• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : حتى نكون جُملة مفيدة في نص الحضارة .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

حتى نكون جُملة مفيدة في نص الحضارة

من أغراض التدبر من منطلقات الإيمان بعقيدة التوحيد وحتى من منطلقاتٍ لادينية أن يوجد المرء التوازن بين الروح والمادة، وبين والجسم والعقل، لغاية تحقيق السعادة. ولاحظتُ أنّ للتجربة الإيمانية ما تُفيد به غير المؤمن وغير الممارِس للدين فضلا عن كونها مفيدة للمؤمن.
 لاحظتُ من خلال تجربتي في الصلاة مثلا، أنك لمّا تنتهي من إقامة وجهك لله من المفترض أن تكون أنجزتَ اغتسالا لعقلك ولروحك بما يكفي لتحيين ذاتك، بما فيها ذاكرتك. لكن للأسف، إذا أنت أمعنتَ النظر في الذاكرة عند المسلمين اليوم ستعاين أنها تستحضر ما لا يستحق التذكر، وتغفل عن مواضيع التذكر. لذا ، أفترض أنّ الجانب الدنيوي من آثار الصلاة مفقود بخصوص مشكلة مثل هذه، من بين مشكلات عديدة أخرى. والعلاج المقترح : العبادة بغير صلاة؛ وهو عمل ينطوي، إذا طرحنا وجه التعبّد فيه جدلا وحقيقة، على أبعاد يشترك فيها غير المتعبّد مع المتعبّد.
وإذا حصل اتفاق حول المنهج الذي يُحبَّذ أن تُعالج به مشكلة الذاكرة والتذكر، من بين مشكلات عديدة أخرى، يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كانت المسألة متعلقة بالنسيان أم بشيء آخر. وعلى أية حال أعتقد أنّها مُدرجة في السلّم الصحي الوجودي للمؤمن كما لغير المؤمن، وأنّ هذا الإدراج يجعلنا نفترض النبش في ميدان يضاهي في قوته وفي نفوذه مجال الدين؛ ألا وهو مجال اللغة عرضتُ وشرحتُ في سابق الدراسات (*).
لنبدأ بالدين ونقول إنّ الوضعية الموصوفة ظاهريا بسوء التذكر غير سليمة إلى درجة اختلالها يجعل  صورة الإنسان فيها أشبه ما تكون بآية مُحرّفة، لا سمح الله. فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وصَوره في أحسن تقويم، إذن لا يجوز لا دينيا ولا وُجوديا أن يذعن هذا الإنسان اليوم لتحريف آية الخلق هذه، ناهيك أنّ صحة الفرد لازمة لاستدامة صحة الجماعة. وكما جاء في الحديث "مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (صحيح مسلم).
وإذا اكتفينا بهذا القدر من المناولة الدينية وتطرقنا إلى المسألة من الزاوية الوجودية، ومن باب أحرى اللغوية، نرى أنّ صورة الإنسان في الوضعية المختلة الموصوفة أشبه ما تكون بـ"جُملة" لا تضطلع بدورها كما ينبغي لكي يكون "نص" المجتمع سليما. ومن دلالات الاختلال في هذه الجملة أنها مبتورة من "الفاعل" تارة ومن "الفعل" طورا، أومن "المبتدأ" تارة ومن "الخبر" طورا. وهي جملة لا معنى لها في جُل الحالات.
إنّ المواطن في المجتمع العربي الإسلامي اليوم جملة مبتورة الفاعل لأنه، رغم وجوده المادي، لا يمسك بناصية القرار بل يحبّذ النقل على العقل في ما لا نقل فيه. وهو جملة منقوصة من الفعل لأنّ عندما يغيب المسك بالقرار لا يكون للفعل فعالية ولو وُجد هذا الفعل. وهو جملة مصابة بالشح في الخبر لأنّ المبتدأ يعبر عن رغبة في تطبيق الدين بينما لا يملك منهاجا ذاتيا يُرسيه على المسلك المجتمعي الدنيوي؛ ولأنه مسكون بشاغل مثل حرية التعبير بينما لا يُربي نفسه على ماذا عساه يقول، جاهلا أن محتوى القول ينشأ من الحرمان من القول قبل أن يتحوّل إلى مفتاح لحرية تبليغ القول؛ ولأنه ينادي بالديمقراطية بينما هو ليس ديمقراطيا، وإن كان ديمقراطيا فلأنه يريد الظهور بمظهر المستنكر للدين أو المنسلخ عنه أو فاصل الدين عن المجتمع، ولم يتوصل بعدُ إلى التصريح الوفي بأنه ديمقراطي لأنه مسلم. أمّا عن غير المسلم الذي ينتمي إلى المجتمع المسلم فأتساءل إن لَم يحن بعدُ وقت تبليغه معنى آخر للديمقراطية غير المعنى الموغل في الشكل والمقلد للمجتمع الغربي.
إذن، لئن كنّا اليوم جملة غير مفيدة بالمعنى المجازي، فجُملتنا بالمعنى الحَرفيّ أيضا ليست مفيدة هي الأخرى. بل الأحرى القول إنّ جانبًا من السبب في أنّ كلامنا وكتابتنا وقراءتنا غير سليمة اليوم أننا مواطنون غير مفيدين بَعدُ، لا في البوتقة الأهلية ولا في البوتقة الكونية. وما من شك في أنّ استمرارنا على هاته الحالة اللغوية الرديئة ينعكس سلبا على حالتنا الوجودية فتزيدها ضلالا. وما من شك في أنّ العكس صحيح أيضا.
 وفي ضوء التبادل بين السبب والنتيجة أقترح أن يكون الحل أيضا تبادليا: العبادة بفضل الصلاة وسائر الأركان دعامة للعبادة بفضل السلوك العام والسلوك في الكلام. والعبادة بفضل السلوك الكلامي لها الفضل في أن تكون لا فقط تتمة للعبادة بفضل الأركان الخمسة (إذ إنّ حسن الكلام من الإيمان)، بل أيضا طريقا لبلوغ التوحيد لدى من لا يمارسون العبادة. والتوحيد مركز الجاذبية لسعادة الجميع.
محمد الحمّار
 
 (*) نظرا لأني شرعت بعون الله في إنجاز سلسة جديدة تبسيطية ("حتى نكون جملة مفيدة في نص الحضارة" أُولاها)، رأيت من المفيد أن لا أورد فيها كثيرا من الدعوم لتحاشي التكرار ولتعميم الفائدة. لذا أقترح على القارئ الكريم الذي يرغب في المزيد من الإطلاع، كلما اقتضت الحاجة، مختارات من الأدبيات التأسيسية للفكرة العامة ("الاجتهاد الثالث: الكلام إسلام").
مختارات بيبليوغرافية للكاتب:
(بتسلسل من الأقدم إلى الأحدث؛ وهي دراسات منشورة على الانترنت على عديد المواقع)
- "الإسلام، مثل العربية، لغة لا يتقنها متكلموها"                                                
    - "الإسلام لغة لن نستطيع تبليغها مُجدّدا إلاّ بالعلم"                                                  
- "الحل اللغوي للتطبيع التاريخي ولتوسيع علاقات الإسلام مع العالم"/ "هل يكمن الحل في اللغة؟"/ "نحن نعيش ما بعد الإسلام والحل اللغوي صمام الأمان"
- "اللغة منهاج لتصحيح التدين وتوحيد السلوك الاجتماعي"                                    
- "بيانات حول منهاج "اللغة عبادة" (التناظر والتطابق)"
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2241
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28