• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تسونامي تونس .
                          • الكاتب : سري سمور .

تسونامي تونس

أدرك بأنني واحد من المئات بل الآلاف الذين سيكتبون عن تونس في هذه الفترة تحديدا،وهذا طبيعي إلى حد كبير،فما جرى في تونس هو إعصار أو عاصفة أو تسونامي، أو بركان شعبي هزّ عرش الطغاة،واضطر الطاغية للفرار،وقدم الدليل الحي على ما قاله الشاعر،ابن تونس أيضا،أبو القاسم الشابي:-
إذا الشعب يوما أراد الحياة*** فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي*** ولا بد للقيد أن ينكسر
ليل طويل وآهات وعذابات شعب ظل يرسف في قيود الاستبداد زمنا طويلا،حقق المعجزة التي خطتها الجماهير بدماء أبنائها،واحتفظت بلاد المغرب العربي بالريادة في شئون شتى؛فمؤسس علم الاجتماع هو عبد الرحمن بن خلدون،وأكبر قافلة شهداء عربية في سبيل الاستقلال خرجت من الجزائر،وأول انتفاضة أو ثورة شعبية من نوعها،عربيا،تنجح في إسقاط الدكتاتورية قام بها التوانسة الأحرار،فالحلم يمكن أن يتحول إلى حقيقة قائمة إذا انكسر الحاجز النفسي لدى الشعب المقهور المقموع.
والجميل أن ثورة تونس الخضراء جاءت في ظل مشهد عربي غاية في الكآبة عناوينه الرئيسة تقسيم المقسم وانتظار سايكس-بيكو جديدة، ففلسطين محتلة والعراق كذلك ،وانفصال جنوب السودان،واليمن في الانتظار،وقلق على مصر ولبنان،وحالة إحباط واغتراب،وضنك عيش متزايد.
فحال تونس الخضراء كحال مسافر في عمق صحراء قاحلة وقد أنهكه الجوع والعطش،وكان على وشك السقوط بانتظار الهلاك من شدة الظمأ والجوع،وإذ بواحة وفيرة الماء والتمر تتراءى أمام عينيه ففرك عينيه وحسب ما رأى سرابا وإذ به ليس سرابا!
ولأن العواطف جياشة،والمشاعر متدفقة أحب أن ألخص وأسجل بعض الملاحظات في نقاط بشيء من الموضوعية:-
أولا: لقد اتضح كذب التقارير الدولية حول التنمية والاقتصاد والرفاه في تونس،والتي كانت مساندة للنظام،في ادعاءاته وتباهيه بإنجازات تبين أنها مجرد أكاذيب لتغطية سوءة الاستبداد،وأن من يستفيدون حقيقة هم قلة القلة.
ثانيا: تبين أنه مهما كان النظام بوليسيا قمعيا فإن «خريف البطريرك» كما سمى ماركيز روايته الشهيرة،هو فصل لابد أن يعقبه شتاء يروي ظمأ الطامحين إلى الحرية والكرامة.
ثالثا: ندعو الله أن يرحم عبده محمد البوعزيزي،نعلم أن الانتحار محرم شرعا،ولكن لهذا الشاب ظرفه وعذره،ولعل ما ترتب عن قيامه بحرق جسده،قد يجعله الله رحمة له وغفرانا من رب غفور رحيم كريم،حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما.
رابعا:إن الغرب كما يقال في المثل الشعبي«مع الحيط الواقف» وهاكم الدليل الواضح من رفض ساركوزي استقبال بن علي،وتصريحات أوباما،رغم أن النظام في تونس لطالما وصف بأنه الأكثر ولاءا وتبعية للغرب؛فهو النظام الذي منع الحجاب،وجرّم تعدد الزوجات قانونيا،وأباح العلاقات الغير مشروعة،بل وصل الحال بإحداهن للتهجم على صوت الأذان،وجعل الأحد يوم العطلة الرسمي،وابتكر نظام الصلاة بالبطاقة الإلكترونية الممغنطة،ونشر مظاهر التغريب في شتى مفاصل الدولة،وغيرها من الأمور التي لم تشفع لرأس النظام كي يقضي ما تبقى له من الأيام في فرنسا أو غيرها من بلاد الفرنجة،فليس لهذا الغرب حليف أو صديق دائم،وعِبر التاريخ كثيرة ومتعددة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية،ولابد لم راهن أو يراهن على الغرب أن يعلم أن الشعب هو الضمانة،والحاضنة الأكثر أمنا،ويجب ألا تنسينا تصريحات الغربيين الأخيرة بأن الدكتاتور استقوى على الشعب بدعم كبير من الغرب،فهذا الغرب هو الذي زوّده بأوكسجين البقاء طوال السنين العجاف الماضية.
خامسا:إن الديمقراطية لا تأتي على ظهر دبابة أمريكية أو بريطانية،والعراق خير دليل على ذلك؛فقد حولوا العراق من دولة محكومة بنظام شمولي،إلى كنتونات ممزقة تعمها مظاهر القتل والفتن الطائفية والعرقية،فالديمقراطية والحرية تصنعها الشعوب وتأتي عبر دمائهم،وليس عبر الاحتلال الأمريكي أو الأجنبي عموما.
سادسا: لازال الخير في الجيوش العربية،ومنها جيش تونس،الذي لم يستخدم العنف كما بقية أجهزة النظام التي قتلت أبناء شعبها وضربتهم بلا أدنى رحمة أو وازع من دين أو ضمير،وكم هو جميل لو تكرر أنموذج عبد الرحمن سوار الذهب.
سابعا: القوى المعارضة للاستبداد يمكن أن تحقق اختراقا وإنجازا هاما إذا تناست أو أجلت جدلها حول خلافاتها الأيدلوجية،فالنظام البائد ألّب الشيوعيين واليساريين والوطنيين والعروبيين على الإسلاميين ثم انقض على جميع من ألبهم مع سائر العلمانيين،ونجح في ذلك إلى حد كبير،ولكن إذا كرر المعارضون خطأهم السابق فإن المأساة ستتكرر،فالقوى المعارضة تتفق على أمور أكثر مما تختلف على أمور أخرى،بغض النظر عن أطيافها الأيديولوجية ورؤاها السياسية والاجتماعية.
ثامنا: بناء على النقطة السابقة يجب إيجاد عقد اجتماعي جديد لأن التضحيات تحتاج إلى إنجاز حقيقي وليس مجرد تغيير كراسي ووجوه،وإزالة صور لوضع أخرى،و إلا أجهضت الانتفاضة/الثورة التونسية المباركة،وهذا لو حصل-لا قدر الله-فإن على الناس انتظار عشرين سنة جديدة تزهق فيها الأرواح وتنتهك الأعراض وتنهب الممتلكات وتشوّه الثقافة.
تاسعا:كنت قد كتبت عدة مقالات تعبر عن إحباطي من الإعلام الحديث ودوره في التغيير؛ولا بد من الاعتراف بأن للإعلام الحديث ووسائل التقنية الحديثة دور كبير في الحشد وفضح الممارسات والجرائم،ولكن أنا مازلت على قناعتي بأن ما تحقق من الإعلام الحديث دون الأمل المنشود،على الأقل حتى الآن.
عاشرا:تبين سبب تكديس الطغاة أموال الناس التي سرقوها واحتكروها في بنوك الخارج،لأنهم يستعدون دائما ليوم الرحيل،وهذا أمر له تداعياته السلبية على اقتصاد البلاد، لأن الأجانب قد لا يعيدون ما سرق من أموال وودائع وهذه نقطة يجب أن يسلط عليها الضوء.
حادي عشر:الشعوب تحتاج إلى الحرية والكرامة وليس فقط إلى أن تملأ بطونها،وما جرى في تونس خير دليل على ذلك ،فلو كان الأمر مجرد ارتفاع أسعار،لتوقفت الانتفاضة فور تخفيضات الأسعار،وما أعلنه النظام عن بعض التنفيسات،فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
هذه أبرز ملاحظاتي أو خواطري على ما جرى في تونس،التي في يوم الجمعة المبارك الموافق 10صفر الخير 1432هـ/14/1/2011م قد أزالت الصورة النمطية عن سلبية العرب وقابليتهم التكوينية للاستبداد والاستعباد وخضوعهم للقمع ورعبهم من الطغاة،واستسلامهم لواقعهم.
إن من رسموا هذه الصورة لم يأتوا بها من فراغ  أو خيال ،بل مما تراكم من سنوات وعقود طويلة من القهر والظلم والفساد،وقد آن للعربي أن يعيش بكرامة في وطنه،لا أن يركب زوارق الموت على أمل أن يصبح عامل تنظيفات أو غاسل صحون،أو يعيش على بدلات الإعالة والبطالة في دولة أوروبية،فيما بلاده تنعم بالثروات التي ينهبها الطغاة وأبناؤهم وأزواجهم وحاشيتهم.
ويبدو أن مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الميلادي حمل وسيحمل معه تغييرات كبيرة لم يتوقعها الكثيرون.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
السبت  11 من صفر الخير 1432هــ، 15/1/2011م
من قلم/سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2604
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29