بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على خلفائك في ارضك محمد واله الطاهرين
ان الركب الحسيني عندما انطلق من المدينة انطلق وهو يحمل معه راية الفتح المشار اليها بقول سيد الشهداء ﴿عليه السلام﴾(أما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام \"1)
وسار هذا الركب العظيم وتجه نحو مكة المعظمة مهبط الرسالة المحمدية واستقر بها اكثر من اربعة اشهر ثم توجه بعد ذلك الى البقعة المباركة كربلاء المقدسة وبقي فيها الى ان حان وقت القتال بين الركب الحسيني والجيش الاموي على اثر ذلك استشهد ابو عبد الله ومعه ثلة طاهرة من اهل بيته وأصحابه﴿سلام الله عليهم أجمعين، واستمر هذا الركب الكريم من بعد تلك الفاجعة العظمى متجها نحو الكوفة حيث مقر اللعين عبيد الله بن زياد الذي كان يقطر حقدا وبغضا للبيت النبوي الطاهر والممثل لهذا الركب هو الامام زين العابدين علي ابن الحسين وعمته عقيلة الهاشميين زينب﴿عليهما السلام﴾ والشئ الذي لابد وان نشير اليه هو خطبة الامام زين العابدين ﴿عليه السلام﴾ التي القاها امام تلك الجموع من اهل الكوفة فقد روى الطبرسي في كتابه القيم الاحتجاج ماهذا لفظه﴿ قال حذيم بن شريك الأسدي: خرج زين العابدين ﴿عليه السلام﴾ إلى الناس وأومئ إليهم أن اسكتوا فسكتوا، وهو قائم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال:
أيها الناس من عرفني فقد عرفني! ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين، المذبوح بشط الفرات من غير دخل ولا تراث*، أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، فكفى بذلك فخرا.
لقد بدأ الامام ﴿عليه السلام﴾ بتعريف نفسه الكريمة امام اهل الكوفة وقد عرفها بالوصف وليس بالنسب اي ان الامام ﴿عليه السلام﴾ لم يقل لهم انا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب الخ.وانما عرف نفسه الشريفة بهذه الاوصفاء العظيمة التي تدل على عظم تلك الفاجعة وما حل باهله يوم الطف قال ﴿عليه السلام﴾ معرفا اباه ﴿المذبوح بشط الفرات من غير دخل ولاتراث﴾ نعم ان الامام السجاد ﴿عليه السلام﴾ يريد ان يوصل رسالة الى تلك الجموع الحاضرة بان ابي الحسين قد قتله الامويون في كربلاء مذبوحا على شط الفرات وكان لهذا الكلام اثر بليغ في نفوس الناس
ثم قال﴿عله السلام﴾ أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، فكفى بذلك فخرا.
نعم لقد انتهك الجيش الاموي حريم الرسول ولم يراعوا بذلك حرمة رسول الله﴿صلى الله عليه واله﴾ وقد عمدوا الى الاطفال والنساء فارعبوهم واخافوهم وشعلوا خيامهم نارا والمنادي ينادي احرقوا بيوت الظالمين ولم يكتفوا بهذا بل عمدوا الى بنات الرسالة وسلبوا ماعليهن من الحُلي والطامة الكبرى والمصيبة العظمى حملهن مسبيات يتصفح وجوههن اهل الاقطار ليس معهن محامي ولاكفيل نعم هذا هو الحقد الاموي البغيض الذي حاول ان يصور للناس ان الحسين واهله خرجوا على اميرهم المزعوم يزيد اللعين؟ولكن هيهات هيهات لقد استمر هذا الركب الحسيني العظيم بفضح ال امية وبيان حقيقتهم للناس ولذلك يروى أن يزيد ﴿لعنه الله﴾ أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين وعلي ﴿عليهما السلام﴾ وما فعلا، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله فذكر هما بكل جميل، قال: فصاح به علي بن الحسين: ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار ثم قال علي بن الحسين ﴿عليه السلام﴾: يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الاعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا، ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب، قال: فأبى يزيد عليه ذلك فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان فقيل له: يا أمير المؤمنين وما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا قال: فلم يزالوا به حتى أذن له فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثم قال: أيها الناس اعطينا ستا وفضلنا بسبع: اعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الامة،...2)
الى اخر الخطبة الشريفة التي ان شاء الله نتعرض لها لاحقا ونشرح بعض مضامينها القيمة
والحمد لله اولا وأخرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحار الأنوار / جزء 45 / صفحة 87
2- بحار الأنوار / جزء 45 / صفحة 137و1381
* الذحل الثار والترات: جمع ترة وهي أيضاً الثار.