• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الدستور والنظام البرلماني, هل حقق طموحات العراقيين؟ .
                          • الكاتب : كريم السيد .

الدستور والنظام البرلماني, هل حقق طموحات العراقيين؟

بضع اشهر وننهي عقدنا الاول في عراقنا الجديد, العراق الذي تخلص اخيرا من حكم الفرد والعائلة والال, واصبح مفتوحا على مصراعيه امام الجميع ; القاسطين والقانتين والمارقين والسارقين والفاسدين والملحدين والثائرين والركع السجود!

كان الشعب مُستأجرا لهذا الوطن, قيده المُؤجر (الحاكم) بشروط عقديه تعسفيه, فكان العراق ملكا صرفا للقائد الضرورة وبطل الثورة المجيدة, فكل شيء له وحده, نعم وحده, نهر صدام , جسر صدام , حي صدام , جامعة صدام , فدائيو صدام , مدينة صدام وميلاد صدام وحتى دين صدام! وكل شيء كان صدام في صدام ولا شيء غير صدام,

النظام الديكتاتوري كان نظاما رئاسيا وكانت السلطات تجتمع عند عقل القائد وتحت عباءة الثورة ومحكمة الثورة ومجلس قيادة الثورة ولا عنوان لشيء اسمة الدستور ولو سالت اي عراقي عند الدستور آنذاك لقال لك: هو احنا عرفنا البمبش حتى نعرف الدستور!

الدستور, نستطيع القول ان العراق الجديد انطلق من تلك الفعالية التاريخيه والجديدة على العراق حكاما ومحكومين, منذ تاريخ استفتاء الشعب على دستور جمهورية العراق في العام 2005, باعتبار ان حكومة الحاكم المدني الامريكي والحكومات الانتقالية لم تك وليدة ارادة شعبيه باختيار العراقيين انفسهم,

الدستور وثيقة عليا للبلاد تسمو على كل الانظمة والقوانين والاتفاقات تبين شكل الدولة و نظام الحكم والسلطات والحقوق والحريات العامة للأفراد وطريقة ادارة الدولة, والدستور هو المرجع والفيصل لكل اختلاف وانحراف عن الخط الذي يرسمه مسبقا لإدارة الدولة,

ولادة دستورنا كانت ولادة قيصرية شاقة, كان المهم فيها حياة الوليد بغض النظر من الامراض والتشوهات الخلقية, فلا وجود الا بحياة الجنين, فراهن السياسيون والمتطلعون وبعض المثقفون على اقرار الدستور وولادة الدولة معا, ولكن الوليد لازم امراضا وتشوهات ما زالت مذ ولادته حتى عقد الاول الذي سيحل قريبا, أفما ان الوقت لكي يعالج؟

نعم, ان مشكلة العراقيين بدأت عند الحل الذي اختاروه بأيديهم, فثغرات الدستور لازالت تربك هذه العملية يوما بعد اخر ونقاط ضعفه كثيره اهمها على الاطلاق مسالة شكل الحكم و النظام المتبع,

 تنص المادة (1) من الدستور العراقي على الاتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ،  وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق),

ان النظام الديمقراطي البرلماني نظام حكم ممتاز ولد من رحم عذابات الشعوب ونضالها من اجل الحرية والعدالة و تنهجه الكثير من الدول في سبيل الوصول لمراميها واهدافها خصوصا ذات التعددية القومية والدينية والسياسية و بوجود شعب واع مدرك للأحداث ووجود نخب سياسيه محنكه قادره على كسب ثقة الناخبين من خلال مصداقية الفعل والعمل, ومثالها الحي المملكة المتحدة ,

ان هذا النظام لا يتلاءم والواقع العراقي ذو الطبيعة الخاصة والشعب العراقي الذي لا يملك خبرة واسعة بهكذا تجربة, فالعراقي لم يشهد صندوقا انتخابيا او تنافس سياسي ومساواة واحقية في التمثيل منذ ان عَرف انه شعب العراق العظيم!

العراق تخلص من ويلات صدام حسين ضانا انه تخلص من النظام الرئاسي الجائر والديكتاتوري ولكن الحقيقة ان صدام لم يكن لينتهج نظاما رئاسيا واقعيا كما هو متبع في الولايات المتحدة مثلا, حتى نحكم ان النظام الرئاسي لا يلائم العراق كنظام حكم,

المتخوفون من النظام الرئاسي مجمعون على انه يخلق ديكتاتوريه جديده, وان المؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!, هذا الراي مقبول في حدود التنظير السياسي اما الواقع فليس كذلك, والدليل على ذلك حصول رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي على (622.961) وحصول إياد علاوي (407.537) في دائرتهما الانتخابية ببغداد،  و أسامة النجيفي ثالثا بـ (244,000 ), وهذا يعطينا مؤشرا مهما مفاده ان اتجاه الناخب العراقي شخصي وليس موضوعي والسبب يعود للطبيعة الاجتماعية العراقية وفق رؤى الانتماء العرقي والقومي والديني, الواقع ان الامة العربية والاسلامية والعراقية تحديدا امة تهتم بالشخص قبل المضمون,

ان تجربتنا مع النظام الديموقراطي خلفت لنا تناحرات وتجاذبات سياسيه اشغلت السياسي العراقي عن القيام بواجبه الفعلي المتمثل بتقديم الخدمات والرقي الاقتصادي, كما ان الحكومات التنفيذية التي انبثقت عن هذا النظام كانت حكومات محاصصة سياسية والتي لا نراها تخدم الواقع العراقي الذي تعطش للإعمار والنهوض بعد حرمان دام لسنين,

رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء) مجبرا على تقديم التنازلات لاجراء التسويات بتشكيل الحكومة والتي ستجعل من الوزارات ملكا صرفا ودولات لكتل التي ستتسنم منصبها واستحقاقها وبهذا فأننا سنشق طريقا سالكا لوجه من وجود الفساد الاداري والمالي,

ان المسؤولية تجاه تردي الخدمات والمطالب الشعبية تحمل لرئيس الوزراء وحده, في حين اننا نجد ان الحكومة ليست حكومة اغلبيه سياسيه, بل انها خليط من الكتل الفائزة وبهذا فان الجميع سيتحمل المسؤولية , وهنا سيبدأ اشكال جديد, لان المسؤولية الجماعية لا يمكنها ان تعالج خراب مالطه! و الكتل ستتقاذف بالفشل فيما بينها وهو امر لا يخدم المواطن اولا واخيرا, كما ستكون هنالك حاله من المصالح المتبادل وتشاهر اسلحة الفساد بالمساومات والتهديدات بين الكتل, فأما ان تسكت جميعا واما ان تعلن الحرب الاعلامية الباردة بينها,

ان النظام الرئاسي يسند المسؤولية للجهة التنفيذية المتمثلة برئيس الجمهورية ما يجعله يكون امام المطالب الشعبية, مقيدا بمجلس نيابي تشريعي ممثل بجميع طيف الشعب وهذا ما نجده يتماشى والشارع العراقي, كما ان البرلمان سيكون مهمته مراقبة الحكومة ومحاسبتها عن أي تقصير وستكون فرصه رئيس الحكومة بالمحاسبة والتغيير اكبر من ضغط الكتل السياسية وبإمكان الرئيس اختيار الشخصيات الوطنية والكفؤة بدلا من الشخصيات المفروضة سياسيا او لنقل (محاصصة) وهو الاقرب للواقع عقلا ومنطقا,

الخلاصة: النظام البرلماني المتبع حاليا في العراق نظام لا يتلاءم والطبيعة العراقية التعددية والاجتماعية والسياسية واستمراره سيزيد فجوته يوما بعد اخر, وبقاء هذا النظام لا يخدم القيام بدولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات وسيكون رئيس الوزراء مقيدا بما تملية ارادة الكتل السياسية لا ارادة الشعب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=21437
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19