• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : و عصى آدم ربه فغوى .
                          • الكاتب : محمد صالح الهنشير .

و عصى آدم ربه فغوى

  بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على محمد واله الطيبين

الانسان كائن مفكر مميز عن بقية الخلق بعقله “” افلم يسيروا في الارض فيينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم “” محمد 10 , ينظر ما حوله وما قبله ويتوقع ما بعده , ولكنه عند النشوء يبدا بذاته , لانها اول ما يكتشف من خلال الاخر ثم من خلال نفسه “”وفي انفسكم افلا تبصرون”" الذاريات 21 ..
وخطاب التامل والفكر والتعقل في كتاب الله عام , لا يتعلق بالمسلمين او المؤمنين فقط , ولكنه طبيعة الكائن المفكر ..
فالانسان يسال من اين اتى؟ ثم يدرك من ذاته ومن الطبيعة التي حوله انه جاء من تفاعل والتقاء بين طبيعتين متقاربتين في الصنف مختلفتين في الاداء , فالتلاقح والتزاوج ديدن الاستمرار وحركة كونية تبدا من اصغر الكائنات التي لا تشاهد بالعين المجردة الى اعظم الاجرام السماوية , لانه قائم على قانون التوازن الكوني العام , لكن العقل بتتبعه لسلسلة التناسل , يعود ليتساءل , لا بد من سبب اول وحادث اول قد انتج هذا النوع او ذاك..
فربنا هو الذي “” اعطى كل شيئ خلقه ثم هدى “” طه 50 والحادث الاول في ايجاد النوع , لابد ان يكون حادثا مميزا , نابعا من قدرة اعلى , قدرة عجيبة لا تخضع لمقياس الطبيعة , لان الطبيعة منتجة لبعضها وهي بدورها قد بدات من عنصر اوحد ثم انقسمت وتجزات وتكاثرت بالقانون الذي تحمله , لكن لا يمكن للقانون ان يوجد نفسه بنفسه , كما لا يمكن لعناصر الطبيعة ان توجد ذاتها بذاتها , والا كيف انتجت قانونا دقيقا ؟ ان العلم يرفض الصدفة . ان الانسان قد تساءل قبل مجيئ الاسلام والقران عن اصل وجوده , لان الاسلام والقران في فطرته , ووجد في تاويلات الكتب السماوية المحرفة تناقضا وتضادا , وبقيت المسالة على اهميتها مبحثا فلسفيا وانتربولوجيا على مدى التاريخ , وهي مسالة محددة مؤثرة في حياة الشعوب والحضارات , فكيف حدد القران قصة الخلق الاول ؟ من هم شخوصها ؟ اطارها المكاني والزماني ؟ ودلالاتها العميقة وكيف يمكننا فهمها واستيعابها دون رؤية ضبابية ؟. بل بالاستدلال من القران بذاته لكن في وضوح وقوة منهج وعقل ..
الحقيقة الثانية في النص القراني , ان خلق الانسان الاول بدا من طين من حما مسنون , ومدلول الطين انه مزيج بين عنصري التراب والماء , وهما عنصران اساسيان من عناصر الارض , لذلك جاء بدا الخلق ملائما لطبيعة المحيط , والماء باعث للحياة ويتصف بالسيولة اي الاستمرارية والاكتساح والتمدد والتحول , والتراب هو منجم المعادن التي تصنع القوة والثبوت وبها يبني الانسان ويعمر (حديد زنك رصاص فسفاط معادن … ) والطين يمثل الحالة المادية البشرية الظرفية لانه المادة , وهو التقاء بين عنصر الصلابة وعنصر السيولة ( ال اللين) . والخلق هنا هو في ايجاد شيئ من شيئ , ايجاد الشكل الذي اراده الله للبشر الذي عبر عنه المدلول القراني بالتسوية , فعندما رضي الله للبشر ذلك الشكل اعطاه من روحه فدخل به المرحلة الثانية وهي مرحلة النفخ , والنفخ الالهي لا يمكن الا ان يكون تقريبا للصورة , اما كنهه الاول فهو في عالم الربوبية البعيد , وهنا السؤال حول “” فاذا سويته ونفخت فيه من روحي “” ص72
هل اعطاه الله جزءا من روحه ؟والله لا يتجزا , فذلك باطل , هل اعطاه واحدة من الارواح التي ابرها الله لديه ؟ ذلك ان تحدث عن وجود قبل ادم , لكنه لم يتحدث عن وجود الارواح , بل تحدث بالصفات , تحدث عن بني ادم وتحدث عن النبيين , فتاروح غير عاقلة او مفكرة , الروح مسؤومة عن الحياة , لذلك فهي خالدة على عكس الجسد , ويبقى الاحتمال القائم ان الله نفخ في ادم من روحه , بمعنى اعطاه من صفاته العظمى , ولكن المنطق القراني هنا فصيح بان الله نفخ فيه من روحه , والمعنى هنا ناخذه على ظاهره بان الله وهب لادم الحياة التي هي ملك لله ومن مقدراته التي لا يقدر عليها احد , اما كيف نفخ فيه تلك الروح لان العملية هنا مباشرة ؟ . فذلك شان لم يخبر عنه القران, لكنه اكد على حقيقته “”ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا”" الاسراء 85 ,
ان العلم الذي بين ايدينا لا يؤهلنا لاسكناه الامر , اما الارواح الباقية التي زرعها الله في البشرية , فكانت مسبوقة بالحمل وظلمات البطن حتى يبعث الله فيه الحياة , وهذا يعني ان الخلق الاول مختلف عن باقي الخلق , هو اقرب منه الى عالم الغيب من عالم الشهادة , ولا ننسى في هذا المشهد الغيبي , مشهد الخلق , ان صورة ادم لم تعهدها الملائكة , لكنها تعلم فقط انه سيفيد في الارض , ان طلب الله من النلائكة السجود لادم له وقت معلوم , فعندما يخلق الله البشر الاول باعجازه من طيف ثم تسري فيه الحياة بامر ربه , على الملائكة ان تسجد لادم كابداع رباني معجز , فضله الله على الملائكة , بان فوض لادم امر القيام في الارض , اعطاه حق الاختيار بان جعله حرا وجعل له عدوا (الشيطان)ثم اعلمه بانه محمي بهدي الله ان هو اتبعه “” فاما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون “” البقرة 38
فاما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى”"طه 123 خلقه واعطاه امكانية الخطا والصواب , وجعل له باب الاقبال عليه (المغفرة) مفتوحا , فجعاه بذلك على قدر كبير من المسؤولية امام ربه ونفسه , وكان لا بد لذلك ان يتجسد في حدث تبدامنه القيم في التباين , اي الانتقال من المرحلة البشرية المحضة الى المرحلة الانسانية . ولا معنى للمرحلة الانسانية في الجنة التي سكنها ادم ان لم يتجسد فيها الامن والخطر والطاعة والمعصية والشهوة والتوبة , لذلك لا يمكن ان تكون جنة علوية كجنات الخلود , التي ياتي دورها بعد العمل لا قبله.. فهذه جنة خاصة تخرج ادم من من الوضع البشري (اصله الطين) الى الوضع الانساني “”انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا”" الانسان 3 والقران هنا عاما يشمل كل انسان ..
فظاهريا نرى الشيطان الذي ينتصر على ادم واخرجه من الجنة, بعد ان رفض املر ربه , وكان الله قادرا على اذابته لما عصى امر السجود , لكنه التسخير الالهي في معادلة الخير والشر , ولا بد من سبب للامتحان , وينتصر الله لادم بان يقبل توبته ويعطيه المجال ليعمر الارض ويثبت من ياتي بعده اما احقيته بالاستخلاف او احقيته بولاية الشيطان, ولكن كما انتصر ادم في النهاية فان الانسان على الارض منتصر , بعد ان يعم الفساد ياتي الصلاح والخير يعمه لان الله اراد تكريم بني ادم بهبوطهم الى الارض “” ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “” الاسراء 70 ..فالله لم يامر ادم بالهبوط الى الارض غاضبا عليه ولكن بعد ان قبل توبته
ولا معنى للوجود المستديم لادم وحواء في تلك الجنة , بل انهما خلقا للارض , والسبب المنتج للامتحان حتمية الهية فيها ارادة ربانية وعدالة الهية تجعل لكل شيئ سببا ..
والسؤال الملح كيف يكون ادم نبيا وعصيا ؟؟..
لا بد هنا من الحديث عن مفهوم المعصية في كتاب الله , ما المقصود منها ؟ وما معنى ان تكون هذه المعصية الاولى في مدونة الاخلاق الانسانية؟ هل هي مثل لكل معصية ام هي تمثيل للعدالة الالهية؟ ما معنى اقتران ارتكاب تلك المعصية بالقرب من الشجرة ؟ هل هي شجرة في ذاتها ؟ ام هي تقريب للصورة ام هي رمز لمدلول اعمق؟كيف نستخلص كل ذلك من كتاب الله في وضوح ويسر ؟؟
ما يلاحظ في النص القراني الواضح ان الامر الالهي بعدم الاقتراب من الشجرة المحرمة لادم وحواء “”ولا تقربا هذه الشجرة “” البقرة 35 بعد السماح لهما بالسكن في الجنة, كان امرا بعد الخلق في العالم الغيبي
امرا قريبا , ان الاشارة كانت في موقعين ” هذه الشجرة” دون تقريب صورة الجنة بل ان الشجرة قريبة “هذه” والمعنى ان تلك الشجرة غيبية علوية , وان ياتي خطاب اخر في صيغة اللوم بعد هبوط ادم وحواء ومن معهما الى الارض “” الم انهكما عن تلكما الشجرة “” الاعراف 22 لانهما اصبحا بعيدين عنها , فليس من الضرورة بمكان ان يكون هناك تلازم بين العيش في الجنة والاكل من الشجرة , بل ان هذه الشجرة على حرمتها كانت ابعد من الجنة لذلك جاءت غواية الشيطان “” وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين “”الاعراف20
لان الشجرة في مكان خالد, تفترض الخلود , وهي قطعا ليست بمفهوم الشجرة الفيزيائي كقوله تعالى عن شجرة الزقوم “” طلعها كانه رؤوس الشياطين “” الصافات 65 وهي في الجحيم في عالم الغيب , واستعمال التشبيه كانه رؤوس الشياطين تقريب للصورة كقوله تعالى :”" الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء “” ابراهيم 24
“ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار “
ابراهيم 26 .
وبعيدا عن العالم الفيزيائي فهناك ارتباط بين مفهوم الكلمة والشجرة واوجه التشابه في انها نبت يطول ويثمر , كقوله تعالى : “” قتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه “” البقرة 37
ان الكلمة والكلمات لها تطابق شديد من ناحية المعنى بمعنى الشجرة والشجرات . وقوله تعالى : فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه البقرة 36 , دليل على وجود المرحلتين الغير متلازمتين من ناحية المكان , فالزلل بمكان والاخراج بمكان , والعوالم بدات متقاربة , عالم الشجرة وعالم الجنة وعالم الارض , وهذه الشجرة هي سر الله الممتنع ورمز حدوده وقداسته , وهي معنى التماسك في الكلمة والشجرة , وهي قطعا نوره الذي يؤكده بقوله تعالى : “” الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيئ عليم “” النور 35 ..
وهو تمثيل لنور الله وتقريب لصورة مركبة لمشكاة هي فاطمة عليها السلام تحوي مصباحا اولا هو الحسن عليه السلام ومصباحا ثانيا هو الحسين عليه السلام والزجاجة الشفافة التي تعكس النبوة هي الامامة وهي الامام على عليه السلام والكوكب الدري هو الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف , لذلك فالشجرة من خواص الله تعبر عن تواصل نوره , والله يامر ادم عليه السلام ان شرط خلوده في الجنة التي اعدها له بان لا يقرب تلك الشجرة وهو ترميز واختزال من اجل ان يدرك الانسان من بعده ان نور الله هم صفوته من انبياء واوصياء مقربون خاتمهم محمد صلى الله عليه واله وسلم والامام الحجة عجل الله فرجه الشريف .
والمعصية التي ارتكبهاادم ليست عنادا ولا تطاولا ولكنه الاقرار الاول بان الانسان مبني على النقص , ومن النقص النسيان “” ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما “” طه 115 انه ليس نقضا للعهد ولكنه داخل في التركيبة الانسانية ( النسيان)واقرار بها حتى يعلم كل من ياتي بعد ادم , انه قد ينسى ( ولقد قيل ان افة العلم النسيان )..
والمعصية في قصة ادم غير قابلة لكثير من التاويل لان سلم المعاصي كبير فقد حددها الله بصريع الاية (في النسيان) والنسيان لا ارادي , ولكن الانسان مسؤول عند الله لذلك كان العقاب بالهبوط من الجنة وكانت المغفرة سريعة للسبب الانف ذكره , والحقيقة انه ليس عقابا بالمفهوم الجزائي , ذلك ان منه بدات التجربة البشرية الانسانية , فتمتع الانسان بحريته واختياره , وتلك معجزة ادم بان منح للادميين مسؤولية الاختيار , واقرار من النص القراني بامكانية النسيان عند الادميين , والنسيان ليست معصية بالمفهوم البشري ( رفع عن امتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه ) فالخطا وارد والنسيان طبيعي والاكراه خارج ارادة المكره على الشيئ .. ان مسؤولية ادم ليست جزائية , ولكنها طبيعيةمجردة داخلة في الجبلة .. والمعصية والعصمة مخصوصان في قصة الخلق , فالمعصية ليست بالمفهوم الاجرامي , والعصمة ليست في مفهومها المعتاد , فعصمة ادم في ان الله جعل من هذا الخروج عن المطلوب اداة لافتتاح المسيرة البشرية الانسانية في التواجد والقيم والمسؤوليةالتي من اجلها خلق الله ادم . ولا ننسى ان سبب الخلق هو الاستخلاف “”واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة “” البقرة 30 , والاستخلاف يستوجب امتحانا ودارا للامتحان (انظر مبحث الاستخلاف في كتابي : هكذا … فهمت الاسلام ) والاستخلاف درجات بين الخليفة الاول وخلفاء الله على الارض , والمستخلفون المسؤولون عن افعالهم “”انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا “” الانسان 3
والعصمة تجسيد لمعنى الخليفة الممثل للكمال البشري انبياءا واوصياءا لكن عند الحديث عن النبي ادم عليه السلام فيجب اخذ الاعتبار بان ادم يمثل من ناحية البشر الاول والانسان الاول المبني على النقص “” اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء “” البقرة 30, ومن ناحية اخرى يمثل المثال الانساني الكامل على الارض “” اني اعلم ما لا تعلمون “”وفي قوله تعالى : “” وعلم ادم الاسماء كلها “” البقرة31 وضع فيه كل العلامات التي سوف تاتي من نسلهم لمواصلة القوامة على الارض , فادم هو الفاصل والمحدد والمحدث للامر الفاصل في اصطفائه “” ان الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين= ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم “” ال عمران 33 و 34 وبين درجة الاستخلاف التي هي دون ذلك , وهو المعنى الذي يسري على كل البشر من الخليقة في مسؤوليته امام الله عن افعاله واحترامه لتفضيل الله له عن كل مخلوقاته “”الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب “” الشورى 13
فالانتقاء الالهي الصرف بدا قبل ادم , لكن بصيغته الغيبية وانتهى مع ادم بالربط بين عالم الانتقال في الغيب الى ادخال هذا الانتقاء في تجربة عالم الشهادة , فعاش المجتبى مع من اناب ومن لم ينيب وهذا علم الله وعدله ان جعل ادم مرحلة الوصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة في بدايته البداية العظيمة.
بصريح الايات لقد اقدم ادم على معصية , ووقع في الغواية , لكن طبيعة المعصية والغواية وطبيعة ادم تختلف في الزمان والمكان والمسؤولية عما نحكم به نحن الان في هذه اللحظة فادم اول منتج للقيم بسلبيها وايجابيها , فلم يقدم على ما اقدم عليه بوصفه بشرا ناقصا ولا بوصفه نبيا كاملا , الكمال الانساني , لقد اقدم على ذلك بكونه منفذ لصنع القيم على الارض وبوصفه نقطة البداية لانبعاث الحياة الانسانية , فادم لم يرسل مثل الانبياء الى قوم او اقوام , انه مرسل الى قيم تتاسس عليها الحياة , لقد اقترن ذكر ادم ومن بعده بقضية الخلق والجنة والنار والمعصية والتوبة والابتلاء والصراع مع الشيطان , كل هذه المعطيات مجتمعة تلخيص لمعجزة ادم على اعتبار انه لكل نبي معجزة وكتاب او صحف او بيان , ورسالة ادم هي التاسيس للعالم الذي اراده الله فهو نبي دون الانبياء (ابو الانبياء) وانسان دون الانسيين , فلا تتصور ان الحياة الاولى في تركيبتها على الارض هي ذاتها , فالانسان اكتشف اسرارها وطوعها بالتدرج ..
يقول البعض من الناس لو ان ادم لم يعص ربه لبقي الانسان سعيدا في عالمه بقدرة قدير , ولنفترض جدلا ان ادم لم يعص ربه , عند ذلك سيكون هو فقط في تلك المنزلة ..حيث ان وجود باقي الخلق تم بعد الهبوط الى الارض , فادم في عالم الغيب من طبيعة معينة , ووجوده في الجنة من طبيعة اخرى ووجوده على الارض طبيعة ثالثة , اي انه كائن متطور , فمثلا لانتقاله من عالم الغيب الى عالم الجنة , ما بين عالم الغيب والارض جعل الله له زوجا , واستعمال لفظ الزوج هنا من دون التسمية تدليل على ان الوجود الارضي يستوجب ثنائية العنصر لصنع التوازن والتفاعل وهو سنة الوجود عند الله “” ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا “” فاطر 43 فالتضارب والتباين معنى كبير من معاني الحياة واستمرارها , مثل اختلاف الليل والنهار والسالب والموجب والخير والشر .
ان هبوط ادم وحواء ومن معهم الى الارض بامر من الله هو اختيار من ادم وارادة مشتركة وقدر الله في تقدير الحياة وايجادها.
يتجسد هذا التمازج الفريد العجيب في قصة الخلق والتكليف لانه النبي الاول للقيم الانسانية , وهي المعاني الاولى التي لم تكن من قبل وهو الاحساس الاولبالذنب والاحساس الاول بالرحمة والحب والكره (هابيل وقابيل ) وهي البدايات الاولى للصراعات بين الانسان والشيطان والانسان وذاته “” فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله “” المائدة 30
والخر , وعلاقته بالطبيعة ومكوناتها “”فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سواة اخيه قال يا ويلتا اعجزت ان اكون مثل هذا الغراب فاواري سواة اخي فاصبح من النادمين “”المائدة 31
ليتعلم كيف يواري جثمان اخيه , انها الصورة الاولى الخاصة والمحضة التي ستتفرع عنها باقي الصور , والبداية هي مدار للمسيرة والمصير لذلك فعمق مدلولاتها لا تنضب .
والله اعلم بخلقه .. والصلاة والسلام على محمد واله
الباحث والمفكر التونسي
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22726
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29