• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الاشاعة .
                          • الكاتب : الشيخ جهاد الاسدي .

الاشاعة

 كل منا يحرص ولاشك على ان يكون جسمه معافى سليما من الامراض ننتقي افضل الطعام واحسن اللباس من اجل ان نبقى في ذروة النشاط والحيوية

المرض سيئ يبغضه الانسان ويحاول تجنبه مهما امكن ذلك ولاجل ان يبقى الانسان صحيح الجسم معافى من المرض سليما من الالم يبذل من الوقت والجهد والمال الشئ الكثير
وكما ان الجسم الانساني الصغير يعتريه المرض فيشل قواه ويهدر طاقاته ويغيب امكاناته فكذلك

الجسم الانساني الكبير اعني المجتمع بشكل عام  يمكن ان يعتريه المرض فيعمل فيه عمله الخبيث البغيض من شل القوى وهدر الطاقة وتغييب الامكانات
ومالم نشخص الامراض التي تعتري مجتمعنا لن نتمكن من وضع العلاج المناسب لها
واحد من ابرز الامراض فتكا في المجتمع هو الاشاعة والاشاعة تعني تداول ونشر الخبر الذي يسبب الضرر العام اوالخاص من خلال نشر الاباطيل في الافق الاجتماعي والقيل والقال والثرثرة غير المسئولة
وفي الواقع ان صناعة الاشاعة وترويجها انما ينشا غالبا بسبب كون الانسان ناجحا في مجال من المجالات
فقد يكون الداعي على اثارة الاشاعة نجاح الانسان في دراسته او في حياته الزوجية او في مضمار عمله او في جوانب اخرى مشابهة
ان التلاقي في مجالس وتداول مختلف الاحاديث الاجتماعية يمثل عاملا مساعدا الى حد كبير في انتشار الاشاعة نظرا الى ان تلك المجالس تحتاج غالبا الى مواد يتم اجترارها وتداولها في الحديث وغالبا ما يكون براعة شخص في امتلاك كم اكبر من الاشخاص مدعاة الى تميزه في تلك المجالس واللقاءات
من المثير للاهتمام اننا نجد ان علم النفس وكذلك الدين الاسلامي كلاهما متفقان على ان الاشاعة سلوك سلبي ومرفوض فعلم النفس يفترض ان مروجي الاشاعات هم من فئة المرضى النفسيين قد يكون عقدة نقص او شعور بالدونية او شعور بالفشل ولعل لهذا الامر يشير كلام الإمام علي ( عليه السلام ) : (ذوو العيوب يحبون إشاعة معايب الناس ، ليتسع لهم العذر في معايبهم)

 وكذلك نجد ان الاسلام يرى ان ترويج الاشاعات يمثل سلوكا نفاقيا ومرضيا بعيدا تمام البعد عن دائرة الايمان قال تعالى : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ... ) وقد فسر الارجاف بمعنى اشاعة الاباطيل لانه يؤدي الى زعزعة استقرار الوضع الاجتماعي
ان عملية انتشار اشاعة ما تمر عبر مرحلتين اساسيتين هما خلق الخبر او فبركته من قبل شخص او عدة اشخاص ووجود الوسيط الذي يتلقى مثل هذا الخبر ويقوم بنشره وعلى الرغم من اهمية كلتا المرحلتين في استمرارية الاشاعة الا ان المرحلة الثانية تحتل اهمية اكبر لان من يروج للخبر عادة يكون اكثر ممن يخلقه او يفبركه كما ان الكثير من الناس لا يتورطون بفبركة الخبر بقدر ما يتورطون في نقله دون تمحيص وفي الواقع ان انتشار الخبر الكاذب هو لب الاشاعة ومظهرها
كيف نتجنب الوقوع في فخ الاشاعة :
تصرف الإنسان له مدخلية ولا شك في إثارة الإشاعات عنه و مقبوليتها لذا فان السلوك الذي يبتعد عن المواضع المشتبهة يمثل خير طريق لدحض أي إشاعة قد تبرز ضده وتسوق عنه فعلى سبيل المثال الشخص الذي يمتنع عن المعاملات المشبوهة والتي توجب الريب في السوق لن يكون من السهل أن تثار إشاعة حول مصدر الأموال أو البضائع التي  يمتلكها والمرأة التي تلتزم بأقصى درجات الحشمة مع الرجال الأجانب لن يكون بالسهل إثارة الإشاعة حول عفافها أو علاقاتها وهكذا
إذن التصرف بشكل بعيد عن موارد الشبهة وعدم اتخاذ الأشخاص الذين يقومون بالمبالغة بالأشياء اصدقاءا ومقربين يمثل أهم وابرز الدروع التي تقي من رواج الإشاعة
ولو فرض أن الإنسان مع ذلك تعرض لإشاعة حول سلوك من سلوكياته أو ممارسة من ممارساته فان ثمة لياقات مهمة يتمكن من خلالها الحد إلى قدر بعيد من تأثير الشائعات ضده من قبيل عدم اكتراثه بها وعدم إعطائها الاهتمام لان الاهتمام بما يشاع عنه يصب بشكل أو بآخر في تعزيز وبلورة الإشاعة ضده يشبه البعض الإشاعة بالجمر تحت الرماد وبالتالي فالاهتمام بها يمثل نفخا في الجمر ما يعززها أكثر
المفترض أن يقوم بالرد على الإشاعة بشكل هادئ وعقلاني دون أن يعطيها مزيدا من الاهتمام لان ذلك له مردود عكسي وسلبي في غالب الأحيان
هذا فيما لو تعرض احدنا لإشاعة تستهدف شخصه وأما لو ظهرت إشاعة تستهدف احد المؤمنين فان الشريعة توجهنا نحو عدم نشر الأفعال الشائنة التي تصدر من البعض فضلا عن أنها تأمر بالرد على الإشاعة وعدم قبولها وتصديقها مهما كان المخبر قال الله تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وفسر الإمام الصادق ( عليه السلام ) الآية في قوله : من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه ، فهو من الذين قال الله عز وجل : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة...).
إذن مجرد نقل ما يراه الإنسان من الأفعال السيئة يمثل أمرا مرفوضا حتى ولو كان قد رآه بعينه وسمعه بأذنه فكيف بنقل ما لم تره العين ولم تسمعه الأذن ! .
وفي هذا الصدد أي في نقل الأخبار التي لم يتوثق الإنسان من صحتها يقول الإمام الكاظم ( عليه السلام ) - في خطابه إلى محمد بن الفضيل - يا محمد ! كذب سمعك وبصرك عن أخيك ، وإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم ، ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به ، وتهدم به مروءته ، فتكون من الذين قال الله
عز وجل : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة . . . ).
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (لا تدع اليقين بالشك ، والمكشوف بالخفي ، ولا تحكم على ما لم تره بما يروى لك عنه ، وقد عظم الله عز وجل أمر الغيبة
وسوء الظن بإخوانك المؤمنين).
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) : (لو وجدت مؤمنا على فاحشة لسترته بثوبي ، وقال ( عليه السلام ) بثوبه هكذا).
نلاحظ في هذه النصوص الشريفة مدى تشدد الشريعة في نشر الأخبار المسيئة للآخرين خصوصا أولئك الذين يتصفون بوصف الإيمان حفاظا منها على عدم ظهور الجوانب السلبية في المجتمع الى فضاء العلن والشهرة وبقائها قدر الممكن في طي الستر لما في تأثير ذلك الظهور من مساوئ عديدة أهمها تقبل المنكرات بمرور الزمن والوقت وانتشارها نتيجة لتحفز الكثير ممن يهتمون ولو في مستوى الظاهر بالسلوك الحسن والموافق للشريعة
ترى إلى أي حد نحن نطبق هذه التوصيات في تعاطينا مع الإشاعات !!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23465
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18