريد قاعه او غرفه باستخدام وحدة تبريد منفصله (سبلت) او مكيف هواء او مبرده هواء او باستخدام (المهفه). ويعتبر الحل الاخير حلاً صحيحاً لكنه فاشل وبدائي بالنسبه لطالب في كلية الهندسه او مهندس ، والذي عليه ان يستخدم اخر ما توصل له العلم الحديث في تصميمه او حله.
ان واجب المجتمع وواجب الهيئات التعليميه ان ترعى وتحتضن البذرات الابداعيه وتعمل بكل جهد ان تزيد من ثقة الانسان بنفسه وبقدراته ، وأن لا تكون او تكوّن بيئه محبطه.الابداع بذره مكنونه في كل القلوب ، اذا سقيت اورقت واثمرت ، ثمرا متنوعا.ولكي تنمو بذرات الابداع ، فلابد ان تتهئ البيئه المناسبه الحاضنه لها، والا فانها الى ذبول وعدم.ان واجب المجتمع وواجب الهيئات التعليميه ان ترعى وتحتضن البذرات الابداعيه ،عليها ان تمنح الثقه للشباب الطامحين بدل زراعه الخوف والاحباط في النفوس . الخوف المشروع لا بأس به ، الخوف من الفشل مشروع لكن عدم الثقه بالنجاح رغم وجود مقدماته غير مسموح. غير مسموح ان نزرع عدم الثقه في روح الشباب الذي يمتلك مقدمات النجاح. علينا ان نسعى بكل طاقتنا ان
نعزز روح الثقه بالقدره الخلاقه المبدعه لروح الشباب المجد.في بعض الاحيان ، ان البيئه القاهره للابداع ، البيئه القاتله للكفاءه والمهاره والمقدره ، البيئه الكابحه للتفتح ، تضعفُ ارادة المبدع فيستسلم لقهر الظروف والازمان ويدفنُ ابداعهُ ويئدُ وئدا مرا طاقاته ويصبح انسانا هامشيا بلا روح ، انسانا مستلبا يعلو روحه الغبار او صدأ السنيين ، انسان يبحث عن اربع جدران ينعزل فيها عن الاخرين ، انسان بعينين ، انسان بطاقات معطله، انسان او ربما شبه انسان. انسان يولد ثم يموت ويمضي عمره كبهيمه. لا بد ان تتوفر في التدريسس الكفاءة العلميه والاخلاق والمعرفه التربويه التي تؤهله للقيام بمهمته الأكاديمية بنجاح ، ان يتعامل بروح الحب مع الطلبه بصرامه وحزم دون قسوه وبانضباط وتشدد لكن بحب ولين ورقه . ان يكون التدريسي قريب الى طلابه يشعر بالصعوبات التي تواجههم ويحاول تذليلها ، لا يستهين بقدراتهم بل يجعلها محط اعجابه وتقديره ، يقيّم المتفوقين ويظهر اعجابه بقدراتهم ويساعد الضعفاء ويشخص مواطن القوه لديهم فيحفزها . ويحبب مادة الدرس الى الطلاب ويثير شغفهم بها ويثير روح التنافس الابداعي بينهم . ويقترب من الطالب الخجول ليتخلص من خجله كي يعبر عن افكاره باجواء تسودها روح الاخوه والابوه الصادقه ، ولا يستهين بالاراء مهما كانت ، بل على التدريسي الاخذ بيد الطالب للوصول الى طريقة التفكير الصحيحه.
ان هدفنا الاسمى في التعليم ان نزود الطالب بجناحيين ونعلمه الطيران وعليه بعد ذلك ان يحلق بحريه والامر منوط بقدرته الذاتيه على التحليق عاليا في سماء الابداع او التحليق على ارتفاع منخفض او عدم القدره على التحليق.
وللموضوع تتمه لاقتراح طريقه ابداعيه لامكانيه تنفيذ الامتحان الوزاري. 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2607
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29