• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الدكتور ثامر نعمان مصطاف الحكيم ورحلته عبر الزمن .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

الدكتور ثامر نعمان مصطاف الحكيم ورحلته عبر الزمن

 أكثر من ثمانية قرون عاد بها الدكتور ثامر الحكيم ليغوص في أوداج نهاياتها ويدخل أصغر شرايينها ويتجول في غمراتها وزواياها وخباياها وخفاياها بحثا عن جديد يقدمه لنا؛ ومعلومة بها ينفعنا؛ وغذاء عقل يضعه بين أيدينا وفوق موائد عقولنا وتذكرة عسى أن نتعض بمضمونها.
إن رحلة تمتد من عام 1201 إلى 1283 ميلادية الموافقة للتاريخ الهجري 598 ـ 682 هـجرية بكل ما تنضوي عليه من طلاسمية وأسرار خفية هي رحلة عمر طويل مليء بالمفاجآت وبكل جديد ومدهش، كيف لا وهي رحلة في دنيا الإمام الفقيه والعالم المحدث والعلامة والشيخ زكريا بن محمد بن محمود القزويني الذي ينتهي نسبه إلى خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصحابي أنس بن مالك (رض)  
رحلة في دنيا مفكر إسلامي امتاز بالنتاج العلمي الثر والتاريخ الحافل، القزويني هذا الرجل العلم التجديدي غير التقليدي الذي أصبح مصدرا أوليا للكثير من العلماء الذين جايلوه أو جاءوا بعده. فمن هو القزويني الذي أجهد الدكتور ثامر الحكيم نفسه لكي يفتح خزائن حياته وينشر عبقها في أجواء حياتنا؛ ثم يعرض ما بها من ثمين ونادر أمام أنظارنا؟
إنه العالم الشامل والفقيه الأديب والمؤرخ الفذ الذي شغل منصب القضاء فضلا عن التدريس إبان القرن السابع الهجري /الثالث عشر الميلادي، وترك مجموعة كتب غاية في الروعة والتخصصية، أهمها (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) و (آثار البلاد وأخبار العباد) حيث تميز بأسلوبه الفريد  بالجمع بين التاريخ والجغرافية والفلك والطب والأدب والنبات والحيوان وغيرها، ليس تقليدا للأنماط العشوائية التي كانت سائدة في عصره وقبله، وإنما تجديدا موسوعيا للإلمام بخفايا الموضوع من كل جوانبه وإيصال كم كبير من المعلومات إلى المتلقي، فكان عالما موسوعيا من طراز فريد يشد الباحثين ويُرَغِبهم بالتنقيب ليس في علومه فحسب وإنما حتى في مجريات حياته وطريقة عيشه ونشأته علهم يكتشفون الإكسير الساحر الذي من الممكن أن يحول الإنسان إلى رجل خارق (سوبرمان) بمثل هذه القامة الباسقة التي تحدت معوقات عصرها ونكبات دهرها فأبدعت  جمانا ولؤلؤا وجواهر دفعت الباحثين عنوة لمتابعة رونقها وجميل نظمها وحلو سباكتها وخارق صنعتها ولذيذ مضمونها.
إن التفرد العلمي للقزويني يدعو إلى الدهشة والاستغراب ولاسيما وأنه جاء في زمن كان الاستعمار الأعجمي قد أنهك البلاد والعباد، كالاستعمار السلجوقي الذي سيطر على مقاليد أمور العراقيين فأفرغ حياتهم من كل جميل على مدى مائة وخمسين عاما من الجور ليُهزمَ على يد مستعمر أعجمي جديد هم الخوارزميون، الذين هُزموا بدورهم ليحل محلهم الاستعمار المغولي الأعجمي حيث أصبح العراق ولاية من ولايات الإمبراطورية الإيلخانية بإدارة "أباقا خان" الابن الأكبر لهولاكو. 
ناهيك عن حالة التخبط التي كانت الخلافة العباسية تعيشها فهي كانت تعاني الأمرّين وما إن تستعيد بعض عافيتها حتى تتعرض إلى انتكاسة جديدة أشد وأقسى من سابقتها ليتحول الخليفة الآمر الناهي وظل الله في الأرض إلى مجرد ظل باهت غير مرئي ولا مؤثر، بقدر كونه أداة  تشرعن للمستعمرين قيادة الأمة وسلب خيراتها.
فلا غرو أن توكل إلى هذا العالم الكبير والرمز المشهور أصعب المهام مثل القضاء والتدريس. فمن المعروف أن القضاء كان من أرفع الوظائف الدينية وأعلاها قدرا وأجلها رتبة، لا يقوم بمهمته إلا من هم أجلاء وعلى قدر كبير من الرفعة. وقد تولى القزويني منصب القضاء بمدينة الحلة عام (650 هـ/1252 م) ثم نقل إلى واسط وبقي فيها يمارس القضاء إلى أن توفي. 
وفضلا عن القضاء أسندت إليه مهمة التدريس أيضا بعد ثلاث سنوات هجرية من توليه القضاء وتحديدا في سنة (653 هـ / 1254م)  ليؤدي وظيفته التعليمية والفقهية في المدرسة الشرابية التي كانت تقع على الجانب الشرقي من مدينة واسط والتي بناها شرف الدين أبي الفضائل إقبال بن عبد الله الشرابي الشافعي لتختص بتدريس الفقه الشافعي والعلوم الدينية، وبقي القزويني يعطي دروسه فيها إلى أن توفي.
ومع أن حياة هذا العَلَم كانت زاخرة بالأحداث إلا أن الباحث الدكتور ثامر الحكيم نجح في تتبع سيرته ولم يترك شاردة ولا واردة إلا ونقّب في آثارها وبحث في أطلالها وأستخرج كنوزها ودفائنها فأزال عنها التراب والدرن ومخلفات القرون، فعرضها أمام الناس بصدق ودقة وأمانة علمية ومسؤولية فكرية.
ابتدأ الدكتور ثامر الحكيم بحثه القيم بعد التقديم الجميل والممتع الذي كتبه الأستاذ الدكتور فاضل جابر ضاحي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة واسط بالحديث عن ملامح عصر القزويني السياسية والفكرية ثم عرج إلى سيرته الشخصية والعلمية، بعدها تناول كتابين من كتبه بالدرس والتحليل والتفكيك، الأول منها مؤلفه المشهور كتاب (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) الذي تناوله بالوصف الدقيق مبتدئ  بالعنوان ثم وصَفَ الكتاب بعده تناول آراء العلماء في القزويني ومنهجه في كتابته وتنظيمه وترتيبه، وصولا إلى منهجه العلمي.
ثم عرج على الكتاب المشهور الآخر (آثار البلاد وأخبار العباد) ليتناوله بنفس الآلية والأسلوب إلا انه تحدث في نهاية الفصل عن الاستدلال والاستشهاد ثم وضع الكتاب تحت النقد والتحليل. 
وبعد هذه الرحلة الشيقة في دنيا كتب القزويني تناول الدكتور ثامر الحكيم بالدرس أثر القزويني ودوره العلمي في حياة عصره وما تلاها، من حيث العلوم التي تناولها والحقائق العلمية التي ثبتها وتتبع الناقلين عنه والمتأثرين به، وأثر حكايات ألف ليلة وليلة على منهجه التدويني فأجاد وأمتع وأفاد.
 
إن كتاب (زكريا القزويني ومساهماته العلمية) مائدة متنوعة الأصناف لذيذة المآكل هنية المشارب عطرة زكية وكأنها روض غناء تملؤه الأزهار وتغرد في أجوائه الأطيار بل كأنه لوحة نادرة الطراز ساحرة باهرة أبدعها الدكتور ثامر نعمان مصطاف الحكيم وقدمها تحفة فريدة الطراز إلى المكتبة العربية التي اراها بحاجة إلى مثل هذا الجهد. ولذا أوصي بتذكر هذا العنوان وقراءة هذا السفر الممتع المفيد.  
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22891
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19